الاثنين، 31 أكتوبر 2011

لماذا أرفض تأمين اللجان الشعبية للانتخابات،دعوة للمناقشة


لماذا أرفض تأمين اللجان الشعبية للانتخابات
دعوة للمناقشة
معتـز عبد الرحمن


كلنا الآن ننتظر انتخابات البرلمان بفارغ الصبر وعميق القلق ، فهي مرحلة فاصلة بالقطع والبداية التي تأخرت 10 أشهر بعد ثورة يناير ، ولشدة أهميتها وشدة حرصنا على انتهاء المرحلة الانتقالية على خير ، هناك دعوات وترتيبات لتشكيل لجان شعبية لحماية لجان الانتخابات من أي بلطجة متوقعة وأي محاولة لإفساد الانتخابات ، الفكرة عظيمة ومفعمة بالوطنية والفداء إلا أن لدي عليها تحفظات أردت أن أناقشها معكم:
أولا: تحفظ على المفهوم والمدلول السياسي : الاعتماد على لجان شعبية لتأمين الانتخابات يعمق من مفهوم سقوط الدولة وعجز أجهزتها الأمنية (جيش وشرطة) عن القيام بدورها ، وهذا كان أحد أسباب انتقادنا للدعوات التي انطلقت يوم أحداث ماسبيرو للنزول لحماية الجيش!! لأنها تعني أننا بلا دولة ، وإذا أقررنا بذلك فالأولى إذن من الانتخابات أن تسلم الدولة أولا لمن يستطيع أن يديرها بدلا من أن نقر جدولا يكفل للـ (لا دولة) الاستمرار إلى 2013.
ثانيا: الفاعلية الأمنية : الشباب الوطني الجميل الذي سيقوم بتكوين اللجان الشعبية ليس سوى شباب متطوع أعزل ، مطلوب منه أن يقف ليواجه الرشاشات آلية والملوتوف والسنج ، فإذا كانت شجاعته مفرطة فقدناه في معركة غير متكافئة ، وإذا كانت شجاعته منطقية ترك المكان وسيقال وقتها أن الفشل كان سببه اللجان الشعبية (يعني الشعب ).
ثالثا : إذا افترضنا إمكانية صمود هذه اللجان أمام أي هجوم ، فالذي سيخرج في الأخبار حينها وفي العالم كله أن مصريين يضربون مصريين ، ولن يقال أن بلطجية يشتبكون مع اللجان الشعبية ، ولا سيما إذا كانت هذه اللجان سلفية أو إخوانية أو أي توجه معين ، وسيتم تصوير الأمر على أنه صراع بين انصار المرشحين المتسابقين على التورتة ، ولن تتدخل القوى الأمنية المحايدة لنصرة مصري على مصري ، كما لم تتدخل لنفس السبب في موقعة الجمل التي كانت الأمور فيها واضحة كالشمس ، وسيصور الإعلام لشعب مصر أن كل هؤلاء منتفعون متنازعون على السلطة ، ولا يوجد هناك من يخدمه بحق سوى جهة واحدة تستحق نصرته وتأييده.
أخيرا: فأنا أدعو لأن تتحمل القوى الأمنية دورها وواجبها في حماية الانتخابات ، ويقتصر دور اللجان الشعبية والنشطاء على مراقبة نزاهة الانتخابات داخل اللجان ، فإذا اعتدى بلطجي على الأجهزة الأمنية فهو معتد على الدولة ولا يمكن تصوير الأمر حينها بالفتنة أو النزاع المصري المصري ، ومن واجب ومن حق الأجهزة الأمنية حينها أن تتعامل معهم وتلقي القبض عليهم وتحاكمهم ، فإذا لم تقم الأجهزة الأمنية بدورها تتحمل حينها مسئوليتها الكاملة أمام الشعب المصري وأمام التاريخ وأمام الله من قبل.
هذا رأيي ، ورأيي صواب يحتمل الخطأ.
 ---------------------------------------------

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

السبت، 22 أكتوبر 2011

أنت معانا ولا مع الناس التانيين؟؟



أنت معانا ولا مع الناس التانيين؟؟
معتـز عبد الرحمن


كنت أتحدث مع أحد أصدقائي القريبين لي جدا ، وفي نهاية حديث طويل عن الأحداث الجارية قلت له مداعبا و"مفضفضا" في نفس الوقت (تخيل أنني في خلال الفترة القصيرة الماضية وصفت بكل الصفات المتناقضة ، وصفت بأنني علماني ، وبأنني إبريلي ، وبرادعاوي ، وبأنني مهادن للنصارى على حساب ديني ، وفي نفس الوقت وصفت بأنني إسلامي سلفي متطرف ظلامي ضحل الفكر) فقال لي (صراحة يا معتز من يقرأ لك وهو لا يعرفك شخصيا يتجنن) ، وكان ردي ببساطة ، إن "اللي هيتجنن" فعلا هو صنف معين من القراء إلا أنه للأسف الصنف الغالب في القراء المصريين ، وهذا الصنف هو الذي لا يقرأ الكلام من أجل تفهمه والاستفادة منه والاتفاق أو الاختلاف معه ، ولكن يقرأ الكلام كي يصنف الكاتب ويحدد توجهه ومن ثم يقرر هل هو عدو أم حبيب ، وهل سيقرأ له بعد ذلك باستمرار ودون تفكير ، أم سيهاجمه ويسفه كل ما يكتب أيضا باستمرار وبدون تفكير ، فليت الأمر يتوقف فقط عند التصنيف ، فالتصنيف في حد ذاته ليس مشكلة ، ولكن المشكلة في عواقب التصنيف ، فالتصنيف المصري حكم ابتدائي يتبعه حكم نهائي بالإعدام الفكري على المخالف ، وقد يتبعه حكم بإعدام التعايش مع المخالف ، وكلاهما نتج عنه خسائر وظواهر عجيبة حاولت أن تعالج هذه القضية إلا أنها اختارت الطريق الخاطئ تماما.
فمن خسائر الإعدام الفكري للمخالف ، الحرمان من نصيحة الخصوم ، فهجوم الخصم هو خير النصائح وأصدقها ، وهو خير من يكشف لك عيوبك وأخطاءك دون مداهنة أو مجاملة ، والذي يسعى بحق لتحسين وتطوير نفسه يجب أن يبحث دوما بين سطور الهجوم الذي يشنه خصمه عليه على ما ينفعه ويفيده ، لذا فعندما كتب لي أحد المعلقين على مقال (الإسلاميون والبطيخة الصيفي) أنني بلاشك علماني متخفي وأن على أن أحلق لحيتي ، كتبت له دع عنك من أنا وأقرأ كلامي وأبحث له عن رد ، فهل كون الكاتب علمانيا – كما يظن المعلق – يعني أن كلامه يلقى في سلة المهملات دون أن يقرأ أو يناقش؟ خاصة أن الكلام كان يخص بشرا ولا يتحدث عن أمر عقائدي أو شرعي ، والعكس بالعكس ، فالقارئ العلماني أو الليبرالي أو المدعي لليبرالية عليه أن يحاول الاستفادة من كتابات الإخواني والسلفي وآرائه ، ولو فعل كل منهم ذلك لضاقت هوة الخلاف بين الفصائل الفكرية في كثير من الأمور ، وإن كانت بالطبع لن تختفي.
ومن خسائره أيضا ترك العمل بأمر شرعي من أعظم الأوامر الشرعية في الإسلام ، وهو العدل والانصاف ، إنصاف الحق ولو صدر من خصم أو حتى عدو ، وانتقاد الخطأ ولو صدر من أحب الناس ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) (1) ، لذا فانتقادي للتيارات الإسلامية لا يعني أبدا التخلي عن فكري الإسلامي وعن حبي الشديد لهم ، ومناصرتي وتضامني مع الليبرالي أو العلماني أو حتى النصراني في موقف أو كلمة لا يعني أنني تبنيت فكره وعقيدته ، لذا فعندما قرر أيضا أحد المعلقين على الجانب الآخر اختراق قلبي والبحث في نواياي ووصفني بأنني متعصب من داخلي ولكنني أحاول إخفاء التعصب في كتاباتي لأبدو متسامحا ، تعاملت مع هذا التعليق على أنه مدح وإطراء وليس ذما ، لأن المسلم عليه دوما أن يحكم على الأمور بالحق والعدل وإن خالف ذلك هواه وأحاسيسه ، فعندما تكون مشاعري كلها مع الإسلاميين وأتعصب لهم من داخلي ولكن لا يمنعني ذلك من انتقاد أخطائهم ، وعندما تكون مشاعري ضد كل من يهاجم الشريعة ويرفض تطبيقها ولا يمنعني ذلك من انصافه إن كان محقا ، فهذا خلق إسلامي يحمد ولا يذم.
أما عن الحكم بإعدام التعايش فأنا لا اعتقد ابتداءا أننا نعاني في مصر واقعيا من قضية إعدام التعايش مع المخالف ، والدليل أن المسلمين تعايشوا في مصر مع غير المسلمين – والخلاف العقدي هو قمة الخلاف – طوال أربعة عشر قرنا ولم يحدث بينهم مشكلات تذكر ، ولم تحدث المشكلات إلا عندما تم تسيس القضية ودخلت فيها عناصر وجذور كثيرة مستحدثة تكلمت عنها باستفاضة آنفا (2) ، ولكن هناك شريحة كبيرة من الكتاب والمفكرين والنخبة في مصر ترى أن  مجرد وجود الخلاف الفكري والعقدي يعني الصدام والقتال ، ربما لأنهم هم أنفسهم يفعلون ذلك ، فكثير من هؤلاء يستحلون الكذب والتدليس في معاركهم الفكرية مع مخالفيهم ، بل كنا نقرأ في كثير من كتاباتهم قبل الثورة تحريضا صريحا للأجهزة الأمنية في النظام الظالم ضد من يخالفهم ، ونقرأ مقالات الشماتة والفرح إذا اعتقل خصومهم أو سلبت أموالهم أو أغلقت قنواتهم ، لذا فعندما بدأت قضية الطائفية تطل برأسها الخبيث على الساحة المصرية ، ظن هؤلاء أن كل المصريين انتقاميون مثلهم ، فبدلا من أن يعلموا الناس كيفية التعايش مع المخالف في العقيدة والتي نص الإسلام عليها صراحة في القرآن الكريم ، طفقوا ينفون الخلاف أصلا ، فالمسيحي غير كافر أصلا في عقيدة المسلم – ولم يتحدث أحد عن العكس -  فبالتالي لا توجد مشكلة من الأساس ، وظلوا يهاجمون كل من يقر بهذه الحقيقة المنطقية ، مع العلم أنه لا ينطق بها إلا إذا سألوه هم عنها صراحة ، ومنهم من رأى الحل في قضية التعايش هو إقناع الناس أن جميع البشر على اختلاف عقائدهم سيدخلون الجنة ، لأن كل منهم عبد الله بطريقته ، بالضبط كما عبد كفار مكة الله بطريقتهم عبر الأصنام (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) (3) مما يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم ، أضاع من عمره ثلاث وعشرين سنة ، وأوذي هو وأصحابه وترك دياره وناضل وقاتل ، من إجل إخراج المشركين من الجنة إلى الجنة ، وبذل جهده في دعوة اليهود والنصارى كي ينقذكم من إلى الجنة إلى الجنة ،  ولأمثال هؤلاء أقول لا تقلقوا ، فإن عامة المصريين ليسوا مثلكم ، عامة المسلمين يقرأون كتابهم ويتعلمون منه كيف يتعايشون بل ويحسنون التعامل مع من يخالفهم في الدين والاعتقاد ما لم يحمل هو عليهم  السلاح ، وإن كان منهم من يجهل ذلك ، وإن كان هناك بيننا من لا يستطيع التعايش مع المخالف ، فبدلا من أن تضللوه وتلبسوا عليه عقيدته ، علموه كلام ربه (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (4)
ومنا هنا أخلص إلى دعوة صريحة أدعوها لنفسي ولكل من يقرأ كلامي من الغالبية العظمى للشعب المصري ، لا ينبغي أن نكون مع أحد أو مع "الناس التانيين" ، فالولاء والإخلاص لا يكون إلا لله وحده ، والتصنيف الوحيد الذي يجب أن نسعى إليه جميعا هو (مسلم) وحسب ، مسلم يطبق الشريعة ، والشريعة تحمل في ذاتها كل خير وعدل ووفاء للوطن ودفاع عن الحق ومحاربة الظلم ، وتطبيق الإسلام والشريعة ليس مرتبطا فقط بالدستور والقوانين والاقتصاد ، ولكن تطبيق الإسلام يكون في كل شيء وفي كل خلق ، والتحدي الحقيقي هو أن نطبق الإسلام على أنفسنا في مواجهة أهوائنا ، فننتقد الحبيب إن أخطأ وننصف الخصم إذا أصاب وننصره إذا وقع عليه الظلم ، ، فهذا هو الإسلام الذي أعرفه وأؤمن به وانتسب إليه وأسعى لتطبيقه في كتاباتي ، وهذا هو التحدي الذي إذا خضناه ونجحنا فيه دعونا إلى الإسلام دعوة عملية أبلغ من آلاف الكلمات ، وإذا فشلنا فيه لا أقول أضررنا بالإسلام ، ولكن أضررنا بأنفسنا نحن ، فالإسلام لا يحتاجنا كي ننصره ، ولكن نحن من نحتاج نصرته ليرضى الله عنا (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) (5)

-------------------------------------------------
(1)   سورة النساء ، الآية 135
(3)   سورة الزمر  ، الآية 3
(4)   الممتحنة ، الآية 8
(5)   سورة محمد ، الآية 38
    للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

ماسبيرو، حصانة التحريض ، وانكسار الموازين



ماسبيرو، حصانة التحريض ، وانكسار الموازين
معتـز عبد الرحمن


أخيرا وبعد طول إهمال ، قررت أن أذهب إلى الطبيب لأضع حدا لهذه الالام التي تعاودني حينا بعد حين ، ولإنني قبطي حتى النخاع كنت دوما أتعامل معها كما يتعامل معظم الـ 85 مليون قبطي مع أمراضهم ، يتألمون ، فيقررون الذهاب إلى الطبيب وما إن يسكن الألم يتركون الدواء والتعليمات الطبية حتى يعود المرض مرة أخرى وتتجدد الحلقة المفرغة ، اتصلت بالعيادة وحجزت ، وقبل النزول بدأ تتواتر أخبار صدامات بين القوات المسلحة ومسيرة للأقباط المسيحيين عند ماسبيرو ، لم يمر وقت طويل قبل أن نسمع عن استشهاد جنود من القوات المسلحة بنيران متظاهرين ، ألغيت المشوار ، وجلست أتابع في ذهول الأحداث ، وفي نفس الوقت كنت أشعر بيقين شديد لا أعلم مصدره أن الأمر سيمر بإذن الله ولن يتطور أكثر من ذلك ، وأن شمس العاشر من أكتوبر ستشرق والاشتباكات منتهية والأمن مستتب كما حدث في أحداث سفارة إسرائيل ومديرية الأمن ، وفتنة إمبابة ، وأحداث البالون وغيرها من الأحداث التي تعودناها بعد الثورة ، استيقظت في الصباح وآلام جسمي هادئة وعقلي يفكر جديا في إلغاء فكرة الطبيب ، وهنا أيقنت أنني عندما أفتح الأخبار سأسمع عن اجتماع (بيت العيلة) ، وعن شجب الأزهر وإدانة المفتي ، وعن مشاركة قبطية منتقبة في جنازة من سقطوا من الأقباط المسيحيين ، أيقنت أنني سأشاهد عشرات الصور للمصحف مع الصليب على الفيس بوك وفي الصحف ، وعلمت أننا نستعد لحلقة جديدة من الإجراءات التي فشلت لسنوات في حل قضية الطائفية ، كما فشل إهمال وتكاسلي في علاج آلامي.
حصانــــــة التحريـــــض
قررت التمرد على عاداتي القبطية ، وذهبت للطبيب رغم سكون الألم اللحظي ، عسى أن أبدأ بنفسي ويتبعني المصريون في التخلص من عادة المسكنات التي تدمر صحة الوطن وتسبب الخراب ، في كل مرة تتعرض مصر لأحداث طائفية نرى الأحضان والقبلات والتصريحات الودودة ، وفي نفس الوقت نرى أن مثيري هذه الفتن أحرار طلقاء ، لا يتعرضون لأي محاسبة أو مساءلة ، وليس هذا وحسب ، ولكنهم يظهرون على الشاشات وفي الصحف من أجل التحليل والنقد لأحداث وجرائم هم من صنعوها بمنتهى القذارة وللأسف بمنتهى الدقة والاحترافية ، يتم القبض على الشباب المشارك في الأحداث والذي ربما لا يكون له فيها ناقة ولا جمل ، ويستضاف صانعوا الكراهية وملوك التحريض في الفضائيات لا ليسيروا في جنازة من قتلوه فقط ، ولكن ليمثلوا بجثته ، ويعدوا العدة لفتنة قادمة بالتصريحات النارية والإدعاءات الكاذبة ، وتزييف الحقائق وبث السموم ، وها نحن نتعرض لحدث جلل ربما كان الأسوأ في السجل الطائفي إذ أنه ليس بين مجموعات من الشباب المتهور من الطرفين ، ولكنه بين الدولة ممثلة في الجيش المصري وبين مجموعات من الشباب المسيحي جاءوا قبل أيام من الحدث بحماس واندفاع رهيب وغير مفهوم ليهتفوا بأنهم (أصحاب الأرض دية) ، جاءوا مسبوقين بتهديدات غير مسبوقة للمحافظ وللمشير ، أما إذا عدنا بالذاكرة خمسة أشهر ، فسنجد أن تحت قيادة من لايزالون يتصدرون المشهد والشاشات الآن سمعنا لأول مرة في تاريخ مصر (الشعب يريد حماية دولية) ، وكان ينبغي من المسئولين التوقف عند هذه الإرهاصات ، ويدركوا أن الأمور خرجت من نطاق بيت العيلة والأوبريتات وأن للمشكلة جذور – تحدثت عنها في مقالي السابق (1) -  يجب أن تعالج وبسرعة ، وأن التطبيق الناجز للقانون والعدالة وإيقاف التحريض من كل الأطراف أصبحا جزءا من أمن مصر القومي  ، وإذا كانوا قد فشلوا في ذلك قبل أحداث ماسبيرو ، فعليهم ألا يفشلوا في المستقبل الذي بدأ الآن ، وينبغي أن تسقط الحصانة عن كل محرض يبث سمومه وأفكاره القذرة وأكاذيبه قبل أن يفوت الأوان.
انكســـــار الموازيـــن
كان أبي - رحمه الله - رجلا طيبا ودودا ، يحبه كل من يتعامل معه ولو لوقت يسير ، ويلجأون إليه في المشكلات ليحكم بينهم رغم حداثة معرفتهم به ، وفي إحدى المرات وهو يحاول الصلح بين زوجين علمني درسا لن أنساه ، قال لي (لو سمعت الزوج لوحده تبقى عاوز تضربها بالنار ، ولو سمعتها لوحدها تبقى عاوز تضربه بالنار ، فما تسمعش من طرف واحد أبدا يبني) ، تذكرت جملة أبي - رحمه الله - وأنا أشاهد الفيديوهات التي تظهر فيها مدرعات الجيش وهي تدهس المتظاهرين ، وأنا أشاهد صور الجثث الممزقة التي لا يعلم لها ملامح ، وأنا أشاهد التغطية المستفزة للتلفزيون المصري فأشعر بحنق شديد على الجيش والمجلس ومن يتشدد لهم ، وعندما أشاهد فيديوهات حرق المدرعات والجنود بداخلها وتكسير السيارات، وضرب متظاهر لجندي بحجر ضخم على رأسه ، وأشاهد شهادة طاقم قناة الحرة وقصة وفيديو سرقة المدرعة ينقلب قلبي على المتظاهرين ، وأميل لالتماس العذر للجيش على رد فعله العنيف ، لذا فينبغي التوقف عن الانحياز المطلق لأي أحد في هذه القضية وغيرها ، فقد انقسمنا – كالعادة – إلى فريقين للأسف ، ويزداد الأسف أننا انقسمنا قبل أن نشاهد حتى الفيديوهات ونسمع الوقائع وتبدأ التحقيقات ، انقسمنا إلى مؤيد مطلق للجيش ، ومؤيد مطلق للمتظاهرين ، فمعظم المعارضين للمجلس العسكري اتخذوها ذريعة لمواصلة الهجوم عليه ليل نهار دون تفكير ، ومعظم المنزعجين من تصرفات المسيحيين في الفترة الماضية اتخذوها ذريعة للهجوم عليهم ليل نهار ودون تفكير ، فريق لا ينشر سوى صور الدهس والجثث ، وفريق لا ينشر سوى صور الحرق والتكسير ، وأما الفريق الثالث الأكثر كوميدية ترك الجيش والمتظاهرين وأخذ يتهم "السلفي الخفي" الذي يحرض ضد المسيحيين ، وقبل أن أفيق من الضحك من هذا الكلام الذي يعني أن الجيش يأخذ أوامره من السلفيين ، وأن الجيش كان يسمع قناة الناس والرحمة فانفعل وفعل ما فعل ، فوجئت بأن هناك من يصرح – أو من تصرح – بأن كل مدرعة كان عليها ذقن ومصحف ، ولو فرضنا صحة الرواية التي لم تظهر في أي فيديو من الفيديوهات التي تغرق الانترنت ، فهذا أيضا يعني أن الجنود تأخذ أوامرها من المشايخ وليس من الضباط والقادة ، ولا أدري كل هؤلاء كيف سيقفون أمام الله تعالى والذي قال في كتابه الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (2) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) (3) ، ينبغي أن يدرك شعبنا الحبيب أننا في مرحلة يقل فيها الأبيض والأسود ، ويكثر فيها الرمادي ، مرحلة قلما تجد فيها مصيب مطلق أو مخطيء مطلق ، والعدل والانصاف أن يذكر لكل إمرئ ماله وما عليه ، دون تقديس أو شيطنة.
العـــلاج الفــوري
لا تهاون ولا تطاحن ، لا محاباة ونفاق ولا معاداة وشقاق ، ولكن العدل والقانون ، يجب محاسبة كل من أخطأ في الماضي بفعل أو تحريض أو تهاون أوتخاذل فورا ودون إبطاء ، يجب أن يحاسب كل مخطيء دون النظر إلى ظهر بطاقته ، ولا أقول يجب وقف المحرضين والمتوعدين في وسائل الإعلام وحسب ،فهم لديهم أماكن أخرى للحديث والتحريض ، بل لابد من محاسبتهم ومحاكمتهم ، يجب أن ننهي مرحلة لي الذراع واستعراض العضلات وفرض الأمر الواقع ، فالمسيحيون يقولون أن "مضيفة" إدفو تحولت لكنيسة بتراخيص رسمية ، إذن فليجأوا للقانون والمحاكم لأن مطلبهم حينها سيكون مطلبا قانونيا وليس "ثوريا" يجلب بالاعتصام والتظاهر ، وإذا كان قضاء مصر بطيء وأحباله طويلة ، فهو كأس يتجرعه كل المصريين مسلمين ومسيحيين على سواء ، وبطء القضاء بلا شك خير من سقوط الدولة ، وبإذن الله إذا تكاتفنا وأنجحنا الثورة لن يكون القضاء بعد ذلك بطيئا ، يا شعب مصر ، اتق الله في مصر ، وكفانا عاطفية وانحياز وعدم موضوعية ، كفانا قصر نظر وسطحية، كفانا إهمال لقضايا أمن بلادنا القومي ، كفانا دماء وأشلاء ، ولا تغتروا بحفظ الله وستره ، فأخشى إن طال جحودنا وإهمالنا وعشوائيتنا أن نخسر الحفظ والستر وندخل في دوامات لا يعلم مداها إلا الله ، اللهم قد بلغت ، اللهم فاشهد.


-------------------------------------------------
(2)   سورة المائدة ، الآية (8)
(3)   سورة النساء ، الآية (135)
    للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

الخميس، 6 أكتوبر 2011

شجرة الطائفية ، التربة والسباخ



شجرة الطائفية ، التربة والسباخ
معتـز عبد الرحمن



كنت أتمنى أن أكتب عن مشاعري الجميلة تجاه هذه الحرب في ذكراها الثامنة والثلاثين ، فقبل ثورة يناير كنت دوما أقول أن حرب أكتوبر هي آخر أيام العزة التي شهدها هذا الوطن ، حتى جاءت الثورة لتضيف لتاريخنا أيام وساعات جديدة من العزة والكرامة ، إلا أنني وللأسف أرى أن أمامها معوقات كثيرة تحول دون اكتمالها ، أكتب اليوم اضطرارا عن واحدة من هذه المعوقات والمخاطر التي تحيق بالوطن عامة وليس فقط بالثورة ، خطر كبير يعاني من الإهمال والسطحية الشديدة والتعامل معه بمنطق المسكنات وعلاج العرض دون النظر لأسباب المرض ، أتحدث اليوم عما يسمونه الفتنة الطائفية.
التربـــــة
إننا نواجه مرضا لم تشهده مصر في تاريخها بهذه القوة والكثافة ، ونسمع تعبيرات ومصطلحات لم نكن نسمعها من قبل ، وهذا إن دل يدل على أن ثمة تغيرا جذريا حدث ، تغييرا في الأفكار والمعتقدات والتي هي بمثابة التربة للنبات ، فالعناصر الموجودة في التربة هي التي تنتقل إلى الجذور والساق والأوراق ، إذن فماذا تغير في التربة؟؟
التربية والأفكار
لا تتعجب قارئي الكريم عندما أقول لك إن ملاحظتي لتغيرات التربة بدأت عند كنت طالبا في الصف الثالث الإعدادي ، فالمفاجأة والذهول نحتا الموقف في ذاكرتي نحتا ، كنت أتحدث مع زميلي المسيحي - المتدين المواظب على الذهاب للكنيسة - في أمور عامة ، وفجأة قام بتحويل الحوار وبدأ الحديث عن الاضطهاد الشديد الذي يعانيه المسيحيون في مصر وعن الصعوبة البالغة التي يواجهونها في حياتهم بسبب اضطهاد مبارك لهم! وسرعان ما انضم له زميل آخر – من أقربائه – ليكمل معه وصلة الشكوى والمرار ، ولأني كنت أعرفهم جيدا بدا لي تماما حينها – على حداثة سني – أن هذه الوصلة ليست متجانسة مع طريقة كلامهما وتفكيرهما ، وأنها تكاد تكون مأخوذة (نسخ ولصق) ممن هو أكبر منهم سنا ، ولا عجب أن نفس هذا الزميل بعد ثلاث سنوات وفي الثانوية العامة عندما رأى طالبا مسلما واقفا مع مجموعة من الطلاب المسلمين في ناحية من الفصل – أي ليس على العموم -  ليحدثهم عن فضل رمضان أو ما شابه ، ذهب إليه وقاطعه واعتبر ذلك الحديث الجانبي نوعا من الاضطهاد له ، وعندما تضايق الطالب المسلم واحتد عليه في الحديث بسبب مقاطعته ذهب لإدارة المدرسة ليشكو المسلم ويتهمه رسميا بالاضطهاد ، وقد كتبت تفصيليا عن قضية الاضطهاد الوهمي قبل الثورة في مقال (مقبرة المجتمعات) فأرجو الرجوع إليه (1) ، وإذا أضفنا إلى ذلك الهتافات والتصريحات المستمرة والتي يتورط فيها رجال دين رسميين وليس فقط مسيحيون عاديون يمكن اعتبارهم متطرفين كالموجودين في أي ديانة وأي فصيل ، إذا أضفنا اللغة الجديدة التي لم تسمع من قبل سوى في السنوات الأخيرة عن احتلال المسلمين لمصر وعن وجودهم فيها كضيوف لا أكثر ، ندرك فعلا أن التربة لا تتغير وحسب بل تتسمم ، فاقتناع آلاف وملايين البشر بكلام لم يتردد طوال أربعة عشر قرنا فضلا عن كونه لا يدخل عقل طفل صغير مثير للتساؤل والقلق ، لأن هذا الكلام يعني أن المسيحية أقدم من مصر ، وهذا غير منطقي ، فالمسيحية دخلت مصر بعد بعثة المسيح بفترة أي منذ أقل من ألفي عام ، واعتنقها كثير من المصريين ولم يقل حينها أحد أن المسيحيين ضيوف ، لأن تغيير المواطن لديانته لا يغير جنسيته ، فعندما يقوم نفس هؤلاء المصريون المسيحيون باعتناق الإسلام بعد حوالي خمسمائة عام هم بالقطع لايزالون مصريين فعن أي ضيوف يتحدث المسممون؟ وهل ما يقرب من خمسة وسبعين مليون مسلم الآن من نسل حوالي أربعة آلاف مسلم عربي دخلوا مصر والباقي هم نسل شعب مصر بأكمله؟ ناهيك عن أن الجيش المسلم لم يتوقف في مصر بل استكمل طريقه غربا ، بجانب تقارب السلوكيات والطباع بل والملامح بين كل المصريين ، فبلا شك أن الذي يقنع آلاف وملايين البشر بهذا الكلام لا يعتمد على المنطق وحسب ، وإنما أشياء أخرى اعتقادية ، إذا أردت أن تعلمها فلا تسمعها مني ولكن من مقالات المهندس هاني سوريال فهو مصري مسيحي وهو شاهد من أهلها.

التعامل الأمني وغياب العدالة
قضية الفتنة الطائفية قضية أمن قومي بلا ريب ، لأنه قد يفجر حربا أهلية لا يعلم مداها إلا الله ، لذا فيجب التعامل معها بقوة وحزم والأهم بعدالة ، النظام السابق الذي شهد أزهى عصور الفتنة كان يدرك ذلك جيدا ، ولكن في ظني أن الذي كان يشغله لم يكن الحرب الأهلية ، ولكن التدخل الأجنبي وتأثيره على استقرار عرشه ، والدليل على ذلك أنه تعامل مع الموقف بقوة وحزم ولكن دون عدالة ، وركز ضرباته الأمنية دوما على الطرف الذي لا يثير التدخل الأجنبي ، لذا فقد رأينا الأباء والأمهات المسلمين يحثون أبناءهم دائما على تحاشي الشجار أو الخلاف مع أي زميل مسيحي في المدرسة أو الكلية ، ليس لأن الإسلام يدعو لذلك ، ولا لأنهم شركاء في الوطن ، ولكن لأنهم يدركون أن ابنهم إذا ذهب إلى القسم مختصما مع مسيحي فأنه قطعا سيذهب وراء الشمس ، ورأينا المدير الذي يخشى معاقبة الموظف المسيحي المخطئ حسب القانون خشية اتهامه بالاضطهاد ، كل هذه الأشياء فرغت حسن المعاملة من مضمونها الإسلامي والوطني الراقي وجعلتها مجرد وسيلة لاجتناب الأذى الأمني ، فإذا غاب العنصر الأمني لم يعد هناك وازع للتعايش ، بل وربما ظهرت دوافع أخرى عنيفة بسبب الكبت والشعور بالظلم، ومن ستر الله وحفظه أنه رغم هذا الشحن وهذا الجو الخانق من القلق والإرهاب الفكري لم يحدث أي احتكاك ولم تفرغ أي شحنات عندما غاب الأمن تماما عن مصر عقب اندلاع الثورة لأن التربة المصرية الصالحة تغلبت على هذه التربة الفاسدة الدخيلة ، ولكن استمرار التعامل الأمني مع هذه القضية دون تطبيق للعدالة على أي مخطئ كائنا من كان ربما يجعل هذه التربة تغلب في وقت من الأوقات.
الخلط بين المعتقد والسلوك
قضية تافهة تطرح الآن إعلاميا بشكل أقل وصف يقال عنه أنه مضحك ومزري ، هل المسيحيون كفار؟ ويصور هؤلاء الأبواق أن وصف المسيحي بالكفر هو شرارة الفتنة الطائفية ، والسؤال ، منذ أربعة عشر قرنا هل جاء يوم واعتقد فيه المسيحي أن المسلم مؤمن وسيدخل الجنة؟ أو اعتقد المسلم أن المسيحي مؤمن وسيدخل الجنة؟ وهل يحزن المسيحي عندما يقال عنه أنه كافر بمحمد (صلى الله عليه وسلم) ولا يؤمن به ، وهل يحزن المسلم عندما يقال عنه أن كافر بالتثليث والصليب؟ وهل كفر الله المسلمين عندما قال عنهم (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (2) فكلمة الكفر ليست سبة ، ففي الآية أن المسلمين كفار ولكن بالطاغوت ، وهم كفار بالتثليث وبقول أن العزير ابن الله ، والمسيحي كافر ، بمحمد وبالقرآن الكريم وهذا واقع لا ينفيه بل يفتخر به ، والمسلم والمسيحي كفار ببوذا ، وإذا قال عنا البوذي أننا – نحن والمسيحيين- مؤمنون علينا أن نقاضيهم بتهمة السب والقذف ، إذن يبقى ما الذي يترتب على هذه الصفة؟ يقول أحدهم أننا إذا قلنا عن المسيحيين كفارا لم يبق إلا الضغط على الزناد ، وهذا إرهاب فكري محض ، وعليه قبل أن يقول هذا أن يأتي بدليل كلامه من الإسلام الذي وللأسف المتحدث من معتنقيه ، فقرار قتال غير المسلم يكون في يد غير المسلم نفسه وليس في يد المسلم والدليل في سورة الممتحنة (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)) وبالتالي الذين يخوفون المسيحيين من تسمية كافر وربطها بسفك الدماء إنما هم يصنعون تربة الخوف والقلق التي لا يخرج منها إلا الشقاق والفتنة والاضطرابات.
السبــــــــاخ
كما ذكرنا ، التربة هي أصل النبات ومصدر غذائه ، ولكن هناك مقويات وعوامل مساعدة تساهم في سرعة نموه وتضخمه ، يسمونها السماد ، أما أنا فقد تعمدت استخدام لفظة (السباخ) وهو السماد البلدي المصنوع من روث الطيور ، لأن الفتنة لا تقوى ولا تتضخم إلا بالأفكار القذرة والأساليب الحقيرة ، رائحتها سيئة ومفضوحة ولكنها للأسف ، فعالة.
الاستغلال السياسي
المتأمل في توقيتات أحداث الفتنة الطائفية على مدار السنوات الماضية سيجدها في أوقات كثيرة ذات دلالة ، فاتحاد أي شعب خطر يداهم أي طاغية ، فعندما توحد الشعب المصري لمدة ثمانية عشر يوما فقط أسقط أقوى رئيس عربي على الإطلاق ، ولعله كان يفهم ذلك فسعى لتفريق الشعب مرارا قبل الثورة ، ولعل غيره أيضا يفهم ذلك فلا يزال يسعى للفرقة بعد الثورة ، وهذا ليس تفعيلا لنظرية المؤامرة ولكن قراءة للواقع ، فكيف تعيش الكنائس في أمان تام أثناء الانفلات الأمني ثم تهاجم وتحرق في ظل دولة وداخلية وجيش؟ ، وإذا كانت العداء والخصومة متوغلة في الطرفين إلى هذا الحد فلم توجد هذه الفترات البينية الواسعة بين الأحداث؟ ولم تزداد الأحداث دائما في أوقات اضطراب المشاعر الشعبية ووجود توجهات توحدية (ينايرية) جديدة؟

تصفية الحسابات
أضحك كثيرا عندما استمع لحديث بعض الساسة والناشطين والإعلاميين ليبراليين كانوا أو علمانيين أو يساريين أو غيرهم وهم يحاولون إقناع المستمعين بعدم واقعية تطبيق الشريعة ، إذ أنهم يحاولون إقناعنا أن سبب رفضهم للشريعة هو خوفهم عليها ، إذ أن السياسة لعبة قذرة ينبغي أن نرفع الدين عنها ، ويبدو أنهم يطبقون قذارة السياسة التي يؤمنون بها بمهارة ، ففور حدوث أي واقعة ينبري كثير من هؤلاء ويستغلون الفرصة للهجوم على خصومهم السياسيين ذوي التوجه الإسلامي ، وإذا كانت الواقعة طفيفة لا تستحق يبادرون بإضافة التوابل اللازمة واختلاق الوقائع الكاذبة لإشعال الموقف كي يتسنى لهم تصفية حساباتهم مع خصومهم ، ولتحترق مصر كي يبتعد السلفيون والإخوان عن البرلمان ، ولتراق الدماء ويتيتم الأطفال حتى لا يحكمنا ملتحي ، إن الرجل الشهير الذي قطعت أذنه في مشاجرة ، بدأت الأقلام تكتب وتحلل والحناجر تتهم وتحدد ربما قبل أن تصل أذنه على الأرض ، إنهم لا ينتظرون تحقيقا ولا حتى شهادة شاهد عيان ، فهدفهم واضح وغير شريف وغير معني بالحقيقة ، والدليل أنه إذا ثبت الخطأ عند الطرف الذي لا يمثل خصومة ولا منافسة سياسية ولا فكرية لهم ، تخرس الألسنة وتجف الأقلام وكأن شيئ لم يكن ، وهؤلاء أسوأ أنواع السباخ.

مسمار جحا
لأنهم ليسوا أقل قذارة ، فالقوى العظمى تسعى دوما لأن تظل عظمى بأي وسيلة ، لذا تجد دوما أن هذه القوى تبحث عن مسمار جحا في كل دولة يحتمل أن تكون منافسة لها في يوم من الأيام ، كي تجهض أي نمو أو تقدم في المهد ، وهذا المسمار قد يكون أسلحة دمار شامل ، أو الإرهاب ، أو حقوق الإنسان ، أو حقوق الأقليات ، ويبدو أن الأخيرة هي مسمار مصر ، فمن غير المنطقي أن أمريكا التي تمارس أقصى أنواع التمييز والاضطهاد وتحتضن أكثر دول العالم بلطجة وعنصرية ، وتقف في طريق حصول أصحاب الأرض – وليس الأقليات – على حقوقهم ، ويصلي فيها المسلمون صلاة العيد على مرحلتين وثلاث مراحل لضيق المساحات التي تخصصها للمساجد نسبة لأعدادهم ، هي التي تهتم وتخشى وتخاف على المسيحيين في مصر ، وليس من المعقول أن تتهم أمريكا مصر في عهد مبارك بالتمييز والاضطهاد للمسيحيين في حين أنها كانت تتخذه حليفا استراتيجيا ودعمته بقوة في بداية الثورة ، إذن فملف المسيحيين في مصر لم يكن سوى ورقة للضغط على الحليف ، ولن يكون سوى ورقة للضغط على أي حاكم قادم يخرج عن النص التي تكتبه أمريكا ، فأمريكا التي تغاضت عن التعذيب والطوارئ في مصر طوال العهد السابق ، ستتغاضى عن أي سوء يفعله أي حاكم ضد المسيحيين طالما أن هذا لم يؤثر على طاعته وتعاونه معها ، وهذا ما أتمنى من شركائنا في الوطن أن يدركوه ، فالغرب المثير للفتنة والمحتضن لأمثال موريس صادق لن يكون أرفق بكم أبدا ممن يعيشون معكم ، وبينكم وبينهم (عيش وملح) طوال أربعة عشر قرنا ، وأنتم لا تمثلون له سوى ورقة ضغط لا أكثر ، وربما لو زادت أعداد الشيعة مثلا في مصر ، تتحول دائرة الضوء عنكم إليهم ويصبح كل هم أمريكا المعلن حماية الشيعة من الاضطهاد السني في مصر.
أخيـــــــــرا
من كل هذا وغيره نجد أن قضية الطائفية أكبر بكثير من الطرح الذي يتناول إعلاميا ، وتحتاج للكثير من الجهد والإخلاص من كل الأطراف على سواء ، فأي مجهود فردي لن ينجح ، ومطالبة طرف دون الآخر بتحمل المسئولية لأنه الكبير لن تنجح ، والانشغال بالحديث عن السماد (الفلول والأصابع الخارجية ) دون تطهير التربة لن ينجح ، لن ننجح إلا إذا حدث تعاون عقلاني منطقي من خلال رؤية شاملة صريحة وشجاعة للواقع والأحداث ، حينها فقط يمكن أن نقتلع هذه الشجرة النتنة من أرضنا إلى غير رجعة.
-------------------------------------------------
(2)   سورة البقرة ، الآية 256
    للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب