الأحد، 3 مارس 2013

الحادية عشرة ، المواجهة والحقائق الغائبة




سلسلة (استخراج الحق من بحور البهتان ، فيما يقال عن الثورة على عثمان)
جمع وترتيب
الشيخ أحمد جمعة
 
الحلقة الحادية عشرة
المواجهـة والحقائق الغائبة

وبعد نقل ردود أهل العلم على اتهامات الثوار الكاذبين الأفاقين أردت أن أكتفي بهذا النقل ومن أراد المتابعة لما حدث بعد ذلك فليراجع المراجع التي تم النقل منها وسيتم ذكر أسمائها ... ولكن نصيحة الفاضل خير من فكر المفضول فقد أشار أخي المهندس معتز بأن يتم نقل ما حدث بعد ليتم الحديث إلى مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه فالله المستعان ..

في أواخر شوال وأوائل ذي القعدة من سنة 35 هـ . وهذا كان بداية توقيت الخروج الحج جمع الثوار المتمردون
أنفسهم من البصرة والكوفة ومصر وتوجهوا إلى المدينة المنورة لإحداث فتنة عظيمة وأظهروا أنهم يريدون عرض الشبهات السابق ذكرها على عثمان رضي الله عنه شخصياً ومناقشته فيها وأعلنوا أيضًا أنهم ذاهبون للحجّ.
خرج من (البصرة والكوفة ومصر ) الثوار الكاذبون في وقت واحد .. بترتيب دقيق وتحت إمرة عسكرية مستترة ... وكان خروجهم على الترتيب الآتي :
( 1 ) ثوار البصرة ينقسمون لأربع فرق أميرهم العام حرقوص بن زهير السعدي وقائد الفرقة الأولى حكيم بن جبلّة والثانية بشر بن شريح والثالثة ذريح بن عباد والرابعة ابن المحرك الحنفي وكان عددهم ما بين الستمائة والألف.
( 2 ) ثوار الكوفة ينقسمون لأربع فرق أميرهم العام عمرو بن الأصم وقائد الفرقة الأولى الأشتر النخعي والثانية زيد بن صوحان والثالثة زياد بن النضر الحارثي والرابعة عبد الله بن الأصم وكان عددهم ما بين الستمائة والألف.
( 3 ) ثوار مصر ينقسمون لأربع فرق أميرهم العام الغافقي بن حرب العكي وقائد الفرقة الأولى عبد الرحمن بن عديس والثانية كنانة بن بشر والثالثة سودان بن حمران والرابعة قطيرة السكوني وكان عددهم أيضًا ما بين الستمائة والألف.

فكان عدد الثوار المتمردين يتراوح ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف توجهوا جميعاً المدينة بنية الحج ولا أحد يعلم النيات الخبيثة التي خرجوا من أجلها إلا عبد الله بن أبي سرح والي عثمان رضي الله عنه على الذي أرسل مسرعاً إلى عثمان رضي الله عنه يخبره بأن المتمردين قد تحركوا من مصر إلى المدينة لا ينوون حجًا وإنما ينوون الفتنة ولكن الرسالة قد وصلت متأخرة إلى حد ما كما أرسل له رسالة أخرى يخبره أنه سيوافيه بقوة من مصر.
والتقى المتمردون قريباً من المدينة وعسكروا هناك وأمروا عليهم جميعاً الغافقي بن حرب العكي .  وكان عبد الله بن سبأ موجودًا في الفرق التي خرجت من مصر لكنه لم يعلن عن اسمه.

واتفقوا جميعاً على عزل عثمان بن عفان رضي الله عنه ولكن اختلفوا في مَنْ سيخلفه فكان أهل مصر يريدون تولية علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولا ننسى أن عبد الله بن سبأ اليهودي قد أشاع فيهم أن عليًا هو وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه أولى بالخلافة..

وكان أهل الكوفة يريدون تولية الزبير بن العوام رضي الله عنه فقد كان أميرهم فترة من الفترات .
وأهل البصرة يريدون تولية طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه لأنه كان أميرًا عليهم أيضًا فترة من الفترات.
ووصلوا إلى المدينة وعلم المسلمون أنهم قد قدموا بهذا النية الخبيثة ، وأرسل عثمان رضي الله عنه إلى كل فرقة من هذه الفرق من يطلبونه أن يكون أميرًا عليهم ليكلم محبيه ويحاججهم.

فخرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى القادمين من مصر ولما التقي بهم على بعد أميال قليلة رحبوا به واستقلبوه على أنه الأمير ولكنه رضي الله عنه عنفهم وشتمهم وسبهم وقال لهم: لقد علم الصالحون أنكم ملعنون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فارجعوا لا صبّحكم الله.
وخرج طلحة رضي الله عنه لأهل البصرة وقال لهم مثل مقولة علي رضي الله عنه .
وخرج الزبيرُ بن العوام رضي الله عنه لأهل الكوفة وقال لهم مثل مقولة علي رضي الله عنه.

وطلب المتمردون من (علي وطلحة والزبير) رضي الله عنهم جميعًا أن يقابلوا عثمان رضي الله عنه ليعرضوا ما عندهم من أمور يأخذونها عليه فدخلوا المدينة المنورة والتقوا مع عثمان بن عفان رضي الله عنه فقالوا له: افتح المصحف اقرأ التاسعة ( أي سورة يونس على مصحف عبد الله بن مسعود) فبدأ عثمان رضي الله عنه يقرأ من سورة يونس ولقد كان يحفظ القرآن ويستظهره حتى وصل إلى قول الله تعالى: [آَللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ] {يونس:59}.
فقالوا: قف. ثم قالوا : أرأيت ما حميت من الحمى آلله أذن لك أم على الله افتريت؟
فقال لهم رضي الله عنه: هذه الآية لم تنزل في ذلك وإنما نزلت في المشركين وقد حمى عمر الحمى وزادت الإبل فزدت في الحمى.
ثم أخذوا يعدّون شبهاتهم وهو يردّ عليهم وهو ظاهر عليهم وقد أفحمهم بالردّ ولا يتكلمون بعد أن يرد وبعد أن انتهوا . قال لهم: ماذا تريدون؟
قالوا: المنفيّ يعود والمحروم يُعطى وتستَعمل ذوي الأمانة والقوة وأن تعدل في القسمة.
ومع أنه لا يوجد محروم ولا منفي إلا أنه رضي الله عنه وافقهم على ما قالوا وكتب ذلك في كتابٍ ... ثم زاد المصريون طلباً آخر فقالوا له: وأن تعزل عبد الله بن سعد بن أبي سرح وتولِّي محمد بن أبي بكر. فاستجاب عثمان رضي الله عنه لذلك أيضًا وكتب لهم كتابًا بذلك وشرط عليهم ألا يشقوا له عصا ولا يفرقوا جماعة المسلمين وأعطوه عهدًا بذلك وخرجوا من المدينة راضين.
وبات المسلمون في المدينة في هذه الليلة سعداء ظانين أن الفتنة قد خمدت ....
وخرج الثوار المارقون راجعين إلى بلادهم ولم يبق في المدينة منهم سوى اثنين الأشتر النخعي وحكيم بن جبلة !!!!
وبينما المصريون في طريق عودتهم إذا راكب على ناقة يتعرض لهم ثم يفارقهم ثم يتعرض لهم ثم يفارقهم مرارًا فشكّ القوم في أمره وأمسكوا به وقالوا له: من أنت؟
فقال لهم: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر.
(من الواضح أن هذا الرجل يقصد شيئًا من موقفه هذا يتعرض لهم ويفارقهم مرارًا )
ففتشوه فوجدوا معه رسالة فيها أمر من عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى عامله بمصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح بقتل بعض أهل الفتنة وسمّاهم له وصلْب بعضهم وتقطيع أطراف بعضهم، وقتل محمد بن أبي بكر الصديق !!!!.
والكلام مختوم بخاتم عثمان بن عفان رضي الله عنه فلما قرأه القوم ثارت ثائرتهم وبدءوا يرجعون إلى المدينة المنورة مرة أخرى وكان هذا في منتصف ذي القعدة سنة 35 هـ
وفي طريق رجوعهم إلى المدينة جاءتهم رسالة أخرى من علي بن أبي طالب يأمرهم بالقدوم إلى المدينة.
وتعجب المسلمون من عودتة المتمردين مرة أخرى بعد كانوا في طريقهم إلى بلادهم فخرج إليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال المتمردون: ألم تر إلى عدو الله - يقصدون عثمان رضي الله عنه وأرضاه - كتب فينا كذا وكذا- وأروه الكتاب - وقد أحلّ الله دمه فقم معنا إليه.
فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: والله لا أقوم معكم إلى هذا.
فقالوا له: فلِمَ كتبت إلينا؟
فقال: والله ما كتبت إليكم شيئًا.
فنظر بعضهم إلى بعض ( وهذا دليل على أن بعض المتمردين يُضلّل بهم ولا يعرفون كيف تُدبر الأمور وأن هناك من يكتب الخطابات ويوقعها بأسماء الصحابة مما يشعل الفتنة )
كما أن الأحداث تدل على أن عليًا رضي الله عنه كان ضد المتمردين دائمًا فقد خرج إليهم أول ما قدموا ثم خرج إليهم مرة أخرى عندما عادوا وشتمهم وسبهم وحاول إخراجهم من المدينة وعند الشيعة الروافض تشير رواياتهم المكذوبة أن عليًا رضي الله عنه كان ينقم على عثمان رضي الله عنه في بعض الأمور فتركه ولم يدافع عنه ولم يَدْفع عنه المتمردين وهذا طعن في عثمان وعلي رضي الله عنهما .

وبينما هم يتناقشون مع علي رضي الله عنه في أمر هذا الخطاب الغريب إذا بوفود الكوفة والبصرة تدخل المدينة !!!!!! فخرج إليهم مجموعة من الصحابة وقالوا لهم: ما أرجعكم بعد ذهابكم؟  فقالوا: جئنا لنصرة إخواننا المصريين .
فقال لهم علي بن أبي طالب: كيف علمتم بما حدث لأهل مصر وأنتم على بعد مراحل منهم، ثم طويتم نحونا؟ هذا والله أمر دُبّر بالمدينة.
وكأنه رضي الله عنه يشير إلى بقاء الأشتر النخعي وحكيم بن جبلة وأنهما اللذَيْن كتبا هذه الخطابات.
وفي هذا الوقت يريد الصحابة التيقن من أمر هذا الخطاب الذي هو مختوم بخاتم عثمان رضي الله عنه فذهبوا بالمتمردين إلى عثمان رضي الله عنه وأروه الخطاب.
فقال لهم رضي الله عنه: ائتوني ببينة على ذلك والله ما كتبت ولا أمليت ولا دريت بشيءٍ من ذلك والخاتم قد يُزوّر على الخاتم.
فقال بعضهم: إذن كتبه مروان ( هكذا تُرمى التهم بلا بينة ولا دليل ؟!!) وأرادوا تسليم مروان بن الحكم إليهم فخشي عثمان رضي الله عنه إن سلّمهم مروان أن يقتلوه فرفض رضي الله عنه تسليمه إليهم فصدقه بعض الناس وكذبه آخرون.
واستمرّ هذا الحوار أيامًا بين عثمان رضي الله عنه وبين المتمردين وأعلن المتمردون أن من كفّ يده فهو آمن.
وكما علمنا أن أقل تقدير لعدد الثوار  ألفين وعدد الموجودين من الصحابة في المدينة سبعمائة وليس في المدينة جيش للدفاع عنها ( كانت معظم الجيوش الإسلامية في أطراف الدولة في فارس والروم وإفريقية ولا توجد قوات أمن مخصصة في المدينة لأن الناس يأمنون على أنفسهم كما يقول الحسن البصري: ولا يلقى مؤمن مؤمنًا إلا وهو أخوه . وأيضاً الكثير من المسلمين في المدينة قد خرجوا لأداء الحج وخرج عبد الله بن عباس بعد أن استاذن عثمان رضي الله عنهم جميعًا في الخروج للحج وأذن له لكنه انتظر أيامًا ليرى ما يحدث وخرج للحج كذلك السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
إلى هذا الوقت وعثمان رضي الله عنه خليفة المسلمين والجميع يصلّى خلفه من المهاجرين والأنصار والمتمردين أيضًا حتى كان يوم جمعة فقام عثمان رضي الله عنه وخطب الناس وبعد الصلاة صعد على المنبر مرة أخرى وقال: ...
ماذا قال أمير المؤمنين وكيف اشتد الحصار في الحلقة المقبلة إن شاء الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق