الخميس، 12 يناير 2012

حركة 6 "إبليس" ، تمرين مشهور



حركة 6 "إبليس" ، تمرين مشهور
معتـز عبد الرحمن


   بدون الدخول في مقدمات ، هذا المقال لا يستهدف الحديث فقط عن حركة 6 إبريل الشهيرة بحركة "6 إبليس" ، ولكنه يسير على نسق كتب الرياضيات في المرحلة الإعدادية عندما كانت تذكر القاعدة أوالنظرية ثم تذكر بعدها "تمرين مشهور" كنوع من التطبيق للنظرية لا لحصرها فقط على هذا المثال ، في كلماتي التالية سنناقش عدة قواعد ونظريات يجب أن يتمسك بها الإنسان لا سيما المسلم أثناء تعامله مع الآخرين سواء كانوا جماعات أو حركات أو أفراد.
القاعدة الأولى: دولة القانون (البينة على من أدعى):
انفجار الخلافات الفكرية وتصادم وجهات النظر في مجتمع ظل مغلقا لعقود طويلة ليصحو فجأة على حرية شبه مطلقة أمر طبيعي ، ولكن الظاهرة الأسوأ التي ظهرت إثر ذلك هي قضية التخوين وتبادل الاتهامات ، والبقاء لصاحب الصوت الأعلى ، والقنوات الأقوى ، في حين أننا تعلمنا من الشرع والقانون قاعدة ذهبية لا ينبغي الحيود عنها قط ألا وهي (البينة على من أدعى واليمين على من أنكر) ، هذه القاعدة يتم الآن تجاهلها بل قلبها تماما فأصبحنا نطالب المدعى عليه ببينة البراءة ، ولا نسأل المدعي عن حجته ودليله ، من كثرة "الزن على الودان" أكاد أصدق أن حركة "6 إبريل" – كمثال - عميلة وخائنة ، ولكني أعود لأجد أن كل المدعين من كآفة الانتماءات لم يقدموا دليلا واحدا ، بل إن السلطة الحاكمة المؤقتة – أول من أدعى – لم تحاكم منهم أحدا حتى الآن محاكمة حقيقية ، فهل هو إدعاء بلا بينة؟ أم أن أجهزتنا الأمنية – لا سمح الله - أعجز من أن تحصل على دليل ؟ وإذا كانت الأجهزة الأمنية بجلالة قدرها وبكثرة أدواتها لا تملك دليلا فمن أين جاء الإعلاميون والكتاب إسلاميون وغير إسلاميين بحجتهم في الهجوم والتشويه؟ هل هم أقوى من الأجهزة الأمنية؟ ولما لم يقدموا أدلتهم للقضاء؟  وإذا كانت هناك أدلة وصلت للقضاء والنيابة من الأمن أو الإعلام فلما لم يحاكموهم حتى الآن ليطهروا مصر من شرورهم؟ وإذا كان اعتراف بعضهم كما يقال بتلقي تدريب هنا وهناك أو تمويل من هنا وهناك أمر يعاقب عليه القانون فلم يتركهم القانون طلقاء ؟ هل نحن في دولة قانون أم دولة فضائيات؟ وهل عقوبة الخيانة العظمى السجن والإعدام أم الاكتفاء بتشويه السمعة؟ سأكون مستمتعا للغاية برؤية أعضاء 6 إبريل وكل متهم من الحركات والجماعات والأفراد وهم يتلقون عقابهم الذي تقرره المحاكمة "العادلة المدنية" بعد ثبوت الأدلة والبراهين ضدهم ، وحتى ذلك الحين فليس من حق أحد أن يدعي على أحد أو أن يشوه أحد أو أن يحدث بكل ما يسمع.
ملحوظة: حتى إذا ثبتت خيانة أي حركة ثورية بالدليل والحجة لا يعني ذلك أن الثورة كانت مؤامرة وخلافه ، لأن إيصال هذا المعنى للشعب هو المقصد من وراء كل هذا الصخب.
القاعدة الثانية: ترتيب الأوراق و (صدقك وهو كذوب):
وهذه القاعدة موجهة بشكل خاص للتيار الإسلامي ، فالاستدلال على نبذ وتخوين الحركات غير الإسلامية – لا سيما 6 إبريل – بسلوكيات وتصرفات أفرادها المخالفة للسلوك الإسلامي يوضح أن هناك خلطا كبيرا للأوراق ، بلا شك أن أي مسلم يؤيد ويطالب بالتطبيق الكامل للشريعة سيكون في صدام فكري تام مع من يرفض هذا الأمر أو حتى يقف منه موقفا سلبيا ويراه أمرا غير مهم ، ولكن يجب أن نفصل تماما بين تقييمنا لإنسان أو فصيل تقييما فكريا إسلاميا وبين تقييمنا له تقييما وطنيا ، فخلافنا الفكري بل والعقدي مع أي طرف لا يعطينا الحق في نفي الوطنية عنه ، ولا يعطينا الحق في تخوينه واتهامه بالعمالة ، فثورة يناير قولا واحدا كانت ثورة شعبية لا ثورة إسلامية ، وقد شاركت فيها كل الأطياف المصرية وقدمت شهداء وجرحى ، الثورة لم يكن فيها فقط من يخالفوننا سلوكيا وفكريا بل منهم من كان يخالفنا عقديا وهم المسيحيون ، فنمدح وطنيتهم ولا نقرهم على ما نخالفهم فيه ، نناظرهم وننتقدهم وننافسهم ونرفض انتخابهم دون تخوينهم أو الجزم بعمالتهم دون دليل ، وفي ظل اختلافنا بل واستيائنا من بعض سلوكيات شباب الثورة المخالفة للسلوك الإسلامي يجب أن نناقش نقطتين:
الأولى: وهي تلخيص لما سبق ألا يدفعنا هذا الاستياء للتعميم ولرفض كل ما يصدر منهم باطل أو حق على سواء ، واستحسان كل ما يقع بهم من أذى سواء كانوا يستحقونه أو لا ، واستحلال تسميتهم بأسماء عجيبة مثل (6 إبليس) والحقيقة وأنا أتأمل في هذا الاسم تذكرت الحديث الموجود في صحيح البخاري (1) وهو حديث طويل معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم كلف صحابيا بحراسة الزكاة  فقبض على لص يحاول السرقة منها فتوسل له أن يتركه لأنه ذو عيال فأشفق عليه وتركه ، وتكرر الأمر ثلاث مرات في ثلاثة أيام وفي الأخيرة قال اللص للصحابي ( دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها ، قلت ما هو ؟ قال : إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي {الله لا إله إلا هو الحي القيوم } . حتى تختم الآية ، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح ، فخليت سبيله فأصبحت ) فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال ) صدقك وهو كذوب ، ذاك شيطان( ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أقر أحد أعوان "إبليس" شخصيا عندما قال كلمة حق ، وقال ما له (صدقك) وما عليه (وهو كذوب) ، فلو فرضنا أن هذه الحركة هي فعلا 6 إبليس فلنكن منصفين في تقييمهم نقول ما لهم وما عليهم ولا نكون متصيدين على طول الخط خاصة أننا أكثر من عانينا ولازلنا نعاني من التصيد والتعميم.
الثانية: تعلمنا من إسلامنا ومن سلفيتنا أن الدعوة إلى الله بالموعظة الحسنة هي مفتاح القلوب وباب الإصلاح ، وأن علينا دوما أن ندعو من يخالفنا لا أن نهاجمه ونستهزئ به ، فنحن من تربينا على القصة الشهيرة التي لا أظن أن سلفيا لا يعلمها والتي صارت علما ونموذجا يستدل به وهي قصة الشيخ محمد حسان في مسجد السيد البدوي عندما ذهب للذين يتوسلون للقبر ويتمسحون به وتحدث مع أحد النساء التي تسأل البدوي الذرية والعياذ بالله ، ثم لم تلبث أن اقتنعت وتابت وخرجت من الضريح إلى غير عودة ، وخرجنا من هذه القصة الشهيرة بأننا ينبغي ألا نحتقر من يخالفنا لأنه ربما يكون أفضل منا ولكنه تنقصه المعلومة والفكرة ،  فأين فكرنا ومنهجنا الدعوي التواصلي مع من يخالفوننا عامة وليس الحركات الثورية فقط؟ لقد حالت حالة القمع والتحجيم والتشويه في مرحلة ما قبل الثورة بين الدعاة والعلماء وبين كثير من هؤلاء الشباب ، فلما زال العائق كان الأولى التواصل والتناصح والدعوة بحب وإخلاص بدلا من الهجوم الكاسح والتشويه بسبب سلوكيات منتشرة في مصر كلها وأصبح بعضها جزءا من ثقافة المجتمع وللأسف ولا يراها الناس عيبا أو انحلالا ، وبالتالي لا يراها بعض الشباب متعارضة مع دوره الوطني والثوري ، كمثال من يهاجم هؤلاء الشباب على "طول لسانهم" أثناء الحديث مع الكبار – وهو أمر مستهجن – يتحدث وكأنه لا يرى الحالة العامة في المجتمع وكيف يتحدث عموم الصغار مع الكبار في البيت والشارع والعمل ، فهؤلاء من تربوا على (مدرسة المشاغبين) و (العيال كبرت) ناهيك عن الأفلام التي لم تترك لأحد احتراما ، فكيف نطالبهم بالتحول لملائكة فجأة لمجرد أنهم قاموا بثورة؟
القاعدة الثالثة: كل وقت وله محظورة:
منذ عام بالتمام والكمال ، كانت جماعة الإخوان المسلمين في عيون العوام جماعة مقلقة ، علاقاتها بإيران مشبوهة ، مصادر تمويلها مريبة ، لها تنظيمات سرية مسلحة تعمل في الخفاء ، صاحبة أجندات خاصة بالتنظيم الدولي ، يستغلون الدين لإثارة القلاقل وإفساد البلاد ، وها هم الآن ، الحزب المكتسح ، والجماعة الوطنية التي اختارها نفس العوام ليكونوا ممثلين لهم بعدما سقطت الكاميرا الخفية التي خدعت هذه الجموع منذ الستينات وحتى 11 فبراير 2011 ، والآن نفس الإعلام ونفس الصحف تقول نفس الكلام على كثير من الحركات الشبابية دون حجة أو دليل – راجع القاعدة الأولى – فيا ترى هل سيكون وضع الإخوان الآن هو نفس وضع هؤلاء  الشباب – أو أحفادهم – بعد ستين سنة أخرى؟ وهل انتبهتم أن الحديث عن التمويل والأجندات بدأ يطول السلفيين أنفسهم – ثاني أكبر حزب في مصر - ولماذا لا نتعلم من الدروس ونقع في نفس الفخ كل مرة؟ فطالما أن الفكر هو الفكر ، والقلم هو القلم ، والكاميرا هي الكاميرا ، فينبغي أن تكون الأذن التي سمعت وصدقت من قبل غير الأذن التي تسمع الآن ، واللسان الذي ردد دون وعي من قبل غير اللسان الذي يتكلم الآن ، فعلى ألستنا وآذاننا أن يطبقوا القاعدتين الأولى والثانية باحتراف حتى لا يقعوا في الثالثة.


-------------------------------------------------------------------
(1)   وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آت ، فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته وقلت : والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة ، قال : فخليت عنه ، فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ) . قال : قلت : يا رسول الله ، شكا حاجة شديدة ، وعيالا فرحمته فخليت سبيله ، قال : ( أما إنه قد كذبك ، وسيعود ) . فعرفت أنه سيعود ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنه سيعود ) . فرصدته ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : دعني فإني محتاج وعلي عيال ، لا أعود ، فرحمته فخليت سبيله ، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أباهريرة ما فعل أسيرك ) . قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا ، فرحمته فخليت سبيله ، قال : ( أما إنه كذبك ، وسيعود ) . فرصدته الثالثة ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله ، وهذا آخر ثلاث مرات تزعم لا تعود ، ثم تعود ، قال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها ، قلت ما هو ؟ قال : إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } . حتى تختم الآية ، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح ، فخليت سبيله فأصبحت ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما فعل أسيرك البارحة ) . قلت : يا رسول الله ، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله ، قال : ( ما هي ) . قلت : قال لي : إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } . وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ) . قال : لا ، قال : ( ذاك شيطان )
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2311

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب