الأربعاء، 27 يوليو 2011

جمعة 29 يوليو ، حدوتة مصرية



جمعة 29 يوليو ، حدوتة مصرية
معتـز عبد الرحمن


      





   
سألني الكثيرون عن موقفي من جمعة 29 يوليو ، ولكني أرى أن ردي بالتأييد أو بالرفض سيكون منقوصا ، فجمعة 29 يوليو ليست حدثا وليد اللحظة ، ولكنها ميراث أحداث متلاحقة ، وفصل في حدوتة طويلة ينبغي أن أذكرها قبل أن أذكر رأيي ، وأرجو أن تتحملوا طولها لأنها غاية في الأهمية.

الفصل الأول (قبل السقوط)
    في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس مبارك ، عاش الإسلاميون مرحلة عصيبة من الكبت والتضييق ، وأقصد بالإسلاميين كل ما يؤمن وينادي بأهمية ووجوب تطبيق الإسلام والشريعة سواءً كانوا تيارات أو أفراد ، ورغم أن النظام السابق كان يفتح أبوابا وهمية للمعارضة والحرية ليظهر أمام العالم بصورة الديموقراطي المتفتح ، إلا أن مسألة تطبيق الشريعة ظلت هي المسألة الوحيدة التي لا يسمح لأحد بالحديث عنها قط ، لذا رأينا القوى الإسلامية التي توصف بـ"المعتدلة" تتحدث عن الإسلام الدين ، وعن الإسلام الحضارة ، وأنهم يريدون تطبيق الإسلام الحضارة وليس الإسلام الدين ، ومع ذلك لم يستطع أيا منهم تكوين حزب في خلال العهد البائد ، ورأينا القوى الإسلامية السلفية يضطر الكثير منها لتجنب الحديث ولو همسا عن مسألة السياسة الشرعية ، من أجل الحفاظ على استمرارية الدعوة وعدم استئصالها من باب ما لا يدرك له لا يترك كله ،  ومن أجل تقليل المخاطر التي يتعرض لها تلاميذهم ، وظلت القوى العلمانية في مصر المسيطرة على كل وسائل الإعلام تهاجم كل ما هو ومن هو إسلامي ليل نهار ، وسط حملات شرسة للتشويه لا تتوقف ، أفلام ومسلسلات وبرامج ، مقالات وصحف تكاد تكون متفرغة لذلك ، وهجوم على السنة والصحابة واختلاق تفسيرات عرجاء للقرآن الكريم ، وهجوم وتلميح مستمر حول المادة الثانية للدستور التي بدت مؤرقة لهؤلاء أكثر من المواد التي فصلت من أجل التوريث ، حتى قامت الثورة وسقط النظام وبدأ الفصل التالي من القصة.

الفصل الثاني (فور السقوط)
     بعد ساعات من السقوط المفاجئ الصادم الذي لم يتوقعه أحد ، وفي ظل الاضطراب والتخبط الذي يصيب الأعمى الذي استرد بصره فجأة بعد عقود من الحرمان ، طفق كل فصيل مصري ينادي على ليلاه ، فالعلمانيون والليبراليون ينادون بحماية الدولة المدنية ، وضمان عدم وصول الإسلاميين للحكم ، أو على الأقل تقييدهم إذا وصولوا للحكم خوفا مما أسموه (الدولة الدينية) التي لا توجد إلا في التاريخ الأوربي مصدر إلهامهم وأفكارهم ، وخرج كثير من الإسلاميين ينادون بالحد الأدنى وهو الحفاظ على المادة الثانية للدستور التي لم تكن مفعلة أصلا من باب الحفاظ على الهوية الإسلامية لدولة هي درة تاج العالم الإسلامي فضلا عن أن أغلبيتها مسلمة ، وأصبح كلا من  التاريخ المرير من التشويه والهجوم على الإسلام و الإسلاميين ، و الخلاف على إبقاء مادة "غير مفعلة" في دستور لا يزال في علم الغيب، شرارة لأحداث متلاحقة شقت الصف وغيرت خريطة مصر ما بعد الثورة ، وأراها تهدد الثورة بالفشل ، بعدما أخطأ الفريقان أخطاءً جسيمة.

الفصل الثالث (الاستفتاء)
      وجاء الاستفتاء على التعديلات الدستورية ، والذي أخرجته المعارك الفكرية والإعلامية الدائرة بين الفريقين عن مساره تماما ، فالإسلاميون رأوا أن الموافقة على التعديلات هي أكثر الطرق أمانا للحفاظ على الشريعة كمصدر أساسي للتشريع ، فانتخاب لجنة تأسيسية للدستور من خلال مجلس شعب "يتوقع" أن تكون أغلبيته من الإخوان المسلمين يؤمن بقاء هذه المادة ، أما عدم الموافقة فليس لها سيناريو واضح ، ويحتمل أن تختار لجنة تأسيسية بالتعيين وليس بالانتخاب ولا ندري ماذا سيحدث حينها ، وهذا كان من أوائل أخطاء الإسلاميين التي أثرت على المراحل التالية كثيرا ، ليس الخطأ أنهم قالوا نعم ، فأنا نفسي قلت نعم ولكن لأسباب أخرى ، ولكن الخطأ أنهم بنوا كل خططهم الشريفة على حلم المجلس ذي الأغلبية الإسلامية ، رغم أن هذا مجرد احتمال غير مضمون ، وقد يأتي المجلس بأغلبية ليبرالية أو علمانية أو فلول حزب وطني خاصة أن الإخوان قرروا المنافسة على أقل من النصف ، ناهيك عن التراجع الذي قد يصيب شعبية الإسلاميين بسبب سياسة السكوت و"التفويت" من أجل تحقيق الاستقرار والوصول للانتخابات ،  وحينها سيكون الدستور الموضوع على خلاف غرض الإسلاميين الشريف ، والشعب غالبا سيقول نعم لأن الاستفتاء لن يكون على مادة مادة، ولن يكون من حق أحد حينها أن يعترض أو يثور فهذه هي الديموقراطية.

الفصل الرابع (فزاعة الإسلاميين وفزاعة العلمانية)
     بعد الاستفتاء ، وعلى نفس النهج الذي تعودوا عليه زمنا طويلا ، من الادعاء والتلفيق واستغلال السقطات – التي كانت كثيرة للأسف – بدأ الإعلام العلماني في إعادة إنتاج فزاعة الإسلاميين من جديد ، مع استبدال الإخوان بالسلفيين ، فكلما كان البطل مغمورا كلما سهل تأليف وإخراج الدور ، ولن أدخل كثيرا في أمثلة ذلك لأنني كتبت عنها كثيرا وبلا شك أنكم سمعتم عنها مرارا ، ولكن وقفتي هنا مع إخوتي الإسلاميين الذين اخترعوا هم أيضا فزاعة العلمانية واستهداف الإسلام ، ربما لم يدعوا أو يلفقوا كخصومهم ، ولكنهم أعطوا الأمر – في وجهة نظري - أكثر من حقه ، فرفضهم للعلمانية والليبرالية – بمفهومها الغربي- جعلهم ينظرون بعين الشك والريب لكل ما يقوله العلمانيون والليبراليون ، رغم أن العلمانيين والليبراليين لهم مواقف كثيرة صحيحة وقوية ، وعلى رأسها أنهم هم من بدأوا الثورة التي نتنعم الآن جميعا في الحرية الناتجة عنها ، ولم يكن هدفهم من الثورة استهداف الإسلام أو المادة الثانية ، وإنما إسقاط نظام معاناتهم هم منه كانت أقل كثيرا من معاناة الإسلاميين ، إلا أن نظرية المؤامرة التي عاشها الإسلاميون أثرت كثيرا بالسلب على دورهم الشعبي في هذه المرحلة الفارقة من تاريخ مصر ، فأنني قد أتفهم مقاطعتهم لتظاهرات 27 مايو التي كانت تطالب صراحة بالدستور أولا وهو الأمر الذي يخالف الاستفتاء ، لكنهم في المقابل ضحوا ببقية المطالب العادلة والشريفة من القصاص للشهداء وسرعة المحاكمات والجدول الزمني للمرحلة الانتقالية ، وكان الأحرى بهم أن يتخيروا يوما آخر أو ميدان آخر للمطالبة بهذه المطالب وحسب ، بدلا من "الفرجة والشماتة" في قلة عدد متظاهري 27 مايو.

الفصل الخامس (8 يوليو)
    وعلى الرغم من الثقة الشديدة التي يبديها الإسلاميون في شعبيتهم وقدرتهم على الحشد خاصة بعد وهم الاستفتاء ، إلا أن تلك الفزاعة قد فاقت هذه الثقة ، فنزلوا لتظاهرات 8 يوليو التي خلت من أي مطالب خاصة للقوى العلمانية والليبرالية وهم يقدمون قدما ويؤخرون أخرى ، وسارعوا بالانصراف بعد يوم الجمعة خوفا من دس بعض المطالب الخاصة واستغلال العدد الكبير الذي حشدوه هم في إضفاء شرعية على هذه المطالب ، وفي رؤيتي أن صاحب الشعبية والقدرة على الحشد لا ينبغي أبدا أن يخاف من ذلك ، لأنه يستطيع السيطرة على أي مطالب خارجة ويستطيع توجيه الدفة كما شاء ، ولكن في النهاية انتصرت الفزاعة مرة أخرى ولم يكتف الإسلاميون بالانسحاب ، بل راح بعضهم يهاجم المعتصمين ويتهمهم باستخدام المطالب الشريفة المتفق عليها كذريعة من أجل تحقيق أغراض خاصة ، انتصرت الفزاعة وكبدت الإسلاميين خسائر فادحة في شعبيتهم وثقة الناس فيهم ، وكبدت مصر خسائر أكبر ، فتواجد الإسلاميين أصحاب الحشد في الميدان – كمتظاهرين على الأقل وليس بالضرورة كمعتصمين – كان سيمنع كثير من الأفعال الشاردة  كإغلاق المجمع وتهديد الطرق والمترو وقناة السويس ، وكان سيعجل بتحقيق المطالب ، وربما حمى مصر من تصعيد العباسية الذي كادت مصر كلها أن تدفع فيه ثمنا باهظا.

الفصل السادس (بيان الجيش والمواد فوق الدستورية)
     توافقت ظنون الإسلاميين مع ظنون المجلس الأعلى للقوات المسلحة مع اختلاف التفاصيل ، فظن الإسلاميين أن الاعتصام يهدف للالتفاف على إرادة الشعب وإحياء مطلب الدستور أولا ، وتأخير الانتخابات (الأمل) ، وظن القوات المسلحة أن الاعتصام يهدف لزعزعة أمن البلاد والصدام مع المجلس الأعلى وإشاعة الفوضى لحساب قوى خارجية ، فلما خرج بيان الجيش الذي تلاه اللواء محسن الفنجري بصوته الراعد المتوعد ، رحبت القوى الإسلامية بهذا البيان الذي لم يكن فيه أي استجابة لمطلب معين من المطالب التي تظاهروا لأجلها في 8 يوليو ، وهو نفس البيان الذي احتوى التوصية بعمل وثيقة حاكمة للجنة العليا للدستور التي سيتظاهرون ضدها يوم الجمعة ، إذن فالتحرك والحشد لم يحدثا نتيجة الوثيقة الحاكمة ، ولكن نتيجة اختيار الغزالي حرب المعروف بالعلمانية للإشراف على هذه المسألة ، وليت شعري ماذا سيكون موقف الإسلاميين لو كان المجلس العسكري اختار إسلاميا ليقوم بهذا الدور؟ والذي سيمثل حينها أيضا التفافا على الاستفتاء؟ هل كنا سنسمع عن جمعة الإرادة الشعبية؟ في ظني – الذي قد يكون سيئا -  أننا كنا سنسمع عنها ولكن من العلمانيين ، أما الإسلاميين فكانوا سينادون بجمعة الوحدة ولم الشمل كما يطلب بعض العلمانيين الآن، فإذا كنا سننزل دفاعا عن إرادة الشعب فلنضع في قلوبنا أن رد الفعل هذا هو نفس الرد الذي كنا سنتخذه إذا كلف المجلس أحد الإسلاميين بمهمة الغزالي ، وإلا فلنقولها صراحة أننا ندافع عما نراه مصلحة للإسلام وليس عن أرادة الشعب ، وقد صدمت وأنا اقرأ بيان أحبائي ومشايخي في الدعوة السلفية بالإسكندرية حول جمعة 29 يوليو ، والتي كان أول مطالبه (رفض الوصاية التي تحاول قلة معروفة بانتمائها العلماني والليبرالي فرضها على إرادة الأمة من خلال كتابة "وثيقة" حاكمة على "الدستور") وهنا فقط أحب أن أذكرهم أن صاحب فكرة الوثيقة هو الجيش وليس الـ "قلة" ، وبالتالي فمن كان معترضا على الوثيقة فليعترض على الجيش أو ليصمت.

الفصل السابع (أول جمعة خالصة لله)
    كلمة يرددها كثيرون من الشباب الملتزم الآن، وهي إن دلت تدل على أن الوعي لدى الكثير منهم لم ينضج بعد ، فأولا الجمعة القادمة ليست للمطالبة بتطبيق الشريعة ولا نصرة لها ، هي نصرة لإرادة الشعب والتي من الممكن بتحسين النية أن تتحول لجمعة خالصة لله بلا شك ولكن أريد أن أذكر إخواني أنكم قد تنجحون – وستنجحون بإذن الله – في إبطال فكرة المواد فوق الدستورية وتفويض مجلس الشعب في اختيار اللجنة لوضع الدستور بالكامل دون قيود ، وهنا أذكركم بالسيناريو الذي ذكرته في فصل الاستفتاء والذي يعني أنه ليس بالضرورة أن تكون نتيجة ال(نعم) وجمعة الإرادة الشعبية هي الحكم بالشريعة أو اتخاذها مرجعية ، وبالتالي فالجمعة القادمة هي الأخرى ليست بالضرورة نصرة للشريعة، أما ثانيا ، بأي حق نقول أن تظاهرات الثورة التي أسقطت النظام الفاسد وما تلاها من تظاهرات من أجل القصاص وسرعة المحاكمات وتطهير مؤسسات الدولة ليست خالصة لله أو أنها من أجل "أمور دنيوية" على حد تعبير البعض؟ أليس الوقوف في وجه الظلم ونصر الحق والمطالبة بالعدل عبادة لله وواجب شرعي ؟ أليست هذه التظاهرات التي أعادت العلماء إلى المساجد وإلى الفضائيات المغلقة؟ أليست هي التي مكنت شابا مثلي من المناداة صراحة بتطبيق الشريعة والدفاع عنها بعدما كنت أكتب عنها تلميحا من بين السطور؟ فلننزل يوم الجمعة للدفاع عن إرادة الشعب وحريته ، ولننزل مطالبين بدماء أصحاب الحقوق علينا ، ولننزل للمطالبة بالعدالة ، ولننزل للمطالبة بكل المطالب الشريفة والمشروعة للشعب المصري ، ولن يخرجها ذلك أبدا عن كونها خالصة لله.

الفصل الأخير (لم يكتب بعد)
    الفصل الأخير لا يزال في علم الغيب ، لكنه في رقبة كافة القوى الإسلامية في مصر ، قد يكون فصلا قصيرا يُكتفى فيه بنقدي أو مهاجمتي أو اتهامي بأي من التهم الجاهزة هذه الأيام ، وقد يكون مجرد استكمال للفصول المملة السابقة ، وقد يكون فصلا منيرا مضيئا في حدوتة مصر الجديدة ، اخرجوا أخوتي من القمقم واكسروا الدائرة المغلقة، ودعوا عنكم الإفراط والتفريط ، فأنتم تتنقلون بين خنادق الدفاع ولو بدون داع وبين الهجوم المفرط المبالغ فيه ، أنتم جزء عزيز وشريف من هذا الشعب ، فعيشوا بالإسلام بين إخوانكم ، وأدعو إليه وطبقوه وانصروه ، ثقوا بالله ثم في عظمة الدين الذي تدعون إليه ، ولا تكونوا آذانا بلا عقل ، دعوا الخطأ وانتقدوه ولو كان عند أعز أحبابكم وانحازوا إلى الحق وأيدوه ولو كان مع خصومكم ، وقولوا الحق ولو كان مرا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)(1)  ، هذا هو الإسلام الذي أعرفه ، وهذا هو نهج السلف الصالح الذي أتبعه ، وهذا المقال هو مجرد اجتهاد ورأي وتحليل اختصرته قدر المستطاع لأنه نابع من متابعة دقيقة للأحداث على مدى شهور حافلة ومشحونة ، هو رأي يحتمل الصواب والخطأ ، ويقبل التصويب والنصح ولكنه لا يقبل التخوين أو التشكيك في النوايا.
     -------------------------------------------------
(1)   سورة المائدة ، الآية 8
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

الجمعة، 22 يوليو 2011

"قلة الأدب" ، الفضيلة الغائبة



"قلة الأدب" ، الفضيلة الغائبة
معتـز عبد الرحمن

   
        الشعور بالظلم شعور شديد القسوة والألم ، والنفس السوية والفطرة السليمة لا تتحمله وتأبى الرضوخ له ، وتنتفض لمقاومته ورفعه مهما كلفها ذلك من ثمن ، أما عن الإسلام فهو لم يأمر بمقاومة الظلم ونصرة المظلوم فحسب ، بل جعل مجرد مهادنة الظالم والركون إليه سببا في دخول النار وبئس المصير(وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ) (1) ، لذا فقد كنت دوما أتعجب من خضوع الشعوب الإسلامية والعربية عامة والشعب المصري خاصة للظلم والظالمين ، بالرغم أن هذه الشعوب قد جمعت بين الحسنيين الفطرة والإسلام ، فكيف وصلت لهذا الحال المزري من الصمت والقبول بالقهر ليس فقط على أيدي الحكام بل على أيدي كل من علاهم في المنصب والسلطة ولو كان مديرا لثلاثة نفر ، وبالطبع أسباب ذلك عديدة ، ولكن من أعجب وأخطر هذه الأسباب في وجهة نظري  أن هذه الشعوب قد طورت نظاما فكريا أسطوريا ربما لم ير مثله من قبل ، وهذا النظام بلا شك من أسباب تأخر ربيع الثورات العربية إلى هذا الحين ، وإن لم نكافحه ونوقفه سيكون سببا في إجهاض هذا الربيع ، وبذرة لعودة القهر مرة أخرى واستمراره لعقود أو لقرون.
**********
    كان حلا عبقريا – وإن شئت قل شيطانيا -  للمعادلة الصعبة ، فالمسكين وجد نفسه بين مطرقة وسندان ، فهو يكره الظلم ولا يتحمله ، وفي نفس الوقت يحب الدنيا ويخشى الأذى ، فإما أن يناضل ويواجه على حساب أمنه وماله وآماله ، وإما أن يعترف بالجبن والخضوع والرضا بالدنية ، وإما الحل الثالث وهو أن يحرق ملف القضية ، فينفي الظلم عن الظالم بالتبرير واختلاق الأعذار، ويبحث بملقاط عن الإبرة الصالحة في كومة قش الفساد ، ويلمعها ولا يكف عن ذكرها ، ويتناسى ملايين اللطمات التي تصفع وجوه المظلومين ، ويذكر قبلة طبعت عمدا على جبين طفل أمام الكاميرات ، فيتحول الحاكم الفاسد إلى خليفة راشد ، ويتحول المدير الفاشل إلى متفاني مناضل ، ويصبح السكوت حينها ليس جبنا ولا خضوعا ، فليس هناك ظلم أساسا  كي يكافح ، وإن وجد فهو لا يزال في حدود المقبول من بشر يصيب ويخطئ ، ويصبح المعترض على الظلم إنسانا كئيبا سوداويا لا يرى سوى الـ 90% الفارغة من الكوب.
**********
    ومع مرور الوقت وتعاقب الأجيال التي رضعت الخوف والسلبية رضاعة ، صار الصمت فضيلة وحكمة ودفعا للعجلة التي لا توجد إلا في الخيال ، وأصبح قول الحق افتراء وتعدي ونكران للجميل ، وقد تجلى ذلك عندما شاء الله تعالى أن تنكسر الحلقة وتحدث الطفرة ، ويخرج هذا الشباب الطاهر الذي لم يتدنس بهذا المفهوم الانهزامي الجبان ليناضل الظلم ويطالب بالإصلاح وينقذ بلاده من القهر ، فمن أول ما قيل عنهم أنهم شباب (مش متربي) وأن مطالبهم المشروعة بمحاكمة الفاسدين وإخضاعهم للقانون ( قلة أدب لا تتناسب مع الأخلاق ومع التسامح المصري الذي يعلمنا الأدب مع كبار السن ) ، التسامح المصري الذي لا يظهر إلا مع من هو أقوى ، ولا يرى ربع العشر منه مع الضعفاء وغير ذوي السلطان ، فتأمل كيف حولت النفس الجبانة الأمارة بالسوء فرعون إلى موسى ، واعتبرت قول الحق ومكافحة الظلم وقاحة وتعدي ، بل ووصفت رفيق سيد الشهداء بأنه شاب "قليل الأدب"  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، و رجل قام إلى إمام جائر فأمره و نهاه فقتله) (2) وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم متحدثا عن هذا القلب الرهيب للمفاهيم (سيأتي على الناس سنوات خداعات ، يصدق فيها الكاذب ، و يكذب فيها الصادق ، و يؤتمن فيها الخائن ، و يخون الأمين ، و ينطق فيها الرويبضة . قيل : و ما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) (3)
**********
    إن الذين يقولون الآن أنه من "العيب" أن ننتقد أداء المجلس العسكري لأنه هو الذي حمى الثورة ، هم الذين قالوا بالأمس أنه "ميصحش" نثور على مبارك لأنه صاحب الضربة الجوية والمترو والدائري، وهم من سيقولون ذلك غدا إذا انتقدنا أي شيء في أداء الرئيس القادم ، وهم الذين صنعوا ويصنعون الطغاة في كل عصر وفي كل منصب عظم أو صغر ، دعوا الأخلاق وشأنها يا سادة ، فالأخلاق لا تحمي الظلم ، ولا تكتم صوت الحق ، ولا تؤصل السلبية ، الأخلاق فقط تضبط طريقة عرض الحق (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى  (43)فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(44)) (4) ، ولو كان الأمر كما تزعمون لما وقف نبي الله موسى من الأساس في وجه آل فرعون الذين التقطوه من اليم وربوه في قصرهم بمشيئة الله وحفظه ، ولما وقف نبي الله إبراهيم في وجه أبيه ، ولما وقف الإمام أحمد بن حنبل في وجه المعتصم عندما ابتدع ، رغم أن المعتصم يضرب به المثل في المروءة والغيرة على رعيته فهو الذي فتح عمورية لينقذ امرأة مسلمة خطفت ، حتى قال الشاعر: رب وامعتصماه انطلقت من فم الصبايا اليتم ،، لامست أسماعكم ولكن لم تلامس نخوة المعتصم.
**********
    الجهر بالحق ومكافحة الظلم (قلة الأدب بلغة أهل عصرنا ) هما الفضيلة الغائبة إن لم يكونا الفريضة الغائبة التي ما إن غابت عن أرضنا حتى دخلنا في ظلام دامس وليل طويل من الفساد على كافة المستويات ، ولا سبيل للنجاة وللرقي إلا بعودتها إلى حياتنا بكافة الصور ، وحتى ذلك الحين ، فلنستعن بالله ، ونساهم في الإصلاح قدر استطاعتنا ، ونقول كلمة الحق ولا نخاف لومة لائم حتى وإن وصفنا بقلة الأدب.
     -------------------------------------------------
(1)   سورة هود ، الآية 113
(2)   السلسلة الصحيحة ، الألباني
(3)   صحيح الجامع ، الألباني
(4)   سورة طه

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

الأربعاء، 13 يوليو 2011

نتيجة الثورة المصرية: لم ينجح أحد



نتيجة الثورة المصرية: لم ينجح أحد
معتـز عبد الرحمن

 
        كان حدثا سعيدا ولحظات فخر عندما طرحت كل القوى السياسية والمستقلون كل الرغبات ووجهات النظر الشخصية جانبا ، وتوحدوا على المطالبة بالحقوق التي ليس عليها خلاف ، وبدأ امتحان الدور الثاني للثورة (يوليو 2011) في محاولة لتصويب أخطاء امتحان الدور الأول (يناير 2011) ، وكتب الجميع بياناتهم على "تيكت" ورقة الإجابة ، الاسم مصري ، والوظيفة مطالب بالحق ، والمدرسة ثورة يناير ، وبدأت الأسئلة واشتد الامتحان وصدمت مصر الأم في أبنائها الذين طالما أوهموها وأخبروها أنهم لا يدخرون جهدا في المذاكرة ليرفعوا قدراتهم ووعيهم وليرفعوا شأنها ويحافظوا عليها ويطهروها من الدنس ، صدمت مصر عندما سمعت النتائج الأولية لثورة أبنائها الأبية والتي كانت كالآتي:
   رسبت جموع المصريين المطالبين بالاستقرار "بأي ثمن" عندما لم يتعلموا من امتحان الدور الأول في يناير ، عندما ظلوا ينادون الثوار بالعودة لبيوتهم من 28 يناير إلى 11 فبراير والصبر وإعطاء الفرصة ، ورغم أن الثورة حينها أثبتت رسوبهم الفكري والنفسي ، وتبين أن معصية الثوار لهم هي التي أنجحت الثورة ، إلا أنهم أعادوا الكرة من جديد ، وبدأوا حملتهم من قبل يوم الجمعة 8 يوليو مطالبين الثوار بالصبر على المجهول من أجل مصر ، وعندما عصاهم الثوار مرة أخرى ونزلوا إلى الميادين وبدأت تتحقق إنجازات جديدة تأخرت لشهور بسبب توصيات أمثال هؤلاء ، صاحوا بلا خجل (روحوا بقى مطالبكم اتحققت عاوزين ايه تاني؟) ، أيها الراسب ، اخجل من نفسك وتوقف عن توجيه الانتقادات وإعطاء الأوامر ، فلو أطاعك أهل يناير لكنا الآن نعيش حملة جمال مبارك الانتخابية ، ولو أطاعك أهل يوليو لما أقيل الطود الراسخ وما حدثت تغييرات في الداخلية وما وعدنا بتغييرات وزارية، ولا محاكمات علنية.

اسم الطالب: المعتصمون
    ورسب كثير من المعتصمين الذين لم يفهموا بلدهم التي يدافعون عنها ، ولم يعوا الحق الذي يطالبون به ، فبدلا من أن يشجعوا الأغلبية السلبية على المطالبة بحقها ، بدأوا يستعدونها ويستفزونها بتعطيل مصالحها وتهديد حياتها ، ولو كان كما قيل أن من أغلق المجمع وهدد بقطع المترو والطرق وقناة السويس مدسوسين على المعتصمين ، فكان من الواجب على المعتصمين الشرفاء السلميين أن يتبرأوا من هذه التصريحات ويساعدوا على مواجهة هذه التهديدات ، حتى لا يفقدوا ثقة المصريين البسطاء الذين يرفعون شعار (اللقمة أولا) ، ورسبوا أيضا حينما سمحوا بدس مطالب تكرس الفرقة من جديد ، أتاحوا بها الفرصة للمجلس العسكري لاتهامهم بمحاولة القفز على السلطة والخروج عن الشرعية. 

اسم الطالب: القوى الإسلامية
    ورسبت القوى الإسلامية وبخاصة الإخوان المسلمين وحزب النور ، عندما تلكأوا في إعلان الانضمام لتظاهرات 8 يوليو ممسكين العصا من النصف كعادتهم ، واستمر رسوبهم لا أقول عندما امتنعوا عن الاعتصام فهذا حقهم  ولكن عندما لم يشاركوا في تظاهرات الأيام التالية رغم عدم تحقق المطالب ، وهذا الانسحاب سهل دس المطالب الخاصة والعجيبة  التي قصمت ظهر الوحدة وأوهنت عضد الثورة ، وحول رفاق 8 يوليو إلى خصوم من جديد في خلال 4 أيام ، ورسبت أيضا القوى الإسلامية عندما تعاملت مع بيان الجيش بقمة السطحية وأيدته لمجرد أنه أكد على الانتخابات أولا برغم أن هذا الأمر لم يكن مطروحا للنقاش أصلا ولا يمثل استجابة لمطالب 8 يوليو التي خرجوا من أجلها ، وقد بلغ الفشل منتهاه عندما تقمصوا دور المحامي وطفقوا يدافعون عن اللهجة الشرسة التي خرج بها البيان رغم أن هذه اللهجة أثارت استهجان الكثير من المصريين.

اسم الطالب: القوى الليبرالية واليسارية
    وفي اللجنة المجاورة كان السقوط مروعا للعديد من القوى والشخصيات الليبرالية واليسارية ، التي ظلت تصب البنزين على النار ، وتبالغ في التسخين ، وحولت القضية بمنتهى السذاجة لمواجهة مع الدكتور شرف رغم وعيها الكامل – بما أنهم نخبة وناس بتفهم  – بأن الأمر لا يتعلق بالدكتور شرف وحده ، بل ربما لا يتعلق به مطلقا ، وظلوا يهاجمون شرف حتى بعد بيانه الثاني المشحون بالوعود لأنه لم يوف مطالب الثوار، وفجأة وبعد بيان الجيش الذي لم يضف أي جديد فيما يخص مطالب الثوار ، هدأ الجميع ، وصفقوا للبيان فقط لأنه تكلم عن وثيقة مبادئ "حاكمة" لاختيار الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور والتي تلبي جانب من أهدافهم الخاصة التي من أجلها نادوا  بالدستور أولا ، كما أعاد هذا التحول إلى الأذهان صورة الإعلام المعارض قبل الثورة ، والذي كان يستبيح الهجوم على الحكومة ليل نهار بلا هوادة ويؤكد دوما أن الرئيس خط أحمر رغم أنه الذي يختار ويوجه الحكومة ، وبعد الثورة استمر الهجوم على الحكومة كما هو وظل "الرئيس المؤقت" خط أحمر ، وعلى غرار القوى الإسلامية طفقت هذه القوى تمتدح اللهجة العسكرية التي خاطب بها البيان الشعب المدني وتصفها باللهجة الضرورية ، الآن أصبح الأسلوب العسكري مناسب للتعامل مع الشعب؟  ، ولا عزاء للدولة المدنية.

اسم الطالب: النيابة والداخلية
    والرسوب الأسوأ كان رسوب النيابة في عيون من تمثلهم ، فهي التي طالما أكدت أنها مستقلة ولا تقبل أي ضغط جماهيري أو سياسي ، وأن هذا الاستقلال هو الذي تسبب في تباطؤ المحاكمات لتأخذ العدالة مجراها ، ورغم هذا "الاستقلال" فإن النيابة لم تحل 25 من المتهمين في موقعة الجمل للجنايات إلا ليلة الجمعة المشهودة ، كما أنها لم تتذكر يوسف والي إلا بعدها ، والمتابع لتاريخ المليونيات سيجد الكثير من الوقائع المشابهة ، كما رسب وزير الداخلية الذي أراد التمسك بالقانون في غير موضعه ، وترك حيتان الداخلية ترتع وتلعب في مواقعها خمسة أشهر لم نر للداخلية فيها أثر إيجابي حقيقي على الأرض ، وكل هذا ليجري حركة الضباط في موعدها ملتزما بالقانون ، وكأن الثورة لم تحدث ، وكأننا في استقرار تام ولا يوجد بلطجية ولا ثورة مضادة ولا سبب واحد للاستثناء.

اسم الطالب: أصحاب نظرية الأجندات
   ورسب أصحاب نظرية الأجندات – وعلى رأسهم جريدة المصريون – الذين ومن الوهلة الأولى راحوا يتحدثون عن الأموال التي ترسلها أمريكا لمنظمات المجتمع المدني لدعم الديموقراطية ، ناسيين أن هذا هو نفس الكلام الذي قيل في الثورة الأولى ، وردده الكثيرون ثم أثبتت الأيام كذبه ، وأنا لا أنفي شبهة وجود تدخلات وأجندات وأن هذه طبيعة المرحلة ، لكن ينبغي ألا يدفعنا هذا لترك حقوقنا خوفا من فزاعة المؤامرات الخارجية ، بل يستلزم ذلك منا أن نكون أكثر حذرا وحنكة ، فنسقط الأجندات دون أن نسقط حقوقنا بأن نفرق بين مطالب الشعب ومطالب الأجندات ، أما أن نهاجم جميع المطالب وجميع المطالبين فهذا ظلم مبين ، فمحاكمة قتلة الشهداء ليس مطلب أمريكي ، ومطالبة تغيير الوزراء والمحافظين الفاسدين ليس طلب فرنسي ، ووضع خريطة واضحة لما تبقى من المرحلة الانتقالية ليس طلب هندي ، فالغرب لن يطالب أبدا بشيء في صالحنا ، بل إنني أزعم أنه عندما طالب الرئيس مبارك بالتنحي أثناء الثورة كان هذا نوع من الدعم له ليساعده على إثبات نظرية الأجندات ، وإلا فلماذا لم يطح الغرب إلى الآن ببشار والقذافي وصالح؟

اسم الطالب: المجلس العسكري
   ورسب المجلس العسكري عندما استبدل الغموض بالشدة المفتعلة ، ليوحي لنا بالخطر المبين لتنصرف الأذهان للخطر وتنحي مطالبها جانبا ، وكان الأولى بالمجلس أن يلجأ للحل الوسط بين الغموض والشدة ألا وهو الحوار الحقيقي والوضوح الكامل بين "شريكين" طالما صاحا معا أنهما يدا واحدة ، دعنا نجدد ثقتنا في وطنية المجلس وإخلاصه للشعب والثورة ، فما الذي يمنع المجلس إلى الآن من وضع جدول زمني لانتقال السلطة ؟ ومن إعلان قانون انتخابات لم يبق عليها سوى أسابيع ؟ ، إن جسور الثقة المتبادلة تبنى ولا تستحدث من العدم وتصنعها الأفعال لا حسن النوايا ، ووضوح المجلس مع الشعب ، وتناغم سرعة قرارته مع مطالب الشعب هو الطريق الوحيد لدرء الفتنة والوقيعة ولقطع الطريق على التدخلات الأجنبية ومحاولات القفز على السلطة والشرعية.

بداية النجاح
    كانت هذه مجرد وريقات من نتيجة امتحانات الثورة ، نتيجة مفعمة بالألم ومطعمة بالأمل ، رسب كل هؤلاء وغيرهم الكثير ، والرسوب الذي أعنيه هو عدم القدرة على اتخاذ القرار الصحيح الموضوعي في الوقت المناسب ، والتأثر بالمصالح الشخصية في الأمور التي تتعلق بمصلحة البلاد العليا ، والسطحية الشديدة في التناول والانحياز المبالغ فيه لأي رأي أو جهة ، لذا فهذه دعوة للتوازن والتخلي عن التطرف و"الفرعنة" ، ولوضع الأمور في نصابها الصحيح ، ومحاولة لإحياء مبدأ أن الجميع يصيب ويخطئ ، وأن الحق لا يحتكره أحد ، وأن الصواب يحتاج لاستعانة بالله ابتداءا ثم سعي وبحث واجتهاد ، ولا يأتي أبدا بهذه السطحية التي يتعامل بها معظم المصريون مع الأحداث والأشخاص ، فيقسمون الناس إلى عدو وصديق ، وقديس وفاسق ، وطني وخائن، ويقسمون الأحداث إلى حق مطلق أو باطل مطلق ، كتطور طبيعي لطبع الاستسهال ، وكناتج طبيعي لعصور الاستغفال ، فأفيقوا يرحمكم الله وصوبوا النتيجة عسى أن تنصلح الأحوال ، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب