الثلاثاء، 15 فبراير 2011

مستشفى سرطان الثورة


مستشفى سرطان الثورة
معتـز عبد الرحمن

(1)
    منذ سنوات وفي ذكرى حرب أكتوبر كان التليفزيون المصري يستضيف أحد مؤلفي أغاني الحرب والذي عقد مقارنة بين أغاني ما قبل النكسة وأغاني حرب أكتوبر ذاكرا الفرق الرئيسي بينهما ألا وهو أن قبل النكسة كانت الأغاني – النابعة من ثقافة النظام والشعب حينها – كلها تشيد بقدرات المصري المطلقة مثل (قلنا هنبني وأدي إحنا بنينا ) أما بعد "علقة" النكسة جاءت أغاني أكتوبر (الله أكبر بسم الله) (وسمينا وعدينا) بعدما فطن المصريون أن توفيق الله سبحانه وتعالى يسبق أي إمكانيات وأي جهد ، ذكرتني الأحداث بهذا الحديث ، فما حدث في مصر هو معجزة بكل المقاييس ، عجزت أقوى مخابرات العالم عن توقعه ، فهذا الشعب الذي ظن الكثيرون أنه قد مات خرج في كامل القوة والعنفوان ، وهذا الشباب الذي وصم دوما بالتفاهة ظهر في كامل الجدية والمسئولية ، لابد أن نحيي هذا الشعب العظيم ولكن قبل التحية لابد أن نحمد الله الذي أيقظ النيام وطرد الخوف من القلوب وأنزل الصبر والسكينة عليهم في مواجهة الرصاص الحي ودهس المدرعات والمولوتوف وهو الذي أعمى عقول الطغاة فلم يتوقعوا الثورة بل واستمروا في التعامل "بغباء" مع الأحداث وهذا الغباء كان وقود استمرارية وقوة الثورة ، فالله تعالى هيأ الأسباب لتتحقق مشيئته سبحانه (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْـزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(26) ) آل عمران

(2)
من أسباب نجاح هذه الثورة – في وجهة نظري – أنها كانت ثورة شعب ، ثورة ملك للشعب وليست ملكا لشخص أو تيار أو حزب أو جماعة ، بل هي الثورة التي شارك فيها من لم يتوقع منهم أحد المشاركة ، فعلى سبيل المثال شارك فيها أزهريون في حين أفتى فيه شيخ الأزهر بحرمة التظاهر ، وشارك فيها علماء وشباب سلفيون في حين رأى آخرون منهم مقاطعتها بل وشارك فيها مسيحيون في حين كانت الكنيسة تنهى عن المشاركة ، وشارك الأغنياء الذين ليسوا في حاجة – نظريا – للثورة وشارك الفقراء وشارك المتعلمون وشارك البسطاء ، لذا ينبغي أن يظل هذا المفهوم واضحا في هذه المرحلة الدقيقة التي أعتبرها أهم من مرحلة الثورة نفسها ، فلا ينبغي لأي تيار أو فرد أن ينصب نفسه وصيا عليها أو بطلا لها دون غيره ، ولا ينبغي أيضا أن تظهر "لكنة" التخوين وتوزيع الاتهامات ، نعم لابد أن يحاسب الذين حاولوا "متعمدين" تشويه الثورة لصالح النظام مثل إعلاميي النظام ، لكن أيضا ليس كل من طالب بالتهدئة ووقف الثورة كان عدوا للثورة عميلا للنظام فالكل كان يريد مصلحة مصر وإسقاط النظام ولكن اختلفت وجهات النظر في الوسائل ، ومصلحة مصر الآن تستدعي توحد الجميع للنهوض بها والخروج من عنق الزجاجة ،لذا فأنا أحذر من أن تطغى هذه اللغة وتفرق المصريين المخلصين.

(3)
من العيوب الشهيرة لمرحلة ما بعد ثورة يوليو 1952 أن معيار تولي المناصب كان الولاء للثورة وليس الكفاءة ، ولعل ذلك كان من أسباب النكسة بعد ذلك ، فالترقيات الاستثنائية للضباط الأحرار التي جعلت من عبد الحكيم عامر (الرائد الذي رقي فجأة إلى رتبة لواء) قائدا لجيش فيه قادة كبار أصحاب خبرة وكفاءة تفوقه بكثير ، وتولي العسكريون المناصب المدنية ، كل هذه أمور أضرت بالجيش وكثير من مؤسسات الدولة ، لذا ينبغي على الثوار أن يحذروا من هذه الآفة ، وأن يقبلوا بكل الأفكار والأطروحات التي تخدم الوطن دون النظر هل مقدم الفكرة شارك في الثورة أو لا ،  وأنا هنا لا أفترض أو استبق الأحداث ، بل لقد بدأت أسمع هذا التعليق بالفعل ، فعلينا ألا نجعل ثورة الإصلاح عقبة للإصلاح ، وأن نسمع كل الأفكار والاقتراحات والمطالب بإنصاف وتجرد بدون إصدار أحكام مسبقة.

(4)
في تونس قام محمد بوعزيزي بحرق نفسه ، فثار الشعب التونسي وأسقط النظام ، على الفور بدأ بعض المصريين بحرق أنفسهم بدون تفكير بحثا عن مطالب شخصية، وفي مصر ثار الكثير من الشعب المصري ، وتنحى مبارك  ، على الفور بدأ بقية الشعب بعمل مظاهرات واضرابات بدون ترتيب وفي غير وقتها بحثا عن مطالب شخصية ، ورغم أن مطالبهم مشروعة ، إلا أن الثائر الحقيقي هو الذي يعلم متى يثور ومتى يهدأ ومتى يرفض ومتى يعطي الفرصة ، لابد أن تتوقف هذه الاحتجاجات حتى تبدأ الثورة في جني الثمار ، فالثورة بداية الطريق لا نهايته ومشوار الإصلاح كبير فجذور الفساد ضاربة في كل مؤسسات مصر العامة والخاصة ، وتحقيق كل المطالب يحتاج لوقت ، فهؤلاء الذين كانوا صابرين دون أمل في التغيير ، الأحرى بهم الآن أن يصبروا بعد أن أصبح التغيير حقيقة واقعة.

علينا جميعا الآن أن نكون أطباء ماهرين في مستشفى سرطان الثورة ، نعالج هذه السرطانات ونتصدى لها ، نقاوم كل ما يفسد ويعطل الإصلاح المنشود الذي بدأ.

فويل للمصلين ،، رسالة للنخبة


فويل للمصلين ،، رسالة للنخبة
معتـز عبد الرحمن

    اسمحولي أنا أبدأ بدون مقدمات فلا أجد لها متسعا ، إذا أردنا أن نصنف أي شعب تصنيفا بسيطا ، سنجد أن الشعب في الغالب ينقسم قسمين نخبة وعوام ، هذه النخبة عادة ما تتمثل في العلماء – علماء الدين والدنيا – والكتاب والمثقفون ، وهذه النخبة هي التي تقول فيسمع لها ، وتحلل فيحترم رأيها ، وتوجه فيستجاب لها ، وتكتسب النخبة مكانتها من مصادر عدة منها العلم الذي تحمل وخبرة الحياة وبعد النظر ورجاحة العقل وعمق وشمولية الرؤية ، ولعل الأخيرة من أهمهم إذ أن الإنسان العادي البسيط عادة ما يرى الأمور من منظور واحد سطحي ، ولا تعينه معلوماته وثقافته وخبرته على رؤية كل الجوانب ، أما النخبة فعندها من العلم والفكر والخبرة ما يمكنها من قراءة ما بين السطور وفصل السم عن العسل وتوقع النتائج المجهولة للمقدمات المخادعة ، فإذا فقدت النخبة هذه الميزة ، وصارت تتناول الأمور والقضايا بنظرة سطحية جزئية فقدت أهم ما يميزها ولا أقول نزلت لمنزلة العوام بل ربما صار العوام أفضل منهم لأنهم لم يكتموا علما ولم يشتتوا أحدا.

   وعلى سبيل المثال - لا الحصر – على ما أقول ، بعد أحداث تونس وما تبعها من تفشي ظاهرة الانتحار في مصر كنوع من الاعتراض والتعبير عن الرأي ، خرج كثيرون من هذه النخبة يتحدثون عن الظلم الذي أدى بهؤلاء الناس إلى ما فعلوه ، وصاروا يصفون هؤلاء المنتحرين بالأبطال والشهداء ، وركزوا على هذه النقطة متجاهلين أن الانتحار محرم في كل حال ، وهذا التجاهل صار – بقصد أو بدون قصد – ضوءا أخضرا لكل من يريد أن يقدم على هذا الفعل المحرم ، وفي المقابل أطل الكثيرون أيضا منددين بالانتحار مذكرين بحرمته دون أن يشيروا إلى أهمية معالجة الأسباب التي أدت بالناس للتفكير بهذا العمل الشنيع ، فكلا الفريقين طبق (فويل للمصلين ) دون أن يكمل ( الذين هم عن صلاتهم ساهون) ، وكلاهما فقد الكثير من مصداقيته لدى الناس ، فالناس تبحث عن الرؤية الشاملة والكلمة الواضحة والحق البين ، لا التحليل المبتور والنظر القصير والشحن الأعمى  ، ومع تكرار المواقف المشابهة أوشك رصيد هذه النخبة عند الناس على النفاذ ، وهو رصيد غير قابل لإعادة الشحن وليس له فترة سماح ، وفقدان النخبة مصداقيتها خطر على المجتمع لأن كل فرد سيحركه رأسه ونظره القاصر وفقط ، ولا أجد تعبيرا عن الفوضى أبلغ من هذا ، لذا فأنا أناشد هذه النخبة أن تدرك أهميتها وأهمية كل كلمة تنطق بها ، وأن تدرك مكانتها  التي منحها الله ثم الناس لهم ، وأن يشعروا بالمسئولية الملقاة على أكتافهم ويبادروا  بالمحافظة على ما بقى لها من مصداقية وأن يخشوا الله ويخلصوا نواياهم له ويحافظوا على هذه البلاد ، وإلا فليتركوا الأقلام والميكروفونات ، ويخرجوا من خلف الكاميرات ، فإن لم يكونوا لبنة بناء ، فعلى الأقل لا يكونوا معول هدم وشتات.

  

أحداث الأسكندرية، وفن صناعة "البطحة"


أحداث الأسكندرية، وفن صناعة "البطحة"
معتـز عبد الرحمن

     خرجت الأم للعمل تاركة ولديها وحدهما ، وقبل وصولها بقليل أسقط الولد الأكبر – والأطول - كوبا زجاجيا من دولاب المطبخ على الأرض فجرح قدم أخيه ، دخلت الأم لترى ابنها الصغير جريحا ، ورغم أن دماءه وقصر قامته تصيحان ببرائته ، إلا أنه بادر الأم بإجابة سؤال لم تسأله (والله العظيم ما أنا يا ماما ) ، ليصرف الاتهام إليه ، ولينجو المتهم الصامت بفضل بلاهة الضحية ، فمنذ الدقائق الأولى لأحداث كنيسة الصديقين بالأسكندرية خرجت الأصوات من كل مكان تدافع عن الإسلام – دون أن يتهمه أحد – وتندد وتشجب وتصيح "هذا ليس من الإسلام في شيء" ، والإسلام بريء من كل ذلك ، وصنعنا بإيدينا بطحة وصرنا نتحسسها ، وبدأ الجميع يفكر في أفكار عجيبة – يحتاج معظمها لمراجعة شرعية - لإبداء حسن النية التي لم تسوء أصلا ، ولإيقاف الفتنة التي لم تحدث ، وهم لا يشعرون أنهم بذلك أنهم يصنعون الفتنة ، لأن الجميع سيطبق منطق تلك الأم (اللي على راسه بطحة بيحسس عليها)، إننا  لم نر حاخاما – حتى مما يسمون بالمعتدلين - يبريء اليهودية من أفعال الصهاينة إذ أنه لا يعتبر اليهودية متهمة أساسا ، ولم نر قسيسا يبريء المسيحية من جرائم الحرب في العراق إذ أنه لا يعتبر المسيحية متهمة أساسا ، أما عن المسلمين فحدث ولا حرج.

   إننا يا سادة لسنا في حاجة للدفاع عن الإسلام الذي لا نسمع عن حملات التعريف به إلا في المصائب ، إننا لسنا في حاجة لـ"تجميل" صورته فهي جميلة في ذاتها ، ولا لبيان عظمته فهو عظيم في ذاته ، وإن كنا في بعض الأحيان نحتاج لـ"توضيح" صورته لمن يجهله ففي ظني أننا ربما نحتاج ذلك مع الغرب الذين لا يعرفون شيئا عن الإسلام ، أما مسيحيو الشرق فهم يعيشون مع المسلمين منذ مئات السنين بل وربما يعرف بعضهم عن الإسلام أكثر من بعض المسلمين ، وهم لم يتهموا الإسلام ، وإن اتهموه بالدموية والعنف بعد كل هذه القرون من الحياة الآمنة مع المسلمين فمن حقنا نحن أن نغضب من هذا الاتهام ، لا أن نقف وندافع ونبريء أنفسنا من فعل العقل والمنطق والتاريخ يجزمون بأننا لا نفعله ، لقد مات مسلمون في هذا الحادث لا يذكرهم أحد إلا قليل ، وأصاب الانفجار مسجدا لو صادف صلاة للمسلمين لربما مات منهم العشرات ، لقد جرحنا كما جرح هذا الطفل لكننا لم نكن أقل منه بلاهة .

    إن مصرنا الحبيبة تعيش "أجواء" طائفية ربما لم تعش مثلها من قبل ، ومن رحمة الله بنا أنها لم تسفر حتى الآن إلى فتنة طائفية بمعنى الكلمة ، وأنه لازال أمامنا فرصة لتجنب هذه الفتنة ، وهذا لن يكون بالحلول التمثيلية ولا بتغيير صور "الفيس بوك" ولا بتبادل الزيارات والتهاني ، ولكن بحلول واقعية ، باستئصال الفتنة من جذورها لا بقص فروعها ، بدءا بتحقيق العدل وإعطاء الحق لصاحب الحق لا لصاحب الصوت الأعلى والظهر الأقوى ، وبإيقاف التفسيرات الطائفية – التي صارت تستهوي الكثيرين – للأحداث اليومية العادية كالخلاف على "ركنة" سيارة وجزاءات الموظفين واستخراج تصاريح البناء بل وحتى الهجمات التدميرية التي تتعرض لها كل بلاد العالم ، وإيقاف الاصطياد في الماء العكر وتتبع العثرات ، وألا يرتدي أيا من الطرفين ثوب الضحية أو يستقوي بقوى خارجية إذا دخلت بلدة أفسدتها وجعلت "كل" أهلها أذلة المستجير والمستجار عليه ، وأن يستشعر كل فرد – مسئولون وعامة – مسئوليته ويركز ويدرس  كل تصريح وكل كلمة وكل فعل وما قد يترتب عليه من شحن أو تهييج ، أما عن المعاملة بالمعروف بين الناس فلا أرى أنها غابت كي أطالب بعودتها ولكنها في خطر ، وعلى الإعلاميين ترك الاستثمار في هذه القضية ، وألا يجعلوها وسيلة جذب لصحفهم وقنواتهم ، فيرفعون السخونة لترتفع الأرباح ، هذا وغيره الكثير واجب كل من يدعي حب هذه البلد ، فمن يأبى ذلك فكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا ،، إذا تشابكت دموع في جفون  تبين من بكى ممن تباكا.