الجمعة، 19 أغسطس 2011

عندما علا صوت المعركة



عندما علا صوت المعركة
معتـز عبد الرحمن


       تولى أمير المؤمنين أبو بكر الصديق الحكم في دولة وليدة محاطة بالأخطار ، فالعدو الرومي متربص بها على الحدود الشمالية ينتظر الفرصة للانقضاض عليها ، الأمر الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يجهز جيش أسامة بن زيد قبل وفاته ليؤمن حدود الدولة الشمالية ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي قبل خروج الجيش ، وبعد وفاته انصدع الداخل المسلم بارتداد بعض القبائل ومنع البعض الآخر الزكاة ، فأصبح أمير المؤمنين بين مطرقة الفتن الداخلية وسندان الحدود الخطرة ، ووعى أبو بكر القائد المغوار الحكيم أن هناك قضايا لا تحتمل التأجيل وأن الحكمة لا تستدعي دوما فتح جبهة واحدة وتأجيل الأخرى ، فلا معنى من تأمين الحدود دون إصلاح للداخل ، ولا معنى للعكس ، فخاض المعركتين بقوة ، ومر بالدولة المسلمة إلى بر الأمان ، وبدأت على الفور سلسلة الفتوحات المباركة التي راحت تنقذ الشعوب من طغيان وظلم حكامها ، ليعيشوا في عدل الإسلام سواء أسلموا أو اختاروا أي عقيدة أخرى ، لم يعش أبو بكر الصديق بعدها طويلا ، فجاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، الذي بنى الهيكل المؤسسي للدولة ، ووضع قوانين وقواعد تعيين ومحاسبة الولاة على الكسب غير المشروع والفساد السياسي ، وأنشأ دولة يضرب بها المثل في النظام والمؤسسية والعدل بشتى صورهم ، كل ذلك وجيوشه تخوض المعارك في العراق والشام وشمال أفريقيا ، دون أي تعارض أو تضارب، ولقد ضربت المثل بهذين الأميرين ولم أضرب المثل برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يقال ومن مثل رسول الله ، رغم أن الله بعث النبي بشرا حتى نقتدي به ، وكل ما فعله أبو بكر وعمر من رؤية تكاملية واضحة ما هي إلا من الدروس التي تعلموها من سيرة وحياة النبي الكريم الذي علم أمته مفاهيم التوازن والتكامل.

    ولكن فيما يبدو أن مسلمي العصر الحديث لم يتعلموا كثيرا من نبيهم صلى الله عليه وسلم وخلفائه في هذا الصدد ، فالمسلمون عامة والعرب خاصة أصبحوا الآن ذوي رؤية أحادية قاصرة ، لا يستطيعون العمل في أكثر من جبهة ، فإذا ضربت العراق نسوا فلسطين ، وإذا قصفت لبنان نسوا العراق وفلسطين ، وإذا ضرب الجمهور الجزائري الجمهور المصري في أم درمان ، نسوا أسماءهم ، وبالتالي سهل على أعدائهم توجيه اهتماماتهم وأنظارهم حيث يريدون ليفعلوا هم ما يشاءون ، وفي رأيي لم يكن الأعداء فقط هم من استغلوا هذه الثغرة ، بل كثير من الحكام استطاع اللعب بهذا الكارت ليبتز شعبه ويلجمه ، فقديما رفعوا شعار (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) ، فإذا تحدثت عن الفساد السياسي والإداري قالوا مش وقته (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) ، أو تحدثت عن التعذيب والاعتقال قالوا وبعدين (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) ، رغم أن بعض هذه المعارك كان ناتجا أصلا عن الفساد السياسي ، فنكسة 1967 لم تكن بسبب الجيش وإنما بسبب الفساد السياسي والنزاع على السلطة وعدم وجود دستور محترم ينظم الحياة السياسية ويكفل للشعب مراقبة ما يحدث في دهاليز الحكم والحكام ، ومن العجيب أيضا أن خصمنا في المعركة لم يمنعه القتال من بناء دولة غاية في الحداثة ، وبناء نظام سياسي قوي يكفل التداول السلمي للسلطة ويكفل حق الشعب الإسرائيلي في اختيار حكامه ، والأعجب أن معركتنا توقفت منذ 40 سنة ومعركتهم هم مع سائر الخصوم لم تتوقف إلى الآن ، ومع ذلك قارن بيننا وبينهم في كل شيء اقتصاديا وعلميا وسياسيا ، مما يدل أن أعداءنا يتعلمون من سيرتنا وتاريخنا أكثر مما نتعلم نحن ، تعلموا أن مجابهة الخصوم و بناء الداخل السياسي والاقتصادي وجهان لعملة واحدة وليسا أمرين متعارضين كما يعتقد الكثيرون من بني ديننا وجنسنا ووطننا.

   إذن إسرائيل الآن تعبث على الحدود المصرية ، ويجب ألا نسمح لها بمزيد من العبث في دماء أبنائنا ، ولكن ينبغي أيضا ألا يكون عبثها سببا في عبث أي أحد بمستقبل وحرية وكرامة هذا الشعب ، وألا يكون سببا في ابتزاز أي أحد كائنا من مكان لهذا الشعب الذي بدأ أخيرا يحبو في الطريق الصحيح ، ستظل أعيننا يقظة على الحدود ، وأصابعنا على الزناد ، وأرواحنا جاهزة للبذل بإذن الله ، ولكن لن يشغلنا هذا أبدا عن مستقبل مصر الداخلي ، ولن يشغلنا عن حماية الثورة ، ولن يسمح بتمرير أي شيء يخالف مصلحة الشعب المشغول بأحداث سيناء تحت شعار (إحنا في إيه ولا في إيه) ، لن ننتصر في الخارج دون إصلاح الداخل ، ولن يتفانى المصري في الدفاع عن بلاده قبل أن يشعر أنها حقا بلاده ، التي تحبه كما يحبها ، وتحفظ حقوقه كما يحفظ هو حدودها ، قبل أن يتأكد أنه لن يكون جمعة الشوان الجديد ، الذي أفنى عمره من أجلها ثم لم يجد لنفسه فيها علاجا بسبب فساد نظامها ، أكرر ، لن ننتصر في الخارج دون أن نصلح الداخل سواء كان ذلك على التوالي أو التوازي حسب ما تفرضه الظروف ، وتذكر دائما أبا بكر وعمر ، والنكسة ، وإسرائيل.

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

الأربعاء، 17 أغسطس 2011

الأجداد والأحفاد والفراعنة الجدد



الأجداد والأحفاد والفراعنة الجدد
معتـز عبد الرحمن


       بالرغم أننا دائما نستخدم مصطلح "الفرعون" لتوصيف الإنسان الديكتاتور سواء كان حاكما لدولة أو لشركة أو حتى لأسرة صغيرة ، إلا إننا قليلا ما نحاول التأمل في قصة الفرعون الأصلي مصدر إلهام كل هؤلاء ، ودائما ما يهتم معظم الدعاة والمفسرون في قصة نبي الله موسى بالأحداث التي بينه وبين فرعون ، ثم الأحداث التي بين نبي الله موسى وبني إسرائيل بعد هلاك عدوهما ، ويغفلون الحديث عن العلاقة الدقيقة التي كانت بين فرعون وشعبه والتي تحدث عنها القرآن الكريم كثيرا لعلنا نتذكر أو نخشى ، إننا نتحدث عنه دائما وكأنه حالة فريدة من حالات الحكم الجائر ، وفي الحقيقة فرعون لم يتفرد بشيء سوى ادعاء الألوهية والربوبية ، أما فيما عدا ذلك ، فقد اعتمدت دولة الفرعون على كل الركائز التي يعتمدها الطغاة في عصرنا الحديث من أجل إحكام السيطرة على شعوبهم ، بدءا من "فرّق تسد" (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) القصص 4 ، ثم تشويه المعارضين والمصلحين (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ ) غافر26 ، واحتكار معرفة مصلحة الشعب (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ ) غافر 29 ، والعمل على تفزيع الشعب من الأجندات الخاصة والعمالة حتى يظلوا مؤمنين أن وجوده في الحكم يساوي الأمن القومي (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) الأعراف 123 ، استخدام الإعلام الموجه الذي يوحي للناس بأن الفرعون ورجاله دائما على حق (وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (40)) الشعراء ، أما عن القمع والإذلال فحدث ولا حرج (وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) الأعراف 127 ، بل ولم يكتف بتنصيب نفسه إلها معبودا للناس،( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) القصص 38،  بل نصب نفسه ربا للناس (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ) النازعات 24* ، وأنت تقرأ القرآن الكريم وتتأمل في كل هذه الآيات والأحداث المذكورة في سور مختلفة ستجد أن أمام هذا المكر والطغيان الشديد لم يكن للشعب المصري أي ردود أفعال تذكر ، حتى عندما أدعى الفرعون ما لا يقبله عقل أو قلب ، ظل ممسكا بزمام الأمور بمنتهى البساطة وبأقل مجهود ، ولم يذكر القرآن الكريم سوى ثلاث مواقف معارضة له ، إيمان السحرة ، ومؤمن آل فرعون ، السيدة آسية زوجته رضي الله عنها ، بل إن هذا الشعب القديم لم يستغل وجود نبي من الله بينهم كي يثوروا ضد هذا الظالم ويتخلصوا منه ، بل استمرأوا الظلم استمراء ، وأيدوه ودعموه ، حتى قال الله فيهم (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) الزخرف 54.
        
      تذكرت هذه القصة وهذه الآيات وأنا أرى مجتمعنا الآن يؤهل نفسه من جديد لتصنيع وتفريخ جيلا جديدا من الفراعنة ، فإذا كان مجرد سكوت واستسلام المصريين القدماء لسياسات الفرعون التي ذكرتها آنفا ، مع المبالغة في مدحه وتقديسه قد صنعت أعتى وأظلم طغاة التاريخ الذين قال الله فيهم (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) غافر 46، فما بالكم إذا كنا نحن الآن لا نسكت ونستسلم وحسب بل إننا نصنع هذه السياسات بأنفسنا ، إننا نتناحر ونتفرق شيعا ، ونسعد ونشمت عندما يُستضعف بعضنا أو يُظلم ، إننا بعد أن عانينا من تشويه النظام السابق لكل المعارضين بدون حق ، أصبحنا جميعا  نقوم بنفس الدور القذر مع كل من يخالفنا ، وسادت لغات التخوين والأجندات ، والإعلام الموجه المضلل ، فقد أصبحنا وللأسف لا نحتاج لفرعون يفرقنا ، ولا نحتاج لفرعون يشوهنا ، ولا نحتاج لفرعون يدفعنا لتقديسه والالتفاف حول رأيه وما يرى لنا من سبيل الرشاد ، بل نحن نبادر بالتقديس والاحترام المبالغ فيه ، لقد كتبت وتكلمت من قبل مرارا لأحذر من أن يعود الشعب لسلبيته فيصنع من الرئيس المنتخب القادم فرعونا جديدا ، ولكن هاهو الشعب المصري بأغلبيته الصامتة المعتادة ، وبجزعه الدائم من المستقبل ، وبميله المعهود للاستقرار حتى قبل حدوث الاضطراب ، لم يعد حتى ينتظر انتخاب رئيس، بل بدأ من الآن كتابة مستقبل مصر الفرعوني ، وبدأ يضيع كل مكتسباته التي منحها الله له بأقل الأثمان ، ولا عجب فهو لم يرجع قط بساطة الثمن إلى فضل الله ، بل أرجعها لانحياز هذا ووطنية ذاك ، فإرجاع الفضل إلى الله يتطلب شكره ، وشكر الله يتطلب العمل للحفاظ على النعمة ، أما إرجاع الفضل لهذا وذاك ، فيتطلب الشكر لهم ، والشكر لهم يتطلب الثقة العمياء والرضا منهم بالقليل والتصفيق الطويل ، أمتي الحبيبة ، أفيقي واحمي حريتك ، عودي لكتاب ربك فاقرئيه وافهميه ، لتقلعي عن هذا العادة وتوقفي هذه الصناعة ، فلا أريد أن أراك ثانية تصنعين بأيديكي الفراعين ، حتى إذا ما استخفوا بكي من جديد ، أطعتي واستسلمتي ، وأصابك الوصف الشديد (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ).
-----------------------
* برجاء – لمن شاء -  مراجعة كتب التفسير والعقيدة لمعرفة الفرق في المعنى بين كلمتي الرب والإله.
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب
/

الأحد، 14 أغسطس 2011

تطبيق الشريعة ، وخارطة الطريق



دعوة عملية
تطبيق الشريعة وخارطة الطريق
معتـز عبد الرحمن


      إذن هذا يكفي ، ستة أشهر من المقالات والتصريحات والمناظرات والمظاهرات ، ستة أشهر نتحدث عن تطبيق الشريعة وأهميته ، كتب الكُتاب وخطب الخطباء وناظر المناظرون وتظاهر المتظاهرون ، ستة أشهر أرى أنها كانت مثمرة ، أعادت لوجدان المسلمين قضية دفنت في أدراج الطغاة منذ نحو قرن ، وأعادت لأذهانهم حلما جميلا ، لم يكن يخطر على بال مسلم في مصر طوال العقود الماضية إلا وأيقظته أيادي الطغاة وهي تسحله إلى المعتقلات ، ولكن لكل مقام مقال ، ولكل حادث حديث ، ولكل وقت واجباته ، فتداعيات جمعة 29 يوليو تثبت أن مرحلة الخطابة والتنظير قد انتهت ، وأن مرحلة التخندق والدفاع عن التيارات والأسماء التي سميناها نحن وآباؤنا يجب أن تنتهي هي الأخرى ، ففي وسط التعليقات العنيفة التي تلت جمعة الهوية استوقفني تعليقان:

 الأول لإحدى الفتيات تقول ( السلفيين قالوا على الثورة حرام وجايين دلوقتي عاوزين يحققوا مطالبهم) ، الملفت أن كثير من الشباب السلفي عندما يسمع مثل هذا التعليق يشرع على الفور في توضيح موقف السلفيين من الثورة ويستميت في رد هذا الاتهام ، ويغفل أن في التعليق مأساة أكبر ، وهي أن مثل هذه المسكينة تعتبر الشريعة مطلبا سلفيا أو إخوانيا وليس مطلبا إسلاميا يريده كل المسلمين المحبين لدينهم ، الإسلام عندها مثل الاشتراكية التي يؤمن بها الاشتراكيون وحدهم أو الليبرالية التي يؤمن بها الليبراليون وحدهم ، لذا فالأولى بنا جميعا ، وأقصد بـ (بنا) أي كل المسلمين الذي لا يحملون أي شبهة أو قلق تجاه تطبيق الإسلام ، أن نتصدى ونغير هذا المفهوم العجيب ، بأن نتخلى ابتداءا عن التسميات والعصبيات ونعقد لواء الولاء على ساري الإسلام وحده ، وأن نوقظ في المسلمين حبهم لشريعتهم ، ونذكرهم بأن تطبيقها جزء لا يتجزأ من عقيدتهم وعبادتهم كمسلمين ، لا كإخوان أو سلفيين ، حتى يعود المطلب لطبيعته الأصلية ، مطلبا إسلاميا شعبيا وليس مطلبا حزبيا.

التعليق الثاني جاء على لسان عدد كبير من المسلمين: ( نحن لا نعارض تطبيق الشريعة بل ونطالب به ، ولكن من الذي سيطبقه؟ وما هي الضمانات أن التطبيق سيكون فعلا مقيدا بالشرع وليس بأهواء المطبقين؟)
وفي الحقيقة هو سؤال مشروع ، فالنماذج المسيئة للمشروع الإسلامي كثيرة ، لذا فواجب الوقت في وجهة نظري أن يشرع على الفور علماء الإسلام وأساتذة القانون المحبين للشريعة في وضع تصور كامل لنظام الحكم في ظل الإسلام ، وفي وضع نموذج للدستور الإسلامي يقرأه الناس ويلمسوه بأيديهم ، وأن تخرج الدعوة لتحكيم شرع الله من مرحلة العواطف الجياشة ومرحلة الضبابية التي تعيشها الآن إلى مرحلة النموذج والواقع العملي الذي يقرأه الناس ويفهموه ، فأنا أعلم أن هناك عدة نماذج للدستور الإسلامي جاهزة بالفعل أحدها وضعه مجمع البحوث الإسلامية في السبعينات ، لكن أين هذه النماذج؟ ولماذا لم تخرج للناس؟ لقد حاولت البحث عنها على الانترنت فلم أجد سوى بعض مواد منها على بعض المنتديات الإسلامية ، بل ووجدت بعض شباب المنتديات يطالبون بتطبيق دستور مجمع البحوث والدستور غير مرفوع على المنتدى أصلا، فكان الأولى بالقوى الإسلامية والأحزاب المنبثقة عنها أن تهتم بنشر مثل هذه النماذج أكثر من اهتمامها بالرد على الشبهات المرسلة وعلى هجوم الإعلام الليبرالي عليها وعلى الشريعة ، أين جبهة علماء الأزهر من هذا؟ وأين دور الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح؟ إن الشعب يريد تطبيق شرع الله ، ولكنه يريد أن يمسك في يديه بنود هذا الشرع كي يطالب بها بندا بندا ، حتى لا يسرق أحد حبه لدينه ويلتف عليه ، إننا نريد دستورا وقانونا يوزع أمام المساجد والكنائس وفي الجامعات والمدارس وعلى المقاهي وعلى الانترنت ، وصدقوني لو حدث هذا ستحتوي مليونية الشريعة القادمة – إن حدثت - على ليبراليين ومسيحيين واشتراكيين بل وعلى كثير من الأغلبية الصامتة ، إن الشعب المصري في عمومه يحب الإسلام ، ولكنه لن يشتري سمكا في ماء ، فإذا كنا دوما نطالبه بعدم الخلط بين الإسلام وسلوكيات الإسلاميين ، لأن الإسلام كامل والإسلاميين بشر يصيبون ويخطئون ، فكيف نطالبه الآن بأن يثق في الإسلاميين دون أن يرى بعينيه وعقله حقيقة الإسلام والدستور الذي يدعو إليه الإسلاميون؟

وهنا وإمعانا في "عملية" الفكرة ، إذا لم تقم الهيئات الرسمية والأحزاب الإسلامية بدورها الهام والحساس في هذه القضية على الفور ، فينبغي على كل المسلمين أن يتحركوا من أجل دينهم وتوضيح صورته المبهمة في عيون أبنائه قبل خصومه ،  أدعو كل المسلمين (وليس الإسلاميين) ، أدعو الشباب والفتيات والرجال والنساء والشيوخ والعجائز أن يشاركوا في هذا المشروع ، أدعو شباب الأزهر وشباب المحامين وشباب المستشارين أن يتواصلوا ويكونوا لجان لوضع هذا التصور وهذا النموذج ، أدعو كل من يمتلك كتابا أو رسالة ماجستير أو دكتوراه في هذا الشأن سواء بقلمه أو قلم غيره من المتخصصين الثقات أن يخرجها للناس وينشرها ، بل وأدعو كل من يمتلك نسخة من النماذج المشهورة التي ذكرتها أن يصورها وينشرها ويرفعها على الانترنت وأن يرسلها لي تفضلا، الدعوة لتطبيق الشريعة جزء لا يتجزأ من الدعوة إلى الله والتي ينبغي أن تكون على بصيرة وعلم وبرهان ، وليس مجرد عواطف ، (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)) سورة يوسف
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب