الخميس، 18 نوفمبر 2010

التعليم المصري ،، الفاشل ديما على حق


التعليم المصري
الفاشل ديما على حق
معتـز عبد الرحمن
لم أصدم أو أفاجأ عند قرائتي عن الدراسة التي تناولتها وسائل الإعلام مؤخرا والتي تفيد أن نسبة 97% من طلاب الثانوية العامة لا يجيدون القراءة ، إذ أنني أرى بعيني مباشرة ودون دراسات نسبة كبيرة من خريجي كليات القمة لا يجيدون القراءة والكتابة باللغة العربية، اللغة الأم الثكلى التي تفقد أولادها يوما بعد يوم ، وإنما الذي استفزني كثيرا ودفعني لكتابة هذه السطور هو أحد البرامج التي تناولت هذا الموضوع في التلفزيون المصري حيث استضاف البرنامج أحد أساتذة التربية لمناقشة هذه الدراسة ، وفي الجزء الصغير الذي شاهدته من الحلقة راح الأستاذ الكريم يتحدث عن تاريخ الانحدار الذي وصلنا إليه وأخذ يضرب أمثلة مما كان يدرس في الصف الأول الابتدائي من شعر ونثر عربي فصيح منذ عقود وكيف فرغت مناهج اللغة من مضمونها حتى صرنا إلى هذه الحال ورأينا هذه النسبة المؤسفة ، المفاجأة كانت في المذيعة التي لم تستنكر الحال البائس لطلابنا اليوم ، بل طفقت تستنكر على الأستاذ أن يدرس هذا الكلام في الصف الأول الابتدائي ، وتهاجم المناهج القديمة وتصفها بالصعوبة والتعقيد ، هذه المناهج التي أخرجت علماء وأدباء ومفكرين لا نرى مثلهم من خريجي هذا العصر إلا قليلا ، وبمزيج من التأمل ومراجعة ذكريات الدراسة علمت أن هذه اللهجة كان لها دور خطير فيما وصلنا إليه الآن.
الصمود ، أضعف الإيمان
بلا شك تعليمنا يحتاج إلى تغيير حقيقي ، والمناهج التي تدرس الآن تحتاج إلى إعادة بناء ، والوسائل المستخدمة تحتاج إلى تطوير ، لكن في ظل غياب ذلك كله ، أضعف الإيمان ألا ينحدر المستوى أكثر وأكثر ، وألا ننتقل من السيء إلى الأسوأ ، مقولة أن كل جيل أسوأ - خلقا وعلما -  من الذي قبله للأسف واقعية لا أنكرها ، لكنها تستخدم بشكل مؤسف في العملية التعليمية – خاصة الجامعية – فعندما كنا طلبة تم إلغاء كثير من العناصر الهامة في مناهجنا تحت شعار أن مستوانا أقل من الذين قبلنا ولن نستوعبها ، وعندما تخرجنا وتقابلنا مع من بعدنا أخبرونا بأن هناك أشياء مما كنا ندرسها تم إلغاؤها لأنهم أقل مستوى منا ، إذن فمن المتوقع خلال سنوات أن يدرس في كلياتنا منهج ميكي ماوس وبكار ، ويكون مشروع التخرج عبارة عن حل لمسابقة المتاهة أو إيجاد الاختلافات السبع ، والغريب أن رغم كل هذا الحذف فالحشو كما هو ، فلا يلغى إلا كل ما يستلزم أن يستخدم الطالب عقله والعياذ بالله ، ولأن الطالب لا يريد أن يستخدم عقله ، ولأنه هو العميل ، والعميل دائما على حق ، صار الطلاب الفشلة هم واضعوا المناهج الحقيقيون.

على الأقل ، الجامعة تستطيع

    نعم إن حل هذه المشكلة في التعليم قبل الجامعي يحتاج لتغيير شامل تقوم به الوزارة بنفسها - مع وجود دور على الأفراد سأناقشه لاحقا - لكن في ظني أن هذه المشكلة في الجامعة تحت السيطرة بشكل أكبر ، إذ أن الأساتذة كأفراد لهم الدور الأكبر في اختيار المناهج وفي أسلوب التدريس والتقييم ، وإذا كنت تظنني واهما ، وكلامي غير واقعي ، فهناك نماذج واقعية من الأساتذة الذين رفضوا الانصياع لهذه الظاهرة ، ويرفضون الانصياع لتعليمات ( نجح الطلبة عشان نفضي أماكن) ، ولا أعني هنا الأساتذة المتعنتون الذين يتخذون الطلاب خصوما ، ويعتبرون رسوبهم شرفا ومتعة ، إنما أعني هؤلاء الأساتذة الذين كانوا يبذلون كل جهدهم في الشرح والتدريس ويطلبون من طلابهم أبحاثا وأنشطة عملية تزيد وتثبت معلوماتهم ، ويضعون امتحانات تقيس مستوى الفهم دون الحفظ ، ويرفضون مطالبات الطلاب الكسالى بإلغاء الأبحاث والأنشطة ، ويرفضون رفع درجات الطلاب الراسبين – في الامتحان المنصف ، إذ أنهم يرون أن نجاح طالب لا يستحق النجاح جريمة في حق المجتمع ، لقد كان هؤلاء الأساتذة مكروهين من كثير من الطلبة ، وربما لا تنتهي غيبتهم من على الألسنة ، في حين أن الآخرين الذين كانوا يعطون الامتحان في المحاضرة الأخيرة محبوبون للغاية ، لكنني اليوم بعد تخرجي لا أذكر سوى الذي علمني وإن بدا قاسيا ، وربما لا أذكر اسم صاحب الحنان الكاذب ، وهذه ليست النهاية وسيأتي يوم ينفع الصادقين صدقهم ويندم من أعجبته كثرة الخبيث وأطاع أكثر من في الأرض ووضع بيديه مسمارا بل ألواحا في نعش هذه الأمة.


معذرة إلى ربكم
ولأنني لا أحب الصراخ والعويل ، والنداءات والالتماسات ، فلا أوجه كلامي للهيئات والوزارات ، بل أوجهه دوما لأفراد المجتمع بما يناسب امكانيات كل فرد منهم ، وإن قلت لي  ، وما يفعل هؤلاء في ظل منظومة تعليمية كاملة تعاني من الفشل منذ سنوت طوال؟ الأجابة (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) ) الأعراف ، هذا هو منهج المخذلين ورد المصلحين عليهم على مدار العصور، ليس في الدعوة فقط كمناسبة الآية ، وإنما في كل ما يخص صلاح المجتمعات ، بما فيها قضيتنا ، لذا فأنا أنادي الأساتذة وأولياء الأمور والطلاب :
أستاذي العزيز لو خذّلك أحد وحاول تييئسك ، قل له معذرة إلى ربكم ، إذا قال لك لا فائدة مما تفعل ، قل له معذرة إلى ربكم ، إذا قال لك (هو أنت هتغير الكون) قل له معذرة إلى ربكم ، ولكني أوصيك أستاذي ومعلمي أن تكمل الآية (ولعلهم يتقون) فلا تكن نيتك مجرد أداء الواجب للمعذرة أمام الله تعالى حتى لا يفقد عملك الروح ، بل لا تفقد الأمل أبدا أن أداءك لواجبك سيؤدي يوما للإصلاح ، وأن من تلاميذك من سيأخذون علمك ومنهجك وسمتك وينتشرون في الآفاق يعملون به ويصلحون فتنال الحسنيين ، الإعفاء من المسئولية أمام الله والمشاركة في تحقيق الإصلاح.
 ولا يعني تركيزي على أساتذة الجامعة أن هذا لا ينطبق على أساتذة المدارس والدروس الخصوصية ، بل هم أيضا قادرون على المساهمة ، وإن قلت مساحة حريتهم وانحصرت في تطوير أسلوب الشرح وتوصيل المعلومة ، لكنه دورهم ولابد أن يقوموا به معذرة إلى ربهم ، وأيضا هناك نماذج واقعية قابلتها على مدار دراستي لا أنساها حتى اليوم ، أسأل الله أن يثبتهم ويكثر منهم ويجزيهم عنا خيرا.

وأما عن أولياء الأمور – خآصة أولياء أمور طلاب ما قبل الجامعة ، هؤلاء الطلاب أولادكم وفلذات أكبادكم ، وقدركم أنكم في عصر لا يكفي أن تسلموا عقول أبنائكم للمدرسة ومناهجها ، فلابد من متابعتكم وتدخلكم الدائم ، ليس للتأكد من أنهم قادرون على حل الامتحانات ، فالمدرسون الخصوصيون الذي يفرغون جيوبكم كل شهر كفيلون بذلك ، وإنما لتنشطوا عقول أبنائكم ، ولا تسلموها غنيمة باردة لمناهج الحفظ والاستظهار، علموهم استخدام عقولهم في انشطة خارج الدراسة ، علموهم القراءة ، اجعلوا في ألعابهم ألعاب التفكير والتحليل ،  بل وعلموهم ممارسة الرياضة ، لا تغض طرفك عن تراجع عقلية ولدك وقدراته على الفهم مبررا ذلك بمجموعه الكبير آخر كل عام ، لا تنخدع بهذا( المجموع الكبير) فأنا وأنت نعلم كيف يحصلون على هذه الدرجات من الحضانة إلى الثانوية العامة التي لا يجيد أكثر من 97% من طلابها القراءة.

أما عن أخي الصغير ، فأقول لك أنا أعلم جيدا ما تواجهه من ضغوط فأنا حديث العهد بالدراسة ، ولكن لا تستسلم ، ولا تستصعب شيئا فأنت لست بغبي ولا ضعيف ، واهتم بما يطلب منك من أبحاث وتقارير أكثر من اهتمامك بالواجبات والشيتات ، لا تمرر شيئا دون فهمه ، وإن لم يساعدك أستاذك فالانترنت موجود ، ولا تقل سأفهم بعد الامتحان فهذا اليوم لن يأتي ، وتدرب على مجال دراستك في أجازاتك فهذا يساعدك على معرفة الغث من السمين والذهب من الطين ، فتعطي لكل نقطة حقها من الاهتمام ، وإن عجزت عن تحقيق الكمال ، فتذكر دوما أن ما لا يدرك كله لا يترك كله.

كتابات سابقة مشابهة
الهجرة من المدرجات إلى الملازم والكورسات
أتعلم ولا أجيب تقدير؟!

إيميل الكاتب
Moataz.abdelrahman@yahoo.com

هناك تعليقان (2):

  1. كلامك صحيح 100% يا معتز .. وياريت ماتحرمناش من مقالاتك . وبعد إذنك انا نشرتها على الفيسبوك

    ردحذف
  2. جزاك الله خيرا
    وطبعا تقدر تنشرها مكان ما تحب دون استئذان

    ردحذف