الخميس، 14 نوفمبر 2019

رحلة في قلب (وحشي)

كثيرا ما أفكر في الحالة النفسية التي مر بها (وحشي بن حرب) رضي الله عنه بين إسلامه وقتله مسيلمة.
في يوم لقائه بالنبي صلى الله عليه وسلم وإعلان إسلامه ينجو بإسلامه من الكفر والقتل والثأر المتوقع لحمزة بعدما كان يشعر بالمطاردة، استقرار إيماني بعد ضلال وتخبط، واستقرار دنيوي بعد خوف
لكنه نفس اليوم الذي يطلب منه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقص عليه تفاصيل قتل حمزة الموجعة، والتي كان يوما ما يقصها على سبيل الفخر، اليوم يقصها غارقا في بحر الخجل
إنه يوم علم فيه أن الله قد غفر له ما تقدم من كفر وذنب وقتل لحمزة بن عبد المطلب غدرا، وهو أيضا يوم قال له فيه خير الخلق صلى الله عليه وسلم (فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي؟)
يا الله، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفذ أمر الكريم تبارك وتعالى أن الإسلام يجب ما قبله، عفا وتجاوز، وكان إسلام وحشي أحب إليه من الثأر منه، ولكنه بشر، وفي آلام القلب ما لا يملك ولا يحتمل، تقبلك الله يا وحشي مسلما، رزقك الله يا وحشي الجنة، ولكن قلب ابن الأخ المحب والصديق والأخ في الرضاعة لا يزال موجوعا، سيتذكر كلما رآك مشهد جسد العم والصديق والأخ الممزق، فالطف بقلب النبي صلى الله عليه وسلم يا وحشي، وغيّب عنه وجهك في الدنيا، صبرك الله على هذا الحرمان في الدنيا، وطيب قلب حبيبه صلى الله عليه وسلم وداوى أحزانه.
اهدأ يا وحشي، قد نجوت من القتل والكفر وذنب حمزة، ولكن النجاة وحدها لا تذيب تلك الغصة، ولا أدري أي غصة غلبت عليك، غصة قتل حمزة، أم غصة عدم رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ومجالسته فيما بقي من عمره أو عمرك، وأظن كليهما قد اجتمعا عليك.
لعله ظل مضطربا كمن يشعر بأن هناك ما يجب عليه فعله كي يرتاح، ولكن لا يدري ما هو!، ما أصعب أن تتمنى شيئا ولا تدري أصلا كيف تحققه، شعور أنك عاجز عن القيام بالتكليف لأن التكليف نفسه مجهول، ألم غير معلوم العلاج، ولا تفيده المسكنات.
العين تبحث ولا ترى، والعقل يفكر ولا يصل، حتى أضاءت الفكرة في القلب الظمآن، وجاءت الفرصة، وتحدد الهدف أخيرا.
فاللهم أذهب غصة قتل سيد الشهداء، بقتل أكذب الكاذبين.
وأذهب غصة الغياب عن وجه الصادق الأمين، بتغييب وجه الكاذب البغيض عن العالمين
لقد أصبح صدر مسليمة في عقل وحشي كبئر عذبة، وحربته هي ذلك الدلو الذي يجذب به الماء من البئر ليدفع غطشا يمزق حلقه، البئر بعيدة هناك وسط كل هذه الأعداد الغفيرة، والقتال المرير، وداخل الحصن المنيع، تبدو من كثرة العوائق كأنها وهم وسراب، لكن كل هذا ذاب أمام آلام القلب والاشتياق إلى الراحة، وذاب قبل هذا أمام صدق النية وحسن التوكل، مضى وسط السيوف والرماح، عابرا الأسوار والبوابات، سار وتقدم وسط جثث الشهداء وجثث الكفار، حتى وصل إلى قلب الدار، ووصلت حربته إلى صدر الحرباء، أدلى دلوه مشتاقا إلى الماء، ويا بشرى جاء العزاء.
لعل ضجيجا في القلب قد هدأ أخيرا
وأصبح من الممكن استئناف الحياة مجاهدا في انتظار الأجل
حتى يلقى وجه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة بعد غياب، بل ، ووجه حمزة.
رضي الله عن حمزة ووحشي
وصلى الله على محمد، صلى الله عليه وسلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق