الخميس، 30 يونيو 2011

حوار الطرشان ومناظرة الأشباح



حوار الطرشان ومناظرة الأشباح
معتـز عبد الرحمن

    (أخي لو أعدت قراءة كلامي وقراءة كلامك ستجدنا متفقين تماما) جملة ختمت بها حوار طويل حول مبدأ فصل الدين عن السياسة ، وبكلمات مشابهة ختمت عدة حوارات حول الليبرالية وتطبيق الشريعة ، وأراها نهاية مناسبة لمعظم نقاشات المصريين ومناظراتهم حاليا ، إخوتي ، إننا لا نسمع ولا نقرأ ، إننا فقط نتحدث ، فقل لي بالله عليك ما الفرق بين من يقول أن علينا تطبيق الشريعة والتي تعني الالتزام بقوانين الإسلام وتشريعاته من تنفيذ للواجب وامتناع عن الحرام ، وأما ما سكت عنه الشرع فحكمه الإباحة ونحن أعلم فيه بشئون دنيانا ، وبين الذي يقول أن علينا تطبيق الليبرالية (أو غيرها) كمنظومة اجتماعية واقتصادية وسياسية بما لا يخالف الشريعة أي بما لا يؤدي إلى الإخلال بواجب شرعي أو ارتكاب محرم ؟ هل هناك فرق على الأرض؟ بل هل هناك فرق بينهما وبين المسيحي الذي يوافق على بقاء المادة الثانية من الدستور كما هي ؟ إذن فلماذا تتناحرون؟ ولماذا تضيعون نصف أوقاتهم في حوار محسوم من الوهلة الأولى لو كنتم تفقهون؟ ولماذا نضيع أوقاتنا في هذه النقاشات التي يطيب لي أن أسميها بـ (النقاشات الصفرية) لأن 1-1 = 0،،  إنني وبعد تأمل عميق أرى أن جانب كبير من هذا الصدام الفكري الرهيب الحاصل في المجتمع بين التيارات والأفراد هو محض أوهام وأن أسباب هذا الصدام الوهمي في وجهة نظري تتلخص فيما يلي.

أولا: التعصب للمصطلحات
      إنك إن بحثت في الشعب المصري بكافة أطيافه ، لن تجد منهم من يؤمن بالعلمانية بمعناها الذي وضعه مخترعوها في أوربا إلا قليلا ، ولن تجد منهم من يؤمن بالليبرالية بمعناها الغربي إلا قليلا ، وستجد أن حتى هؤلاء القلة معظمهم لا يملك الجرأة على أن يجهر برغبته في تطبيق المفهوم الغربي للعلمانية والليبرالية حتى لا يخسر الأغلبية المصرية التي سترفض دعمه وتأييده، إذن فكثير من الليبراليين - على سبيل المثال - عندما يطالبون بتطبيق الليبرالية هم في الحقيقة يطالبون بليبرالية مختلفة عن المفهوم الأصلي وقد ظهر ذلك في مقال للدكتور معتز بالله عبد الفتاح ( هل مصر بحاجة إلى العلمانية؟) عندما أكد في نهاية المقال أننا بحاجة إلى الليبرالية والديموقراطية (بالمعنى الوارد في هذا المقال) لأنه يدرك جيدا أن المعنى الذي يريده هو لا يتطابق مع المعنى الأصلي المعروف عن الليبرالية والديموقراطية ، إذن فلماذا يتمسك كثير من الليبراليين وغيرهم بالمصطلح طالما أنه يخالف كثير من معتقداتهم؟ ولماذا ينقمون على هذا الإسلامي الذي يهاجم الليبرالية بمفهومها الغربي طالما أن صديقنا الليبرالي نفسه يرفض هذا المفهوم ؟ إن الذي يأتي لمناظرة أو حوار لا يملك القدرة على البحث في نوايا محاوره ، إنما يسمع انتماءه ويناقشه على أساس "المصطلح المتعارف عليه" عن هذا الانتماء، فإذا تقدم شاب لخطبة فتاة مسلمة وأخبر لوالدها بأنه "مسيحي" وبالتالي رفض الأب لمخالفة ذلك للشرع فليس من المنطقي أن يتهم الشاب الأب بالغباء والجهل لأنه لم يفهم أنه يقصد بـ "مسيحي" أنه مسلم مؤمن بالمسيح ككافة المسلمين !!
ثانيا: مناظرة الأشباح
    ينتابني مزيج من مشاعر الحزن والغضب والرغبة في الضحك عندما أدخل في نقاش مع أي أحد – لاسيما إن كان صديقي ويعرفني جيدا – حول مسألة تطبيق الشريعة وأفاجأ في منتصف الحوار بعبارات من قبيل ( نحن لن نقبل الدولة الدينية )  (لا نريد حاكم يعاملنا على أنه ظل الله في الأرض) (لن نقبل بتعذيب واضطهاد الأقباط) ، أنظر حينها حولي وأتساءل ، مع من يتحدث هذا المسكين؟! ولماذا يهاجمنني كأنني أطالب بهذا الكلام الفارغ؟! إن هذا المحاور اختلق شبحا وحاربه ، وانهمك في قتاله فلم يسمع قولي ولم يفهم مطالبي ، فجاءت ردوده على هذا النحو العجيب ، فإذا كان البعض ينتقد الإسلاميين لأنهم يتعاملون ويناقشون الليبراليين وفق التعريف الأصلي الغربي لليبرالية دون أن يأخذوا في الاعتبار تعديلات الليبراليين المصريين ومراجعاتهم ، فياليت الليبراليون والعلمانيون يتعاملون مع المطالبين بتطبيق الشريعة وفق التعريف الأصلي للشريعة وأحكامها ، فليذكر لي أحد أين الآية أو الحديث الذي يجعل من الحاكم ظلا لله في الأرض؟ وأين أحكام الإسلام هذه التي تدعو للتعذيب والاضطهاد؟ والعجيب أن البعض ينادي لا نريد دولة كالتي عذب فيها الإمام أحمد بن حنبل والإمام مالك ، ويحتجون بذلك على رفض تطبيق الشريعة ، وكأن الذين عذبوا هؤلاء الأئمة عذبوهم وفقا للشريعة !! ويتناسى هؤلاء المنادون أن هذه القصص إنما هي دليل على أن الشريعة لا تكفل الحماية للحاكم من النقد والمعارضة ولا تمنحه قدسية ولا عصمة ، والدليل أن هؤلاء الأئمة – مع علمهم بالشريعة والفقه – رأوا أن الدين يلزمهم بالوقوف في وجه الظلم وخطأ السلطان جهارا نهارا وإن كلفهم ذلك حياتهم ، وبالتالي فالشريعة تقف في وجه الفرعون وتكبل يديه فكيف تتهم بأنها تصنعه؟، إنما يصنع الفرعون قومه ، وقد صنع المصريون أقوى الفراعين قبل الإسلام وبعد أن تخلوا عن تطبيق الإسلام وما مبارك عنا ببعيد ، ومن هنا أيضا أطالب الإسلاميين بأن يناظروا الرجل الذي يجلس أمامهم ، ولا يناظروا التصور الذهني والشبح المتكون من دخان أزمة التعريفات التي نعيشها.

التفصيل هو الحل
  من هنا نصل أننا نعاني من أزمة كبيرة في التعريفات أدت إلى حوار غير واقعي وبالتالي خلاف أغلبه وهمي ، لذا فأنا أرى أن ننحي كل المصطلحات جانبا تحت شعار (انسف تعريفك القديم ) ولنبدأ الحوار من جديد على بياض وصفاء ، وكما قيل انصف أذنيك من لسانك فأنت لك أذنين ولسان واحد لتسمع أكثر مما تتكلم ، فلنبدأ حوارا بلا مصطلحات أو أشباح ، ونجعل حديثـنا دوما عن المضمون والتفاصيل ، وهذه نصيحة أوجهها للأحزاب ولمرشحي الرئاسة ومرشحي مجلسي الشعب والشورى ، لا تقل أنا حزب أو مرشح ليبرالي سأطبق قواعد الدولة المدنية ، ولكن قل أنا أعتقد في كذا وكذا وسأطبق قواعد الدولة المدنية التي هي كذا وكذا بالتفصيل الممل ، ولا تقل أنني سأطبق الإسلام ، ولكن قل أنا سأطبق قواعد الإسلام التي هي في الاقتصاد كذا وفي السياسة كذا وفي الاجتماع كذا وكذا، التفصيل هو الحل وهو الطريق الذي يساعدنا على التمييز ، فلا نظلم شريفا بسبب مصطلح سيء السمعة ، ولا نرفع وضيعا بسبب مصطلح عظيم ، ولا نضيع وطنا بسبب خلاف عقيم.
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

الاثنين، 27 يونيو 2011

مجرد تعقيب ، نانسي وكريستين والأزهر



مجرد تعقيب ، نانسي وكريستين والأزهر
معتـز عبد الرحمن


     تلقيت بعض اللوم من بعض من أحب بسبب توجيهي بعض الانتقادات اللاذعة للأزهر على خلفية قضية فتاتي المنيا ورفض الأزهر لإشهار إسلامهما مما يؤدي لإعادة تسليمهما عنوة إلى أسرتيهما.
فأحببت أن ألخص وجهة نظري في هذه السطور ، والتي سأسردها في نقطتين الأولى (ما قبل التصويب) والثانية (ما بعد التصويب).
أولا ما قبل التصويب
 نشرت وسائل الإعلام أن شيخ الأزهر يفتي بعدم جواز إسلام القاصر وأن رد الفتاتين للكنيسة نابع من هذه الفتوى الشرعية ، ومما لا شك فيه أن هذه الفتوى استفزت الجميع ، فخطأ هذه الفتوى معلوم بالضرورة عند جميع المسلمين ، وكل المسلمين يعلمون أن كثير من الصحابة أسلموا أطفالا ولم يردهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فأسلموا بل وحملوا السيف وجاهدوا معه وهم في سن أصغر من هاتين الفتاتين.
الطريف المبكي أن من المسلمين – العوام أمثالي -  من ذهب يدافع عن الفتوى ويبررها ويحاول ليّ بعض الأدلة الشرعية وإهمال بعضها كي يثبت صحة الفتوى المنسوبة لشيخ الأزهر ليلمع الأزهر على حساب الدين ، أو ليرتدي رداء الحامي للوحدة الوطنية والمناقشة الموضوعية ، وكانت المفاجأة أن خرج شيخ الأزهر بعد ثلاثة أيام من الصمت  ينفي الفتوى – ولا ينفي الموقف – ويبين أن إسلام القاصر مقبول شرعا ولا أحد يستطيع أن ينفي عنهما الإسلام ، إلا أن المشكلة قانونية بحتة وليست شرعية ، وليت شعري ما هو شعور هؤلاء المدافعين الآن؟
ثانيا ما بعد التصويب
 لقد تأخر التصويب كثيرا يا شيخنا ولن نرضى بأقل من مقاضاة الصحف التي نشرت الخبر ، ولنا الحق في أن نعاتبك على هذا التأخير غير المبرر ، ولنا الحق في معاتبك العتاب الأكبر، شيخنا المحترم ، أنت بهذا التصويب تقر أن هذا القانون مخالف للشريعة ، ولا أدري كيف يطاوعك قلبك أن تنفذ قانونا يضاد الشريعة وأنت الذي تمثل الإسلام في عيون أغلب المسلمين في العالم بحكم ترأسك لأكبر مؤسسة إسلامية في العالم؟
شيخنا المحترم ، شيخ الأزهر الشريف ، الأزهر الشريف حامي حمى الإسلام على مدار أزمان ، لماذا لم تقف في وجه هذا القانون الذي يخالف المادة الثانية من الدستور القديم ومن الإعلان الدستوري الحالي ؟ والأهم من ذلك أنه يخالف آيات القرآن الكريم (الممتحنة آية 10 ) الذي تحفظه وتدافع عنه ؟ ألم تعلم أن البابا شنودة رفض تنفيذ حكم المحكمة الذي يخالف الإنجيل؟ أغيرته على الإنجيل أكبر من غيرتك على القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ؟
شيخنا المحترم : إذا كنت حاولت ولم تستطع فعل شيء ، فكيف ترضى أن ترد مسلمتين إلى موطن يترجح فيه هلاكهما أو فتنتهما عن دينهما ؟ شيخنا المحترم ألم يأمرك القرآن الكريم بإجارة المشرك إذا استجار بك حتى تبلغه مأمنه ، فماذا فعلت بالمسلمتين اللتين استجرنا بك ظنا منهما أن الأزهر هو حامي الإسلام والمسلمين ؟ هل تظن أنهما في مأمن؟ هل العقل والمنطق – وأنت أستاذ فلسفة ورجل صعيدي – يقولان أنهما من الممكن أن يعيشا في أمان تام مع أهلهما (الصعايدة) حتى يبلغا الثامنة عشر ويأتيا إليك من جديد؟ شيخنا المحترم أهو اقتراح صعب أن تطلب التحفظ عليهما في دار رعاية ، في حماية الدولة وتحت رعاية الأزهر حتى يبلغا السن القانوني ويختارا الإسلام بحرية أو يطلبا العودة؟ شيخنا المحترم ، ألم تعلم أن قرارا كهذا قد يستفز مشاعر المسلمين ويؤدي لفتنة لا يعلم مداها إلا الله وليست كاميليا وعبير عنا ببعيدتين؟ شيخنا المحترم هل من الحكمة والعقل الرشيد أن تسترضي 6% من الشعب على حساب مشاعر 94% وتظن أنك بذلك تمنع فتنة؟؟ وهل من كمال الإيمان واليقين أن تسترضي حتى 100 % من سكان الأرض على حساب آيات ربك؟
شيخنا المحترم : أنت في لحظة فارقة ، فأرجو أن تتذكر الآخرة وتشعر بالحمل الذي على كتفيك وتذكر أنك موقوف أمام الله وحدك ليسألك عن كل شيء ، عن الرعية التي أوكلها إليك ، والمسئولية التي حملك إياها ، وعن تبعات كل قرار تتخذه ، وعن أي خطر يحدث لمن استجار بك ، وعن أي فتنة قد تحدث بسبب التزامك بقانون لم يشرعه هو تبارك وتعالى ، شيخنا المحترم ، فلتعد للسؤال جوابا.
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

الثلاثاء، 21 يونيو 2011

الليبراليون ، و"مراجعات" ليلة الامتحان


الليبراليون ، و"مراجعات" ليلة الامتحان
معتـز عبد الرحمن



     كلنا نعرف أو على الأقل نسمع عما يسمى بمراجعات الجماعات الإسلامية في مصر ، وبحسب معلوماتي البسيطة أن هذه الجماعات التي تبنت العنف فترة من الزمن في علاج القضايا بدأت تغير رؤيتها وتتراجع عن فكرها وتنقد وتنقض بعض أفكارها التي تسببت لها في صدام مرير مع المجتمع والدولة وتتبنى أفكارا جديدة تناسب المجتمع والواقع والدين ، وفي وجهة نظري وأرجو ألا أكون مبالغا أن كثيرا من التيارات الليبرالية في مصر بدأت تنتهج هذا النهج مؤخرا ، وبدأنا نرى تغيرا ملحوظا في أسلوب تناول بعض القضايا لاسيما المتعلقة بالهوية والمرجعية الدينية للمجتمع متمثلة في الحديث عن المادة الثانية من الدستور وعلاقة الليبرالية والدولة المدنية بالمرجعية الدينية ، فبين الماضي القريب والحاضر الجديد نجد أنفسنا في حاجة للتأمل في بعض مواقف رموز الليبرالية في مصر من باب فلنسمع منهم لا نسمع عنهم وأرجو أن تتحملوا الإطالة.
مراجعات وتناقضات
     في مقاله في جريدة الشروق (4 إبريل 2011) يقول الدكتور عمرو حمزاوي – الليبرالي المعروف - في تعريف الدولة المدنية (الدعوة إلى مدنية السياسة وديمقراطيتها تعنى إمكانية الطرح العلني لجميع الرؤى والأفكار والبرامج الهادفة لتحقيق الصالح العام دون قيود نابعة من مرجعيات دينية أو أخلاقية أو أيديولوجية وفى ظل قبول التعددية واحترام الرأي الآخر) وفي حديث على قناة الجزيرة حول المادة الثانية من الدستور يقول نصا ( المادة رقم 2 من الدستور المصري والمتعلقة بتحديد الإسلام كدين الدولة ومباديء الشريعة كالمصدر الأساسي للتشريع هي مادة تمييزية بامتياز لأنها أولا تقرر أن للدولة دين وإن كنا نتحدث نحن وبأمانة شديدة عن مدنية الدولة المصرية فالدولة المدنية لا دين لها .. إلى آخر المقطع) (1) ولأن بالمثال يتضح الحال في حواره مع الإعلامي عمرو أديب بيّن الدكتور حمزاوي أنه على سبيل المثال لابد أن يتاح للمواطن في الدولة المدنية خيار الاحتكام في أحواله الشخصية إلى دينه – إسلاميا أو مسيحيا – أو إلى قانون مدني يتيح له ما لا يتيحه الدين كزواج المسلمة من المسيحي (2) ، ولكن في مقاله "دليل عمل لليبراليين" (1 يونيو 2011) بعد حوالي شهرين من المقال الأول وفي ظل تداعيات جمعة 27 مايو يؤكد الدكتور حمزاوي على خطأ الصورة النمطية السلبية المأخوذة عن الليبرالية على أنها تناقض قيم المجتمع المصري الدينية ويؤكد أن الليبرالية تعظم من شأن حرية الفرد في الشأن الخاص والعام "بما لا يتعارض مع صالح المجتمع معرفا بقيمه الدينية" ، ومؤكدا أننا – أي الليبراليون – لسنا بدعاة حرية مطلقة أو متجاهلين الدين وأن الليبرالية لا تتجاوز المرجعية الدينية بل تدمجها مع المرجعيات الوضعية في التشريعات والقوانين والسياسات ، وفي مقطع فيديو من إحدى الندوات بعد الاستفتاء يؤكد الدكتور عمرو حمزاوي اعتقاده أن المادة الثانية من الدستور باقية معنا في الدستور الجديد وأنه "لا اعتراض لديه عليها" ولكن بعض القوى الليبرالية  والإسلامية – وليس هو – يقترحون إضافة بند "وتحكم العلاقات الخاصة والشخصية لغير المسلمين وفقا لشرائعهم السماوية" (3) ، مما يعني أن الدولة المدنية التي لا دين لها أصبح من الممكن أن يكون لها "أديان" وأن الزواج المدني يجب أن يسمح به "في حدود لا تخالف الشرائع الدينية" (مقال 11 مايو 2011) رغم أن الزواج المدني لو التزم بحدود الشرع أصبحا زواجا شرعيا فقد تعلمنا جميعا في المدرسة أن 1-1 = 0.
     وفي سياق غير بعيد وعلى هامش المؤتمر التأسيسي لحزب " المصريين الأحرار" في سوهاج (إبريل 2011) أكد رجل الأعمال – الليبرالي – نجيب ساويرس أنه يؤيد بقاء المادة الثانية للدستور لأنها "ضمانة للوحدة الوطنية" دون حديث حتى عن إضافة الفقرة الخاصة بالمسيحيين التي طلبها في حواره مع معتز الدمرداش (مارس 2011) ، في حين أنه ظل يؤكد قبل الثورة على خطورة المادة الثانية من الدستور كما في حديثه الشهير مع قناة الـ BBC  في أغسطس 2009 والتي أكد فيه أن المادة الثانية من الدستور "تؤصل للطائفية" وأنه يجب إلغاءها تماما رافضا إضافة الديانة المسيحية لهذه المادة إيمانا منه بعلمانية الدولة ، وبالتالي  تحول سبب الفتنة الطائفية إلى ضمان للوحدة الوطنية ولا عزاء لعلمانية الدولة التي دأب على المطالبة بها والدفاع عنها.
    وأخيرا وليس آخرا قرأنا جميعا وثيقة الدكتور محمد البرادعي ، هذا الرجل الذي سأظل أقدر له دوما أنه محرك ماء التغيير الراكد وأنه وقف في وجه النظام السابق وهو في أوج قوته ، وتصدق على مصر من سمعته وسمعة أسرته ، ذكر الدكتور البرادعي في وثيقته أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ، بالرغم أنه اعتبر في حواره الشامل مع جريدة الشروق من فيينا في ديسمبر 2009 أن هذه المادة تعتبر من المتناقضات الموجودة في الدستور مضيفا ( الدستور يقول إن الدولة دينها الإسلام، أنا ذكرت أن غالبية مصر دينها هو الإسلام، ولكن الدولة ليس لها دين، فوزارة الصحة ليس لها دين، وزارة الصناعة ليست مسلمة) فلا أدري لماذا يقبل الدكتور البرادعي هذه المادة "المتناقضة" في وثيقته؟ وهل سيكون للدولة ولوزارة الصحة ولوزارة الصناعة دين في عهده؟.

أسئلة حائرة
  أمثلة هذه المراجعات كثيرة ولكن المقام لا يتسع لأكثر من هذا ، ولكنه يجب أن يتسع لبعض التأملات والتساؤلات.
هل شعر الليبراليون أن امتحان الانتخابات قد اقترب ؟ هل فهم الليبراليون الشارع أخيرا؟؟ هل شعروا أنهم لابد أن يقوموا بنفس الجريمة التي يتهمون بها الإسلاميين وهي اللعب على عواطف المصريين الدينية؟؟ والتي طالما وصفها الكتاب والمثقفون العلمانيون بالمصطلح الشهير والقبيح (الدين أفيون الشعوب) ؟؟ أم أن هذه التراجعات نابعة من تغير حقيقي في القناعات؟؟  ولماذا لا يوضحون ذلك ؟؟ أم إنهم يعتمدون كما اعتمد الذين من قبلهم على ضعف ذاكرة الشعب المصري؟؟ وهل يفهمون معنى هذه المادة وهذه المرجعية التي تخالف الكثير من أفكارهم؟؟ أم أنهم اختاروا أن يرشوا البسطاء بمادة – غير مفعلة – أيضا كما فعل الذين من قبلهم؟؟ وهل يعتبر ذلك امتدادا لاستخفافهم بالشعب المصري واتهاماتهم المستمرة له بالجهل والسطحية ؟؟
الخسارة الحقيقية
    بعد الثورة لم تتحدث القوى الإسلامية عن تطبيق الشريعة – وهذا قصور منهم في وجهة نظري ، إنما اقتصرت أحلامهم المتواضعة على الحفاظ على هوية مصر الإسلامية بالحفاظ على المادة الثانية من الدستور حتى وإن لم تفعّل ، إلا أن تصريحات كثير من الليبراليين – قبل المراجعات – سببت استفزازا حقيقيا لكثير من هذه القوى خاصة أن كثير منها حديث عهد بالسياسة ، ونتج عن ذلك مناخ من الخصومة والتحدي بدا واضحا في الاستفتاء الذي بدا وكأنه رهان على هذه المادة غير المطروحة للتعديل ، السؤال ، إذا كان الليبراليون لا يجدون غضاضة في قبول هذه المادة كما نرى من تصريحات كثير منهم حديثا، إذا كانوا لا يجدون غضاضة في قبول الحلم الوحيد لكثير من القوى الإسلامية  ، ألم يكن من الممكن إيجاد أرضية مشتركة بين القوى الإسلامية والليبرالية بعد الثورة؟ هل تعلمون كم خسرنا بسبب فقدان هذه الأرضية ؟ هل تعلمون كم خسرنا بسبب التفرغ لمناقشة نقاط الخلاف وترك نقاط الاتفاق؟ هل تعلمون أن كثير من مكتسبات الثورة سرقت ونحن متفرغون للحديث عن مثل هذه الأمور؟ ونحن متفرغون للتفزيع وللتشويه وللكذب على بعضنا البعض؟ هل تعلمون أننا خسرنا فرصة سانحة لإنقاذ الثورة في 27 مايو بسبب هذا الصدع الذي تسببنا فيه؟ وبسبب التكبر والعند والإصرار على تجاهل وتخوين وتجهيل الآخر والاستخفاف بإرادة الشعب؟
    ألم يكن من الأولى أن يتم التعاون بين الليبراليين والإسلاميين الذين لا يشكك أحد في انتمائهم ووطنيتهم بدلا من أن يضطر حزب ليبرالي مثل (المصريين الأحرار) للجوء لضم أعضاء الحزب الوطني الفاسد  - مؤتمر المنصورة – حتى يستطيع جمع أصوات لحزبه ؟ تطبيقا لنظرية أن الإسلاميين والحزب الوطني هم فقط الجاهزون للانتخابات ، هل يرى الليبراليون أن أعضاء الحزب الوطني المنحل أحب إليهم من الإسلاميين الذين وقفوا معهم في مواجهة الرصاص والجمال والخيول ؟ ، والذين حموا ظهورهم في اللجان الشعبية ، والذي لا يزالون يضمدون جراح "الغلابة" الذين زادتهم آثار الثورة الجانبية غلبا على غلب ؟ ، هل من حقي أن أتعجب من رفض الدكتور السيد البدوي لضم حزب النور للتحالف الانتخابي وهو الذي لم يجد غضاضة من قبل في أن يكون الأداة التي فتت أقوى صحيفة معارضة في مصر قبل الثورة؟ إنني أدعو كل المصريين على اختلاف أفكارهم لمراجعة أنفسهم وتصحيح مواقفهم ، لله لا للانتخابات ، وأن يتقوا الله في هذا الوطن وفي هذه الثورة وأن يعلموا أنهم مسئولون أمام الله عن الحفاظ على أمانة الوطن وشكر نعمة الحرية التي منحنا الله إياها بلا ثمن يذكر والتي نثبت يوما بعد يوم أننا لا نستحقها.
-------------------------------------------------------------
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

الثلاثاء، 14 يونيو 2011

مصر والإسلام ،، من يحمي الآخر؟

مصر والإسلام ،، من يحمي الآخر؟
معتـز عبد الرحمن

    ليس كل من يعارض تطبيق الشريعة علماني أو غير مؤمن بكمالها وعدالتها ، بل إن هناك الكثير من المسلمين الذين لا يعانون من أي تشوهات في نظرتهم نحو الشريعة ، ويؤمنون أن في ظلها سيتحقق من التقدم والرقي ما لن يتحقق في ظل أي نظام آخر ، ولكنهم يرون أن التوقيت غير مناسب ، إذ أن الغرب المتربص بالإسلام والإسلاميين لن يرض بذلك ، والوطن المنهك لن يتحمل تبعات هذا القرار ويحتاج لوقت طويل كي يقوى أولا ليستوعب مواجهات ما بعد التطبيق ، وكأن المصريين الآن مخيرون بين التطبيق الفوري للإسلام بما قد ينتج عنه من صدام مع الغرب وبين تحييد الغرب وما يستلزمه من تأجيل للتطبيق ، وهذا كلام في ظاهره وجيه ولكنه يحتاج إلى تحليل ، بداية ما الذي يغضب الغرب من تطبيق الإسلام في أي بلد إسلامي؟؟ في تبسيط - أرجو ألا يكون مخلا - الإسلام هوعقيدة وشريعة وحضارة منبثقة عنهما (اقتصادية وعلمية وثقافية ..إلخ)  وقوة عسكرية تحمي كل ذلك ، ومما لا شك فيه أن الخلاف العقدي له دور في إذكاء روح العداء ، خاصة في ظل سيطرة اليهود المتطرفين على الإعلام الغربي وتأثيرهم الكبير على مسار سياسة هذه الدول لا سيما الولايات المتحدة ، ومصطلح "الحرب الصليبية" الذي أخرجه بوش الابن من قبره لا يزال يرن في الآذان، ناهيك عن محاولات حرق المصحف والرسوم الدنماركية وغيرها، إلا أنه في وجهة نظري ليس الخلاف العقدي وتطبيق دولة مسلمة لـ"ظاهر" الشريعة وحدهما كافيين للدخول في صدام حقيقي مع الغرب ، وأقصد بـ"ظاهر" الشريعة هنا تطبيق العبادات والحدود دون بناء الحضارة والقوة التي يدعو إليها الإسلام ، وإلا فبما تفسر الصداقة الحميمة التي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية؟ الدولة الإسلامية الوحيدة التي ترفع شعار التوحيد على علمها وتطبق الحدود على أرضها ؟ بل وتحوي أقدس بقاع المسلمين على الإطلاق؟ وبالتالي  يصبح اختزال أسباب العداء المتوقع في تطبيق "ظاهر" أحكام الشريعة واختلاف العقيدة اختزالا مخلا أيما إخلال ، فأمريكا لا تخشى من سجود المسلمين في المساجد ولا تخشى من قطع يد السارق ولكنها تخشى من كل ما يهدد نفوذها ويكبل يدها الطليقة الباطشة.

تصحيح السؤال نصف الإجابة
     إذن فالغرب لن يسمح بالمنافسة ، ولن يسمح ببناء قوة تؤرقه أيا كان مرجعيتها ، فصدام حسين لم يكن إسلاميا ، والعراق لم تكن أكثر تدينا من السعودية ، وكوريا الشمالية لم تطبق الشريعة ، وكاسترو وشافيز ليسا البخاري ومسلم ، فتعارض المصالح هو المصدر الرئيسي للصدام ، ولم ولن يكون في مصلحة الغرب أبدا أن يكون لمصر - جارة إسرائيل وقدوة العرب - شوكة اقتصادية وعلمية وعسكرية وبالتالي الطرح الذي ذكرناه في بداية المقال ليس واقعيا ، فالمصريون ليسوا مخيرين بين تطبيق الإسلام وبين رضا الغرب و تحييده ، ولكنهم في الواقع مخيرون بين بناء دولتهم وحضارتهم واستقلالهم وبين رضا الغرب وتحييده ، فإذا كان المصريون لايزالون يخافون من الغرب ويفضلون السير في داخل الحائط وإذا كانوا قد أدمنوا الخبز المعجون بماء المهانة والمعونة فعليهم أن يغسلوا وجههم من مسك الثورة والحرية  ويذهبوا بهدوء إلى شرم الشيخ ليعيدوا مبارك إلى كرسيه وليفتحوا أبواب بورتو طرة ليخرج منه معاونوه وليعود الشرفاء إليه من جديد ، أما إذا كانوا مشتاقين بصدق للحرية والكرامة والتقدم والرقي ، سائمين من التخلف والفقر والعمالة والحياة بين الحفر فعليهم ألا يتهيبوا صعود الجبال ، وأن يوقنوا أن الطريق طويل والتحديات كبيرة والثمن غالٍ ، سواء كانت الدولة إسلامية أوعلمانية أو مدنية أو شيوعية ، وسواء كان الرئيس القادم إسلامي أو علماني أو حتى غير مسلم ، طالما أنه حريص على بناء الوطن والنهوض به ، مرفوع الرأس، لا يخضع لأحد ولا يتلقى إملاءات من أحد. 

من يحمي الآخر؟
  ولأنه من المستحيل - أو على الأقل من المستبعد - أن يختار المصريون التخلف والمذلة ، أو أن يرضوا برئيس جديد قراره من واشنطن أو الاتحاد الأوروبي ، يجد المصريون المناضلون أنفسهم أمام سؤال وحيد وأخير ، في هذا الطريق الشاق الطويل من المعين ومن الدليل؟ إذا كان المعين هو السواعد والإمكانيات والخبرة ، والدليل هو العقول التي تشرع وتحكم ، فسواعد أمام سواعد وإمكانيات أمام إمكانيات وخبرة أمام خبرة وعقول أمام عقول وهم قد سبقونا بعقود والكفة تميل لهم واستئصال مجدنا الوليد أمر يسير عليهم، وأما إذا كان المعين هو الله ، فعون الله لا يطلب إلا بطاعته ونصرته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )(1) ، بل إن خسرنا عونه ونصرته فليس لنا من بعده أحد (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (2) والتوكل عليه جل وعلا واستمطار عونه يحتاج إلى يقين ، وعدم تطبيق أحكام الله ينافي اليقين (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )(3) فلكي نطلب من الله العون لابد أن تكون شريعته الكاملة الخالية من العيوب ومن أهواء المشرعين هي الدليل والمنهج ، فالعقيدة والشريعة تحميان الحضارة والقوة كما أن الحضارة والقوة تحميان العقيدة والشريعة ، ومن هنا نخلص أن القضية التي طرحناها في بداية المقال مخالفة للمنطق والواقع واليقين  ، فنحن لا نحتاج أن نكون أقوياء أولا قبل ان نطبق الإسلام ، لأننا لن نكون أقوياء إلا بالإسلام ، فالإسلام مصدر قوة المسلمين ، وليست قوة المسلمين هي التي تولد قوة الإسلام ، فعبر أربعة عشر قرنا ظل الإسلام شامخا قويا مؤثرا ، يقوى أبناؤه بالعودة إليه ويضعفون بالبعد عنه ، فهو محفوظ بحفظ الله ، من تمسك به دخل تحت مظلة الحفظ والتوفيق ، شريطة أن يتمسك بكل ما فيه عقيدة وشريعة وحضارة وجهادا في سبيل الله ، ومن تخلى عنه وطلب العزة في سواه يخاطبه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رمز العدل والحكم الرشيد ويقول (كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله).

(1) سورة محمد – الآية 7
(2) سورة آل عمران – الآية 160
(3) سورة المائدة - الآية 50


للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
صفحة مقالات المهندس معتز عبد الرحمن
مدونة الكاتب 

مجرد خواطر

الثلاثاء، 7 يونيو 2011

استغلال المساجد في عصر الدروشة


استغلال المساجد في عصر الدروشة
معتـز عبد الرحمن


    أقبل عليّ مستنجدا " شوف لي حل يا معتز ،العربية كل شوية تعطل رغم إني حاطط فيها مصحفين ، شوف لي أي شريط كويس كده أشغله فيها " صعقتني جملة الأخصائي الاجتماعي المحترم الذي أعلم عنه التزامه بالصلاة وبكثير من الأخلاق الطيبة ، ولم تكن صدمتي أقل بعد عدة سنوات عندما سمعت حديثا كان في بدايته ماتعا بين مهندس ثلاثيني حاصل على الماجستير ومهندس في منتصف العشرينات مقبل على الزواج ، إذ بدأ الأول في إعطاء الثاني عدة نصائح كان أغلاها أن يظلل بيته الوليد دوما بمظلة الدين ، وكانت هذه المظلة في وجهة نظره أن يترك إذاعة القرآن الكريم تعمل في البيت 24 ساعة لتحفظه من كل سوء ، إذا ربطنا هذين الموقفين الصادرين من شخصين متعلمين مثقفين بشريط القرآن الذي يشغله سائقي عربات الأجرة في بداية الوردية قبل أن تنبعث من المسجل رائحة "السيجارة البني" وأصوات "الحمار المحبوب" ، أو بالأفراح التي تبدأ بأسماء الله الحسنى وتنتهي بأغنية "آمين" وبينهما ما الله به عليم ، أو بالآيات التي تزين يفط المحلات وسيارات النقل في غير موضعها كالترزي الذي يكتب (وكل شيء فصلناه تفصيلا) وسائق اللوري المكافح (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) ، وبآية الكرسي الذهب المعلقة في عنق لا يغطيه الحجاب ، ناهيك عن صور الشيخ الشعراوي التي تملأ الميكروباصات والتقويمات والذي ظللنا نسمعه لسنوات ونحبه ورغم ذلك لازلنا نقرأ القرآن كالأعاجم ، إذا ربطنا كل هذه المشاهد وغيرها الكثير مما تعلمون ولا يتسع المقام لذكره لأدركنا أن حقيقة "تدين الشعب المصري" تحتاج لإعادة نظر وتدقيق ، خاصة أن كل مظاهر "الدروشة" هذه التي يصفها البعض أنها مظاهر تدين حقيقي تستخدم استخدامين متضادين ، الأول: أن الشعب المصري متدين بطبيعته كما ترون إذن فالتيارات الدعوية الموجودة بلا شك كلها تيارات متشددة متكلفة ولن تجد مكانا لها بين المتدينين الحقيقيين (كما قال يحيى الجمل)، الثاني : هو أن نفس هذا الشعب المتدين سيدفعه تدينه لاتباع نفس التيارات المتشددة المتكلفة - واخد بالك - مما قد يؤدي بنا إلى دولة دينية ثيوقراطية تأتي عبر صناديق الاقتراع ، وأمام هذا الخلط الشديد وهذا التناقض المريع وجدت نفسي مضطرا لأن أوجه ثلاث رسائل هامة.

رسالة إلى التيارات العلمانية والليبرالية
     زعمتم أن التيارات الإسلامية استغلت المساجد في حشد التصويت بـ (نعم) في الاستفتاء وأنها ستستخدم نفس الطريقة في أي انتخابات مبكرة ، ولا أنكر أن هذا حدث في بعض المساجد قبل الاستفتاء، ولكن عزيزي الزاعم لو كانت نسبة المحافظين على الصلوات الخمس في المسجد كي يسمعوا هذا الحشد 77% من المسلمين لما ظلت القدس محتلة إلى الآن ، ولو كان 77 % من المسلمين ينفذون تعليمات التيارات الإسلامية دون تفكير ، لتغير شكل مجتمعنا بالكامل منذ سنين ولصرنا شعبا من الملتحين والمنتقبات يحفظ القرآن ولا يسمع الأغاني ولا يحدث بين شبابه وفتياته قصص غرام ، ويستطيع إغماض عينيه عن روتانا سينما ، ولأفلست شركات الخمور والسجائر وتجار المخدرات وغير ذلك من الأمور التي تدعو إليها هذه التيارات منذ عقود بلا جدوى ، اذهب إلى المسجد لتنظر كيف يعاني شباب هذه التيارات عندما يريدون تطبيق سنة غائبة أو إصلاح خطأ شائع بسبب معارضة وتعنيف الأقلية المحافظة على الصلاة في المسجد ، إن الأغلبية الساحقة من البسطاء صوتت بنعم طلبا للاستقرار ولقمة العيش ، والجانب الذي قالها اتباعا للتيارات الإسلامية كان هذا الاتباع نابعا من الثقة التي انتزعتها هذه التيارات عبر خدماتها المستميتة للفقراء والمحتاجين وتواجدها بينهم واحساسها بالآمهم وليس عبر قال الله قال الرسول ، إن هذا الشعب هو الذي عشق جمال عبد الناصر عشقا جنونيا بعد أن ملكهم الأراضي وبنى لهم المصانع وأشعرهم أنهم ذوي قيمة عنده ولم يقلل سحله للإسلاميين وعدم تطبيقه للشريعة من عشق الشعب له ، وهو نفسه الشعب الذي لم تمنعه "زبيبة" السادات ومظاهر تدينه المختلفة من الانتفاض ضده عندما ارتفعت الأسعار ملاليم أو قروش ، فلا تعلقوا فشلكم في الوصول للناس وتكاسلكم عن خدمتهم على شماعة استغلال الإسلاميين للدين والمساجد ، فهي شماعة يثبت الواقع والتاريخ أنها منسوجة من خيوط الاوهام والإدعاء. 

رسالة إلى التيارات الإسلامية
 أولا: أحبكم في الله ، رغم اختلافي مع بعض آرائكم ومواقفكم ولكني على الأقل اتفق معكم في الأصل الأصيل أن الإسلام دين كامل ومنهج حياة متكامل لا يمكن حبسه في المسجد ولا يصح اختزاله إلى مجموعة من المظاهر كالتي تحدثت عنها آنفا ، ثانيا : أحيكم على مجهوداتكم المتزايدة في خدمة البسطاء ، فإدخال السرور وكشف كربات الناس عمل عظيم ، أسأل الله أن يثيبكم عليه وأن يجعله خالصا لوجهه ولا يتدنس بأي نوايا أخرى ، ثالثا: أعاتبكم ، فإنني ألاحظ أن كثيرا منكم قد صدق خصومه ، وظنوا أن نسبة ال(نعم) في الاستفتاء معبرة عن حب الشارع للإسلاميين ، وأن الناس قد قالت للدين نعم عندما قالت لتعديلات الدستور غير الإسلامي نعم ، وفي الحقيقة أن الناس قالت نعم وأتبعكم بعضهم للأسباب التي ذكرتها لأخواننا العلمانيين والليبرالين قبل سطور ، فمالي أرى بعضكم قد أعجبتهم كثرتهم وظنوا أنهم ملوك الشارع المتربعين على عرش أي انتخابات قادمة؟ أفيقوا لأنفسكم قبل أن تصدمكم المفاجأة وتفطنوا للحقيقة متأخرا بعد أن تكونوا قد قصرتم في عملكم وفقدتم توكلكم على الله مخدوعين بالصناديق وبالمكاسب الوهمية التي نسبها خصومكم لكم تبريرا لعجزهم ، ورابعا : أيضا أعاتبكم ، فقد شكوتم تضييق النظام السابق عليكم في دعوتكم طوال عقود ، ولما زال التضييق ها أنتم تنشغلون ببعض القضايا الجزئية وبالدفاع عن مسمياتكم عن دعوتكم الرئيسية وهي الدعوة إلى الإسلام ، إن المسلمين الآن في حاجة شديدة لمعرفة دينهم وتفاصيله وأحكامه وعظمته أشد من حاجتهم للغذاء وللأنابيب ، فلا تنشغلوا بخدمة أجساد المسلمين عن خدمة قلوبهم ووعيهم ، الإسلام تم تشويهه في عيون أبنائه حتى صاروا خائفين من تطبيقه ، والجاهل بالشيء عدوه ، فهلموا إلى دعوتكم ، وبلغوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو آية ، حتى يحب المسلمين دينهم ويطالبوا هم بتطبيقه ، بل أنني أزعم أن صورة الإسلام الحقيقية إذا انتشرت سيطالب كثير من غير المسلمين بتطبيقها عليهم لينعموا بما فيها من رحمة وعدل وإحسان ، فسددوا وقاربوا ، وحققوا التوازن بين خدمة الأجساد وخدمة القلوب ونشر الوعي ، وادعوا للإسلام والإصلاح بادئين بأنفسكم ، وتذكروا أن شرطي تقبل العمل هما الإخلاص والاتباع ، فلا تفسدوا نواياكم ، ولا تخالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنازل أو المغالاة.

 رسالة إلى عامة المسلمين
     المسلمون البسطاء أمثالي ، المسلمون الذي انتسبوا للإسلام وكفى دون أي ألقاب أو مسميات أخرى ، لأجلكم كتبت هذا المقال ، فلأجلكم أردت أن أذكرنفسي وإياكم أن الإسلام ليس تميمة حظ أو "حجاب" يجلب البركة بل منهج حياة شامل وكامل، ولأجلكم أردت أن أقول للعلمانيين كفاكم تشويها للإسلام في عيون أبنائه ، ولأجلكم أردت أن أذكر التيارات الدعوية وعلماء الإسلام بحقكم عليهم في نشر العلم والمعرفة بينكم ، ولأجلكم أيضا أقول لكم لا تنتظروا أحدا وهلموا إلى كتاب ربكم وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ، هيا نتعلم الإسلام على حقيقته ونطبقه كاملا ، هيا نعيش مفهوم العبادة الواسع ، نتعبد لله بالقيام بالعبادات واجتناب النواهي ، نتعبد لله بأن نكون بنائين للمجتمع والاقتصاد ، نتعبد له بخدمة عباده وقضاء حوائجهم ، نتعبد لله بمواجهة الظلم والفساد ، نتعبد له بتطبيق أحكام شرعه كلها ولا نترك منها شيئا ، ولا نكتفي ببعض المظاهر الجوفاء التي حولتنا لمجموعة من " الدراويش" بعد أن كنا قادة العالم لقرون طوال  ، حينها لن تأتينا بركة ولكن بركات قال تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )(1) وسنعود قادة العالم مرة أخرى لا نخشى أحدا ولا يتحكم فينا أحد (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )(2) أما إذا استمر تجاهلنا لهذا الكنز الذي وهبنا الله إياه وأعرضنا عن آياته وظللنا نلملم فتات الموائد كما أعتدنا في العقود الماضية - اشتراكية تارة ورأسمالية تارة و ليبرالية تارة - فستستمر دوامة الضياع والضنك لعقود أخرى حتى نفيق أو نلقى الله ، وأعوذ بالله أن نلقى الله ونحن معرضين عن آياته تاركين أحكامه (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126))(3)
-------------------------------------------------------------
(1) سورة الأعراف – الآية 96
(2) سورة النور – الآية 55
(3) سورة طــه

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك