الثلاثاء، 28 مارس 2017

من كان منكم صاحب خطيئة.. فليرمها بحجر



....
 يترك مدعو الانتصار للحرية والإنسانية من المسلمين كتاب الله كاملا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بطبيعة الحال ويستدلون دائما بمقولة تنسب إلى الإنجيل على أنه لا يحق لأي فرد أن ينكر على آخر منكره أو يشارك في عقوبته عليه إن تطلب الأمر عقوبة، والعبارة المقصودة (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر) والتي لا يدرى أجاءت في وحي الله إلى نبيه الكريم عيسى عليه السلام أم أختلقها المحرفون تأتي في سياق الكلام عن امرأة شوهدت في وضع الزنا وأخذت لنبي الله عيسى لينفذ فيها حد الرجم بحسب أحكام التوراة فقال لهم تلك المقولة فانصرفوا جميعا طبعا لأن كل ابن آدم خطاء فمن منهم ليس له ذنب كي ينفذ الأمر المشروط، بل حتى النبي المعصوم عيسى عليه السلام - الإله في اعتقادهم- هو الآخر لم يرمها بحجر وتركها تمضي!..
...
 أنا لن أتكلم عن مدى اعتبار شرائع السابقين-إن ثبتت نسبتها لأنبيائهم أصلا- شريعة لنا فمعروف أن شريعتنا ناسخة لكل ما قبلها، ولن أورد عدد الآيات الكبير التي تشرع بل وتوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتجعله شرط الخيرية وشرط النجاة ، كما لن أذكر آيات الحدود والعقوبات، ولكن أقول فقط...
..
 هل من يحكم وينفذ الحكم في كل مكان على السارق والنصاب والقاتل والمعتدي والمتحرش و.... إلخ بلا خطيئة!!
 فلماذا يسمح له إذن أن يرمه في السجن أو يرمه بالرصاص أو يرمه في طبلية المشنقة!! وتلك المواضع هي الأقرب للقياس بالعبارة المذكورة لأنها كانت تطبيقا للحد على يد نبي قاض حاكم..
...
 لماذا يسمح لبشر أن ينفذ حكما في بشر، هذا الحكم الذي أصدره بشر بناء على شهادة بشر وتقارير كتبها بشر وتفتيش قام به بشر كلهم بلا استثناء أصحاب خطايا ربما تفوق خطيئة المتهم!! هل يدعو هؤلاء لإسقاط نظام التقاضي والحساب والعقاب من الكوكب كله!! بالقطع لا .. رغم أن نصهم المذكور يقول بخلاف هذا، فطرحهم يتكون من طبقات من التحريف في استخدام نص مجهول الصحة ساقط الدلالة من حيث الأصل ومخالف للاستدلال الذي يريدون الوصول إليه!
..
 فالقاضي يعاقب السارق ومن يقود السيارة مخمورا ثم يعاقب القاضي نفسه - المفروض يعني- على يد قاض آخر إذا سرق أو قاد سيارته مخمورا، ينفذ مسئول المشنقة الإعدام في قاتل ثم يعدم الشانق نفسه إذا قتل! أو يسجن إذا سرق، وهكذا.. ولا يرون في ذلك تعارضا بل عدالة ومنطق وتقويم للمجتمع!
...
 حاجة البشر للحساب والثواب والعقاب في الدنيا لوازم ضرورية كالماء والهواء لا يخالف في ذلك عاقل ، وهذا مما جاء به الإسلام في أحكامه ذات الضوابط الدقيقة الشديدة، والتعاليم المتوعدة التي ترهب من الظلم والأخذ بالشبهة أيما ترهيب، ولكنه زاد فضلا بأن جعل النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير متعلق بالضرورة بالعقاب البدني والحد الرادع، لأن الإسلام يخالف القوانين الوضعية في كونه لا يستهدف فقط حماية الآخرين من الفرد المخطئ، ولكنه يستهدف حماية الفرد من نفسه حتى لو كان الضرر لا يتجاوزه، بل والأهم من ذلك -وهو ما لا يعني الكثير من هؤلاء- حماية الفرد من عذاب الآخرة والذي يفوق أي حجر وأي سيف، تشريع لا يغرس الأنانية، فلتهلك طالما أنك لا تضرني، لا، بل جعل المسلمين مرآة لبعضهم البعض، أرى في نصحك عيبي وترى في نصحي عيبك، وكما لا يشترط في القاضي ومنفذ الحكم العصمة كي يحموا المجتمع من المخطئ فلا يشترط في أو فيك العصمة كي أحميك من نفسك أو تحميني من نفسي، لذلك فقمة الإفلاس الذي يقع فيه أصحاب تلك المقولة الهرولة من أجل البحث في حياة الناصح وتصيد أي خطأ يفعله والرد به وكأنهم بذلك يسقطون نصيحته، مساكين والله، وضعوا شرطا تافها من خيالهم يخالف أبسط قواعد الواقع والمنطق وقبل ذلك الدين ويظنون أنهم بذلك يقيمون الحجة أو يثبتون تناقضا، بل أنت فقط أثبت للناصح المخلص البشرية التي لم يزعم لنفسه خلافها..
....
بل إن المسلم يطلب بالنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الرحمة والمغفرة لذنوبه هو..
 (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
[سورة التوبة 711]
كما أن من صفة الناصح الناجي أنه تائب، مما يتوب إن لم يكن يذنب؟!
 (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)
[سورة التوبة 112]
 .........
وأخيرا.. ليست خيارا
 (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)
[سورة هود 116 - 117]
والفرق بين الصالح والمصلح معروف..
 فتدبر