الاثنين، 27 ديسمبر 2010

التحرش وهجوم القرش


التحرش وهجوم القرش
معتـز عبد الرحمن

     قرأت مؤخرا خبرا عن تدشين موقع عن ظاهرة التحرش  ، قرأت عن الموقع وأهدافه والتي ينحصر معظمها في تحديد الأماكن التي يكثر فيها التحرش لمساعدة رجال الأمن في تأمينها ، وفي تقديم المساعدة النفسية والقانونية للضحايا وتعليمهم كيفية الدفاع عن النفس ضد التحرش وكيفية عمل محضر شرطة .. إلخ، وبعد تأملي في الخبر وفي الموقع قفزت إلى ذهني أحداث هجوم القرش على السياح في شرم الشيخ - الهجوم الأول – والذي تعاملنا معه بنفس الطريقة ، فقد تم القبض على سمكتي قرش قيل حينها أنهما المتسببتان في الهجوم وعادت الأمور إلى مجاريها ، ليعود الفك المفترس مرة أخرى ليقتل سائحة ألمانية ليعلن للجميع أن أمراض ( تغير السلوك ) لا تعالج بالقمع الأمني والقانوني وحسب وأنه لابد للباحث عن العلاج أن يعالج أسباب المرض لا أعراضه ، وهذا ما توصل له الخبراء بعد الهجوم الثاني إذ أثبتوا أن تغير سلوك القرش لم يكن وليد اللحظة بل كان نتيجة لأسباب ومتغيرات تتراكم منذ فترة – مثل الصيد الجائر وسلوكيات السائحين الخاطئة- فبالتالي علاجها يحتاج لوقت وجدية لإعادة تقويم السلوك ولا يصلح معه القمع والاستئصال ، وكذلك حال شبابنا فتغير سلوكهم لم يكن وليد اللحظة وليس ظاهرة مفاجئة ، وعلاجه لا يكون فقط بعمل محاضر للشرطة وسن القوانين ، بل لابد أن ينتج عن خطة واضحة لتقويم السلوك والقضاء على الأسباب التي أدت إلى ذلك.

ضحايا غير بريئة
   إن هذه الظاهرة القديمة الحديثة - التي بدأ طرحها يزداد مع ازدياد حوادث التحرش الجماعي خاصة - تعاني من فقر شديد في تناول أساليب العلاج ، والسبب في ذلك هو وجود تحيز مسبق عند المعالج لأحد الطرفين ، فبين فريق يرى أن الشباب معذور وأن الفتيات هن الشيطان الأعظم وأن ما يحدث لهن جزاءا وفاقا ، وبين متحيز مطلق للفتيات وأنهن بريئات تماما وليس لهن أي دور أو جريرة وأن الشباب هم الذئاب ، وهذا الإتجاه هو الغالب في هذه الأيام ، حتى أني عندما قرأت عن تنظيم وقفة احتجاجية ضد التحرش كتب على لافتاتها (لا للخوف هنتكلم، هنفضحهم، هنسجنهم)، وقرأت عن اقتراح أن تحمل كل فتاة "صاعق كهربي" تصعق به كل شاب تشك فيه ، شعرت وكأن هؤلاء الشباب من جيش الاحتلال الإسرائيلي وليسوا من أبناء مجتمعنا ووطننا ، بل وربما يكون هذا الشاب وهذه الفتاة من أبناء بيت وأسرة واحدة ، وهذا ما ينبغي الالتفات إليه ، أن هذا ابني كما أن هذه ابنتي ، وهذه أختي كما أن هذا أخي ، وهذه أول خطوات العلاج ، أن تدرس المشكلة من الطرفين سواء ، وأن يعامل كل منهما على أنه "ضحية غير بريئة" جاني ومجني عليه في آن واحد ، فندفع عنه ما ليس له فيه يد ، ونقومه ونحاسبه على ما في استطاعته ، أما المتهمون الحقيقيون فستعلمهم تباعا خلال الأسطر القادمة.

1+1=2
خلق الله الإنسان وجعل فيه غرائز ونزعات، منها وعلى رأسها ميل الرجل للمرأة وميل المرأة للرجل ، وهذا الميل هو سبب بقاء البشرية على الأرض وعدم انقراضها إلى الآن ، وهذه الغريزة شأنها شأن كل غريزة إن لم توجه وتقنن صارت وبالا على أصحابها ، وصارت نقمة لا نعمة ، لذا شرع الله لعباده الزواج وجعله آية من آياته ، وحفظا ووقاية ، بل وعبادة يثاب عليها المسلم ، وأمر أولياء الأمور بتخفيف المهور وتيسير الزواج ، وأمر الشباب والفتيات بغض البصر حفظا لقلوبهم وتسكينا لغرائزهم ، وأمر النساء بالحجاب وجعل له شروطا ، ونهى عن الاختلاط ، وأمر غير القادر على الزواج بالاستعفاف والصوم ، ونهى عن كل ما يؤدي للفاحشة وتوعد الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، وأمر الآباء والأمهات بحسن تربية الأولاد وأن يقي كل إنسان نفسه وأهله نارا وقودها الناس والحجارة ، كل هذه الأمور وغيرها جعلها الله أمانا للمجتمع من الانحدار السلوكي والخلقي ، وهي أمور كلها تتسم بالواقعية ومقبولة عقلا إذ أن الوقاية دوما خير من العلاج ، وهذه الواقعية هي شأن كل فروع وأوامر الشريعة الإسلامية ، إذ أن الذي شرع هو الذي خلق ، والذي خلق خبير بطبيعة خلقه وما يصلحهم ، لطيف بهم يريد لهم الخير في دنياهم وأخراهم (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (1)



    لذا فما نراه الآن هو نتيجة طبيعية لكسر كل صمامات الأمان في المجتمع ، مثل تعسير الزواج وغلاء الأسعار والمهور ورفع سن الزواج ، وإطلاق الشباب والفتيات أبصارهم وأبصارهن ليس في الشارع فقط ، بل في الأفلام والكليبات والأنترنت ، ومثل انتشار التبرج و"الحجاب المتبرج" ، والاختلاط والتبسط الزائد بين الشباب والفتيات والخضوع بالقول ، والأفلام والمسلسلات والبرامج المليئة بالمواضيع والتلميحات والإفيهيات التي لا تخدش الحياء فحسب بل تمزقه تمزيقا ، وقتل نزعة التدين ومراقبة الله في الشباب ، واستقالة كثير من الآباء والأمهات من وظيفتهم التربوية وتنازلهم عنها للإعلام والشارع والأصدقاء ، كل هذه الأمور تكسر صمامات الأمان والاحترام وتنطلق هذه الغريزة بلا ضوابط وينتج عنها التحرش والاغتصاب والزواج العرفي  ، بل وينتج عنها التحرش "الإرادي" الذي يشكو منه كورنيش النيل والبحر المتوسط والذي لابد أن يحارب ويعالج هو الآخرلأنه ليس أقل خطورة، أما هذه العبارات التي يروج لها الآن  كالتي خرجت تقول "من حقي ألبس زي ما أنا عايزة من غير ما حد يتحرش بيا أو يتعرض لي" فهذا كلام غير منطقي ، لأنه يستحيل أن ألقي النار على البنزين وأطلب منه ألا يشتعل ، ومن أدلة ذلك أن في أثناء تصوير مشهد تحرش جماعي في أحد الأفلام ، انقلب التمثيل إلى حقيقة ولم يستطع أحد السيطرة على الشباب الممثلين ، والسبب ببساطة أن 1+1=2 ، والاستثناء لا يقدر عليه كل أحد ، ولذلك فالشاب العفيف في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، بل إن نبي الله يوسف – رمز العفاف-  فضل السجن عن البقاء في هذا الاختبار (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) (2)

قبل أن يتحرشوا بالمحتشمة
    سؤال يزداد طرحه هذه الأيام ، إذا كان ترك الاحتشام سببا للتحرش ، فلما تتعرض المحتشمات للتحرش ؟ والإجابة في نقطتين ، أولا ما هو تعريف الاحتشام والحجاب ؟ لأننا وللأسف اختصرنا الحجاب في قطعة قماش تغطي الرأس أو بعضه ، وسمينا هذا حجابا ، وصرنا نرى في ملابس المنتسبات للحجاب ما هو أقل احتشاما من غير المحجبات ، فكما إن لكل عبادة شروطا وأحكاما للحجاب شروط وأحكام قلما تجدها مجتمعة في إمرأة محجبة بل حتى بعض المنتقبات لا يلتزمن بها ، فمن شروط الحجاب  ( أن يكون ساترا لجميع البدن – على خلاف في الوجه والكفين بين وجوب تغطية الوجه أو استحبابه – وألا يكون زينة في ذاته ملفتا للنظر ، وأن يكون سميكا لا يشف ،واسعا لا يصف ، ألا يكون معطرا ، ألا يكون به تشبه بالرجال أو غير المسلمات ، وألا يكون ثوب شهرة وتميز) فإذا كانت هذه الشروط فسأتركك أنت تحدد كم هي نسبة المحجبات الحقيقيات في مصر؟
    أما النقطة الثانية أنه ليس من العجيب أن يصل التحرش للمحتشمات ، لأن الفساد وأمراض المجتمعات عندما تعم لا تفرق بين الصالح والطالح (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (3) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ، ولم نؤذ من فوقنا ، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا)(4) ، فنجاة سفينة المجتمع مسئوليتنا جميعا ، وعلى الجميع التحرك لإنقاذها ، لذلك فالعفيف لا يتوقف دوره على كونه عفيفا في نفسه بل لابد أن ينصح ويسعى ويساهم في الحل ، والمحتشمة لا يقف دورها على احتشامها ومحافظتها بل لابد أن تنصح وتسعى وتشارك في الحل ، والأب المربي المحافظ على أولاده وبناته لابد أن ينصح ويسعى ويشارك في الحل ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (و الذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ، و لتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم) (5)
بطئ لكن أكيد
    وأخيرا ، هذا الكلام ليس تبريرا لما يحدث ، وليس مطالبة بوقف معاقبة المخطيء وليس إنكارا لأهمية الدور الأمني والقانوني ، فكلها بلاشك أمور ضرورية وعاجلة ، ولكنه دعوة لدراسة الموضوع بشكل أعمق وتناوله بشكل أشمل ودعوة للتكاتف والتكامل والإيجابية لحل هذه المشكلة ، لأننا لن نعين شرطيا لكل فتاة ، ولن نحول حقائب فتياتنا لترسانة من الصواعق والدبابيس ، وإن فعلنا كل ذلك فلن يتحقق الأمان ،لأن الأمان الحقيقي يأتي من شعور الفرد من أنه يعيش في مجتمع مليء بالحب والاحترام لا الخصومة والترقب ، وهذا يحتاج لإعادة تربية المجتمع من جديد ، يحتاج للتغيير لا للترقيع ، يحتاج لعودة كل فرد إلى مكانه الذي تركه وقيامه بدوره الذي أهمله ، وإن بدا هذا الحل بطيئا ولكنه أكيدا ،وكما استغرق الانحدار وقتا ، يحتاج الإصلاح وقتا وصدقا وإخلاصا وعزيمة .
-------------------------------------


(1)     سورة الملك الآية (14)
(2)     سورة يوسف الآية (33)
(3)     سورة الأنفال الآية (25)
(4)     رواه البخاري
(5)      حسنه الألباني – صحيح الجامع
الآيات القرآنية نسخ ولصق من موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
http://www.qurancomplex.org/
الأحاديث وتخريجها من من موقع الدرر السنية
http://dorar.net/enc/hadith/

الجمعة، 10 ديسمبر 2010

الكائنات الفضائية تهاجم مصر


الكائنات الفضائية تهاجم مصر
معتـز عبد الرحمن

     كان الأستاذ عبد الرحمن يس – أستاذ اللغة العربية بالمدرسة السعيدية الثانوية – نموذجا للمدرس المثالي ، وكان من عادته إذا دخل الفصل ووجد أوراقا ملقاة على الأرض ألا يبدأ الشرح قبل أن نقوم بتنظيف الفصل ليعودنا على التحضر، وعندما كنا نحاول التنصل من ذلك بأن نقول جميعا " مش إحنا اللي رمينا الورق" كان يأتي رده سريعا قاطعا " طالما كلكم أبرياء يبقى الكائنات الفضائية جت ورمت الورق على الأرض"،وتخرجت من السعيدية ثم من الجامعة لأجد أن الكائنات الفضائية لم تهاجم فصلي الجميل فحسب ولكنها هاجمت مصر كلها.

     فعندما تجلس مع المصريين من كل فئاتهم وتوجهاتهم تكتشف من كلامهم - وأكرر من كلامهم -  أن كل المصريين شرفاء، وكل المصريين يكرهون الفساد، وكل المصريين يحبون النظافة ، وكل المصريين متحضرين ، وكل المصريين أبرياء ومجني عليهم ، والجاني دوما مجهول ،وهذا مؤشر شديد الخطورة ، فعندما نقرأ قول الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) (1) ، نعلم أن أهم خطوات التغيير أن يصلح الإنسان من نفسه ،وهذا يتطلب أن يعترف بعيبه أولا ، فإذا أغمض الإنسان عينيه وأصبح لا يرى في نفسه عيبا يستحق الإصلاح فلن يستجيب أبدا للنصح ، وسيظل كل منا غارقا في عيوبه ينتظر من الآخرين أن يغيروا ما بأنفسهم، وبالتالي لن تخرج أمتنا من كبوتها أبدا.

بلد مفيهاش رجالة
    وكمثال حي على ما أقول، يروي أحد الدعاة أنه كان هناك رجل يحضر دروسه بانتظام ، وعلم هذا الداعية أن لهذا الرجل ثلاث بنات كلهن متبرجات ، فلما أراد أن ينصح الرجل بطريقة مؤدبة فتح معه حديثا غير مباشر وقال له " مش عارف يا حج البنات اللي ماشية متبرجة في الشارع دي إزاي آباءهم وإخواتهم سايبنهم يخرجوا كده؟) فتنهد الرجل وقال بمنتهى القوة " والله العظيم يعم الشيخ البلد دي مبقاش فيها رجالة" .
   
     فقل لي بالله عليك مثل هذا الرجل كيف يُنصح؟ وكيف سيفيق؟ إن لم يتغمده الله برحمته ، وهذا ما أعنيه ، ففي بلدنا الآن تجد أن الراشي والمرتشي هما  أكثر من يشتكي من انتشار الرشوة ، وأن الظالم هو أكثر من ينتقد انتشار الظلم ، وأن من يلقي قمامته في الطريق هو أكثر من يصف البلد بالقذارة ، وأن الذي يشكو جشع التجار وإهمال الأطباء ونصب المحامين هو نفسه لا يتقن عمله ولا يتق الله فيه ، والذي يتعدى السرعة القصوى ولا يحترم قواعد القيادة ينتقد كثرة الحوادث ، بل إنني عندما تابعت ردود الأفعال على مقالتي "انفصاميون بلا حدود "(2) لم أفرح كثيرا بثناء القراء عليها لأنني صدمت أن معظم الانفصاميين الذين أعرفهم أسقطوها على غيرهم ولم ينظروا إلى أنفسهم ، واعتبر كل منهم أن الكلام موجه لكل الناس إلا هو ، فعلمت أنه قد صدق فينا قول (يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه ، وينسى الجذع في عينه ) (3) فكل منا يرى عيب أخيه ولو كان كالقشة ولا يرى عيب نفسه ولو كان كجذع النخلة ، وهذه عقبة كؤود أمام الإصلاح لابد أن تعالج بقوة وبسرعة.

دع المنصة وادخل القفص
    فينبغي على كل منا أن ينزل نفسه من على منصة القاضي التي طالما أجلسها عليها تكيل الاتهامات للآخرين وتبريء نفسها من كل عيب ، وأن يدخلها قفص الاتهام ليحاكمها ، وإن صدق في محاكمته لها سيجد أنها بلا شك لها ولو دور بسيط فيما يحدث لبلدنا وأمتنا من إنحدار ، فليس من المعقول أن تصل أمتنا إلى هذا الحال المزري وأهلها مصلحون ، فليتأمل في أعماله وأقواله كلها ويعرضها على الدين ، فما وافق منها الدين أثبته وما خالف الدين تخلص منه في الحال ، ثم ينذر عشيرته الأقربين وينظر في حال زوجته وأولاده ، ويدقق ويتابع ، ولا يكون كصاحب الداعية الذي ذكرناه عاليا ، ثم ينتقل لمن حوله ويخرج لهم ناصحا لا قاضيا ، مذكرا لا ناقدا (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )(4)  واعتبر أن مقالتي هذه وكل نصح تسمعه موجه لك وحدك دون غيرك ، فانشغل بمحاسبة نفسك عن تتبع عيوب الآخرين.

    هكذا يمكننا أن نخرج مما نحن فيه ، ويكون التناصح له قيمة وتتحرك عجلة الإصلاح والتغيير، أما إذا استمر الجميع على عيوبهم وأخطائهم ، واكتفوا بانتقاد الآخرين، وبنسج قصائد الهجاء ، وإقامة اللطميات ورثاء الزمن الجميل ، مستغرقين في نومهم الثقيل ، فلا يتعجبوا من استمرار ليلهم الطويل ، وانحدارهم جيلا بعد جيل.
----------------------------------------------------------------

(1)     سورة الرعد الآية (11)
(3)     لم أستطع التثبت من كون هذا القول حديث أم قول لأبي هريرة رضي الله عنه فتورعت أن أنسبه للنبي صلى الله عليه وسلم أو أنفيه عنه. وفي حال أنه قول لأبي هريرة فهو بلا شك له وجهاته واحترامه.
(4)     سورة التوبة (71)
الآيات القرآنية نسخ ولصق من موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
http://www.qurancomplex.org/

الجمعة، 3 ديسمبر 2010

برج الأسد ، وبرج الحمل


برج الأسد ، وبرج الحمل
بين أمجاد الغرب ، وأوهام العرب
معتـز عبد الرحمن

    أراد الحمل يوما أن يصير قويا ، بعد أن أصبح مثالا يضرب في الضعف ، فاستشار المخلصين ، فأشاروا عليه إن أردت القوة فتخلص أولا من قلبك الجبان ، وتخلص من دهون جسدك العتيدة التي زادت من كثرة الأكل والنوم ، وتدرب واعمل على تقوية عضلاتك وأعصابك ، فلما استطال الطريق واستصعبه ، قال ولما أتعب وأنا غني ، أملك صوفا كالذهب ، فباع صوفه واشترى جلدا مستعارا يشبه جلد الأسد ، فارتدى الجلد وصار يرتع في البرية ، فما إن شمه أحد الكلاب نبح عليه ونزع عنه الجلد المستعار ، فركض الحمل هاربا ، تطارده الذئاب والكلاب ، حتى اختبأ بين الأشجار وحيدا باكيا حتى قتله الخوف و البرد بعد ما فقد كل ما يملك ، فما هكذا يا حمل تطلب القوة ، وما هكذا يا عرب يطلب المجد.  

ساعات وأبراج وتنظيم بطولات ، ويا قلبي احزن

عندما تم تفعيل العمل بتوقيت جرينتش عام 1883 واعتبر الخط الطولي المار بالمعهد الفلكي البريطاني هو الخط صفر ، لم يكن السبب في ذلك هو وجود ساعة ضخمة في جرينتش يتحاكى العالم بها وبتبذير أصحابها ، وإنما كل ما في الأمر أن بريطانيا كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ، ورائدة الثورة الصناعية ، فلا أدري لما ظن أصحابنا أن فرض توقيت مكة المكرمة – الذي أؤيده بلا شك – سيأتي عن طريق بناء ساعة ضخمة ذات محرك "ألماني" ، إن ساعة لا تستطيع صناعة وصيانة محركها لا تعطيك أبدا مجدا ولا هيمنة ، والمليارات التي أنفقت عليها – في أمة مليئة بالدول الفقيرة والمحتلة – تعكس مفهوما مغلوطا للنهضة والقوة ، هذا إن كان غرضهم من بناء الساعة فعلا كما يقال أنه خطوة لفرض توقيت مكة المكرمة ، أما إذا كان دون ذلك فهو أمر لا يستحق التعليق.

أما عن الأبراج فحدث ولا حرج ، فلا أدري ماذا كسبت الإمارات ببرجها الذي يضايق السحاب ، وماذا خسرت أمريكا بسقوط برجيها – سوى إقحام نفسها في حرب خاسرة مع المسلمين بالطبع-  وماذا خسرت تايوان وماليزيا بعد أن تفوق برج دبي على أبراجهما في الارتفاع ،وهذا هو الفرق بين برج الحمل وبرج الأسد ، برج الأسد هو مجرد مظهر من المظاهر الطبيعية لتقدمه وتطوره وقوته ، فإن سقط أو تفوق عليه أحد في البناء فهذا لا يضير الأسد في شيء ولا ينتقص من قدره ، أما برج الحمل فهو مظهر دون جوهر وقشر دون لب.

وأخيرا حدث الساعة ، فوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022 والذي ينتظر أن يرى فيه من العجائب ما لم يره أحد من قبل ، ولو كانت هذه العجائب ستكون بإيدي القطريين لصبرت نفسي ، ولكن للأسف سيكون دور قطر فيها مجرد ممول يدفع المليارات لينال عن جدارة لقب "إخوان الشياطين" (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)) الإسراء.
والفرحة العارمة التي تجتاح الوطن العربي الآن بهذا الحدث ليست دليلا – كما يدعي البعض – على الوحدة والقومية العربية ، وإنما تشير للأسف أن ثقافة الحملان مسيطرة على معظم العالم العربي ، وأن الذي يمنع كثير من الدول العربية من السقوط في الإسراف ليس الحكمة ، ولكن يمنعها أنها لا تملك الصوف الكافي للتمويل ، وفرحة العوام بهذا الحدث تدل على أن الخطأ ليس في مفاهيم الحكام والأمراء وحدهم ، بل أن الشعوب نفسها تحتاج لإعادة صياغة لمصطلحاتها ومفاهيمها.

وأخيرا ،، المجد صناعة ، لا سلعة

   ما ذكرته عاليا ليس كل شيء ، وإنما مجرد أمثلة أنتم تعلمون أكثر منها بكثير ، فينبغي على أمتنا أن تفيق ،  فالمجد يصنع ولا يشترى ، المجد عصارة مجهود وكفاح السنين ، وليس ماءً محلى بمكسبات الطعم والرائحة ، المجد ينتج عن قوة حقيقية علمية واقتصادية ومعنوية ، لا عن مجرد أموال وجدت – قدراً – في الصحراء والحقول البحرية ، إن مجرد وجود مال وفير إن لم يطعم بالمجهود والفكرالواعي والعمل الحقيقي يصير مجرد وسيلة للظهور والتفاخر ، يصير مجرد ديكور أسد يغطي جسد الحمل الضعيف ، أما الأسد الحقيقي فهو الذي يعتمد على ربه أولا ثم يبذل جهده وعرقه وفكره فيتحول القليل في يده إلى كثير ، ويتحول التراب في يده إلى ذهب ، وترى على يديه العجب.

السبت، 27 نوفمبر 2010

حتى لا نسقط في مقبـرة المجتمعـات



حتى لا نسقط في مقبرة المجتمعات
معتز عبد الرحمن
رغم أن الظلم بشكل عام هو أقوى مسمار في نعش أي أمة ، إلا أني فضلت أن أتكلم عن نوع خاص من أنواعه أراها- في وجهة نظري – هي الأخطر على الإطلاق، فالإنسان قد يُظلم مرة ويتم انصافه مرات ، أو يظلم مرات وينصف مرات ، ففي كل موقف يظلم فيه يحزن ويغضب ولكن لا يفقد الأمل في أن يعود له حقه أو على الأقل ألا يتعرض للظلم في المواقف المستقبلية ، أما إذا شعر الإنسان أنه مظلوم اليوم وسيكون مظلوما غدا وبعد غد ، وأن تصبح حسناته سيئات ، وسيئاته كبائر ، وكبائره كفر، ويشعر أنه المتهم الأول في كل المصائب وإن لم يكن له فيها ناقة ولا جمل ، ويكون منسيا في الخيرات مهما ساهم فيها بجهد وعمل ، فهذا هو عين الشعور بالاضطهاد ، قال تعالى في وصف اضطهاد آل فرعون لنبي الله موسى وقومه  (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (131)) الأعراف
فالشعور بالاضطهاد هو المقبرة التي تستطيع أن تضم جثمان أي مجتمع مهما كانت عراقته وقوته.

الشعور بالاضطهاد بين الحقيقة والوهم
ولعلك لاحظت أيها القاريء الكريم أنني استخدمت لفظ (الشعور بالاضطهاد) ولم استخدم لفظ (الاضطهاد) وذلك لأن المجتمع يتعرض للخطر لمجرد وجود هذا الشعور حتى وإن لم يكن حقيقيا ، فليس كل من شعر بالاضطهاد مضطهدا في الواقع ، فالاضطهاد منه الحقيقي والوهمي ، الحقيقي هو الذي تقوم عليه دلائل ظاهرة بينة من الواقع تبين أن هذا الشخص أو هذه المجموعة موضوعة تحت النظارة السوداء كما ذكرنا آنفا ، فهي معرضة للنقد أساءت أو أحسنت ،حقوقها دوما مسلوبة وإذا أخذت منها شيئا يكون على سبيل المنحة لا الحق ، والاضطهاد الوهمي هو شعور دخيل في نفس من يريد أن يشعر بالاضطهاد ، كل أدلته تفسيرات مريضة للأحداث العادية التي تحدث كل دقيقة لكل الناس ، يعيش كامل الحقوق محمود العمل ، إلا أنه استطاب دور الضحية لأسباب نفسية وأحيانا سياسية.

الشعور بالاضطهاد داء الفرد والجماعة
لقد أعتدنا دوما عند تناول مسألة الاضطهاد أن تنصرف أذهاننا نحو قضايا الأقليات وحقوقهم ، وهذا – في تقديري - تناول قاصر، فمسألة الشعور بالاضطهاد تصيب الأفراد والجماعات على حد سواء ، فلابد أن نعتني بالفرد وحقوقه كما نعتني بالجماعة ، لإن الفرد هو لبنة في هذا المجتمع فإذا تركنا نيران الشعور بالاضطهاد تأكله فهذه أول ثغرة في جدران المجتمع ، وإذا تتابعت مع أفراد هنا وجماعات هناك انهار المجتمع على من فيه، لذا سأحاول في السطور القادمة أن أناقش باختصار مظاهر وآثار كلا النوعين – الحقيقي والوهمي – على كلا العنصرين – الفرد والجماعة.

الاضطهاد ، قتل المواهب وصناعة التطرف
لا تكاد تخلو عائلة من فرد تعامله بقية العائلة باضطهاد ، لا تكاد تخلو مؤسسة من موظف موضوع في القائمة السوداء ، لا يخلو مجتمعنا – للأسف – من نماذج كثيرة ممن يطلق عليهم في لغة الناس الآن "المغضوب عليهم" ،ورغم أن الاضطهاد لا يبرره شيء أبدا ، إلا أنك لا تجد في صحيفة هؤلاء شيئا يستحقون عليه ولو جزء مما يلاقونه من "ديمومة الظلم" ، لا تجد أسبابا غير الأهواء الشخصية – الشريكة العظمى في كل مشاكلنا الاجتماعية – وربما الغيرة والرغبة في تحجيم النجاح ، ويزداد عجبك عندما تجد في بعض الأحيان أن السبب هو مجرد الإهمال في اكتشاف ومتابعة المواهب وتطويرها ، ويزداد سخطك عندما تجد أن أسباب الاضطهاد كلها صنعت بإيدي المضطهـِد المريضة ، يستفز بها المظلوم لتصدر عنه ردود أفعال تكن بعد ذلك ذريعة الاضطهاد.

وتأخذنا هذه النقطة إلى مسألة اضطهاد الطوائف والفئات ، فممارسة الاضطهاد ضد طائفة معينة لا توقف فكرا ولا تغير توجه ، وإن تغير فإنه يتغير إلى الأسوأ ، فليس كل مظلوم قادر على الصبر فشعور الفئة بالاضطهاد دون سبب – خاصة إذا كانت هذه الفئة هي الأقرب للصواب ولإخلاق المجتمع وقيمه – قد يؤدي لردود أفعال غير محمودة ، فيتحول الاضطهاد التعسفي إلى اضطهاد مبرر ، ويزداد الضغط على هؤلا المضطهدين من باب حماية المجتمع من شرورهم ، وتظل المزايدة بين الفعل ورد الفعل ، حتى تخرج الأمور عن السيطرة ، ويدفن المجتمع في المقبرة.

فكلا الأمرين خطير ، فاضطهاد الأفراد يورث الإحباط ويقتل المواهب ويخسر الأمة الكثير من كوادرها وثرواتها البشرية ، واضطهاد الطوائف والفئات يصنع التطرف ويخلق الكراهية ويحجب العقول ويدخل المجتمع في دوامات يصعب إيقافها وأمراض يصعب علاجها، وعلى كل من يساهم في كليهما أن يعد من الآن جوابا للسؤال أمام الله تعالى عندما يجد في صحيفة سيئاته " تدمير مجتمع مسلم" ، وعليه أن يتذكر (اتقوا الظلم . فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ) رواه مسلم، وعليه أن يتذكر (يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما . فلا تظالموا) رواه مسلم ، وعليه أن يتذكر (الظلم ثلاثة ، فظلم لا يتركه الله ، و ظلم يغفر ، و ظلم لا يغفر ، فأما الظلم الذي لا يغفر ، فالشرك لا يغفره الله ، و أما الظلم الذي يغفر ، فظلم العبد فيما بينه و بين ربه ، و أما الظلم الذى لا يترك ، فظلم العباد ، فيقتص الله بعضهم من بعض) حسن لشواهده، السلسلة الصحيحة.

توهم الاضطهاد ، تبرير العجز وصناعة الفتنة

"حجة البليد" هو ما أستطيع أن أصف به ذلك العاجز المقصر عندما يدعي أن تقصيره بسبب ما يتعرض له من اضطهاد من روءسائه وزملائه وإخوته وأقاربه ، فإنه يُمنح كل الفرص ويأخذ كل الحقوق ومع ذلك لا تكاد أسطوانة الشكوى تتوقف أبدا ، وقد يكون بداية الأمر موقف تعرض فيه فعلا للظلم أو لعدم التقدير، لكنه يسقط ذلك الموقف على كل مواقف حياته التالية ، ويفسر كل المواقف بشكل سلبي ، وعلى حد علمي أن هذا الشعور الوهمي قد يؤدي لمرض نفسي ويدخل هذا المريض في دوامة لا يعلم مداها إلا الله.

أما إذا أردت تدمير مجتمع آمن مستقر، تعيش كآفة طوائفه في تكامل بديع وسلام اجتماعي لا يوصف ، لا تحاول أن تحاربه عسكريا ولا حتى اقتصاديا ، بل أيسر ما يمكنك فعله أن تسرب ثقافة الشعور بالاضطهاد إلى أحد أو بعض أقلياته ، وأن تغطي أعينهم بسحابة سوداء من دخان الوهم والكراهية ، فإذا تم الإحسان إليهم فسروه بأنه مكر وخديعة ، وإذا تعرضوا لإساءة - يتعرض لها كل أبناء المجتمع من كل الطوائف - فسروها بأنهم هم المستهدفون بها ، وإذا كانت التفسيرات المريضة للأحداث لا تكفي لتبرير دور الضحية ، فلا مانع من تأليف بعض القصص الوهمية التي قد تضحكك من سذاجتها إلا أنها تشعل نيران الفتنة في قلوب من استهوى الفتنة واستطاب الشعور بالاضطهاد ، إن هذا التوهم هو أكبر مصانع الفتنة وأيسرها في أي مجتمع ، ونتائجه قد تكون أخطر من نتائج الاضطهاد الحقيقي الذي ذكرته آنفا لأنه في هذا الحالة يكون موجها مدبرا ، لذا فينبغي لأولي الألباب ألا يسقطوا فيه ، ويبحثوا عمن وراءه وعن المستفيدين منه ، ويتصدوا لهم ويوقفوهم ، ويأخذوا على يد كل من عاونهم من داخل المجتمع - بعلم أو بجهل - إن كانوا صادقين في حبهم للمجتمع وكراهيتهم للفتنة.

وأخيرا ، تنبيه وعون ودواء
إن هذا الموضوع كان من أصعب ما كتبت ، وهممت أكثر من مرة بالتوقف عن إتمامه ، إلا إن ما أراه حولي في مجتمعنا وفي العالم أجمع دفعني للاستمرار ، لعل الله يجعل في كلماتي تنبيها وعونا ودواء.
 تنبيها للأمة عامة على خطورة هذه الظاهرة وأهمية التصدي لها  ، وتنبيها لكل من يساهم في اضطهاد وظلم أي فرد أو فئة أن يتقي الله وألا يستهين بفعله هذا وأثره على المجتمع وألا يستهين بدعوة المظلوم وأثرها ، وألا يستهين بجزاء الظلم يوم القيامة فهو كما ذكرنا ظلمات وكرب (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) )سورة إبراهيم.
 وعونا للمظلوم  فأقول له صبرا فلكل ليل نهاية  (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(128) ) الأعراف ، ولا تحبط ولا تستسلم ، وأسعى وراء حقوقك دون أن تسقط في دائرة التطرف أو تخرج عن الصواب ، فحقك إن لم تأخذه في الدنيا فستأخذه في الآخرة بلا شك وسترى من ظلمك أمامك مفلسا (أتدرون ما المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع . فقال : إن المفلس من أمتي ، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا . فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته . فإن فنيت حسناته ، قبل أن يقضى ما عليه ، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه . ثم طرح في النار) رواه مسلم.
 ودواء لمرضى الأوهام ليفيقوا من أوهامهم ويعملوا عقولهم ، ولا يكونوا معولا للهدم ، ولا يسقطوا المجتمع في فتن تطيش فيها العقول وتجعل الحليم حيرانا.
 ---------------------------------------------------------------------------------
الآيات القرآنية نسخ ولصق من موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
http://www.qurancomplex.org/
الأحاديث النبوية (وراويها ) نسخ ولصق من موقع الدرر السنية – الموسوعة الحديثية
http://dorar.net/enc/hadith

الخميس، 18 نوفمبر 2010

التعليم المصري ،، الفاشل ديما على حق


التعليم المصري
الفاشل ديما على حق
معتـز عبد الرحمن
لم أصدم أو أفاجأ عند قرائتي عن الدراسة التي تناولتها وسائل الإعلام مؤخرا والتي تفيد أن نسبة 97% من طلاب الثانوية العامة لا يجيدون القراءة ، إذ أنني أرى بعيني مباشرة ودون دراسات نسبة كبيرة من خريجي كليات القمة لا يجيدون القراءة والكتابة باللغة العربية، اللغة الأم الثكلى التي تفقد أولادها يوما بعد يوم ، وإنما الذي استفزني كثيرا ودفعني لكتابة هذه السطور هو أحد البرامج التي تناولت هذا الموضوع في التلفزيون المصري حيث استضاف البرنامج أحد أساتذة التربية لمناقشة هذه الدراسة ، وفي الجزء الصغير الذي شاهدته من الحلقة راح الأستاذ الكريم يتحدث عن تاريخ الانحدار الذي وصلنا إليه وأخذ يضرب أمثلة مما كان يدرس في الصف الأول الابتدائي من شعر ونثر عربي فصيح منذ عقود وكيف فرغت مناهج اللغة من مضمونها حتى صرنا إلى هذه الحال ورأينا هذه النسبة المؤسفة ، المفاجأة كانت في المذيعة التي لم تستنكر الحال البائس لطلابنا اليوم ، بل طفقت تستنكر على الأستاذ أن يدرس هذا الكلام في الصف الأول الابتدائي ، وتهاجم المناهج القديمة وتصفها بالصعوبة والتعقيد ، هذه المناهج التي أخرجت علماء وأدباء ومفكرين لا نرى مثلهم من خريجي هذا العصر إلا قليلا ، وبمزيج من التأمل ومراجعة ذكريات الدراسة علمت أن هذه اللهجة كان لها دور خطير فيما وصلنا إليه الآن.
الصمود ، أضعف الإيمان
بلا شك تعليمنا يحتاج إلى تغيير حقيقي ، والمناهج التي تدرس الآن تحتاج إلى إعادة بناء ، والوسائل المستخدمة تحتاج إلى تطوير ، لكن في ظل غياب ذلك كله ، أضعف الإيمان ألا ينحدر المستوى أكثر وأكثر ، وألا ننتقل من السيء إلى الأسوأ ، مقولة أن كل جيل أسوأ - خلقا وعلما -  من الذي قبله للأسف واقعية لا أنكرها ، لكنها تستخدم بشكل مؤسف في العملية التعليمية – خاصة الجامعية – فعندما كنا طلبة تم إلغاء كثير من العناصر الهامة في مناهجنا تحت شعار أن مستوانا أقل من الذين قبلنا ولن نستوعبها ، وعندما تخرجنا وتقابلنا مع من بعدنا أخبرونا بأن هناك أشياء مما كنا ندرسها تم إلغاؤها لأنهم أقل مستوى منا ، إذن فمن المتوقع خلال سنوات أن يدرس في كلياتنا منهج ميكي ماوس وبكار ، ويكون مشروع التخرج عبارة عن حل لمسابقة المتاهة أو إيجاد الاختلافات السبع ، والغريب أن رغم كل هذا الحذف فالحشو كما هو ، فلا يلغى إلا كل ما يستلزم أن يستخدم الطالب عقله والعياذ بالله ، ولأن الطالب لا يريد أن يستخدم عقله ، ولأنه هو العميل ، والعميل دائما على حق ، صار الطلاب الفشلة هم واضعوا المناهج الحقيقيون.

على الأقل ، الجامعة تستطيع

    نعم إن حل هذه المشكلة في التعليم قبل الجامعي يحتاج لتغيير شامل تقوم به الوزارة بنفسها - مع وجود دور على الأفراد سأناقشه لاحقا - لكن في ظني أن هذه المشكلة في الجامعة تحت السيطرة بشكل أكبر ، إذ أن الأساتذة كأفراد لهم الدور الأكبر في اختيار المناهج وفي أسلوب التدريس والتقييم ، وإذا كنت تظنني واهما ، وكلامي غير واقعي ، فهناك نماذج واقعية من الأساتذة الذين رفضوا الانصياع لهذه الظاهرة ، ويرفضون الانصياع لتعليمات ( نجح الطلبة عشان نفضي أماكن) ، ولا أعني هنا الأساتذة المتعنتون الذين يتخذون الطلاب خصوما ، ويعتبرون رسوبهم شرفا ومتعة ، إنما أعني هؤلاء الأساتذة الذين كانوا يبذلون كل جهدهم في الشرح والتدريس ويطلبون من طلابهم أبحاثا وأنشطة عملية تزيد وتثبت معلوماتهم ، ويضعون امتحانات تقيس مستوى الفهم دون الحفظ ، ويرفضون مطالبات الطلاب الكسالى بإلغاء الأبحاث والأنشطة ، ويرفضون رفع درجات الطلاب الراسبين – في الامتحان المنصف ، إذ أنهم يرون أن نجاح طالب لا يستحق النجاح جريمة في حق المجتمع ، لقد كان هؤلاء الأساتذة مكروهين من كثير من الطلبة ، وربما لا تنتهي غيبتهم من على الألسنة ، في حين أن الآخرين الذين كانوا يعطون الامتحان في المحاضرة الأخيرة محبوبون للغاية ، لكنني اليوم بعد تخرجي لا أذكر سوى الذي علمني وإن بدا قاسيا ، وربما لا أذكر اسم صاحب الحنان الكاذب ، وهذه ليست النهاية وسيأتي يوم ينفع الصادقين صدقهم ويندم من أعجبته كثرة الخبيث وأطاع أكثر من في الأرض ووضع بيديه مسمارا بل ألواحا في نعش هذه الأمة.


معذرة إلى ربكم
ولأنني لا أحب الصراخ والعويل ، والنداءات والالتماسات ، فلا أوجه كلامي للهيئات والوزارات ، بل أوجهه دوما لأفراد المجتمع بما يناسب امكانيات كل فرد منهم ، وإن قلت لي  ، وما يفعل هؤلاء في ظل منظومة تعليمية كاملة تعاني من الفشل منذ سنوت طوال؟ الأجابة (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) ) الأعراف ، هذا هو منهج المخذلين ورد المصلحين عليهم على مدار العصور، ليس في الدعوة فقط كمناسبة الآية ، وإنما في كل ما يخص صلاح المجتمعات ، بما فيها قضيتنا ، لذا فأنا أنادي الأساتذة وأولياء الأمور والطلاب :
أستاذي العزيز لو خذّلك أحد وحاول تييئسك ، قل له معذرة إلى ربكم ، إذا قال لك لا فائدة مما تفعل ، قل له معذرة إلى ربكم ، إذا قال لك (هو أنت هتغير الكون) قل له معذرة إلى ربكم ، ولكني أوصيك أستاذي ومعلمي أن تكمل الآية (ولعلهم يتقون) فلا تكن نيتك مجرد أداء الواجب للمعذرة أمام الله تعالى حتى لا يفقد عملك الروح ، بل لا تفقد الأمل أبدا أن أداءك لواجبك سيؤدي يوما للإصلاح ، وأن من تلاميذك من سيأخذون علمك ومنهجك وسمتك وينتشرون في الآفاق يعملون به ويصلحون فتنال الحسنيين ، الإعفاء من المسئولية أمام الله والمشاركة في تحقيق الإصلاح.
 ولا يعني تركيزي على أساتذة الجامعة أن هذا لا ينطبق على أساتذة المدارس والدروس الخصوصية ، بل هم أيضا قادرون على المساهمة ، وإن قلت مساحة حريتهم وانحصرت في تطوير أسلوب الشرح وتوصيل المعلومة ، لكنه دورهم ولابد أن يقوموا به معذرة إلى ربهم ، وأيضا هناك نماذج واقعية قابلتها على مدار دراستي لا أنساها حتى اليوم ، أسأل الله أن يثبتهم ويكثر منهم ويجزيهم عنا خيرا.

وأما عن أولياء الأمور – خآصة أولياء أمور طلاب ما قبل الجامعة ، هؤلاء الطلاب أولادكم وفلذات أكبادكم ، وقدركم أنكم في عصر لا يكفي أن تسلموا عقول أبنائكم للمدرسة ومناهجها ، فلابد من متابعتكم وتدخلكم الدائم ، ليس للتأكد من أنهم قادرون على حل الامتحانات ، فالمدرسون الخصوصيون الذي يفرغون جيوبكم كل شهر كفيلون بذلك ، وإنما لتنشطوا عقول أبنائكم ، ولا تسلموها غنيمة باردة لمناهج الحفظ والاستظهار، علموهم استخدام عقولهم في انشطة خارج الدراسة ، علموهم القراءة ، اجعلوا في ألعابهم ألعاب التفكير والتحليل ،  بل وعلموهم ممارسة الرياضة ، لا تغض طرفك عن تراجع عقلية ولدك وقدراته على الفهم مبررا ذلك بمجموعه الكبير آخر كل عام ، لا تنخدع بهذا( المجموع الكبير) فأنا وأنت نعلم كيف يحصلون على هذه الدرجات من الحضانة إلى الثانوية العامة التي لا يجيد أكثر من 97% من طلابها القراءة.

أما عن أخي الصغير ، فأقول لك أنا أعلم جيدا ما تواجهه من ضغوط فأنا حديث العهد بالدراسة ، ولكن لا تستسلم ، ولا تستصعب شيئا فأنت لست بغبي ولا ضعيف ، واهتم بما يطلب منك من أبحاث وتقارير أكثر من اهتمامك بالواجبات والشيتات ، لا تمرر شيئا دون فهمه ، وإن لم يساعدك أستاذك فالانترنت موجود ، ولا تقل سأفهم بعد الامتحان فهذا اليوم لن يأتي ، وتدرب على مجال دراستك في أجازاتك فهذا يساعدك على معرفة الغث من السمين والذهب من الطين ، فتعطي لكل نقطة حقها من الاهتمام ، وإن عجزت عن تحقيق الكمال ، فتذكر دوما أن ما لا يدرك كله لا يترك كله.

كتابات سابقة مشابهة
الهجرة من المدرجات إلى الملازم والكورسات
أتعلم ولا أجيب تقدير؟!

إيميل الكاتب
Moataz.abdelrahman@yahoo.com

السبت، 30 أكتوبر 2010

لو سألوكي




لو سألوكي عني يا أرض
هتقولي إيه؟

لو سألوكي عن مشيتي
عن نظرتي
عن كلمتي
عن سكوتي
 ******
لو سألوكي عن ضحكتي
عن دمعتي
عن صرختي
بعلو صوتي
  ******
لو سألوكي عن جبهتي
وهي بتحضنك في سجدتي
لو سألوكي عن المعاصي
عن المآسي
لو سألوكي إزاي ومنين
كسبت مالي  وقوتي
  ******
لو سألوكي هتحزني
لما يلبس الكفن
وفي بطنك يصيبه العفن
ولا يا ترى هتفرحي
وتضحكي وتمرحي
أخيرا الظالم اتدفن
  ******
ولا حياته عندك زي موته
وكلامه عندك زي سكوته

طب قولولي إزاي هسمع له صوت
ده من يوم ميلاده لحد الموت
ركب الموجة مكان ما تروح
في وسط القطيع يقول براحته
لكن لوحده
صوته مبحوح
  ******
لا فاكرة له موقف ولا حتى كلمة
دبح وجوده بسكينة تلمة

أكل وشرب وإتجوز ومات
عاش من سكات ومات من سكات
يمين ماشي ، شمال عادي
أصله ابن حلال وطيب وهادي
لو سألوكي قولي ولادي
ولد مؤمن
وولد ظالم
وأكتر ولادي ، الشاب عادي

انفصاميون ،، بلا حدود



    لا أحتاج أن أقدم كثيرا لكلماتي التالية، فهو موضوع واضح ملحوظ لكل ذي لب وتأمل ، وقد ترددت كثيرا في الكتابة عنه خاصة أن الكثيرين قد سبقوني إلى ذلك ، لكن ربما أردت أن أتناوله بشكل مختلف لم أجد – فيما قرأت – تناولا مشابها.

     منذ سنوات أعتدنا في مجتمعنا على بعض المشاهدات التي كانت تعكس ظاهرة الانفصام وانتشارها ، تسمع عن الملتحي المدخن وإمام المسجد سارق التبرعات ، والراقصة المتصدقة والمطرب كافل اليتامى ، حتى صرنا نسمع مقارنات ساذجة مثل أيهما أفضل مصلي لص أم غير مصلي شريف ؟ ومحجبة سليطة اللسان  أم متبرجة خلوقة ؟ وكان الكثيرون يرون دوما أن ضعف الوعي الديني في المجتمع هو السبب الرئيسي في هذا الانفصام ، فلم يكن هناك منهجا متكاملا لتربية الفرد وتهذيبه ، فهؤلاء يهتمون بالعبادات دون المعاملات ، وهؤلاء يهتمون بالمعاملات دون العبادت ، لأن كلا منهم لا يعلم سوى ما وجد عليه آباءه ، فلم يستكمل ما ينقصه فتولد الانفصام ، وعندما بدأ الوعي الديني في الانتشارفي السنوات الأخيرة حدث ما لم يتوقعه أحد ، فقد أظهر هذا الانتشار مدى عمق الانفصام الذي نعانيه ، وأن الذين لخصوا علاج الانفصام في أنه مجرد وصول المعلومة كانوا واهمين ، وتبين للجميع أن علاج الانفصام طريق طويل ، أطول من علاج مرض السرطان ، لأنه بالطبع أخطر من السرطان.

الشفاء من الانفصام لا يعني العصمة

    وفي البداية يجب أن أشير أن الانفصام الذي أعنيه ليس أن يفعل الانسان حسنات وسيئات في آن واحد ، فكل ابن آدم خطاء ، ولا يسلم رجل مهما كان صلاحه من سيئات ومعاصي ومخالفات ، فإن العصمة قد دفنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي عهده صلى الله عليه وسلم  وصحابته – خير القرون – ارتكبت كبائر وأقيمت حدود ولكن لم ينقص ذلك من مقدارهم شيئا ولم يفسد مجتمعهم ، لأن الطاعة والاتباع كانا المنهج والأصل والمعصية كانت الاستثناء والخطأ الذي هو صفة لبني آدم ، فلم يستحلوا حراما ولم يبرروا لأنفسهم الأخطاء ، لذا قال تعالى في صفات المتقين (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) ) سورة آل عمران ، وقال تعالى (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(102) ) سورة التوبة ، وبالطبع ينبغي على المسلم ألا يهمل في علاج ذلك الأمر وأن يكون سريع التوبة معالجا لأسباب المعصية حتى لا تجتمع عليه الصغائر فتهلكه ، وتسبب السيئات ظلاما في قلبه ، ولكن انفصام المنهج هو الخطر الأكبر الذي يجب التصدي له.

انفصام المنهج هو المرض الحقيقي

    فكرت كثيرا في تعريف انفصام المنهج، حتى تذكرت أني قرأته في كتاب الله في آيات بليغة، قال تعالى في سورة النور (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ  (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ(49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)) ، فتطبيق الدين عند مريض الانفصام ليس مرتبطا بإيمانه المطلق أن الدين خير منهج للحياة ، ولكنه مرتبط بمصالحه الشخصية ، فإذا كان تطبيق الدين في موقف ما يعطيه حقوقا فبها ونعمت ، وإن كان يلزمه بواجبات أو يسلبه حقوقا أخترعها لنفسه فلا دين في الحياة ولا حياة في الدين ، وهذا الذي يجعلك ترى رجلا متدينا في مسجده وشارعه وربما داعية وإمام ، علمانيا في عمله ، ديكتاتورا في بيته ، فاسدا مع صحبته ، يأخذ من الدين ما شاء ويترك ما شاء كقوله تعالى في سورة البقرة عن بني إسرائيل عندما طبقوا بعض أحكام الكتاب وتركوا بعضها ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)) .
     لذا ترى في ديننا ربطا كبيرا بين أمور الدين وبعضها ، ليتبين للناس أن هذا الدين كلٌ لا يتجزأ فاقرأ معي على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى في سورة العنكبوت (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصوم (من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم (.....ثم ذكر الرجل يطيل السفر . أشعث أغبر . يمد يديه إلى السماء . يا رب ! يا رب ! ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام . فأنى يستجاب لذلك ؟ ) رواه مسلم

أسباب الانفصام
    أظنها كثيرة ، ولكن في تحليلي هناك ثلاث أسباب رئيسية ينبغي علاجهم عند مريض الانفصام
أولا: اتباع الهوى: فاتباع الهوى سبب رئيسي في الانتقائية كما ذكرنا ، فمرحى بالدين إذا وافق الهوى ، وإذا خالف الهوى فلم تريدون إعادتنا أربعة عشر قرنا للوراء ، واتباع الهوى دائما مذموم في كتاب الله ، وسببا رئيسيا في الضلال ،قال تعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ  (23) ) سورة الجاثية ، وقال تعالى (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)) القصص

ثانيا: عدم فهم الدين : فالكثيرون لا يفهمون أصلا معنى الدين ، ما معنى أن يتدين الانسان بالإسلام ، وما معنى الإسلام ؟ فالإسلام هو : الاستسلام لله تعالى بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك ، فكيف للمستسلم المنقاد لله بالطاعة أن يختار شيئا ويترك شيئا ، وهذا ليس تحليل ولكنه متضح في قوله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا(36)  ) الأحزاب ، وقال تعالى (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)) النساء ، والآية الجامعة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ  (208) ) البقرة ، ومعنى الآية ادخلوا في شرائع الإسلام كلها ولا تتركوا منها شيئا، فالسلم هنا بمعنى الإسلام (تفسير السعدي) .

ثالثا : مذهب أصحاب السبت ، و هو ناتج عن الهوى ولكنه يختلط بضعف شديد في الإيمان يسول للعبد أنه قادر على خداع ربه ، فيظن أنه قادرعلى أن يصل لما يريد من هواه دون أن تسجل عليه معصية ، فأصحاب السبت كانوا قد نهوا عن الصيد يوم السبت ، وابتلاهم الله بوفرة الأسماك في يوم السبت وقلتها بقية الأسبوع ، فنصبوا الشباك يوم الجمعة ، وجمعوها يوم الأحد وقالوا لم نصطاد يوم السبت، قل لي كم مرة قابلت رجلا من أصحاب السبت يعيشون بيننا الآن؟؟ أعلمت أن التحايل في طلب الفتوى والالتفاف حول الأحكام وتبرير الفساد والمعاصي ليس أمرا جديدا ؟ لقد عشنا ورأينا أحفاد أصحاب السبت ولكن أسأل الله ألا يرينا عقابهم (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65)) سورة البقرة

وأخيرا ،، لابد من بداية

    لابد من بداية فورية في علاج هذا الداء الذي يفتك بأمتنا ، فهذا الداء ليس فقط داء أفراد ، بل داء جماعات وتيارات وأحزاب ، فكل هؤلاء لو دخلوا في السلم كآفة ما رأينا هذه الاختلافات والعصبيات والنعرات ، لكن كلٌ أخذ ما شاء وترك ما شاء ، فأصبح حالنا كما نرى .

   وأنا بكلماتي هذه لا أدعي براءتي من هذا المرض ، ففي ظني أن أغلبنا به شيء من الانفصام ولكن بنسب مختلفة ، فأدعو نفسي وإياكم لوقفة حقيقية مع النفس ، أولا للتقييم هل أنا انفصامي أم لا ؟ ثانيا لتحديد السبب والباب الذي تسرب من الانفصام إلى نفسي ، ثالثا غلق هذا الباب ، رابعا علاج آثار الانفصام ، خامسا الأخذ بإيدي الآخرين ممن يعانون الانفصام ولا يشعرون أو يشعرون ولا يحاولون التغيير.

    وينبغي ألا يفهم من كلامي أنني أقلل من شأن نشر الوعي الديني ، بل نشر الوعي الديني هو الذي سيعالج السبب الثاني  ( عدم فهم الدين) لكني أرى أن نشر الوعي الديني لا ينبغي أن يقتصر على نشر الفتاوى (حرام ، مكروه ، مباح ، مستحب ، واجب) بل ينبغي أن ينشر معه منهج الدين في تربية النفس وتهذيبها  وفي اتباع أوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا آنفا، بمعنى آخر ينبغي أن ينشر الدين كله دون الاقتصار على بعض أبوابه، فكيف نطالب الناس بتطبيق كل شرائع الدين وهم لا يعلمون إلا اليسير منها؟.


خاتمة لابد منها

    في النهاية هذه الكلمات هي محض اجتهاد ورأي وتحليل ، قد أكون أصبت في بعضها وأخطأت في بعضها ونسيت ما ينبغي ذكره ، وذكرت ما لا ينبغي ذكره ، لذا فأنا أرحب بكل رأي أو تصويب أو انتقاد أو تعديل ، فليس هدفي إملاء المشكلة والحل ، ولكن هدفي الوصول للتشخيص والحل ، فليست القضية من يقول الحق ، ولكن القضية أن يقال الحق.

الآيات القرآنية نسخ ولصق من موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف
http://www.qurancomplex.org/
الأحاديث النبوية (وراويها ) نسخ ولصق من موقع الدرر السنية – الموسوعة الحديثية
http://dorar.net/enc/hadith