الأحد، 14 أغسطس 2011

تطبيق الشريعة ، وخارطة الطريق



دعوة عملية
تطبيق الشريعة وخارطة الطريق
معتـز عبد الرحمن


      إذن هذا يكفي ، ستة أشهر من المقالات والتصريحات والمناظرات والمظاهرات ، ستة أشهر نتحدث عن تطبيق الشريعة وأهميته ، كتب الكُتاب وخطب الخطباء وناظر المناظرون وتظاهر المتظاهرون ، ستة أشهر أرى أنها كانت مثمرة ، أعادت لوجدان المسلمين قضية دفنت في أدراج الطغاة منذ نحو قرن ، وأعادت لأذهانهم حلما جميلا ، لم يكن يخطر على بال مسلم في مصر طوال العقود الماضية إلا وأيقظته أيادي الطغاة وهي تسحله إلى المعتقلات ، ولكن لكل مقام مقال ، ولكل حادث حديث ، ولكل وقت واجباته ، فتداعيات جمعة 29 يوليو تثبت أن مرحلة الخطابة والتنظير قد انتهت ، وأن مرحلة التخندق والدفاع عن التيارات والأسماء التي سميناها نحن وآباؤنا يجب أن تنتهي هي الأخرى ، ففي وسط التعليقات العنيفة التي تلت جمعة الهوية استوقفني تعليقان:

 الأول لإحدى الفتيات تقول ( السلفيين قالوا على الثورة حرام وجايين دلوقتي عاوزين يحققوا مطالبهم) ، الملفت أن كثير من الشباب السلفي عندما يسمع مثل هذا التعليق يشرع على الفور في توضيح موقف السلفيين من الثورة ويستميت في رد هذا الاتهام ، ويغفل أن في التعليق مأساة أكبر ، وهي أن مثل هذه المسكينة تعتبر الشريعة مطلبا سلفيا أو إخوانيا وليس مطلبا إسلاميا يريده كل المسلمين المحبين لدينهم ، الإسلام عندها مثل الاشتراكية التي يؤمن بها الاشتراكيون وحدهم أو الليبرالية التي يؤمن بها الليبراليون وحدهم ، لذا فالأولى بنا جميعا ، وأقصد بـ (بنا) أي كل المسلمين الذي لا يحملون أي شبهة أو قلق تجاه تطبيق الإسلام ، أن نتصدى ونغير هذا المفهوم العجيب ، بأن نتخلى ابتداءا عن التسميات والعصبيات ونعقد لواء الولاء على ساري الإسلام وحده ، وأن نوقظ في المسلمين حبهم لشريعتهم ، ونذكرهم بأن تطبيقها جزء لا يتجزأ من عقيدتهم وعبادتهم كمسلمين ، لا كإخوان أو سلفيين ، حتى يعود المطلب لطبيعته الأصلية ، مطلبا إسلاميا شعبيا وليس مطلبا حزبيا.

التعليق الثاني جاء على لسان عدد كبير من المسلمين: ( نحن لا نعارض تطبيق الشريعة بل ونطالب به ، ولكن من الذي سيطبقه؟ وما هي الضمانات أن التطبيق سيكون فعلا مقيدا بالشرع وليس بأهواء المطبقين؟)
وفي الحقيقة هو سؤال مشروع ، فالنماذج المسيئة للمشروع الإسلامي كثيرة ، لذا فواجب الوقت في وجهة نظري أن يشرع على الفور علماء الإسلام وأساتذة القانون المحبين للشريعة في وضع تصور كامل لنظام الحكم في ظل الإسلام ، وفي وضع نموذج للدستور الإسلامي يقرأه الناس ويلمسوه بأيديهم ، وأن تخرج الدعوة لتحكيم شرع الله من مرحلة العواطف الجياشة ومرحلة الضبابية التي تعيشها الآن إلى مرحلة النموذج والواقع العملي الذي يقرأه الناس ويفهموه ، فأنا أعلم أن هناك عدة نماذج للدستور الإسلامي جاهزة بالفعل أحدها وضعه مجمع البحوث الإسلامية في السبعينات ، لكن أين هذه النماذج؟ ولماذا لم تخرج للناس؟ لقد حاولت البحث عنها على الانترنت فلم أجد سوى بعض مواد منها على بعض المنتديات الإسلامية ، بل ووجدت بعض شباب المنتديات يطالبون بتطبيق دستور مجمع البحوث والدستور غير مرفوع على المنتدى أصلا، فكان الأولى بالقوى الإسلامية والأحزاب المنبثقة عنها أن تهتم بنشر مثل هذه النماذج أكثر من اهتمامها بالرد على الشبهات المرسلة وعلى هجوم الإعلام الليبرالي عليها وعلى الشريعة ، أين جبهة علماء الأزهر من هذا؟ وأين دور الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح؟ إن الشعب يريد تطبيق شرع الله ، ولكنه يريد أن يمسك في يديه بنود هذا الشرع كي يطالب بها بندا بندا ، حتى لا يسرق أحد حبه لدينه ويلتف عليه ، إننا نريد دستورا وقانونا يوزع أمام المساجد والكنائس وفي الجامعات والمدارس وعلى المقاهي وعلى الانترنت ، وصدقوني لو حدث هذا ستحتوي مليونية الشريعة القادمة – إن حدثت - على ليبراليين ومسيحيين واشتراكيين بل وعلى كثير من الأغلبية الصامتة ، إن الشعب المصري في عمومه يحب الإسلام ، ولكنه لن يشتري سمكا في ماء ، فإذا كنا دوما نطالبه بعدم الخلط بين الإسلام وسلوكيات الإسلاميين ، لأن الإسلام كامل والإسلاميين بشر يصيبون ويخطئون ، فكيف نطالبه الآن بأن يثق في الإسلاميين دون أن يرى بعينيه وعقله حقيقة الإسلام والدستور الذي يدعو إليه الإسلاميون؟

وهنا وإمعانا في "عملية" الفكرة ، إذا لم تقم الهيئات الرسمية والأحزاب الإسلامية بدورها الهام والحساس في هذه القضية على الفور ، فينبغي على كل المسلمين أن يتحركوا من أجل دينهم وتوضيح صورته المبهمة في عيون أبنائه قبل خصومه ،  أدعو كل المسلمين (وليس الإسلاميين) ، أدعو الشباب والفتيات والرجال والنساء والشيوخ والعجائز أن يشاركوا في هذا المشروع ، أدعو شباب الأزهر وشباب المحامين وشباب المستشارين أن يتواصلوا ويكونوا لجان لوضع هذا التصور وهذا النموذج ، أدعو كل من يمتلك كتابا أو رسالة ماجستير أو دكتوراه في هذا الشأن سواء بقلمه أو قلم غيره من المتخصصين الثقات أن يخرجها للناس وينشرها ، بل وأدعو كل من يمتلك نسخة من النماذج المشهورة التي ذكرتها أن يصورها وينشرها ويرفعها على الانترنت وأن يرسلها لي تفضلا، الدعوة لتطبيق الشريعة جزء لا يتجزأ من الدعوة إلى الله والتي ينبغي أن تكون على بصيرة وعلم وبرهان ، وليس مجرد عواطف ، (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)) سورة يوسف
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق