الاثنين، 26 ديسمبر 2011

الشعب المصري ، منقول بمواد



الشعب المصري ، منقول بمواد
معتـز عبد الرحمن


   إعدادي هندسة ،  كانت السنة الأولى والأخيرة والحمد لله التي أحصل فيها على (منقول بمواد) ، انتهت أجازة الصيف الكئيبة ، وبدأت معمعة العام الدراسي التالي ، عام رد الاعتبار ، زاد الحمل علي كثيرا لكثرة المواد المطلوب مذاكرتها وتداخل امتحاناتها ، شكوت لوالدي رحمه الله كي يواسيني ، وعلى عكس عادته الحنونة كان رده شديدا قاسيا ولكنه حفر في ذهني درسا لا أنساه أبدا ، قال أبي (هو أنت كنت فاكر إيه؟ مفيش حاجة بتروح كده ، كنت فاكر إنك هتقصر السنة اللي فاتت،  والسنة دي هيبقى زيك زي اللي مقصرش؟!) ، أدركت من كلمات أبي رحمه الله أن التحديات لا تواجه بالفضفضة ، وأن علاج الأخطاء لا يكون بالبحث عمن يواسيك و عمن يهونها عليك بغير حق ، وأن تقصيرك لن يمحوه شيء أو أحد ، ولا مفر من المواجهة الشرسة ومضاعفة الجهود لتعويض ما مضى سريعا ثم الانطلاق للمستقبل.
مرت الأيام ، تخرجت من الكلية والحمد لله (جيد جدا) ، ومات أبي ، وقامت الثورة ، ولا تزال كلماته تتردد في إذني كلما نظرت حولي وتأملت في أحوالنا  ورأيت أنه من الأمانة أن أبلغ نصيحته الغالية لشعب مصر الغالي.
منقول بمواد ، كل من قصر في فهم الواقع ودراسة السياسة ودراسة كيفية قيام الدول وبناء الأمم ثم جاء الآن ويريد أن يتساوى مع من أفنى عمره في ذلك دون أن يبذل مجهودا إضافيا كبيرا جدا ليعوض أيام التقصير.
منقول بمواد ، كل من تخلى عن الفكر الثوري طوال حياته السياسية الطويلة التي اعتمد فيها دوما على البحث عن التوافق ولو مع إبليس وعلى مسك العصا من المنتصف ، ولا يزال يريد مجاراة الشعب الثائر بنفس الفكر القديم دون تغيير أو تحديث ، يظن أنه الفائز لأنه حاز المقاعد ، ولا يدري أن المقاعد لم تحمي من قبله بل كانت وبالا عليه لأنه لم يفهم الواقع الجديد جيدا ، يظن أن فكره القديم ميزة وعبقرية ، وهو مواد محمولة على كتفه تسقطه يوما بعد يوم وهو لا يشعر.
منقول بمواد ، من عاش حياته كلها في الاستديوهات المكيفة ، مناظرا ومحللا ، وعلى صفحات الصحف ، كاتبا وناقدا ، ثم يريد أن يتساوى عند رجل الشارع مع من يعملون لخدمته على الأرض منذ عشرات السنين ، يشاركونه همه قبل فرحته ، ويمسحون دموع أبنائه وينتزعون بالحنان ضحكاتهم ، يريد أن يتساوى معهم وهو على كرسيه الوثير دون أن يتحرك بقوة ليعوض ما فات ويقترب ممن يريد أن يمثلهم اليوم.
منقول بمواد ، من سكت عن الفساد وشارك فيه طوال هذه العقود ، من مشى داخل الحائط وربى أبناءه على السلبية ، من شغلته الأفلام عن هموم وطنه ، وكره الجزائر في تصفيات كأس العالم أكثر من كرهه إسرائيل في تصفيات أجساد أطفال غزة ، من أغمض عينيه عن الحقيقة كي لا يواجهها ، وتلمس العذر للظالم وابتدع له مميزات كي يستر خوفه منه ومن بطشه ،  ثم يظن أن الأحوال ستنصلح بثورة 18 يوم فقط ربما لم يشارك هو فيها بأكثر من يوم أو يومين ، أو بالوقوف في طابور ساعة أو ساعتين ليدلي بصوته في انتخابات لم يعمل لها ، متمتعا بحرية لم يضحي لأجلها ،  ويظن ان فساده ستمحوه دماء غيره ، وسلبيته ستعوضها إيجابية غيره ، وأخطاءه ستصوبها تضحيات غيره ، وكأنه لم يشارك ولو بالسلبية في بناء قلاع الفساد وحصون الرجعية ، منقول بمواد من يظن أن مصر ستعود إلى أبنائها وستحكم العالم وهو لا يزال جالسا على أريكته التي اشتراها بالتقسيط "المريح" في عهد مبارك ، منتظرا عودة حقوقه على أيدي فلول مبارك ، أو على أيدي أحد المنقولين بمواد المذكورين سالفا دون جهد منه ويقظة وكفاح.
راسب ، من قرأ هذا الكلام واهتم فقط بإسقاطه على غيره ، ولم يبحث عن المواد المعلقة برقبته ، ولم يفكر في الدور الملقى على عاتقه ، وفي المجهود الكبير المطلوب منه لتعويض ما فاتنا جميعا ، ولم يبدأ فور نهاية القراءة في العمل الجاد المخلص لانقاذ ما تبقى من الثورة ، واستثماره في بناء مصر ومستقبلها.
مشكور ، من قرأ هذه الخاطرة وتذكر والدي رحمه الله بدعوة صالحة بظهر الغيب.

-------------------------------------------------------------------
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

السبت، 24 ديسمبر 2011

الشعب يريد تطبيق شريعة "كاميرون"


الشعب يريد تطبيق شريعة "كاميرون"
معتـز عبد الرحمن


    لست بصدد نقاش ما حدث في الأيام الماضية في شارع القصر العيني ومجلس الوزراء والتحرير وما حولهم ، فقد قتلت الأحداث بحثا وتعليقا ، لم تترك جزئية فيها للنقاش ، حتى وصلنا لمرحلة أن نرى مناظرات بالأدلة والبراهين عن العباءة وما تحتها ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ولكني سألتقط طرفا من أطراف المناقشات والحوارات والمقالات التي أطلعت عليها في الأيام الخالية ، فأحد المحاور الرئيسية التي دار حولها الجدل في الأيام الماضية هو (حقوق الإنسان) أو إن شئت قل (حقوق اللي كان إنسان) ، فرأيت فريقا من المتأثرين بالفكر الثوري يعتمدون في استشهادهم على الصور والتقارير التي توضح كيفية فض الاعتصامات في الدول الغربية – مهد الديموقراطية – وكيف أنها تفض بمنتهى السلمية ، ولا يغيب عن ذهني صورة الشاب المحمول على أيدي الشرطة الأميريكية في (وول ستريت) كالسلطان المتوج ، وفي المقابل نشر كثير من المعارضين للاعتصام صورا لقوات مقاومة الشغب الغربية وهي تقمع المتظاهرين بمنتهى القسوة ، واستدلوا بمقولات لديفيد كاميرون مثل (إذا كان الأمر يتعلق بأمن بريطانيا القومي ، فلا يحدثني أحد عن حقوق الإنسان) ، ورغم أن هذا المستخف بحقوق الإنسان لم يسقط 17 قتيلا في مواجهة أعمال الشغب التي اجتاحت بريطانيا كلها وليس شارعا أو شارعين ، إلا أنني توقفت وتجرعت المرار الشديد عندما رأيت أن كثير من المستشهدين بأقواله والمستشهدين بقسوة الغربيين في فض الاعتصامات كانوا من المنتسبين للفكر الإسلامي المطالبين بتطبيق الشريعة!!

    نقطة ومن أول السطر أيها السادة ، فيبدو أننا نسينا أنفسنا ، نسينا حلمنا ودعوتنا وما نسعى إليه ، لقد عشنا سنينا مريرة لندعو الناس للعودة للإسلام ، ونتحدث عن أن الإسلام يكفينا ويحمينا ، وأننا لسنا بحاجة لأحكام غيرنا لتنصلح أحوالنا ، وأننا نأخذ من الغرب أمور الدنيا فقط ، العلم والتكنولوجيا وغيرها من الأمور التي سنأخذها كي نبني عليها وننطلق ونسبقهم تطبيقا لديننا الداعي للبناء والتحضر وعمارة الأرض ، بحت أصواتنا ونحن ننشأ هذا "الفلتر" الضخم وندعو الناس إليه ، أخلاقنا من ديننا ، مبادئنا من ديننا ، حقوقنا من ديننا ، ونأخذ من الغرب العلوم التي سبقونا إليها منضبطين بديننا ، ونسبقهم ونتفوق عليهم معتزين بديننا ،  ولكن يبدو أن الهزيمة النفسية التي دفعت الكثيرين منا لكثرة الاستشهاد بالغرب كي ندلل على أن الإسلام لا يخالف المدنية والحضارة أدت بنا إلى هذا الواقع المؤسف السخيف ، وهنا أصرخ في وجه الإسلاميين قبل الليبراليين والعلمانيين ، في وجه المسلمين "العاديين" الذين نزلوا أفواجا لانتخاب الأحزاب الإسلامية (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (1) ، منذ متى ونحن نحتج بالغرب في الأمور التي لدينا فيها نصوص؟ منذ متى ونحن نحتكم للغرب في حقوق الإنسان التي سبق إليها بل وانفرد بها الإسلام؟ هل لو أباح الغرب قتل النفس دون حق سنبيحه؟ هل لو أباح الغرب هتك العرض سنبيحه؟ فلما إذن نناضل من أجل منع الخمر المباح في الغرب؟ ولماذا نطالب بقطع يد السارق وهو أمر مخالف لحقوق الإنسان في مذهب الإمام كاميرون؟!  كنت انتظر من الذي يقفون بمصر على أعتاب الدولة الـ "إسلامية – إسلامية" أن يخرجوا علينا ليحللوا الأمور من المنظور الشرعي لا السياسي العلماني أو الغربي ، كنت انتظر أن أجلس وأتعلم منهم درسا عمليا عن حقوق الإنسان في الإسلام ، وكيف يتعامل الإسلام مع المخطئ – إذا كان مخطئا - ، كنت انتظر أن أسمع في سياق كلمات الشباب الإسلامي "العادي" الآيات والأحاديث لا تصريحات ديفيد كاميرون وهذا وذاك ، كنت انتظر أن تعف الألسنة وترقى المصطلحات وتناسب هذا الدين العظيم الذي نؤمن به ونحبه أكثر من أرواحنا ونستعد لبذلها في سبيل تطبيقه ، كنت انتظر ولازلت انتظر ولا أدري إلى متى سيطول انتظاري.

    وفي وسط هذا الضيق وهذا الانتظار المر ، وهذه التعليقات الفجة ، وهذه الحوارات السخيفة ، يظل نور الإسلام مشعا على ألسنة الكثيرين من أبنائه غير المشهورين للأسف ، وغير المتصدرين للمنابر الإعلامية ، الشباب الإسلامي الجميل الذي لا يبتغي غير الحق ونصرته ، الذي يطبق الشرع فعلا على نفسه ولسانه وأفكاره ، قبل أن يطالب بتطبيقه على غيره ، أختم خاطرتي – فهي ليست مقالا -  بـ "ستاتس" لأحدهم على الفيسبوك ، إقرأوها وأجلوا صدوركم ، وأحبوا دينكم وطبقوه على أنفسكم ، (تعقيبا على من تكلم في حق الفتاه ، عن عمران بن حصين: "أن امرأة من جهينة اعترفت عند النبي صلى الله عليه و سلم بالزنا فقالت إني حبلى فدعا النبي صلى الله عليه و سلم وليها فقال أحسن إليها ، فإذا وضعت حملها فأخبرني . ففعل ، فأمر بها فشدت عليها ثيابها ، ثم أمر برجمها فرجمت ثم صلى عليها " صحيح الترمذي، صححه الألباني ،،، امرأة زانية حبلى من الزنا ، ومعترفة ، فأمر النبي بالإحسان إليها ، ثم سترها أثناء إقامة الحد) هذا ما تعلمناه من نبينا صلى الله عليه وسلم ، ثم يقولون عن متظاهرة أنها تستحق الهتك لأنها تظاهرت واعتصمت ، ويقولون قال ديفيد كاميرون ، ويقولون نريد تطبيق شرع الله ، عذرا رسول الله ، عذرا رسول الله.
-------------------------------------------------------------------
(1)   سورة المائدة ، الآية (50)
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

الاثنين، 19 ديسمبر 2011

ثورة الغربال ، يناير سابقا



ثورة الغربال ، يناير سابقا
معتـز عبد الرحمن


من أكثر الألات التي صنعها الإنسان عبقرية ورمزية في وجهة نظري هي "الغربال" ، فالغربال يدل على أن الإنسان جاءت عليه لحظة وضاق ذرعا بالحصوات والبذور التي تعكر عليه طعامه وحياته ، وأنه اخترع هذه الآلة باحثا عن حياة أفضل وأنظف ، ومن أجل هذه الحياة الأفضل والأنظف ومن أجل إقامة الحجة على العبيد يوم القيامة كانت "الغربلة" سنة كونية ، يبتلي الله بها عباده لتتطهر صفوفهم وقلوبهم ، وتبطل حجة كل مجادل يوم القيامة بين يدي الله تبارك وتعالى.
ورغم أن هذه سنة كونية ، وعقيدة عند المسلمين (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (1) إلا أنني لم أتأملها في حياتي واستشعر بها قدر ما استشعرتها خلال الشهور الماضية منذ 25 يناير وحتى الآن ، قبل الثورة كانت حياتنا مستقرة ساكنة ، الكل يدعي فيها الصلاح والإصلاح ، والنضال والكفاح ، ويتحجج بالظلم والقهر والاضطرار ليبرر تراجعاته وسلبياته ، ويبرر حياته (الصفرية) التي لا طائل للأمة من ورائها ، وما إن قامت الثورة الفاضحة ، التي قلبت كل الموازين ، وكشفت الغث من السمين ، رموز سقطت سقوطا مروعا ، رموز ذهبية تحولت لتراب ، وشخصيات كانت تبدو هامشية ناطحت السحاب ، وليس على مستوى الرموز وحسب بل على مستوى كل المصريين والأحباب والخصوم ،  تزلزلت مصر الثورة بإذن الله لنرى فيها آية من آيات الله (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) (2) ، وكما قيل في الحكمة: جزى الله المصيبة كل خير عرفت بها عدوي من صديقي ، وفي رأيي أن الثورة التي لم ينتهي مخاضها الصعب حتى الآن ، والتي تمر بأصعب أيامها وأكثرها قلقا وإحباطا إن لم يكن لها ميزة وفائدة إلى الآن غير هذه المكاشفة لكانت كافية ، فالوضع الذي كنا عليه كان يحتاج لهذه الزلزلة لتعيد مصر ترتيب صفوفها ، وتنقي قياداتها ، وتستبدل رموزها ، وتراجع مبادئها كي تواجه مستقبلها المليئ بالتحديات ، فمن توابع سنة الغربلة سنة الاستبدال (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) (3) ، اللهم استعملنا ولا تستبدلنا.
والصادق مع الله ثم مع نفسه ، هو الذي يعكس ويطبق هذه السنة الكونية على نفسه أولا ، ولا يكتفي بالجلوس على منصة القضاء يحكم على هذا بالسقوط وعلى ذاك بالرقي ، فبلا شك أن الثورة وما تبعها من أحداث جسام كشفت كل منا أمام نفسه ، رأى كل منا مميزات نفسه وعيوبها ، صدمنا في انفسنا في أمور ، وفوجئنا بستر وعون الله لنا في أمور أخرى ، والعاقل هو من يستغل ذلك ليعيد تربية نفسه وينشئ من نفسه فردا صالحا لا ليخدم أمته وحسب ولكن لينجو يوم القيامة ، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (4) ، فلا تضجر من هذا البلاء وهذه الزلزلة ، فهي الطريق الوحيد للجنة التي أدعي أنا وأنت أننا لا نريد غيرها (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) (5) ، فلنستفيد من هذا الامتحان وهذا التمحيص الذي كشفنا أمام أنفسنا لنصوب عناصر الإعوجاج ، وندعم عناصر الاستقامة ولا نكون ممن قال الله فيهم (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) (6) ، فالله بفضله وكرمه المتمثل في بلائه الرحيم يرينا عيوبنا وخطايانا كي نتطهر منها ونصلحها ، فلا تعيقنا وقت الجد وفي لحظات التحدي فتؤدي بنا أيضا كأفراد إلى الاستبدال والعياذ بالله (إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (7).
إنه مما دفعني لأكتب هذه الكلمات هو ما أراه من جزع شديد وحيرة وتخبط من الشعب المتزلزل ، فكثير من أبناء هذا الشعب المسكين ظنوا أن رحيل مبارك هو النهاية ، وأن 11 فبراير هو يوم إعلان النجاح والفوز والتمكين ، وهم لا يعلمون أنه بداية البلاء والامتحان ، فإهلاك الله تبارك وتعالى لملك الظالم القامع ليس بالضرورة مكافأة لشعبه ورعيته ، ولكن لامتحانهم حتى لا يقولوا كنا مستضعفين في الأرض ، فيمنحهم الله الفرصة ليقيم عليهم الحجة ، قال تعالى (قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) (8) ، فياترى ماذا عملنا؟ ، فهلاك الظالم ابتلاء للمظلومين ، فإما أن يكونوا على مستوى النعمة ويشكرونها بالصلاح والإصلاح والطاعة فيتحول استخلاف الابتلاء إلى استخلاف التمكين (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (9) وإما أن نكفر النعمة ولا نكون على مستوى الاختبار ونسير على خطى بني إسرائيل الذين أهلك الله عدوهم واستخلفهم ، فعصوا وقصروا ورفضوا الكفاح مع نبيهم موسى عليه السلام وأرادوا دخول الأرض المقدسة دون نضال وتعب ، أحبوا الكسل والأمن والتراخي ،  فانتهى بهم الأمر إلى التيه والضياع من جديد (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ) (10)
لازلنا في لجنة الامتحان ، لم ينتهي الوقت ، ولم تسحب الورقة ، وعلينا أن نختار بأفعالنا لا بأقوالنا ، إما النصرة والتمكين ، وإما التيه والضياع ، وحينها فلا نلومن إلا أنفسنا.
-------------------------------------------------------------------
(1) سورة الملك ، الآية (2)
(2) سورة آل عمران ، الآية (179)
(3) سورة محمد ، الآية (38)
(4) سورة آل عمران ، الآية (142)
(5) سورة البقرة ، الآية (214)
(6) سورة الحج ، الآية (11)
(7) سورة التوبة ، الآية (39)
(8) سورة الأعراف ، الآية (129)
(9) سورة النور ، الآية (55)
(10)                    سورة المائدة ، الآية (26)

    للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

الخميس، 15 ديسمبر 2011

انصر دينــك ، وانتخبني!


انصر دينك ، وانتخبني!
معتـز عبد الرحمن


كنت صبيا في المرحلة الإعدادية عندما شاهدت الفيلم الشهير (الإرهابي) ، ورغم أنني كنت صبيا "عاديا" غير مسيس الفكر أو إسلامي التوجه – والدليل أنني كنت أشاهد أفلام عادل إمام – إلا أنني انتقدت الفيلم بشدة ورأيت أنه يمثل خطرا كبيرا ولابد من إيقافه ، لأنه وإن كان هدفه في الأصل التنفير من الجماعات الإسلامية المسلحة إلا إنه – في وجهة نظري حينها- كان يمثل دافعا للتعاطف معهم ، إذن أن الفيلم أحب أن يقدم صدام التطرف (عادل إمام) مع الاعتدال والوسطية (ذو الفقار وأسرته) فإذا به يقدم هذه الأسرة الوسطية على إنها أسرة منها شارب الخمر ، وفتاة الإعلانات صاحبة الملابس الخارجة ، والحفلات المليئة بالعري والخمور ، وهذه أمور مرفوضة أصلا عند كل مسلم "عادي" بالفطرة قبل أن تكون من الأمور المجمع على تحريمها فقهيا ، ولا تعجب عندما أقول لك أنني وفي هذه السن المبكرة والعقلية الطفولية التي تربت على كراهية الملتحين والمتدينين والخوف منهم ، كنت أرى أن الحل مع هذه الجماعات هو إلغاء كل المحرمات من المجتمع حتى لا يكون لهم حجة ولا يستطيعون تجنيد المزيد من الشباب المسكين تحت مسمى حماية الدين ومحاربة الفسق والفجور.

تذكرت هذا الفيلم وهذه التأملات القديمة ونحن نتحدث عن الدعاية الدينية في الانتخابات ، ونظرية (انصر دينك وانتخب الحزب الفلاني) ورغم إنني لم أسمع بها ، وربما للحيتي دور في هذا ، إلا إنها قيلت لبعض من أعرفهم ، فهي واقع موجود لا أنفيه ، ولكن علينا إن كنا عمليين وواقعيين أن نتأمل في أسبابها قبل أن نتشاجر مع من يمارسها ونطالب بشطبه واعتقاله ، لن أذهب بعيدا ، لن أتحدث عن أكثر من ثلاثين عاما كان شعائر الإسلام تهاجم فيه في الصحف المصرية ليل نهار ، الإسلام وشعائره وليس الجماعات الإسلامية ، أمهات المؤمنين وكبار الصحابة وليس الإسلاميين ، لن أتحدث عن أقوام هم الآن متصدري المشهد العام ظلوا لعقود يعارضون النظام إلا فيما يسيئ للقضايا الإسلامية ، يعارضون النظام إذا سحب كاميرا من مصور ثم يشيدون به إذا ضرب أي إسلامي بيد من حديد ، يتحدثون عن حقوق البهائيين وربما الشواذ ولا يتحدثون عن حقوق من سجنوا وظلموا وربما قتلوا لأنهم كانوا يصلون في المسجد لا أكثر ، ولا عن أقوام ظلوا طوال سنوات الطغيان لا يرون عيبا في الدستور التوريثي سوى المادة الديكورية الثانية للدستور ، وبعد الثورة لم يروا أن هناك شيء أهم من إزالتها ، بل طالب بعضهم بذلك حتى قبل التنحي ، ثم تراجعوا وهتفوا لأجلها تحت الضغط الشعبي كنتيجة طبيعية لرؤيتهم الدونية للشعب "الجاهل" ، فهم يظنون أنه ينخدع بسهولة اعتمادا على ضعف ذاكرته ، لن أتحدث عن كل هذا وغيره من الأمور التي تجعل المواطن البسيط المتدين بالفطرة يشعر بالخطر على دينه وهويته ، ولكني سأتحدث فقط عن مثال حي على الهواء مباشرة ، عن أقوام أرادوا أن يوقفوا المد الإسلامي المتقدم في الانتخابات فخرجوا على الناس يحذرونهم بأن هؤلاء سيمنعون عنكم الخمر ، وسيسترون نساءكم ، ليؤكدوا لهم أن الحديث عن الخطر المحدق بدينهم وقيمهم حقيقي وليست من صناعة التيار الإسلامي ، فهؤلاء لا يعلمون أن معظم الشعب المصري "العادي" كهذا الصبي السالف ذكره وليس كأسرة "ذي الفقار" ، وأنهم بأفعالهم هذه يدفعونه ليصدق أي إنسان يقول له: أنا سأحافظ على دين المجتمع وقيمه ، أنا لست مثلهم ، فأنصر دينك وانتخبني!!

وقبل أن يجتهد أي أحد في قراءة نواياي كالمعتاد ، أؤكد أنني هنا لا أهاجم الأحزاب الإسلامية أو أدعمها ، ولكنني أتأمل في الفروق بين المشهد الذي كنا نأمله والمشهد الذي نراه اليوم وأسبابه ، كنت أتمنى أن أكتب أنا الآخر لأهاجم الدعاية الدينية في الانتخابات ، ولكني إن فعلت ذلك سأكون كمن يقطع يد رجل سرق ليأكل في عام مجاعة ، لابد من القضاء على الأسباب أولا ، لابد أن يستشعر الناس أن دينهم وقيمهم في مأمن وأن شريعتهم مصونة مطبقة وحينها سيكون السباق سباق برامج وأطروحات نهضة، وهذا لن يحدث إلا برؤية ذلك واقعا ، لا بالتطمينات الفارغة التي يحاول البعض أن يلعق بها تصريحاته وكتاباته وأفعاله طوال عقود ، ثم يخرج بعدها يهاجم من يحرم الخمر والعهر ويطالب الأزهر بالتدخل!! ، وعندنا على الأرض نموذج لذلك ، فإن المتابع سيجد أن معظم العوام من أمثالي يحتارون بين أربعة فئات ، النور والحرية والعدالة والوسط والثورة مستمرة ، أما الثلاثة الأوائل فقد أمنوا المسلمين على الحد الأدنى من دينهم وقيمهم على التباين الشديد إن لم يكن التناقض الشديد بين طرحهم الإسلامي ، وستجد أن معظم المحتارين بينهم يقارنون الخبرات والبرامج بالفعل كما نحلم ونتمنى ، وأما الرابعة فميل البعض لها يتأتى من كون أكثريتها شباب ليس لهم تاريخ مكتوب او مقروء أو مرئي أو ملموس في هذا الصدد ، وإن كان منهم من يعتنق هذا الفكر إلا إن تاريخهم المعروف للعوام يتلخص في "ميدان التحرير" لا أكثر ، وهذا يؤكد أن نجاح الدعاية الدينية ليس نابعا من فراغ ، وليس نابعا من غفلة الشعب وجهله ، فهو الشعب الذي صدمنا وفاجأنا بنظريات التوازن التي جعلته على انصياعه واقتناعه بالدعاية الدينية يختار بعض الليبراليين ربما في نفس الدوائر كي يكونوا حجر عثرة أمام "فرعنة" التيار الذي اختاره لأسباب كثيرة منها الحفاظ على هويته الإسلامية التي هي النهر الرئيسي المنبثق عنه حب الوطن والانتماء إليه والدفاع عنه ، فالإسلام هو الحل الوحيد لإلغاء شعار (الإسلام هو الحل) ، وتطبيق الإسلام المنبثق عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا أهواء التيارات وعلماء السلاطين هو الذي سيقطع الطريق أمام كآفة الاستغلاليين والمتطرفين  ، إذ إنهم لن يجدوا لهم مكانا وسط هذا الشعب المتنعم بهويته وقيمه وأصبح لا يعنيه من بعدها في من يحكمه سوى قدرته على القيادة والتطوير والنهوض ، بدون حدوث ذلك سيظل انتقاد الدعاية الدينية في نظري كالحرث في الماء.
-------------------------------------------------------------------
    للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب