الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

جولة المشير، والصحفي ، وراكب الميكروباص



جولة المشير، والصحفي ، وراكب الميكروباص
معتـز عبد الرحمن


      عودت نفسي منذ نعومة أظافري الفكرية ألا أنشغل كثيرا بتصرفات الحكام والحكومات قدر انشغالي واهتمامي بتصرفات الشعوب ، لأن الشعب الواعي لا تضيره تصرفات حكامه مهما ساءت لأنه قادر على ضبطها ، والشعب السيئ لا تنفعه تصرفات حكامه مهما حسنت لأنه قادر على إفسادها ، لذا فلم أتوقف كثيرا مع جولة المشير التي خطفت أضواء الإعلام خلال الأيام الماضية قدر توقفي مع رد فعل الصحفي الذي كان ضيفا في التليفزيون المصري والذي رأى بعبقرية فذة أن أهم مؤهلات رئيس المحروسة القادم قدرته على ارتداء بدلة مدنية ، تذكرت جملة قلتها بعد الثورة بقليل ، وهي أنه فيما يبدو أن تطهير الإعلام كان أهم وأولى من إسقاط النظام ، فالمديح المبالغ فيه والثناء والإطراء بدون وجه حق كفيل بتحويل أصلح الصالحين إلى أعتى العتاة وأظلمهم ، وقبل أن يهدأ سخطي على الإعلام ركبت سيارة "ميكروباص" كعادتي اليومية ، فتذكرت موقفا متكررا طالما رأيته في أثناء استخدامي للمواصلات ، موقفا يبدو تافها ، إلا أنه عندي ذو دلالات ودلالات ، فكثيرا ما أركب أحد وسائل المواصلات ثم يحتك السائق بسائق آخر على الطريق ويكون سائقنا هو المخطئ وخطأه واضح وضوح الشمس ، وتحدث مشاجرة أو لا تحدث ، ويحدث تبادل للسباب أو لا يحدث ، لكن عادة الذي يحدث هو تجلي أحد الركاب وانفعاله وإلقاؤه قصيدة مدح في سائقنا المخطئ وقصيدة هجاء في السائق المظلوم ، بل ويبدو عليه الغضب أكثر بكثير من السائق نفسه ، وليس هذا وحسب ، بل أحيانا تكون المشاجرة بين السائق وبين أحد الركاب الإيجابيين الذي يرفض الخضوع لابتزاز السائق وفرضه أجرة مضاعفة على الركاب ، فتجد أن راكبا آخر من نفس الطراز ومن نفس المتضررين من الأجرة الغالية قام ليدافع عن السائق المبتز ضد الراكب الإيجابي الذي إذا انتصر سيعود ذلك بالنفع على الجميع بما فيهم صاحبنا المنافق.

     ويظن البعض أن هؤلاء مختلون ، أو مجرد "مطيباتية" ، أو أنهم ذوي طبيعة ثرثارة لا أكثر ، ولكن الحقيقة غير ذلك ، الحقيقة أن من تعود أن يقول خلاف ما في قلبه من أجل تحقيق مصلحة أو خشية الأذى يصبح ذلك طبعه وسلوكه ، والذي يظن أن ذلك نوع من "الفهلوة والشطارة والذكاء" يدمن هذا السلوك على كل المستويات ، فيبدأ الأمر بنفاق صاحب العمل من أجل الترقيات والمكافآت ، وبنفاق أستاذ الجامعة للحصول على الماجستير ، وبنفاق أمين الشرطة ليتجنب المخالفة المرورية ولو كان يستحقها ، ويصل به الابتذال لنفاق البقال كي يصرفه سريعا ولا ينتظر دوره ، ونفاق سائق الميكروباص ومعاداة الراكب المحق حتى لا تؤخره المشاجرة خمس دقائق عن العودة للمنزل ، فيبدو لنا من المشهد أننا أمام شعب بعض أبنائه – إن لم يكن كثير منهم - مستعدون لنفاق أي قائد ولو كان قائد سيارة ، وأي صاحب سلطة ولو كان بقالا تنحصر سلطته في ترتيب الزبائن ، وهذا كله مقابل فتات المصالح والمنافع، فما ظنكم إذا كانت المصالح – حسب معتقداتهم – هي الاستقرار ولقمة العيش وانتهاء الانفلات الأمني المزعوم و"المتروك" ، يقول الله تعالى في سياق الحديث عن بني إسرائيل في سورة البقرة (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ(96) ) وكما تعلمنا في المدرسة أن "حياة" جاءت هنا نكرة لتفيد العموم ، أي أنهم حريصون على أي حياة ، كريمة أو ذليلة ، حرة أو أسيرة ، المهم أنهم يعيشون ، يأكلون ويشربون ويتنفسون ، ومن أجل ذلك يبذلون كل شيء ولو كان ماء وجوههم واحترامهم لأنفسهم.

    إنني لا أخاف على مصر من حكم العسكر ، ولا أخاف على مصر من الفلول ولا الانفلات الأمني ولا من عودة مبارك شخصيا ، إنني أخشى على مصر من المصريين ، فجولة المشير في حد ذاتها عادية وغير مقلقة ، ولو حدثت في أي دولة غير مصر لما التفت إليها أحد حتى لو كانت هذه الدولة تمر بنفس الظروف ، وإنما الذي أقلق المحللون والمراقبون والسياسيون معرفتهم الجيدة بطباع الكثير من أبناء الشعب المصري ، إن الشعب الذي يكثر بين أبنائه طراز "أحرص الناس على حياة" هو خير أرض ينبت فيها الطغاة ، فيا شعب مصر ، إن الإنسان لا ينال كرامته إلا إذا كانت أغلى عنده من كل شيء ، ولا ينال حريته إلا إذا أصبحت أغلى عنده من حياته ، فسيناء لم تكن لتحرر لو قدم جنودنا حياتهم على حريتهم وكرامتهم ، والجزائر لم تكن لتتحرر بدون المليون شهيد ، ولم تتحرر دولة في العالم دون تضحيات ، ولم يقام عدل في دولة دون حراسة من أبنائها ، فالحرية والكرامة والمستقبل الواعد سلعة لها ثمن وليست منحة مجانية ، فاتق الله في نفسك ، واتق الله في بلدك ومستقبلك ومستقبل أبنائك وأحفادك (اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف) (1) ،، وأعلم (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) (2) فحقوقك لم تكن يوما مسلوبة ، ولكنها كانت ضائعة وأنت الذي أضعتها ، وأنت الذي تملك بإذن الله حمايتها في المستقبل بعد أن بدأت تعود إليك بفضل الله وحده ثم مجهود قلة من أبنائك الذين لم يسيروا على نهج أغلبيتك ورفضوا أن يعيشوا جبناء ليموتوا مستورين ، فهل ستتغير ويتحقق الأمل ؟ أم أننا بعد سنوات سنظل نردد كلمات الشاعر سيد حجاب ( وليه بترشي وتتساهل ؟ وتضيع حقوقك بالساهل ؟ ، تستاهل النار تستاهل ، يا غويط ويحسبك الجاهل ، ساهل وساهي وغبي وعبيط)
-------------------------------------------------
(1)   صحيح الترمذي ، صححه الألباني
(2)   سورة الرعد ، الآية 11
    للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2011

كبش العلمانية وليبرالية الضباب



كبش العلمانية وليبرالية الضباب
معتـز عبد الرحمن


       بداية وقبل أن يتهمني أحد بالتناقض ، فكل ما سأطرحه في هذا المقال لا يتعارض مع دعوتي التي أطلقتها - ولازلت أتبناها - في مقال (الإسلاميون والليبراليون ، تعالوا إلى كلمة سواء) ، فليس هدفي من هذا الطرح شق الصف وتوسعة الصدع ولكن هدفي تفعيل نقطة هامة من الكلمة السواء التي أشرت إليها وهي الوضوح والصراحة والأمانة التي سيكون لها دور بلا شك في مرور هذه المرحلة الحرجة من عمر الوطن بسلام إن شاء الله ، ليس فقط لأنها ستساعد الشعب المصري ليختار المستقبل الذي يريد بشفافية وبصيرة ولكن لأنه في وجهة نظري أن قدر كبير من الخلافات الموجودة حاليا غير حقيقي ، ونابع من الغموض والقلق والشك المسيطرين على الساحة الفكرية والسياسية في الوقت الراهن.
أتابع عن كثب وباهتمام شديد النشاط التعريفي والتوعوي الذي يقوم به شباب التيارات المختلفة على الانترنت ، فالثورة قد أثبتت مدى احتياجنا لمثل هذه الأنشطة التعريفية بعد أن ثبت أننا بالرغم من كوننا نعيش جميعا على أرض واحدة وتحت سماء واحدة منذ سنين إلا أن معرفة كل منا بأفكار ومعتقدات الآخر محدودة جدا إن لم تكن مغلوطة تماما، ليس هذا وحسب ، بل وثبت أن معرفة بعضنا بالفكر والمنهج الذي يؤمن هو نفسه به أيضا محدودة وسطحية ومشوشة، وعلى قدر ملاحظتي فقد شهدت الفترة الماضية نشاطا كبيرا- لاسيما على الانترنت-  من الشباب الليبرالي للتعريف بالليبرالية وإزالة الشبهات المطروحة حولها والتأكيد على كونها لا تتعارض مع الإسلام ولا عادات المجتمع في شيء ، ولاحظت أن معظم هذه المقالات والمشاركات بل والتعليقات تتفق في صفتين وخصيصتين رئيسيتين:
أولا: التبرؤ من العلمانية ، ووضعها في قفص الاتهام ، فهي التي تعارض الدين وليست الليبرالية ، وهي التي تفصل الدين عن الحياة وليست الليبرالية ، وأن الذين يعارضون الليبرالية مساكين ومغيبين لا يفهمون الفارق بين العلمانية الشريرة المعارضة للدين وبين الليبرالية التي لا تعارض الإسلام مطلقا ، بل إنني عندما كتبت مقال (الليبراليون ومراجعات ليلة الامتحان) والذي رصدت فيه جانب من تناقضات الشخصيات الليبرالية المعروفة مثل الدكتور عمرو حمزاوي ، جاءني رد من أحد أصدقائي الليبراليين الذين اعتز بهم كثيرا يعترض فيه على وصفي للدكتور حمزاوي بالليبرالي ، فهو على حد وصفه علماني وليس ليبراليا ولا ينبغي أن أحاسب الليبراليين والليبرالية على تصريحاته وأفكاره ، فلا أدري كيف تحولت العلمانية فجأة إلى "بعبع" عند كل التيارات بعدما كانت "بعبع" الإسلاميين وحدهم ، وبعد أن كنا نرى كثير من الكتاب والنخبة يفتخرون بعلمانيتهم دوما خاصة قبل الثورة ، بل إن الدكتور محمد البرادعي – الذي أجله وأقدره كثيرا – لم ينزعج ولم يعترض من وصف إبراهيم عيسى له بأنه (علماني مخلص للعلمانية) ، ما الذي حدث بعدما كنا نسمع عن العلمانية ما نسمعه عن الليبرالية اليوم بأنها هي الأخرى لا تعارض الدين ولا تنتقص من قدره؟ وإذا كان الليبراليون يدركون بالفعل أن العلمانية معارضة للدين ، ولابد أن يفصل بينها وبين الليبرالية حتى لا تشوهها ، لماذا فرح كثير منهم بتصريحات أردوغان عن العلمانية؟ فمن المفترض أن الشباب الليبرالي تبعا لهذه التعريفات يرفضون العلمانية كالإسلاميين تماما ، وكان من المفترض أن ينزعجوا من تصريحات أردوغان كما انزعج الإسلاميون تماما ، فهل فعلا الليبرالية بريئة من العلمانية؟ أم أنها اختارت الوصول للناس على جثة العلمانية وعبر الهجوم عليها؟
ثانيا: تعريفات بلا حدود ، المعتاد لأي إنسان أنه يقرأ ويتعلم ويعرف أولا عن المناهج المختلفة ثم يختار ما يقتنع به ويوافقه وينتسب إليه ، إلا أنه فيما يبدو أن للشباب الليبرالي شأن آخر ، فأنا استشعر مما أقرأ أن كثير من هؤلاء الشباب اختاروا مسمى الليبرالية أولا وانتسبوا إليه ، ثم بدأ كل منهم بعد ذلك في تعريفه بالصورة التي يحبها ، فتعريفات الليبرالية التي قرأتها حتى الآن غير محدودة ولا محددة ، فبين من يعرفها بتعريف لا يختلف كثيرا عن تعريف العلمانية الفاصلة للدين عن الحياة ، وبين من يعرفها بتعريف بسيط جدا بأنها تنظم شئون الحياة في الأمور التي لم يرد فيها نص ولا إلزام شرعي وكأنها تغطي فقط مساحة (أنتم أعلم بشئون دنياكم) ، وبين من يعرفها بأنها المنظم للعلاقة بين الدين والسياسة ، وبين وبين وبين ، فإذا احترت وأردت أن تذهب لمن اخترعوا المصطلح لتعلم ما يقصدون به قطعوا عليك الطريق بقولهم أننا لا نريد أن نطبق الليبرالية الغربية في مصر ، إذن فاطرحوا المصطلح جانبا وأخبرونا من أنتم؟ أخبرونا إلى متى سيستمر هذا الضباب وهذه المراوغة؟ أخبروني من أصدق وأي ليبرالية أتبع؟ هل أصدق الدكتور حمزاوي عندما يقول أنه ليبرالي أم أصدق من يقولون عنه علماني؟ إن منكم من يتهكم ويتساءل دوما أي إسلام تريدون تطبيقه ، إسلام آل سعود أم طالبان أم الإخوان أم السلفيين؟ ويظن أنه بذلك حقق انتصارا وقدم حجة  بليغة على عدم عملية تطبيق الإسلام  ، والرد على ذلك بسيط للغاية وهو أننا نريد إسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، فللإسلام مرجعية حفظها الله بحفظه ستظل حاكمة نستطيع أن نعود إليها ونرى من يطبق الإسلام حقيقة ومن يدعي تطبيق الإسلام ، وهي التي جعلتنا الآن ننتقد بمنتهى الوضوح والقوة بلدا مثل السعودية بسبب تطبيقها المنقوص للشريعة ، أما أنتم فإلى أي مرجع نعود لنعرف من منكم يدعو لليبرالية الصحيحة المحترمة التي لا تعارض الإسلام ، ومن منكم غير ذلك؟ لماذا لا تخبرونا بموقفكم من الشريعة وبنودها بندا بندا بوضوح وشفافية ، بدلا من استمرار هذا الضباب الذي يثير الشبهات حول الليبرالية أكثر مما يفيدها.
إنني أكتب هذا الكلام وأطرح هذه التساؤلات لسببين :
أولا: لأنني أعلم جيدا أن معظم الشباب الليبرالي يختلفون كثيرا عن الرموز المنتسبة لليبرالية التي لا تكف عن بث ما تتعفف الأذن عن سماعه وتأباه العقول والقلوب ، أعلم جيدا أن معظم الشباب الليبرالي ليسوا ضد الإسلام ، بل إن منهم من قد يكون محبا للدين وحريصا عليه أكثر بكثير من الشباب المنتسبين للتيارات الإسلامية ، لكنهم بدلا من أن يختاروا الإسلام بوضوح أرادوا أن يطوعوا الليبرالية لتتوافق مع الإسلام ، إنهم لم يختاروا الليبرالية حبا فيها ولكن خوفا من التطبيق الخاطئ للإسلام ، فأرادوا أن يكون هناك ضابط خارجي ينظم العلاقة بين الدين والسياسة ويوجهها نظرا للنماذج السيئة الموجودة في العالم الإسلامي وللأسف ، ولكنهم لا يدركون أن هذا يتعارض ابتداء مع إيمانهم كمسلمين بكمال دين الله وتمام نعمته ، فالإسلام دين كامل واضح مناسب لكل زمان ومكان ، ويملك في ذاته كل ما يريدون ، فهو الذي يحدد وينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين الدين والدولة ، وهو الذي يضمن للشعب أن يعترض على حاكمه بل ويغير حاكمه إذا ما حاد عن الحق ، ويعطي الحجة والحق للشعب ليواجه أي محاولة للطغيان باسم الدين ، فالدستور هو الوثيقة التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، فإذا كانت هذه الوثيقة هي القرآن الكريم والسنة ، فهل تظن أنها تسمح للحاكم بالظلم باسمها وبأن يدخل في الدين ما ليس فيه؟ وكل النماذج السيئة التي تراها سببها في الحقيقة الشعوب التي لم تعمل بهذه الوثيقة وتطالب بحقوقها ولم تقف في وجه الخطأ والظلم كما أمرها ربها تبارك وتعالى ، ونفس هذه الشعوب إن لم تتغير ستصنع فرعونا جديدا في ظل أي نظام آخر ولو كان ليبراليا ، إن على إخواني الليبراليين المتمسكين والمحبين لدينهم أن يطرحوا على أنفسهم سؤالا هاما يخرجهم من هذا الضباب ويضع النقاط فوق الحروف ، ألا وهو ما هو الشيء الجميل العادل المفيد الذي يريدونه ويتمنونه فوجدوه في الليبرالية ولم يجدوه في الشريعة الإسلامية؟
ثانيا: لأخاطب الشعب المصري الذي يبدو في المشهد كاليتيم الذي يتنازع عليه الأوصياء ، أبحث عن الجوهر ولا تنشغل بالمسميات والمصطلحات التي يغيرها أصحابها كل يوم حسب الظروف وحسب ما تقتضيه حاجاتهم الشخصية ، فالحق سيظل حقا مهما أساءوا تسميته ، والباطل سيظل باطلا مهما أحسنوا تسميته ، فكيف نصدق من يهاجم العلمانية ويعلن احترامه للدين ثم في نفس الوقت يقوم بتقسيم الدين تقسيما ما أنزل الله به من سلطان إلى مبادئ وأحكام ، المبادئ تحترم بمادة كارتونية في الدستور أما الأحكام لا تنفذ؟ ، كيف نصدق من يدعي احترام الدين وتقديره وهو يصف حدود الشريعة بأنها انتهاك لحقوق الإنسان وأن الأحكام الثابتة قرآنا وسنة ليست من الإسلام في شيء؟! ، كيف نصدق من منح نفسه مكانة العلماء رغم عدم أهليته بل وأعد البرامج الدينية وهو يقدح في دين الله ليل نهار وينسب للدين ما ليس فيه كي ينفر الناس منه ويصرفهم عنه؟! أتعبتمونا يا سادة وشققتم صفوفنا بضبابكم وتقلبات رياحكم ، وآن الأوان لهذا المناخ أن ينتهي ، وآن الأوان لهذا الوطن أن يعيش ،، بوضوح.  
-------------------------------------------------
    للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

الاثنين، 12 سبتمبر 2011

من يكتب نهاية الثورة؟


من يكتب نهاية الثورة؟
معتـز عبد الرحمن


       الثورة مثل أي شيء في الحياة ، له بداية وله نهاية ، كثيرا ما نهتم ببدايات وأسباب الثورات ، ولذلك نسمي معظم الثورات بتاريخ بدايتها مثل 23 يوليو و25 يناير ، إلا إننا كثيرا ما نغفل نهايات الثورات وكيفيتها ، فالثورات – لاسيما الشعبية - دائما ما تنتهي لإحدى نتيجتين ، إما النجاح وذلك بتحقيق المطالب وتغيير مسار الدولة إلى الأفضل ، وتأسيس حكم عادل رشيد ، أو تنتهي بالفشل ، والفشل له صور متعددة ، لكن تعددت الصور والمؤدى واحد وهو استمرار مسار الدولة كما هو أو إلى الأسوأ أو حتى إلى الأفضل ولكن أدنى كثيرا من المسار المأمول الذي قامت الثورة من أجله ، ونهايات الثورات تكتبها الشعوب ، فإما أن تكتب النهاية الناجحة بمداد اليقظة والذكاء والوحدة والطموح ، وإما أن تكتب النهاية الفاشلة بأيدي أنواع وأصناف شتى من أبنائها يقوضون ثورتهم من حيث يدرون أو لا يدرون ، ومن هؤلاء الأصناف على سبيل المثال لا الحصر:
 أولا: الذين يتعاملون مع الثورة على أنها نزهة ، ورحلة مجانية لبلاد الأحرار ، فإذا أصابهم خير أطمأنوا به وإن أصابتهم مصيبة لعنوا الثورة والثوار ، هؤلاء الذين نجحوا لعقود في التعايش مع الفساد وإن لم يشاركوا فيه ، وإن كانت السلبية في حد ذاتها تعد مشاركة ، فلم يعد الفساد يثير غضبهم ولا يؤذي أبصارهم وأسماعهم ، فهؤلاء يقبلون الثورة ولكن بشروط ، ألا يطالبهم أحد بواجبات ، وأن يتم التغيير دون نقص في الأموال والثمرات ، ودون أدنى صبر أو تضحيات ، وإلا فالثوار مخربون والثورة مجرد أصابع وأجندات.
ثانيا: الذين يحبون الثورة ولكن لا يفهمون طبيعتها ، وهم أفضل كثيرا ممن ذكرتهم آنفا ، إلا أن قلة الفهم وخفة الأعصاب توقعهم كثيرا في شراك الخوف والتوتر فتتشابه ردود أفعالهم مع ردود أفعال الصنف الأول ، فالثورة ميلاد أمة ، والميلاد منه القيصري ومنه الطبيعي ، القيصري يكون بسلاح - المشرط - وتسيل فيه دماء مقابل راحة أكبر للأم المخدرة ووقت أقصر للولادة ، والطبيعي فيه صراخ وألم ووقت وشد للجنين وساعات وربما أيام ، فعندما تكون الثورة بيضاء سلمية لن تمر وتحقق أهدافها "سريعا" و "دون ألم" و"دون صراخ" و " شد وجذب" ، فلكل تغيير أعداء في الداخل والخارج لن يتركوه يمر مرور الكرام ، ولغياب هذا الفهم تجد هؤلاء القوم  في كل نازلة يفقدون الأعصاب ويعلنون الملل والضجر والشعور "بالقرف" ، ويستعجلون النهاية ولو على حساب الكثير من المطالب ، وكأن هذه النوازل أمرا غير متوقع.
ثالثا: المخلصون الذين لا يستطيعون مجاراة الأحداث ولا يستطيعون أن يكونوا على مستواها ، فرد الفعل عندهم ليس بالضرورة مساويا للفعل في المقدار ولا مضادا له في الاتجاه ، بل طريقة تعاملهم مع كل الأحداث المتنوعة ثابتة ، فإما الحكمة إلى حد التخاذل والنوم ، وإلا الثورة إلى حد التهور والطيش ، وإما الثقة إلى حد السذاجة ، وإما الشك إلى حد تخوين أصابع اليدين ، وكل ذلك خطأ ، والصواب خليط بينهم تتحدد نسب عناصره حسب الموقف والأوضاع ، خليط بين الحكمة والإقدام ، وبين الثقة والحذر ، خليط يحتاجه الوطن بشدة ولكن للأسف قل من يحسن صياغته وتطبيقه.
رابعا: الذين لا يفهمون إلى الآن الفرق بين الإنسان وغيره ، فقد سمعت بعض المصريين يتعجبون من ثورة الشعب الليبي على القذافي رغم أنه يوزع على الشعب شهريا أرز ودقيق وزيت إلخ ، فالذين يرون أن الحياة طعام وشراب ، ولا يرون قيمة للكرامة والحرية والفكر والاحترام لهم دور كبير في كتابة نهاية أي ثورة أو تغيير للأفضل، أذكر أنني سمعت هتافا في أحد المظاهرات الفئوية أزعجني كثيرا ، قالوا (علي وعلي وعلي الصوت اللي هيهتف مش هيموت ) فقلت سبحان الله ، لولا أن هناك أناس شرفاء هتفوا وهم يعلمون أنهم عرضة للموت ، بل ومات بعضهم بالفعل ، ما وقفتم أنتم هاهنا اليوم ، فالفئوي يهتف ليعيش ، والحر يهتف ليحيا ، والفرق بينهما كبير.
خامسا: الذين لا يقرأون التاريخ أو يتغافلون عنه ، والذين أدمنوا اللدغ من نفس الجحر عشرات المرات ، فيضعون أيديهم بل ونحورهم في الجحر ويقولون ستتغير سلوكيات الأفاعي ، فالتاريخ حلقة مفرغة ، تدور وتكرر نفسها ما لم يتعلم الناس منها الدروس والعبر ، فقد علمنا القرآن الكريم أن التاريخ وقصص الأولين ما هي سوى مدرسة لمن أراد التعلم والاعتبار (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)) سورة يوسف
سادسا: من يصدق كل ما يسمع ، ويتبع كل صوت مادام عاليا ، ويستظل بكل راية مادامت تبدو مرفرفة ، سهل التوجيه والانقياد ، عقله دوما في سبات ، والأخطر منه الذي لا يسمع إلا ما يريد سماعه ، كالمريض الذي يدور بين الأطباء عسى أن يخبره أحدهم أنه سليم ، خشية الجراحة ، وكالذي يدور بين المحللين والقنوات عسى أن يخبره أحدهم بأن الثورة في آمان ، خشية الاضطرار للعمل ، وسيجد حتما بغيته ، وسيسمع حتما ما يريد ، فيترك العلاج والحرص والعمل ، يتركهم رغم يقينه بأن المريض لا يزال مريضا والثورة لا تزال في خطر.
سابعا: سكان أستديو التحليل ، وأنا لا أعني هنا نخبة الفضائيات ، ولكن أعني كل مصري لا يكف لسانه عن الكلام والثرثرة ، ولا يكف عن التحليل ووضع الافتراضات والحلول النيرة ، ولا تجد له في الواقع أي أثر أو عمل ، ففي مصر ملايين القادة والمديرين مقابل عشرات الجنود والعاملين ، ملايين يُنظّرون ويتناظرون وفي كل موقف يختلفون بين القبول والرفض ، إلا أنهم يتفقون في شيء واحد وهو عدم التواجد على الأرض ، يناقشون الفقر ولا يحاربونه ، يناقشون الظلم ولا يتصدون له ، ويتصورون مستقبل مصر ولا يعملون من أجله ، يتحدثون عن المخاطر المتربصة بالثورة ولا يحمونها ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3)) سورة الصف
ستنتهي الثورة المصرية ولابد ، ستنتهي في وقت من الأوقات قرب أم بعد ، ستنتهي ويكتب نهايتها المصريون جميعا ، وهم حتى الآن في خيار ، هل يبدأون أخيرا حياة جديدة نظيفة ويبنون دولة حديثة متقدمة بعد نحو قرنين من الضياع؟ أم يضمون إلى سجلاتهم ثورة جديدة من الثورات الفاشلة ، ويتندر ويتعجب أحفادهم في المستقبل منهم ومن سذاجة أخطائهم ، كما تندروا هم وتعجبوا من الذين من قبلهم؟ هذا السؤال ، وعلى الشعب الإجابة.
-------------------------------------------------
    للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

الأربعاء، 7 سبتمبر 2011

الإسلاميون والبطيخة الصيفي


الإسلاميون والبطيخة الصيفي
معتـز عبد الرحمن


       حقا أنا لم أعد أفهمكم ، رغم أني واحد منكم ، أحلامكم أحلامي ، مبادئكم مبادئي ، أفكاركم أفكاري ، شيوخكم شيوخي ، كتبكم مكتبتي ، وأنتم أحب الناس إلى قلبي ، ولكني لم أعد أفهمكم ، لذا قررت أن أبث حيرتي وتعجبي ، وغضبي واستنكاري ، عسى تجيبوني فأفهم وأقتنع ، أو تفهموني أنتم وتقتنعون.

     بداية هل تستشعرون حجم المسئولية الملقاة على أكتافكم؟ هل تدركون حجم الدور المطلوب منكم ؟ لقد قلتم وأثبتم أنكم الفصيل الأكبر في الشعب المصري والأكثر تأثيرا ، وهو تكليف أيما تكليف وليس من التشريف في شيء ، هذه القوة وهذا التأثير يسلبكم حق الاختيار وحق تحديد الدور الذي ترونه لأنفسكم ، فهو يلزمكم ببذل الغالي والنفيس ، وببذل أقصى ما يمكن بذله لحماية هذا الوطن في مرحلة من أخطر مراحله ، ولكم في نبي الله يوسف أسوة حسنة ، فنبوته وإيمانه وزهده وورعه لم يمنعوه من طلب واختيار تولي المسئولية لما رأى أنه الأقدر والأجدر على تحملها ليمر بالبلاد لبر الأمان ، ولا عجب أن هذه البلاد التي أنقذها نبي الله يوسف عندما احتاجته ، هي نفس البلاد التي تحتاجكم اليوم ، إنها مصر ، مع الفارق الكبير الذي ليس في صالحكم ، فهي بلادكم ولم تكن بلاده ، وهي الآن مصر درة العالم الإسلامي ، وحينها كانت بلاد كفر وشرك ، ومات نبي الله يوسف المنقذ لها بإذن الله دون أن يؤمن أهلها به (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ ) (1)

   في رأيي أن آخر قرار حقيقي اتخذتموه كان قرار الموافقة على التعديلات الدستورية ، واختيار طريق صناديق الاقتراع كوسيلة للتحول الديموقراطي في مصر وتسليم البلاد إلى سلطة مدنية يرتضيها المصريون ، وكان لكم ما تريدون ، واكتسحت (نعم) الاستفتاء وبدأنا جميعا ننتظر هذا التحول الديموقراطي ، وندعو لحمايته من أي محاولة للالتفاف على إرادة الشعب والاستخفاف بها ، ومعركة (الدستور أولا) شاهدة على ذلك ، إلا إنكم أغمضتم أعينكم عما تلاها ومازال يتلوها من أحداث وإشارات ، وأصبحت الانتخابات غاية وليست وسيلة ، تنتظرونها وتناضلون من أجلها بصرف النظر عن أي مستجدات ، وانعزلتم عن الشارع والواقع ، وهذا ما يثير عجبي وحنقي ويجعلني أسألكم:
     ألا ترون أن في البلاد ثورة مضادة؟ ألا تشعرون أننا نرجع إلى الخلف؟ ألا تقلقكم المحاكمات العسكرية التي أثخنتكم من قبل ولا يوجد ما يحميكم منها الآن أوغدا؟ ألا يقلقكم الانفلات الأمني الملحوظ و"المتروك"؟ ألا تستفزكم عجائب محاكمات رموز النظام السابق؟ ألا يرعبكم الظلام والغموض الذي يكتنف الطريق الوحيد الذي ارتضيتموه؟ ألا تقلقون من تجريم التظاهر واحتلال الميدان بعد يومين من مظاهرتكم الشهيرة؟ ألا تتساءلون أين قانون الغدر؟ ألا تغضبون من استمرار العمل في إعداد الوثيقة الحاكمة وكأن 29 يوليو كانت نزهة ؟ وألا وألا ، أرى أنكم تعلمون كل ذلك جيدا وتدركونه ، ويمزق الغضب أحشاءكم ويعصر القلق قلوبكم ، إذن فلماذا لا تقفون بجوار الشعب ومطالبه ؟ ولماذا لا تناصرون الثورة وتحمونها ؟ هل كما يقولون عنكم أنكم خنتم الثورة وأنكم طلاب سلطة؟ في ظني إن لم يكن في يقيني أن هذا غير حقيقي ، ولكن الواقع أنكم انشغلتم بالفرع عن الجذع ، ولم تحسنوا اختيار الخصم ، واختلقتم لأنفسكم الفزاعات والحواجز التي حالت بينكم وبين كل دعوات تصحيح المسار وتظاهراتها إلا قليلا.

    تقولون نؤيد كل هذه المطالب ونتمناها ولكن نخشى أن تتبدل المطالب ويستغل عددنا في طلب ما نرفض وما يضر البلاد ، وأقول: ثلاثون فصيلا انسحبوا من تظاهرة 29 يوليو ولم يشعر بهم أحد ، فهل لو نزلتم بقوتكم يظهر بجوار مطالبكم مطالب؟ وهل من الممكن أن توجه الأحزاب والائتلافات الكارتونية القوى الشعبية؟ هل تستطيع الآلاف أن تخدع الملايين؟ وإن كان هذا ممكنا فما أكثر ما فيكي يا مصر من ميادين؟ فاختاروا منها ما تشاءون لتعلنوا مطالبكم الصافية ، فإذا كان ولابد من التحرير فاختاروا يوما غير يوم الليبراليين والعلمانيين ، المهم ألا تعيشوا صامتين.

    تقولون نؤيد كل هذه المطالب ونتمناها ولكن نخشى الصدام مع الجيش والوقيعة ، واتخاذ التظاهر إلى ذلك ذريعة ، ويندس المندسون وتحدث الفتنة المريعة ، وأقول: ونحن جميعا نرفض الصدام ، ولكن هل يقول ذلك أبطال موقعة الجمل واللجان الشعبية؟ هل تخشى الملايين من البلطجية؟ بالعكس ، فبدونكم يحدث الاحتكاك ويطمع الطامعون ويندس المندسون، فالذي يندس بينكم مجنون ، وأنتم تعلمون ، وبالتالي فأنتم الوحيدون القادرون على إعلان المطالب صافية ، دون صدام أو وقيعة ، وتتحملون – في وجهة نظري – مسئولية اختلاط المطالب وحدوث الصدام إذا حدث في غيابكم ، ففي 8 يوليو ، لم يغلق المجمع ، وتهدد قناة السويس والمترو إلا بعد انسحابكم قبل تحقق مطالبكم.

    تقولون نؤيد كل هذه المطالب ونتمناها ولكن نخشى من مؤامرات أجنبية ، تسعى لتمكين العلمانية ، والبرادعي والليبرالية  ، وأقول : هل ستنجح المؤامرات وأنتم تقودون الشارع وتفشل وأنتم في البيوت؟ هل ستنجح وصوتكم عالي وتفشل وأنتم سكوت؟ أليس من التمكين للعلمانية والليبرالية أن تفسحوا الميدان للعلمانيين والليبراليين ليطالبوا بحقوق الشعب وحدهم ؟ وبالتالي سيلتف الشعب وأهالي الشهداء والمحكوم عليهم عسكريا حولهم؟ وإذا كنتم تؤمنون بكل هذه المؤامرات ، فلماذا تأمنون على الانتخابات؟ الانتخابات التي تأجلت مرة بعد مرة ولم تعترضوا ، والتى لا تعرفون لها موعدا ولا جدول ، ولا دوائر نهائية ولا قانون ، ومازالت محاطة بالضباب والغيوم ، رغم أنها من المفترض أن تكون على وشك ، وبالتالي لن يستعد لها إلا أصحاب الأموال والعائلات ، ومن المعلوم من هم أصحاب الأموال والعائلات ، وستخرجون من الساحة بحكم الديموقراطية التي ارتضيتموها وسكتم من أجلها كثيرا، ويعود الوضع كما كان باختيار الشعب الذي تخسرون أسهمكم عنده يوما بعد يوم ، فليت شعري من أين أتيتم بهذه "البطيخة الصيفي" التي تضعونها في بطونكم وفي بطون الملايين من أتباعكم وتلاميذكم؟ أليس لكم في ثورة عمر مكرم وأحمد عرابي عبرة؟ إلى متى ستظلون فاقدين لروح المبادرة؟

    انتظر أن أسمع ويسمع معي الشعب ما يقنعننا ويروينا ، أو نرى منكم ما يقر أعيننا ويحمي ثورتنا ويحمينا، ولا أنتظر أن أسمع اتهامات بشق الصف ولا بنشر الغسيل ، فالقرآن علمنا أن الحق واضح وواحد وأصيل ، لا مجاملة فيه ولا تبديل ، وفي سورة النساء (105 – 113) الحجة والدليل. (2) ، وقال رسولنا صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة ، ونصيحتي لكم على الملأ ليست فضيحة ، فقد علمتمونا أن ما كان على الملأ ، رده يكون على الملأ ، وأن الكبير يقبل النصيحة من الصغير ، مثلما يقبلها الصغير من الكبير ، وأن الطاعة المطلقة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم فقط ، ولا طاعة لغير الله والرسول صلى الله عليه وسلم إلا بالحجة والإقناع والدليل.
--------------------
(1)     سورة غافر ، الآية 40
    للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

السبت، 3 سبتمبر 2011

الإسلاميون والليبراليون ، كلمة سواء



الإسلاميون والليبراليون ، كلمة سواء
معتـز عبد الرحمن


       أؤمن تماما أن الخلاف بين التيارات الإسلامية من جانب والعلمانية والليبرالية من جانب آخر جذري ولن ينتهي أبدا، ولكني تمنيت بعد الثورة أن يكون هناك نوع من التوافق لنعبر بمصر لبر الأمان، ومواجهة الخطر الذي يتربص بالفريقين وهما لا يشعران ، إلا إن النخبة العلمانية والليبرالية تمسكت بلهجة الاستعلاء والإقصاء وازدراء الإسلاميين لاسيما السلفيين على نمط (وما نراك اتبعك إِلا الذين هم أراذلنا بَادِيَ الرأي)،فتخلى في المقابل الإسلاميون عن لهجة "الطبطبة" والطمأنة التي انتهجها معظمهم بعد الثورة وانتقلوا للهجة المواجهة والتحدي على نمط (إِن تسخروا منا فإِنا نسخر منكم كما تسخرون) (1)، إذن فقد تحولت الساحة السياسية المصرية إلى معسكرين فكريين ، معسكر الإسلاميين ودعاة تطبيق الشريعة ، ومعسكر يحوي كل القوى الأخرى الرافضة لتطبيق الشريعة مع الاحتفاظ بالاحترام الرمزي لها بالموافقة على وضع مبادئ الإسلام في علبه قطيفة شيك على رف المادة الثانية من الدستور ، لم يعد عندي أمل في التحام الصف كليا مرة أخرى ، ولكن عندي أمل أن يطبق كل منهم على الأقل مبدأ (أنا وابن عمي على الغريب) ، فليستمر النزاع الفكري – إن لم يكن العقدي-  الطبيعي إلى الأبد ولكن أدعوهم إلى كلمة سواء فيما يلي:

أولا: التعاون في حماية الثورة وإفشال أي التفاف عليها ، التعاون في مطالب التطهير والقصاص ، والمطالبة بجدول زمني واضح لتسليم السلطة في مصر ، والتصدي للثورة المضادة ، ففي ظل تفرغ كل منهما لمنازلة الآخر ، أبناء مبارك يعملون في جلد ، وحملات تلميع رموز النظام السابق تعمل في دأب ، والعمل على تبغيض الثورة إلى بسطاء المصريين – القوة الانتخابية الحقيقية – لا يتوقف لحظة ، مما قد يقلب المنضدة على الجميع ، وتعود مصر إلى مرحلة ما قبل الثورة ولكن بانتخابات ديموقراطية هذه المرة ، ويرد أعضاء النظام الفاسد الزنازين لأصحابها الأصليين ، إسلاميين وليبراليين على سواء.

ثانيا: في وجهة نظري المجلس العسكري لا ينحاز إلى أحد ولا يتحالف مع أحد ، فهو يقف على مسافة ليست فقط واحدة ولكنها أيضا بعيدة عن كل الأطراف ، فلا ينبغي لأحد أن يتصور أن المجلس قد يعينه على خصمه أو يعين خصمه عليه ، فالمجلس له رؤية مستقلة لمستقبل مصر لا نعرفها حتى الآن ، لذا فينبغي على الطرفين متابعة ومراقبة هذه الرؤية أيضا من مسافة بعيدة ، والحوار والتدخل إذا ما ظهر أن هذه الرؤية قد تكون مخالفة لمصلحة مصر وإن حسنت نوايا المجلس ، ناهييك عن أن التفكير في منح الجيش صلاحيات ما فوق دستورية – هو لم يطلبها -  من أجل إقصاء فصيل وطني آخر يعتبر – على الأقل في وجهة نظري- خيانة للوطن وللثورة.

ثالثا: الالتزام بالأخلاق والإنصاف ، وعدم التجني وادعاء الكذب على الآخر ، فإذا كان الليبراليون في عمومهم لا يستحلون الخمر مثلا ، فالسلفيون أيضا لا يحرمون فرشة الأسنان (قناة التحرير) ، صاحب الحجة لا يحتاج أن يكذب أو أن يدعي ، والمنصف لا يحكم ولا يعادي دون أن يسمع الخصم ، فليسمع كل منا الآخر ، وليخاصمه بشرف ونزاهة وإنصاف ، وأيضا ليكن الأصل في العمل هو الدعوة إلى الفكر ، والفرع هو الرد على الآخر وتفنيد حججه ، فليدعو كل منهما إلى رؤيته ومنهجه بدلا من التفرغ للرد على الآخر وذكر سيئاته ، ولكن مرة أخرى فليلتزم كل منهما في الفرع بالشرف والنزاهة والمنطق.

رابعا: الوضوح هو واجب الوقت ، لأن الخلاف "الطبيعي" الموجود لن يحسم تأثيره على مستقبل مصر إلا باختيار شعب مصر ، وليختار شعب مصر يجب أن نكون أمناء وشديدي الدقة في عرض أفكارنا عليه ، دون تجميل ، ودون "لف ودوران" وتلاعب بالألفاظ ، فكما يقول الدكتور عمرو حمزاوي أن الشعب المصري سيكون أمام نموذجين ، نموذج الدولة الدينية – على حد وصفه – أو الدولة التي تطبق شرع الله ، ونموذج الدولة المدنية ، إذن فلابد من توضيح تفاصيل الدولتين للناس ، وقد طلبت من التيارات الإسلامية من قبل وضع مسودة للدستور الإسلامي يقرأها الناس ويناقشونها (2)، و أيضا أطلب من التيارات الليبرالية الثبات على موقف وإيقاف المراوغات اللفظية والتراجعات التي رصدت جانب منها في مقال سابق (3) كي يتثبت الناس من اختياراتهم ويكونوا على نور.

خامسا: وهي مرتبطة بالتي قبلها ، آن الأوان لتطبيق الديموقراطية ، ولمنح الشعب المصري حقه في الاختيار لأول مرة منذ ستين عاما ، آن الأوان لإيقاف الالتفاف حول إرادة الشعب من أجل تحقيق فكر شخصي أو فئوي ، فإن الذين كانوا يعتزلون الديموقراطية قبل الثورة بسبب التزوير ، بل والبعض الذي كان يحرمها ، قرروا احترامها كآلية للانتقال بمصر إلى مرحلة جديدة يحكمها فيها أبناؤها وحسب ، فليت شعري كيف يتراجع عنها الآن أساتذتها ومنظروها ودعاتها؟ رغم أن بعضهم لا يزال يذيل كلامه دائما بمقولة (الديموقراطية هي الحل) ، ورغم أنهم ينتقدون أداء المجلس العسكري وحكومة شرف في المرحلة الانتقالية باستمرار ، مما يعني أنهم يدركون جيدا أن المرحلة الانتقالية باتت حملا ثقيلا على مستقبل مصر ويجب أن تنتهي في أقرب فرصة ، وأن يتسلم الشعب المصري دولته ، ويتفرغ الجيش المصري للأوغاد الذي يعبثون على الحدود.

سادسا وأخيرا: وهذه خاصة للتيارات الليبرالية والعلمانية ، وأنتم تنازلون خصومكم فكريا ، وتفندون أعمالهم وأقوالهم ، عليكم أن تفرقوا جيدا بين ما هو منسوب لهم ولأشخاصهم ، وما هو جزء من الإسلام نفسه ، لأن عدم التفرقة الناتج عن عدم الوعي الإسلامي الكافي ، يوقعكم كثيرا في هذا الخطأ ، مما يؤدي لاستفزاز مشاعر المسلمين عامة ، ومما يثبت للناس ما يقال عنكم وتصفونه بالكذب ، ومما يؤدي لتحويل الحوار الوطني إلى حوار عقدي ، وأيضا وهذا هو الأهم مما يوقعوكم في ورطة كبيرة يوم القيامة ، يوم الحسرة والندامة ، وأنتم وقوف بين يدي الله تعالى لينبئكم بما كنتم تعملون.

---------------------
(1)     استشهدت بالنصيين القرآنيين لبلاغة وصفهم للواقع ، وليس لأن الأول قول الكافرين والثاني قول المؤمنين ، فأرجو ألا أقرأ أو أسمع أي اتهامات سفسطائية لي بالتكفير بسبب هذا الاستشهاد.
(2)     تطبيق الشريعة وخارطة الطريق http://just-khawater.blogspot.com/2011/08/blog-post.html
(3)     الليبراليون ومراجعات ليلة الامتحان http://just-khawater.blogspot.com/2011/06/blog-post_21.html

    للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب