الأربعاء، 13 يوليو 2011

نتيجة الثورة المصرية: لم ينجح أحد



نتيجة الثورة المصرية: لم ينجح أحد
معتـز عبد الرحمن

 
        كان حدثا سعيدا ولحظات فخر عندما طرحت كل القوى السياسية والمستقلون كل الرغبات ووجهات النظر الشخصية جانبا ، وتوحدوا على المطالبة بالحقوق التي ليس عليها خلاف ، وبدأ امتحان الدور الثاني للثورة (يوليو 2011) في محاولة لتصويب أخطاء امتحان الدور الأول (يناير 2011) ، وكتب الجميع بياناتهم على "تيكت" ورقة الإجابة ، الاسم مصري ، والوظيفة مطالب بالحق ، والمدرسة ثورة يناير ، وبدأت الأسئلة واشتد الامتحان وصدمت مصر الأم في أبنائها الذين طالما أوهموها وأخبروها أنهم لا يدخرون جهدا في المذاكرة ليرفعوا قدراتهم ووعيهم وليرفعوا شأنها ويحافظوا عليها ويطهروها من الدنس ، صدمت مصر عندما سمعت النتائج الأولية لثورة أبنائها الأبية والتي كانت كالآتي:
   رسبت جموع المصريين المطالبين بالاستقرار "بأي ثمن" عندما لم يتعلموا من امتحان الدور الأول في يناير ، عندما ظلوا ينادون الثوار بالعودة لبيوتهم من 28 يناير إلى 11 فبراير والصبر وإعطاء الفرصة ، ورغم أن الثورة حينها أثبتت رسوبهم الفكري والنفسي ، وتبين أن معصية الثوار لهم هي التي أنجحت الثورة ، إلا أنهم أعادوا الكرة من جديد ، وبدأوا حملتهم من قبل يوم الجمعة 8 يوليو مطالبين الثوار بالصبر على المجهول من أجل مصر ، وعندما عصاهم الثوار مرة أخرى ونزلوا إلى الميادين وبدأت تتحقق إنجازات جديدة تأخرت لشهور بسبب توصيات أمثال هؤلاء ، صاحوا بلا خجل (روحوا بقى مطالبكم اتحققت عاوزين ايه تاني؟) ، أيها الراسب ، اخجل من نفسك وتوقف عن توجيه الانتقادات وإعطاء الأوامر ، فلو أطاعك أهل يناير لكنا الآن نعيش حملة جمال مبارك الانتخابية ، ولو أطاعك أهل يوليو لما أقيل الطود الراسخ وما حدثت تغييرات في الداخلية وما وعدنا بتغييرات وزارية، ولا محاكمات علنية.

اسم الطالب: المعتصمون
    ورسب كثير من المعتصمين الذين لم يفهموا بلدهم التي يدافعون عنها ، ولم يعوا الحق الذي يطالبون به ، فبدلا من أن يشجعوا الأغلبية السلبية على المطالبة بحقها ، بدأوا يستعدونها ويستفزونها بتعطيل مصالحها وتهديد حياتها ، ولو كان كما قيل أن من أغلق المجمع وهدد بقطع المترو والطرق وقناة السويس مدسوسين على المعتصمين ، فكان من الواجب على المعتصمين الشرفاء السلميين أن يتبرأوا من هذه التصريحات ويساعدوا على مواجهة هذه التهديدات ، حتى لا يفقدوا ثقة المصريين البسطاء الذين يرفعون شعار (اللقمة أولا) ، ورسبوا أيضا حينما سمحوا بدس مطالب تكرس الفرقة من جديد ، أتاحوا بها الفرصة للمجلس العسكري لاتهامهم بمحاولة القفز على السلطة والخروج عن الشرعية. 

اسم الطالب: القوى الإسلامية
    ورسبت القوى الإسلامية وبخاصة الإخوان المسلمين وحزب النور ، عندما تلكأوا في إعلان الانضمام لتظاهرات 8 يوليو ممسكين العصا من النصف كعادتهم ، واستمر رسوبهم لا أقول عندما امتنعوا عن الاعتصام فهذا حقهم  ولكن عندما لم يشاركوا في تظاهرات الأيام التالية رغم عدم تحقق المطالب ، وهذا الانسحاب سهل دس المطالب الخاصة والعجيبة  التي قصمت ظهر الوحدة وأوهنت عضد الثورة ، وحول رفاق 8 يوليو إلى خصوم من جديد في خلال 4 أيام ، ورسبت أيضا القوى الإسلامية عندما تعاملت مع بيان الجيش بقمة السطحية وأيدته لمجرد أنه أكد على الانتخابات أولا برغم أن هذا الأمر لم يكن مطروحا للنقاش أصلا ولا يمثل استجابة لمطالب 8 يوليو التي خرجوا من أجلها ، وقد بلغ الفشل منتهاه عندما تقمصوا دور المحامي وطفقوا يدافعون عن اللهجة الشرسة التي خرج بها البيان رغم أن هذه اللهجة أثارت استهجان الكثير من المصريين.

اسم الطالب: القوى الليبرالية واليسارية
    وفي اللجنة المجاورة كان السقوط مروعا للعديد من القوى والشخصيات الليبرالية واليسارية ، التي ظلت تصب البنزين على النار ، وتبالغ في التسخين ، وحولت القضية بمنتهى السذاجة لمواجهة مع الدكتور شرف رغم وعيها الكامل – بما أنهم نخبة وناس بتفهم  – بأن الأمر لا يتعلق بالدكتور شرف وحده ، بل ربما لا يتعلق به مطلقا ، وظلوا يهاجمون شرف حتى بعد بيانه الثاني المشحون بالوعود لأنه لم يوف مطالب الثوار، وفجأة وبعد بيان الجيش الذي لم يضف أي جديد فيما يخص مطالب الثوار ، هدأ الجميع ، وصفقوا للبيان فقط لأنه تكلم عن وثيقة مبادئ "حاكمة" لاختيار الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور والتي تلبي جانب من أهدافهم الخاصة التي من أجلها نادوا  بالدستور أولا ، كما أعاد هذا التحول إلى الأذهان صورة الإعلام المعارض قبل الثورة ، والذي كان يستبيح الهجوم على الحكومة ليل نهار بلا هوادة ويؤكد دوما أن الرئيس خط أحمر رغم أنه الذي يختار ويوجه الحكومة ، وبعد الثورة استمر الهجوم على الحكومة كما هو وظل "الرئيس المؤقت" خط أحمر ، وعلى غرار القوى الإسلامية طفقت هذه القوى تمتدح اللهجة العسكرية التي خاطب بها البيان الشعب المدني وتصفها باللهجة الضرورية ، الآن أصبح الأسلوب العسكري مناسب للتعامل مع الشعب؟  ، ولا عزاء للدولة المدنية.

اسم الطالب: النيابة والداخلية
    والرسوب الأسوأ كان رسوب النيابة في عيون من تمثلهم ، فهي التي طالما أكدت أنها مستقلة ولا تقبل أي ضغط جماهيري أو سياسي ، وأن هذا الاستقلال هو الذي تسبب في تباطؤ المحاكمات لتأخذ العدالة مجراها ، ورغم هذا "الاستقلال" فإن النيابة لم تحل 25 من المتهمين في موقعة الجمل للجنايات إلا ليلة الجمعة المشهودة ، كما أنها لم تتذكر يوسف والي إلا بعدها ، والمتابع لتاريخ المليونيات سيجد الكثير من الوقائع المشابهة ، كما رسب وزير الداخلية الذي أراد التمسك بالقانون في غير موضعه ، وترك حيتان الداخلية ترتع وتلعب في مواقعها خمسة أشهر لم نر للداخلية فيها أثر إيجابي حقيقي على الأرض ، وكل هذا ليجري حركة الضباط في موعدها ملتزما بالقانون ، وكأن الثورة لم تحدث ، وكأننا في استقرار تام ولا يوجد بلطجية ولا ثورة مضادة ولا سبب واحد للاستثناء.

اسم الطالب: أصحاب نظرية الأجندات
   ورسب أصحاب نظرية الأجندات – وعلى رأسهم جريدة المصريون – الذين ومن الوهلة الأولى راحوا يتحدثون عن الأموال التي ترسلها أمريكا لمنظمات المجتمع المدني لدعم الديموقراطية ، ناسيين أن هذا هو نفس الكلام الذي قيل في الثورة الأولى ، وردده الكثيرون ثم أثبتت الأيام كذبه ، وأنا لا أنفي شبهة وجود تدخلات وأجندات وأن هذه طبيعة المرحلة ، لكن ينبغي ألا يدفعنا هذا لترك حقوقنا خوفا من فزاعة المؤامرات الخارجية ، بل يستلزم ذلك منا أن نكون أكثر حذرا وحنكة ، فنسقط الأجندات دون أن نسقط حقوقنا بأن نفرق بين مطالب الشعب ومطالب الأجندات ، أما أن نهاجم جميع المطالب وجميع المطالبين فهذا ظلم مبين ، فمحاكمة قتلة الشهداء ليس مطلب أمريكي ، ومطالبة تغيير الوزراء والمحافظين الفاسدين ليس طلب فرنسي ، ووضع خريطة واضحة لما تبقى من المرحلة الانتقالية ليس طلب هندي ، فالغرب لن يطالب أبدا بشيء في صالحنا ، بل إنني أزعم أنه عندما طالب الرئيس مبارك بالتنحي أثناء الثورة كان هذا نوع من الدعم له ليساعده على إثبات نظرية الأجندات ، وإلا فلماذا لم يطح الغرب إلى الآن ببشار والقذافي وصالح؟

اسم الطالب: المجلس العسكري
   ورسب المجلس العسكري عندما استبدل الغموض بالشدة المفتعلة ، ليوحي لنا بالخطر المبين لتنصرف الأذهان للخطر وتنحي مطالبها جانبا ، وكان الأولى بالمجلس أن يلجأ للحل الوسط بين الغموض والشدة ألا وهو الحوار الحقيقي والوضوح الكامل بين "شريكين" طالما صاحا معا أنهما يدا واحدة ، دعنا نجدد ثقتنا في وطنية المجلس وإخلاصه للشعب والثورة ، فما الذي يمنع المجلس إلى الآن من وضع جدول زمني لانتقال السلطة ؟ ومن إعلان قانون انتخابات لم يبق عليها سوى أسابيع ؟ ، إن جسور الثقة المتبادلة تبنى ولا تستحدث من العدم وتصنعها الأفعال لا حسن النوايا ، ووضوح المجلس مع الشعب ، وتناغم سرعة قرارته مع مطالب الشعب هو الطريق الوحيد لدرء الفتنة والوقيعة ولقطع الطريق على التدخلات الأجنبية ومحاولات القفز على السلطة والشرعية.

بداية النجاح
    كانت هذه مجرد وريقات من نتيجة امتحانات الثورة ، نتيجة مفعمة بالألم ومطعمة بالأمل ، رسب كل هؤلاء وغيرهم الكثير ، والرسوب الذي أعنيه هو عدم القدرة على اتخاذ القرار الصحيح الموضوعي في الوقت المناسب ، والتأثر بالمصالح الشخصية في الأمور التي تتعلق بمصلحة البلاد العليا ، والسطحية الشديدة في التناول والانحياز المبالغ فيه لأي رأي أو جهة ، لذا فهذه دعوة للتوازن والتخلي عن التطرف و"الفرعنة" ، ولوضع الأمور في نصابها الصحيح ، ومحاولة لإحياء مبدأ أن الجميع يصيب ويخطئ ، وأن الحق لا يحتكره أحد ، وأن الصواب يحتاج لاستعانة بالله ابتداءا ثم سعي وبحث واجتهاد ، ولا يأتي أبدا بهذه السطحية التي يتعامل بها معظم المصريون مع الأحداث والأشخاص ، فيقسمون الناس إلى عدو وصديق ، وقديس وفاسق ، وطني وخائن، ويقسمون الأحداث إلى حق مطلق أو باطل مطلق ، كتطور طبيعي لطبع الاستسهال ، وكناتج طبيعي لعصور الاستغفال ، فأفيقوا يرحمكم الله وصوبوا النتيجة عسى أن تنصلح الأحوال ، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق