الخميس، 28 أبريل 2011

وقفة احتجاجية ،، من أجل التوريث


وقفة احتجاجية ،، من أجل التوريث
معتـز عبد الرحمن


    هل تذكرون سيناريو التوريث الكئيب؟ هل تذكرون كم شعرنا بالغم عند بداية 2011 لأنها موعد تنفيذ وعد من لا يملك لمن لا يستحق؟ هل تذكرون كما فرحنا بمجرد بداية الثورة لأنها قضت على هذا السيناريو حتى قبل أن يرتفع سقف مطالبها إلى إسقاط النظام ورحيل الرئيس؟ ماذا لو لم تقم الثورة وتم التوريث؟ هل كان الشعب سيغضب ويثور ضده؟ هل تذكرون المظاهرات الفئوية التي بدأت بعد التنحي ولا تزال قائمة؟ هل تعلمون أن بعض مطالب العمال كانت "تعيين أبناء العاملين"؟ هل تعلمون أن هناك شركات هرعت لطمأنة عمالها أنها ستعين أبناءهم خشية ثورتهم؟ ، هل تعبت واختنقت من أسئلتي؟ سامحني ، فإن الأكثر إتعابا وخنقا أن ترى شعبا يثور ضد التوريث ثم يثور من أجله ، أن تجد أن "الكوسة" أصبحت جزءا من ثقافتنا وأخلاقنا وطباعنا وليست أمرا أجبرنا عليه النظام الفاسد ، لم تعد الواسطة وسيلة لجلب الحق من الظالم من باب الضرورات تبيح المحظورات ، بل أصبحت حقا مكتسبا يدعي البعض أنه قانوني ودستوري (1) ، فكما خدم مبارك مصر 60 عاما وقاد الضربة الجوية فاستحق ابنه الذي لا يملك أدنى مقومات الحكم أن يرشح نفسه رئيسا ، فمن حق كل من خدم في مكان – في مقابل أجر وامتيازات كاملة – أن يورث ابنه مكانه بصرف النظر عن كفائته ، ولا عزاء للكفاءات من أبناء الفلاحين والبسطاء وكل من ليس له ظهر.

   بالطبع ليست هذه هي الصورة الوحيدة للواسطة في حياتنا ، ولكني ضربت هذا المثل لأنه يفضح التناقض الذي نعيش فيه ، ولأنه يؤكد نظرية أن إصلاح مباديء ومعتقدات القاعدة الشعبية ضرورة عاجلة كي ننقذ هذا الوطن من براثن الأخطار المحدقة به ، فإذا كان تولية المهام لغير الكفء تعد من علامات الساعة ، فتخيل معي كيف سيكون تأثيرها على مستقبل وطن وليد يحاول النمو والظهور ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة . قال : كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال : إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)(2) ، وقيل في الأثر إن الله يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة ، وتولية المهام والوظائف لأي اعتبار آخر غير الكفاءة هو عين الظلم ، ظلم للكفء الذي لا يتمتع بهذا الاعتبار فهو ليس قريب فلان ولا جار علان ، وظلم وغش للأمة لأنه يحرمها من التمتع بقدرات أبنائها ويعطل تقدمها ويهدد استقرارها (ما من عبد يسترعيه الله رعية ، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته ، إلا حرم الله عليه الجنة) (3) ، فلن تتقدم أمة انتحر أحد أبنائها ، الشاب عبد الحميد شتا خريج الاقتصاد والعلوم السياسية المتفوق الذي تم رفضه في وظيفة ملحق تجاري لأنه "غير لائق اجتماعيا" ، تم رفضه عقابا له لأنه ابن فلاح ربى ابنه وعلمه حتى تخرج وتفوق ، وإن كنا عرفنا قصة عبد الحميد فقد يكون هناك آلاف إن لم يكن ملايين مثله ، ولا تستبعد أن يكون "بورتو طرة" نتج عن دعوة أحدهم ، ( اتق دعوة المظلوم ، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب )(4).

   في المقال الماضي بدأنا نهدم مدرجات المتفرجين في استاد الإصلاح (5) ، واليوم علينا أن نخرج أنفسنا من قوائم أعداء الإصلاح ، لابد أن تنتهي الواسطة من حياتنا، من الوظائف والخدمات والتراخيص بل إن المستشفيات والمرضى أنفسهم لم يسلموا من التفرقة في المعاملة بحسب التوصية التي يحملها المريض ، فقد تفشت "الكوسة" في بلادنا حتى قالوا عنها إن النيل لو تحول لـ"صلصة" فلن يكفيها ، كلنا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وندعي اتباعه ، ولو نظرنا في سيرته صلى الله عليه وسلم وكيف كان يختار قواده وموظفيه ومندوبيه لتعلمنا كيف تتقدم الدول ، ولعلمنا لماذا تأخرنا ، فقاعدة اختيار الأصلح هي التي وضعت خالد بن الوليد قائدا لجيش من المسلمين فيهم من أسلم قبله بعشرين سنة ، وهي التي وضعت أسامة بن زيد ابن الثمانية عشر عاما قائدا على جيش فيه أبو بكر وعمر ، هي التي جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي بالخلافة ضمنا إلى أبي بكر وليس لأحد أقاربه كزوج ابنته مثلا ، فلنسير على خير الهدي ، هدي محمد صلى الله عليه وسلم ،  إن كنت مسئولا فاتق الله في اختيار العاملين ، واتق الله في قضاء مصالح الناس ، ولا تقدم أحدا على أحد بغير وجه حق ، لا تسمح لأحد بتخطي دوره ولا تعطي أحدا حقا ليس من حقه وإن كان أخاك بل وإن كان والدك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)(6) ، أما إذا كنت صاحب الحاجة فاتق الله ولا تأخذ غير حقك ، ولا تقفز على أكتاف الآخرين بمعارفك وسلطتك ، ولا تعرض نفسك لعذاب الآخرة من أجل متاع الدنيا ، والمحسوبية تضرك أكثر ما تنفعك فهي تدفعك للتقاعس وعدم تطوير الذات لظنك أنك غير محتاج إلى ذلك ، وكما رأيت ملك عشرات السنين يضيع في أيام ، فإذا استيقظت يوما لم تجد واسطتك ، وقد أهملت تطوير نفسك وكفائتك ، فعلى مستقبلك السلام ، فليس الفتى من يقول كان أبي ولكن الفتى من يقول ها أنا ذا..
-------------------------------------------------------------
(1)   وهذا باطل ، وقد راجعت أهل القانون وأكدوا لي أنه غير قانوني ومخالف للدستور ولو وجد في لائحة خاصة لأي شركة ورفع الأمر للقضاء في أي نزاع سيحال الأمر للمحكمة الدستورية والتي تقضي ببطلان اللائحة.
(2)   رواه البخاري
(3)   رواه مسلم
(4)   رواه البخاري
(6)   سورة النساء ، الآية 135
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

السبت، 23 أبريل 2011

هدم المدرجات ،، في استـاد الإصلاح


هدم المدرجات ،، في استـاد الإصلاح
معتـز عبد الرحمن


    لم تخل العقود الأخيرة المظلمة من عمر مصر من شرفاء ومخلصين ، لم تخل من رجال ونساء رفضوا الانقياد للتيار والتأثر بفساد المجتمع والسلطة ، وصفهم البعض بأنهم أغبياء وحنبليون ويسبحون ضد التيار وأنهم لا يفهمون الدنيا ولا يعلمون من أين تؤكل الكتف ، وفي نفس الحين كان عموم الناس والبسطاء ينظرون إليهم نظرة إجلال واحترام ، نظرة ذهول من رأى الشمس في منتصف الليل ، يمدحونهم ويصفونهم بأفضل الأوصاف ، دون أن يحاول الواصف التحلي بأي من هذه الأوصاف ، يتمنون لهم التوفيق والنصر دون أن يحاولوا المساهمة أو الدعم ، يمنحونهم أوسمة مكافحة الفساد دون أن يتخلوا هم عن دورهم الظاهر في دعم الفساد والسكوت عليه ، وكأن الالتزام والإصلاح ومكافحة الفساد فرض على هؤلاء الشرفاء دون غيرهم ، وكأن الله كلفهم وحدهم بإقامة الحق ودفع الظلم ، وكأنهم هم وحدهم العدائين في مضمار الإصلاح ، وسائر المجتمع جمهور يشجع ويصرخ ويصفق ، ملقيا زجاجات السلبية وحجارة الخوف تحت أقدام الأبطال ، ثم يتساءل في استديو التحليل ، لماذا خسر الأبطال سباق الثمانين مليون ميل؟؟  
  
 هدم مدرجات المتفرجين في مضمار الإصلاح هو الواجب الأول والخطوة الأهم على الطريق (1)، ينبغي أن يستشعر كل منا أن مسئوليته فردية وفورية ، وأنه بمجرد معرفته للحق وجب عليه اتباعه وتنفيذه وإن لم يطبقه غيره ، ولقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم نموذجا فريدا في هذا الأمر ، فما إن نزلت آية تحريم الخمر ، حتى جرت الخمر أنهارا في شوارع المدينة ، ولم يكمل أيا منهم الكأس الذي كان في يده ، ولما سمع حنظلة بن أبي عامر نداء الجهاد يوم عرسه وهو جُنب ترك زوجته وخرج يقاتل حتى استشهد وقال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر، بين السماء و الأرض، بماء المزن، في صحاف الفضة)(2) ، ولم يكن هذا تطوعا منهم إلا أنهم فهموا قول الله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا )(3) ينبغي ألا نؤجل تطبيق الحق وألا نكتفي بالتصفيق للمصلحين ، فإنني أتعجب كثيرا ممن يشتكي من اختلاف العلماء في مسائل الفروع ، وهو لا يطبق الأصول المتفق عليها أساسا ، كالمرتشي أو الظالم لنفسه وأسرته ومرؤسيه الذي يصرف جهده في السؤال عن وضع اليد بعد القيام من الركوع ، فمعرفة الحق من الباطل نعمة ولكنها في نفس الوقت مسئولية وحمل ثقيل فإنه (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : منها : وعن علمه ماذا عمل به ؟)(4) ، فهذه هي البداية السليمة والطريق القويم والتطبيق الحقيقي للآية التي لم نعد نستشعر معانيها من كثرة ترديدنا لها دون تفكر وتدبر (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)(5)
  
وأخيرا فكما احتاج إسقاط الرأس لتضحيات ودماء ، فإصلاح القاعدة أيضا يحتاج لمجهود وصبر وسهر ، فالبناء أصعب من الهدم ، وتغيير الطبائع والسلوكيات والمعتقدات الخاطئة أصعب من تحريك الجبال الرواسي ، كما أن أعداء الخارج وأعوانهم في الداخل لن يتركوك تتقدم وتكبر في هدوء ، لذا علمنا ربنا أن الإصلاح والبناء يجب أن يكون خالصا لوجهه ، لا من أجل انتظار النتائج والاستفادة منها ، لأن النتائج قد تتأخر عقود وعقود ، وقد نراها في آخر حياتنا أو يراها أبناؤنا وأحفادنا ، علمنا الله ذلك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها)(6) فهذه فسيلة لن يأكل من ثمرها أحد ، ولكنه البناء لوجه الله دون النظر للنتائج ، ومن العجيب أن المبشر بالجنة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه الذي عاش حتى رأى النصر والتمكين للإسلام والمسلمين ،كان يحسد من ماتوا في الطريق قبل أن يروا نتائج جهودهم ، ففي صحيح البخاري (أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أٌتي بطعام ، وكان صائما ، فقال : قتل مصعب بن عمير ، وهو خير مني ، كفن في بردة : إن غطي رأسه بدت رجلاه ، وإن غطي رجلاه بدا رأسه . وأراه قال : وقتل حمزة ، وهو خير مني ، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط ، أو قال : أعطينا من الدنيا ما أعطينا ، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا ، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام .)  فجدد نيتك واجعلها خالصة لله ، وابدأ في العمل واثبت على الحق ولا تحبط من كثرة الفساد (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )(7)
-------------------------------------------------------------
(2)   صحيح ، الجامع الصغير للسيوطي
(3)   سورة الأحزاب ، الآية 36
(4)   صحيح الترغيب، الألباني
(5)   سورة الرعد ، الآية(11)
(6)   صححه الألباني
(7)   سورة المائدة،الآية(100)
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

الجمعة، 15 أبريل 2011

سقوط الرأس وتنظيم القاعدة


سقوط الرأس وتنظيم القاعدة
معتـز عبد الرحمن

    على مدار سنوات طوال ظل الجدل الفلسفي قائما بين دعاة الإصلاح ، إذ ظلوا دوما مختلفين فيما إذا كان الإصلاح ينبغي أن يبدأ من الرأس أم من القاعدة ، ففريق يرى أن الحاكم الصالح هو الطريق لإصلاح المجتمع ، وآخر يرى أن إصلاح المجتمع هو الطريق نحو الحاكم الصالح ، وبصرف النظر عن أي الرأيين أصوب ، نحن الآن أمام أمر واقع ، فقد قامت الثورة وسقط النظام ، وبدأنا مرحلة جديدة نواجه فيها تحديات كبيرة ، سنعتمد فيها على الله أولا ثم على سواعد الشعب المصري ، الشعب الذي علينا أن نعترف أنه تأثر كثيرا بفساد النظام السابق ، فالرأس كان فاسدا وضاغطا مما أدى إلى تغلغل فساده في القاعدة الشعبية ، ومع مرور الزمن ومع عوامل مساعدة صنعها النظام مثل الجهل والأمية والسلبية والإعلام المضلل تأثرت أخلاق المجتمع وطباعه ومبادئه التي يعيش بها ويربي أبناءه عليها ، وإن لم نشرع الآن وبسرعة في إصلاح وتنظيم هذه القاعدة سنخسر كل مكتسبات ثورتنا ، وستنبت هذه القاعدة رأسا فاسدة من جديد ، بل وربما تضجر وتثور إن رزقها الله بحكام صالحين مخلصين ، فقد رأينا بأنفسنا أناسا حزنوا عندما تولى الدكتور عصام شرف رئاسة الوزراء لأن في وجهة نظرهم أنه "طيب ومحترم" وأننا نحتاج لـ "بلطجي عشان يعرف يسلك معانا" على حد تعبير القائل.

    السطور السابقة تفسر لنا باختصار ما نراه الآن في مجتمعنا من مشاهد محزنة ومحبطة ، من استمرار ثقافة ما قبل 25 يناير في إذهان وتصرفات الكثير من المصريين ، فمن المصريين من لا يزال يخالف قواعد المرور طالما أن الشرطي غائب أو حتى موجود لكن "مكسور" من أثر الأحداث ، ومنهم من لا يزال يخاف من قول الحق لا عند سلطان جائر ولكن عند كل من يعلوه في المنصب ولو بدرجة واحدة ، لا يزال منهم من يبرر الأخطاء لنفسه ولا يريد الاعتراف بها ، لا يزال منهم من يبرر أخطاء من يخشاهم ويتلمس لهم الأمجاد – على غرار نظرية الضربة الجوية – حتى لا يضطر لمواجهتهم خوفا على الرزق الذي كفله الله له ، لا يزال منهم من يخترع الإشاعات ويصدق الإعلام المدلس ، بل ومما يثير العجب أن بعض من يقع في هذه السلبيات ويغرقون فيها أناس شاركوا في الثورة وواجهوا الموت وكادوا يضحون بحياتهم لأجل الإصلاح ، مما يدل على أن مواجهة الأمن المركزي والرصاص الحي والجمال والخيول أيسر كثيرا من مواجهة النفس المليئة بالسلبيات ، ومن مواجهة الموروث الثقافي والنفسي والاجتماعي السيء الذي جنيناه على مدار العقود الماضية، فمقولة (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) رغم أنها ليست حديثا صحيحا ولكن معناها واقعي وقوي ، وعلى المصريين جميعا أن يهبوا لمعركتهم الحقيقية ، فمحاربة العادات التي تربيت عليها وتقديم الحق والصواب على أهوائك ورغباتك ومصالحك معركة شرسة وصعبة وتحتاج لإخلاص واستعانة بالله وتكاتف وتناصح وجهد طويل.

    ختاما أدعو نفسي وإياكم لثورة ضد أنفسنا وسلبياتها ، وضد خوفنا وضد نظرية "وجدنا آباءنا على أمة" ،ثورة لا هتافات فيها ولا اعتصامات ، ولكن صدق ومصارحة وعمل جاد ، وسأسعى بإذن الله تعالى أن تكون خاطرتي هذه بداية لسلسلة من المقالات تتناول بنوع من التفصيل أنواعا من السلبيات ومن القضايا التي يجب علينا التكاتف لحلها ، وسأعتمد فيها على الله سبحانه وتعالى أولا ثم على آراء وتعليقات القراء ، ابدأ معي بالتفكير وبإعداد قوائم العار لا لأشخاص عارضوا الثورة يوما ما ، ولكن قوائم العار لصفات وأفعال وسلوكيات تخالف ما قامت الثورة من أجله ، بل وتمثل ثورة مضادة حقيقية تهدد مستقبل مصر المأمول ومستقبل شعبها الواعد.

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

الثورة ،، والكذب الحلال


الثورة ،، والكذب الحلال
معتـز عبد الرحمن


    لقد لعب الإعلام دورا خطيرا في خلال ثورة يناير ، فلا ينكر أحد دور قناة الجزيرة – على ما شابه من شوائب – في استمرارية الثورة وتأجيجها بإذاعة فيديوهات الاشتباكات بين الأمن المركزي والمتظاهرين ، واستضافتها للثوار ونقلها لأحداث التحرير أولا بأول ، كما لا ينكر أحد دور الإعلام المصري الرسمي وجزء كبير من الإعلام الخاص سواء كان مرئيا أو مقروئا في تشويه الثورة وتعطيل مسيرتها ، الشيء الذي أدى لظهور قوائم العار بعد نجاح الثورة والتي شملت الكثير من الكتاب والإعلاميين الكذابين ، بل ولم تهدأ ثائرة الثوار حتى تم تغيير قيادات كل الصحف والمجلات القومية ، تلك القيادات التي كذبت كثيرا على قرائها على مدى تاريخها وليس فقط خلال الثورة.
   في عدد يوم الخميس 7 إبريل وفي صفحتها الأولى نشرت روز اليوسف خبرا تحت عنوان "وجدي غنيم يحرض على الأقباط والكنائس" ملخص الخبر أن الداعية وجدي غنيم أعتلى منبر أحد المساجد في القليوبية يوم الثلاثاء وظل على المنبر ثلاث ساعات متواصلة يحرض على الأقباط والكنائس ، للوهلة الأولى قد تظن أن مشكلة الخبر في أن أهل القليوبية قرروا أن يقيموا صلاة الجمعة يوم الثلاثاء ، ولكن المشكلة الحقيقية أن وجدي غنيم منفي من مصر منذ حوالي عشر سنوات ولم يعد إليها مطلقا من بعد قرار نفيه حتى أنه لم يستطع حضور جنازة والدته ، روز اليوسف – ذات الإدارة الجديدة التي أتت بها الثورة – لا تزال تكذب وتستغفل قراءها ، روز اليوسف لا تزال تكذب ولا يحاسبها أحد ، كما حدث بالضبط في عامة الصحف القومية والخاصة من نشر أخبار كاذبة عن قطع السلفيين أذن مواطن مسيحي في قنا كنوع من إقامة الحد عليه لامتلاكه شققا مشبوهة – وهو الحد اللي مسمعش عنه حد – ورغم أن الشيخ محمد خليل رئيس لجنة المصالحة نفى ذلك تماما وبين أن الاحتكاك كان بين عامة أهل القرية مسلمين ومسيحيين من جهة وهذا المواطن من جهة وأن أذنه قطعت أثناء الاشتباك بالأسلحة البيضاء ، إلا أنه لم يلم أحد الكذابين الذي اختلقوا الخبر ، وفي نفس الشأن عندما برأت النيابة "البعبع الجديد" من هدم الأضرحة في القليوبية وبرأتهم الطرق الصوفية نفسها من هدم الأضرحة في المنوفية لم نسمع كلمة لوم واحدة لكتاب هذه الأخبار ، ولم نسمع عن حملات مقاطعة للكذابين كما حدث مع الأهرام قبل تغيير قياداتها ، بل ولم نقرأ اعتذار ممن يسمون بـ"النخبة" والذين يتلقبون بالخبراء والباحثين والذين يتكلمون الآن بصفتهم الثورية  بعدما أمطرونا بسيول من المقالات والتصريحات والحلقات معتمدين على هذه الأخبار التي لم يكن ليفوت على من هم في مكانتهم وثقافتهم أنها كاذبة وملفقة ، ماذا سيحدث لو كانت هذه الأخبار كتبت في حق معتصمي التحرير قبل شهرين ؟؟ هل كانت ستمر ؟؟ هل الكذب في حق معتصمي التحرير والثورة حرام وفي حق طائفة أخرى من أبناء الشعب المصري حلال ؟؟ هل كل ما اكتسبناه من الثورة هو تغيير لقب البطة البيضاء للثورة والثوار بدلا من الحزب الوطني؟؟ مع الاحتفاظ بلقب البطة السوداء لكل من اعتقد يوما أن الإسلام أكبر من أن يختزل في الصلاة والصيام والحج؟؟ هل هذه هي العدالة الاجتماعية التي نادت بها الثورة ؟؟
إن خيانة مباديء الثورة والكيل بمكيالين في تطبيقها أخطر عليها من الثورة المضادة بمراحل ، فأفيقوا أيها الناس واتقوا الله في أقلامكم وقنواتكم وأخباركم ونقلكم ، واتقوا الله في أبناء شعبكم ، فالثورة لم تأت لتستبدل ظالمين بظالمين ، والثورة لم تأت لتدافع عن بعض فئات الشعب وتتخلى عن آخرين ،، والسؤال الأخير لكافة الشعب المصري ،، هل ستظل تصدق كل ما تكتبه الصحف وتذيعه برامج التوك شو دون تحقق وتعقل ؟؟  هل ستظل تصدق من كذبوا عليك سنين ؟؟ هل ستعيش مخدوعا أبد الآبدين؟؟ الإجابة لك ، ولكن صدقني أنت شعب أكبر وأوعى وأذكى من ذلك.

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك