الخميس، 14 نوفمبر 2019

رحلة في قلب (وحشي)

كثيرا ما أفكر في الحالة النفسية التي مر بها (وحشي بن حرب) رضي الله عنه بين إسلامه وقتله مسيلمة.
في يوم لقائه بالنبي صلى الله عليه وسلم وإعلان إسلامه ينجو بإسلامه من الكفر والقتل والثأر المتوقع لحمزة بعدما كان يشعر بالمطاردة، استقرار إيماني بعد ضلال وتخبط، واستقرار دنيوي بعد خوف
لكنه نفس اليوم الذي يطلب منه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقص عليه تفاصيل قتل حمزة الموجعة، والتي كان يوما ما يقصها على سبيل الفخر، اليوم يقصها غارقا في بحر الخجل
إنه يوم علم فيه أن الله قد غفر له ما تقدم من كفر وذنب وقتل لحمزة بن عبد المطلب غدرا، وهو أيضا يوم قال له فيه خير الخلق صلى الله عليه وسلم (فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي؟)
يا الله، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفذ أمر الكريم تبارك وتعالى أن الإسلام يجب ما قبله، عفا وتجاوز، وكان إسلام وحشي أحب إليه من الثأر منه، ولكنه بشر، وفي آلام القلب ما لا يملك ولا يحتمل، تقبلك الله يا وحشي مسلما، رزقك الله يا وحشي الجنة، ولكن قلب ابن الأخ المحب والصديق والأخ في الرضاعة لا يزال موجوعا، سيتذكر كلما رآك مشهد جسد العم والصديق والأخ الممزق، فالطف بقلب النبي صلى الله عليه وسلم يا وحشي، وغيّب عنه وجهك في الدنيا، صبرك الله على هذا الحرمان في الدنيا، وطيب قلب حبيبه صلى الله عليه وسلم وداوى أحزانه.
اهدأ يا وحشي، قد نجوت من القتل والكفر وذنب حمزة، ولكن النجاة وحدها لا تذيب تلك الغصة، ولا أدري أي غصة غلبت عليك، غصة قتل حمزة، أم غصة عدم رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ومجالسته فيما بقي من عمره أو عمرك، وأظن كليهما قد اجتمعا عليك.
لعله ظل مضطربا كمن يشعر بأن هناك ما يجب عليه فعله كي يرتاح، ولكن لا يدري ما هو!، ما أصعب أن تتمنى شيئا ولا تدري أصلا كيف تحققه، شعور أنك عاجز عن القيام بالتكليف لأن التكليف نفسه مجهول، ألم غير معلوم العلاج، ولا تفيده المسكنات.
العين تبحث ولا ترى، والعقل يفكر ولا يصل، حتى أضاءت الفكرة في القلب الظمآن، وجاءت الفرصة، وتحدد الهدف أخيرا.
فاللهم أذهب غصة قتل سيد الشهداء، بقتل أكذب الكاذبين.
وأذهب غصة الغياب عن وجه الصادق الأمين، بتغييب وجه الكاذب البغيض عن العالمين
لقد أصبح صدر مسليمة في عقل وحشي كبئر عذبة، وحربته هي ذلك الدلو الذي يجذب به الماء من البئر ليدفع غطشا يمزق حلقه، البئر بعيدة هناك وسط كل هذه الأعداد الغفيرة، والقتال المرير، وداخل الحصن المنيع، تبدو من كثرة العوائق كأنها وهم وسراب، لكن كل هذا ذاب أمام آلام القلب والاشتياق إلى الراحة، وذاب قبل هذا أمام صدق النية وحسن التوكل، مضى وسط السيوف والرماح، عابرا الأسوار والبوابات، سار وتقدم وسط جثث الشهداء وجثث الكفار، حتى وصل إلى قلب الدار، ووصلت حربته إلى صدر الحرباء، أدلى دلوه مشتاقا إلى الماء، ويا بشرى جاء العزاء.
لعل ضجيجا في القلب قد هدأ أخيرا
وأصبح من الممكن استئناف الحياة مجاهدا في انتظار الأجل
حتى يلقى وجه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة بعد غياب، بل ، ووجه حمزة.
رضي الله عن حمزة ووحشي
وصلى الله على محمد، صلى الله عليه وسلم

السبت، 2 نوفمبر 2019

في مدرسة سورة الأعراف (أضواء على الأولياء والملأ)


Image result for ‫سورة الأعراف‬‎

من يتأمل في سورة الأعراف يجدها تلقي إضاءات كاشفة على موقع أولياء الإنسان والملأ المحيط به في خريطة الهداية والضلال وتأثيرهم الكبير على مسار حياته وآخرته، وبدا ذلك كموضوع أساسي في السورة الكريمة من بداياتها إلى نهاياتها، تتعدد صور التناول فيه كي يخرج من يقرأها بتدبر وقد استقر في وجدانه أهمية وخطورة هذا العنصر، وكيفية التعامل معه.
وإذا أردنا تناول هذا الموضوع تفصيلا سنحتاج لنسخ السورة كاملة تقريبا، ولكن فقط نشير لبعض الصور والدلالات الخاصة به في السورة بحسب ترتيب الآيات.

بدأت السورة بأمر إلهي صريح باتخاذ رب العالمين وما أنزله من دين كولي وحيد والتبرؤ من أي ولي آخر يخالف ويعادي دين الله تبارك وتعالى (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3))

وبعد هذا الاستفتاح الصريح المتبوع بذكر مآل من خالف هذا من الأقوام السابقة، جاء ذكر أول وأخطر ولي من أولياء السوء يمكن للإنسان أن يتخذه، وهو إبليس عليه لعنة الله، وقصته مع آدم عليه السلام وما أدى إليه تصديق آدم عليه السلام له ولقسمه ووعده له بالخلود، وذلك في الآيات من (11 إلى 26)، ليعقب رب العالمين عليها بعدما استقر استبشاع ذاك الولي الخبيث في القلب بعد سماع قصته مع أبي البشر (يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27))

ليضم معه كآفة شياطين الجن الذين هم على شاكلته كأسوأ أولياء يمكن للإنسان أن يتخذهم ويتبع وساوسهم.
لتضيف الآية التالية ولي سوء جديد  كم أضل من أمم (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28))، نعم ، إنهم الآباء والأجداد الفاسدون، الذين تكرر ذكرهم في القرآن عموما وسيتكرر في قصص الأنبياء في سورة الأعراف بعد ذلك.

ثم إذا ما أتت السورة إلى مشاهد الآخرة (بدء بالموت ثم أحداث القيامة ثم الاستقرار في المثوى الأخير) أيضا ركزت الضوء على نتائج وأثر اتخاذ الأولياء (فاسدين أو صالحين) في الدنيا
بدء من الموت ( ... حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37))

ثم النزاع بين أولياء الباطل، التابع والمتبوع بعد الحساب وعلى باب الخلود، (قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39))

وفوز من اتخذوا رسل الله أولياء وتبرأوا ممن عادوهم وخالفوهم (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)).

حتى عندما وبخ أصحاب الأعراف من يعرفون من أهل النار كان على رأس حيثيات توبيخهم اغترارهم بجمعهم وملأهم وأوليائهم (وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48))
ومن لم يوالي المؤمنين في الدنيا أنى له موالاتهم يوم القيامة! (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)).

وفي ذكر مآل من حادوا عن كتاب الله تعالى وهديه كان أول ما يتحسرون عليه انعدام (الشفعاء)، فمن والى غير الله لم ينفعه شفيع وعلم مدى خسران اختياره ووهن من اعتمد عليهم يوم القيامة (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)).

فإذا بدأت تلاوة آيات قصص الأنبياء في السورة ستجد لفظ (الملأ) حاضرا ومركزا في حوارات الأنبياء مع أقوامهم
في قصة نوح عليه السلام (قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60))
في قصة هود عليه السلام (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66))
في قصة صالح عليه السلام (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75))

في قصة شعيب عليه السلام (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88))

ثم في قصة موسى عليه السلام مع فرعون، تجد حضور تأثير الملأ في قصة هذا الطاغية المدعي للألوهية، الذي من المفترض أن يؤثر فقط ولا يتأثر لأنه رأس في ضلاله، حتى أن عبارات وردت في سور أخرى على لسان فرعون تجدها هنا منسوبة للملأ أيضا دلالة على أنه إما استقاها منهم أو استقوها منه، فقد أضلوه وأضلهم عندما اتخذ كل منهم الآخر وليا من دون الله (قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110))

بل تجدهم هم من يحرضونه على القتل ومحاربة الحق رغم أنه رمز في ذاته للكفر وسفك الدماء (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127))

لتستشعر وسط هذا الظلام بمدى نورانية وجلال شأن السحرة الذين كانوا جزء من هذا الملأ الأسود لزمن طويل، أولياء للباطل، ولكن ما أن فُتح لهم طريق للولاية الصائبة اندفعوا إليه غير عابئين بأي ثمن دنيوي، وكان أول ما علق عليه فرعون في شأنهم هو سقوط ولاءهم له ( قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123))، تعقيب عجيب من عقل طاغ، وكأنه لا يرى مشكلة إن آمنوا بموسى ولكن بإذنه، فيكون الولاء لله ولنبيه عليه السلام تابعا للولاء له هو، ولكن هيهات، إنه الإيمان إذا ما خالطت بشاشته القلوب (قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126))، الله تعالى أولا وأخيرا (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)).

ولم يكن (فرعون) وملأه آخر أمثلة الولي الضال المضل في سورة الأعراف، بل هناك مثالا ربما أخطر، فلا هو يملك سلطة وقوة، ولا هو مجموعة مكونة من عدد كبير يفتن، ولكن شخص واحد من عامة الناس استطاع أن يضل الكثيرين من أمة رأت المعجزات بعينها ونجت قريبا جدا من بحر منشق أمّن مرورهم ثم ابتلع عدوهم، إنه السامري، الذي أخذ من اتبعوه من التوحيد إلى الوثنية والكفر، وبعدما نجوا من الطاعة القسرية لملك متجبر تحولوا إلى عبيد طوعا لعجل ذهبي، بمجرد غياب أحد النبيين الكريمين عنهم لأيام!، فلا تستخف بشياطين الإنس وإن بدوا ضعفاء فإن منهم من يعي ثغرات من حوله، فهؤلاء الناجين طلبوا إلها صنما وأرجلهم لم تجف من ماء البحر، فردهم موسى عليه السلام بالموعظة وذكرهم أنهم قد اختاروا من لا يعدله شيء ولا أحد تبارك وتعالى فارتفع شأنهم بهذا الاختيار فلما يبحثون عن التدني من جديد! (قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140))، ثم جاءهم ذاك الشيطان البشري بما يريدون ويشتهون فوالوه وأقبلوا عليه، بل وحتى بعد نسف العجل ودرء الفتنة واختيار سبعين منهم للاعتذار والتوبة لم تكن فتنة المعبود المادي قد خرجت تماما من قلوبهم، ولم يكتمل ولاءهم لله تبارك وتعالى الذي أراهم كل ما رأوا وحلم عليهم كل هذا الحلم، فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الرجفة، ليتضرع نبي الله موسى إلى ربه طالبا العفو عن قومه مقرا بالولاء له وحده تبارك وتعالى (أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ...)

فيأتي جواب الرب الكريم تبارك وتعالى مخبرا عن سعة رحمته التي ينالها من ضبط مؤشر ولاءه واتباعه بحق وصدق، فاتبع رسل الله ولم يحد عن طريقهم (.... قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157))
وتمر السورة بقصة أصحاب السبت، وانقسامهم إلى ثلاثة أصناف من (الملأ)، الملأ الضال المتعاون على الإثم والعدوان، والملأ الصالح في نفسه والساعي لإصلاح غيره المتعاون على البر والتقوى، والملأ السلبي الذي لم يشارك أهل الباطل ولكن يخذل أهل الحق عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليذكر نجاة الملأ الصالح المصلح، وهلاك الملأ الضال، والله أعلم بحال الملأ السلبي المخذل.

ولا تنتهي السورة قبل ذكر نوع خطير وخفي من ولي السوء، فليس كل أولياء السوء خارجين عن الإنسان سواء من الجن أو الإنس، ولكن هناك ولي سوء يكمن في داخلك ولا نجاة لك إلا بالله أولا ثم بالانتباه له، ألا وهو الهوى وحب شهوات الدنيا (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176))

وكما تقدم في قصة العجل أن من عجائب البشر، ألا يكون ولي السوء وملأ السوء من الجن والإنس أو النفس فقط، ولكن أن يكون مخلوقا أدنى منك في الإدراك والقدرات، فكما أوهم السامري قومه بعبادة العجل، كان حال العرب كذلك في عبادة الأصنام، والولاء لها والحرب لأجلها وهي ليست فقط أعجز من أن تكون إلها ولكنها حتى أعجز من أن تكون بشرا مثلهم، فتخاطب الآيات عقولهم الغافلة لعلها تفيق (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195)).
وبعدما عددت السورة كل تلك الصور، وفصلت وشرحت ووجهت، يعود آخرها لأولها ولكن بعد التوجيه والتفصيل يزداد الإدراك ويرتقي الشعور، فبعد مرورك بكل هذه الصور الدنيئة لأولياء السوء ومعرفة مصائرهم، يطير قلبك فرحا وراحة وفخرا وأنت تقرأ (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196))، الله أكبر.

وإذا وسوس لك إبليس، أول مذكور من أولياء السوء ليفسد عليك دينك وعملك، فعد إلى وليك جل في علاه يحميك (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201))
ولا تعبأ بجدل وعبث أولياء السوء من الإنس الذين لم يعتصموا بالله من وساوس الشياطين والتزم ما أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم تجد فيه النور والبصيرة (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204))

واستعن على حفظ هذه الولاية بالعبادة والذكر والدعاء، واحترس من الغفلة حتى لا تسقط وتحيد عن الطريق (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205))
فإذا تركت كل هذه النماذج السيئة وجعلت ولاءك لله وحده ولدينه ونبيه صلى الله عليه وسلم والتزمت تلك الوصايا الغالية في الإيمان والعمل تشبهت بخير ملأ وأرقى ملأ كأنك منهم (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)).
فمن يترك ولاية الله تعالى لولاية غيره، ومن يتخلف عن ملأ الملائكة ليعبث مع ملأ الكافرين والفراعنة والملتفين على شرائع الله، ومن لا ينشرح صدره بإيمانه وكتابه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم بعدما مر بهذه الصور الهالكة وقارن بينها وبين حال أولياء الله تعالى في سلوك الدنيا ومآل الأخرة (المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)).



امرأة (هجرها) زوجها هي وأولادها


امرأة (هجرها) زوجها هي وأولادها
عبارة أصبحت معتادة جدا في السنوات الماضية، تأتي في افتتاحية منشور خيري لجمع مساهمات، أو في افتتاحية مقال عن امرأة مكافحة حققت نجاحا مع أولادها، أو في افتتاحية أحاديث عادية بين الناس تطرقوا خلالها لقصة امرأة معرفة هنا أو هناك، أحيانا في تقرير صحفي يتكلم عن نساء يعملن في مهنة شاقة غريبة وكل منهن تحكي بسلاسة سبب توجهها لهذه المهنة فتجد فيهم أم الأيتام، والمطلقة، ومن لم تتزوج، وزوجة المريض المقعد، وأيضا من (هجرها) زوجها هي وأولادها، ننشغل عادة بما بعد العبارة للتفكير في المساعدة أو التعاطف أو الثناء عليها، ولكن العبارة نفسها لا تزال تصدمني.

كانت قديما تمثل لي استثناء غريبا لن يخلو منه مجتمع بطبيعة الحال، فإذا كان الطبيعي أن يفارق الرجل المرأة بالطلاق لا بالاختفاء، فلابد أننا سنقابل ولو حالات نادرة لم يشغل الرجل نفسه حتى بأخذ قرار الطلاق، إذا كانت صراعات الأزواج والزوجات حال الفراق عادة سببها تمسكهما بضم الأولاد، فإن هناك من يطلق ولا يريد أولاده ولا يريد أن ينفق عليهم، وبالتالي قد نجد قلة أغرب يهجرون الأولاد حتى دون طلاق لأمهم، ولكن التكرار الشديد جعلني أشعر أن هذه الصورة الغريبة لم تعد مجرد استنثناء نادرا.

خواطر

1-      ليس كل الرجال على قدر مسئولية الزواج، كثير منهم عندما يدخل إلى التجربة يفاجأ بما لم يعد نفسه له، حقيقة مشاهدة، وتمثل نسبة لا بأس بها من أسباب الطلاق المبكر، وقبل أن تتهمني بالانحياز فالبنات كذلك لكن أنا أناقش حالة معينة، فلا تدفعني قسرا لأسرد كل أسباب الطلاق المبكر وفشل الزيجات فيتحول المقال لكتاب تحسبا لاتهاماتك، نعود ونقول نعم عدم تحمل المسئولية له دور في الطلاق المبكر، وهو أمر سوء، ولكن كيف يصل السوء ببعض الرجال لعدم تحمل مسئولية الطلاق حتى، كلمة تحرر بها المرأة على الأقل لتعيش حياتها، وأنت في كل الحالات ستنطلق في حياتك، فما المتعة في أن تختفي وحسب، يمكنك أن تكون معلوم المكان لها ولأولادك وأنت (نذل) عادي لا تنفق عليهم ولا تعبأ بتربيتهم، لكن اختفاء كامل! لماذا!، فلو أن الأمر قدرة مالية، فدائما هناك من هم أفقر منه ويستمرون مع أسرهم، ونجد الزوجة وهي تعمل وتكافح بعد اختفاء الأب قادرة على توفير الطعام على الأقل للأسرة، فليس الأمر مستحيلا، ولو أن الأمر انتقام من الزوجة فالطلاق كاف، ولكن لماذا الانتقام من الأولاد! وأتساءل في نفسي أحيانا عند سماع هذه الحالات عن العائلة، عائلة هذا الرجل الذين جاءوا معه عندما تقدم وحضروا زفافه وزاروه في بيته بعدها، عادة لا تجد لهم أي دور في المشهد الغريب، خاصة عندما تحدث بعض هذه الحالات في قرى صغيرة محدودة ومعروفة العائلات!، في هذه الفقرة أنا لا أقول معلومات ولا تحليلات، هذه فقرة التعجب وفقط، لأنني لازلت عاجزا عن التصور.
 -
2-      تتجلى صلابة الأمهات الفطرية في جل هذه الحالات في رعاية البيت والأولاد، غير عابئة بوضعها المعلق، تخرج من عباءة المرأة التي تريد لنفسها وترتدي فقط عباءة الأم التي تريد لأبنائها، تذوب في مصلحة أبنائها تماما وكأنها لم تخلق إلا بعد أن أنجبتهم بل وبعد أن هجرها أبوهم، وتسمع القصص الناجحة أو المؤسفة، تسمع عن الحالات التي تحكى إعجابا، أو تحكى إشفاقا طلبا لمساعدتها، ولكن الحياة تستمر في كل حال، وما يلفت نظري أن أكثر هؤلاء النساء لا يتحولن إلى (فيمنست) متطرفة عندما يتكلمن عن مشكلاتهن، تتكلم كامرأة سيئة الحظ أبتليت برجل غير مسئول، تذكر هذا في عبارة واحدة ثم تنطلق في مناقشة الواقع وتطلعات المستقبل الخاص بأسرتها، لا تقف لتنظّر وتعمم، فهي ترى بأعينها كم أن هذا الزوج استثنائيا وإن بدأ نموذجه في التكاثر مع الوقت، فلا يزال الرجال حولها في كل مكان يكافحون لأجل أسرهم وأولادهم، ويحملون الطين الذي حملته هي كبديل عن الغائب، وأكثرهن لو توفر لهن إمكانية العودة لبيتها في ظل رجل محترم كسائر الرجال المكافحين لاختارت هذا، ولا أدري لو جلست إحداهن تستمع إلى تجربة واحدة من فيمنست الفضائيات في الزواج المرفه جدا غالبا ثم أسباب طلاقها وكيف أن تجربتها الـ (ياكي) قد جعلتها تحمل لواء الهجوم على كل رجال الأرض والكفاح لأجل تطليق كل نساء الكوكب ما لم يتحول الزواج إلى كرسي بريموت أو إلى جني مصباح لا يملك من أمره شيئا، لو استمعت هذه الهضبة الصلبة لأسباب ودوافع علب المكياج الملونة ماذا ستقول! أظنها لن تفهم أصلا، فالعقل والاتزان النفسي تاج على رؤوس المنطقيين لا يراه الموتورون ولا تسقطه المشقة والمسئولية ولكن قد تزيده ثباتا ولمعانا.
 -
3-      أخيرا، لابد من اعتبار غرس المسئولية في رجال المستقبل أولوية قصوى، انتشر من فترة نعي فنان شاب لطليقته والذي طلقها مرتين على ما أذكر هروبا من المسئولية، وقد كان ينوي أن يعود يوما ما – حسب كلامه - عند تغلبه على هذه المشكلة، وكسر قلبه أنها توفيت قبل هذه العودة المأمولة، ولكن الحقيقة أن المسئولية لا تكتسب مع السن بسهولة، بل ربما العكس هو الذي يحدث، فاعتياد عدم المسئولية مع تقدم السن الذي تزيد معه الرغبة في الراحة يضعفان القدرة على تحملها، لابد أن تغرس غرسا في الصغر، جل أطفال المسلمين يحفظون جزء عم فمنهم من يكمل الحفظ بعده ومنهم من لا يكمل، لكن لو نهتم على الأقل بمعانيه معهم سيفيدهم هذا كثيرا، يكفي أن نتوقف معهم عند (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، نعلمهم أن الفرق بين الإنسان المحترم وغير المحترم هو المسئولية، بل ربما هي الفرق بين الإنسان وغير الإنسان أصلا، فالإنسان هو المخلوق الوحيد الذي تحمل الأمانة، وهو - إن فقه غاية حياته - الوحيد القادر على تحملها، ولا يفقد قدرته على هذا التحمل إلا إذا أراد أن يعيش كمخلوق آخر غير البشر، مخلوق يأكل ويشرب وينام ويتكاثر، العقل والمسئولية وتحمل الأمانة هم مصدر التميز، وليس مجرد المشي على قدمين وارتداء الملابس، وإن كنت والله استحي من تعميم هذا على سائر المخلوقات الأخرى، وقد نشرت اليوم فيديو وخبر عن ذلك الحصان الذي عاد وسط النيران والحرائق وفرار الجميع منها ليأخذ عائلته أو يموت معهم، ولم يعد إلا بهم، لقد عجز بعض البشر على أن يكونوا مثل هذا الحصان، للأسف، إن الكافر الذي يعتني بأسرته فطرة ويهتم بهم ويسعى لأجلهم سمى القرآن الكريم سعيه هذا لعبا ولهوا لأنه لم يسع معه إلى الحق والآخرة، أهتم بغذاء أبنائه في الدنيا ثم حشر نفسه وإياهم إلى النار في الآخرة والعياذ بالله، وصف القرآن الكريم الكافر المكافح لأجل المادة بأنه أضل من الأنعام، فكيف بمسلم يترك حتى ما يفعله الكافر ببقايا فطرته! لا أفضّل الكافر عليه كما يفعل المتطرفون عكسيا، ولكن أدعوه للتفكر والنظر في أمر نفسه، خاصة أن هذا النموذج كثيرا ما يكون غير عابئ لا بمسئولية دنيا ولا دين!