الثلاثاء، 15 فبراير 2011

أحداث الأسكندرية، وفن صناعة "البطحة"


أحداث الأسكندرية، وفن صناعة "البطحة"
معتـز عبد الرحمن

     خرجت الأم للعمل تاركة ولديها وحدهما ، وقبل وصولها بقليل أسقط الولد الأكبر – والأطول - كوبا زجاجيا من دولاب المطبخ على الأرض فجرح قدم أخيه ، دخلت الأم لترى ابنها الصغير جريحا ، ورغم أن دماءه وقصر قامته تصيحان ببرائته ، إلا أنه بادر الأم بإجابة سؤال لم تسأله (والله العظيم ما أنا يا ماما ) ، ليصرف الاتهام إليه ، ولينجو المتهم الصامت بفضل بلاهة الضحية ، فمنذ الدقائق الأولى لأحداث كنيسة الصديقين بالأسكندرية خرجت الأصوات من كل مكان تدافع عن الإسلام – دون أن يتهمه أحد – وتندد وتشجب وتصيح "هذا ليس من الإسلام في شيء" ، والإسلام بريء من كل ذلك ، وصنعنا بإيدينا بطحة وصرنا نتحسسها ، وبدأ الجميع يفكر في أفكار عجيبة – يحتاج معظمها لمراجعة شرعية - لإبداء حسن النية التي لم تسوء أصلا ، ولإيقاف الفتنة التي لم تحدث ، وهم لا يشعرون أنهم بذلك أنهم يصنعون الفتنة ، لأن الجميع سيطبق منطق تلك الأم (اللي على راسه بطحة بيحسس عليها)، إننا  لم نر حاخاما – حتى مما يسمون بالمعتدلين - يبريء اليهودية من أفعال الصهاينة إذ أنه لا يعتبر اليهودية متهمة أساسا ، ولم نر قسيسا يبريء المسيحية من جرائم الحرب في العراق إذ أنه لا يعتبر المسيحية متهمة أساسا ، أما عن المسلمين فحدث ولا حرج.

   إننا يا سادة لسنا في حاجة للدفاع عن الإسلام الذي لا نسمع عن حملات التعريف به إلا في المصائب ، إننا لسنا في حاجة لـ"تجميل" صورته فهي جميلة في ذاتها ، ولا لبيان عظمته فهو عظيم في ذاته ، وإن كنا في بعض الأحيان نحتاج لـ"توضيح" صورته لمن يجهله ففي ظني أننا ربما نحتاج ذلك مع الغرب الذين لا يعرفون شيئا عن الإسلام ، أما مسيحيو الشرق فهم يعيشون مع المسلمين منذ مئات السنين بل وربما يعرف بعضهم عن الإسلام أكثر من بعض المسلمين ، وهم لم يتهموا الإسلام ، وإن اتهموه بالدموية والعنف بعد كل هذه القرون من الحياة الآمنة مع المسلمين فمن حقنا نحن أن نغضب من هذا الاتهام ، لا أن نقف وندافع ونبريء أنفسنا من فعل العقل والمنطق والتاريخ يجزمون بأننا لا نفعله ، لقد مات مسلمون في هذا الحادث لا يذكرهم أحد إلا قليل ، وأصاب الانفجار مسجدا لو صادف صلاة للمسلمين لربما مات منهم العشرات ، لقد جرحنا كما جرح هذا الطفل لكننا لم نكن أقل منه بلاهة .

    إن مصرنا الحبيبة تعيش "أجواء" طائفية ربما لم تعش مثلها من قبل ، ومن رحمة الله بنا أنها لم تسفر حتى الآن إلى فتنة طائفية بمعنى الكلمة ، وأنه لازال أمامنا فرصة لتجنب هذه الفتنة ، وهذا لن يكون بالحلول التمثيلية ولا بتغيير صور "الفيس بوك" ولا بتبادل الزيارات والتهاني ، ولكن بحلول واقعية ، باستئصال الفتنة من جذورها لا بقص فروعها ، بدءا بتحقيق العدل وإعطاء الحق لصاحب الحق لا لصاحب الصوت الأعلى والظهر الأقوى ، وبإيقاف التفسيرات الطائفية – التي صارت تستهوي الكثيرين – للأحداث اليومية العادية كالخلاف على "ركنة" سيارة وجزاءات الموظفين واستخراج تصاريح البناء بل وحتى الهجمات التدميرية التي تتعرض لها كل بلاد العالم ، وإيقاف الاصطياد في الماء العكر وتتبع العثرات ، وألا يرتدي أيا من الطرفين ثوب الضحية أو يستقوي بقوى خارجية إذا دخلت بلدة أفسدتها وجعلت "كل" أهلها أذلة المستجير والمستجار عليه ، وأن يستشعر كل فرد – مسئولون وعامة – مسئوليته ويركز ويدرس  كل تصريح وكل كلمة وكل فعل وما قد يترتب عليه من شحن أو تهييج ، أما عن المعاملة بالمعروف بين الناس فلا أرى أنها غابت كي أطالب بعودتها ولكنها في خطر ، وعلى الإعلاميين ترك الاستثمار في هذه القضية ، وألا يجعلوها وسيلة جذب لصحفهم وقنواتهم ، فيرفعون السخونة لترتفع الأرباح ، هذا وغيره الكثير واجب كل من يدعي حب هذه البلد ، فمن يأبى ذلك فكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا ،، إذا تشابكت دموع في جفون  تبين من بكى ممن تباكا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق