الخميس، 28 أبريل 2011

وقفة احتجاجية ،، من أجل التوريث


وقفة احتجاجية ،، من أجل التوريث
معتـز عبد الرحمن


    هل تذكرون سيناريو التوريث الكئيب؟ هل تذكرون كم شعرنا بالغم عند بداية 2011 لأنها موعد تنفيذ وعد من لا يملك لمن لا يستحق؟ هل تذكرون كما فرحنا بمجرد بداية الثورة لأنها قضت على هذا السيناريو حتى قبل أن يرتفع سقف مطالبها إلى إسقاط النظام ورحيل الرئيس؟ ماذا لو لم تقم الثورة وتم التوريث؟ هل كان الشعب سيغضب ويثور ضده؟ هل تذكرون المظاهرات الفئوية التي بدأت بعد التنحي ولا تزال قائمة؟ هل تعلمون أن بعض مطالب العمال كانت "تعيين أبناء العاملين"؟ هل تعلمون أن هناك شركات هرعت لطمأنة عمالها أنها ستعين أبناءهم خشية ثورتهم؟ ، هل تعبت واختنقت من أسئلتي؟ سامحني ، فإن الأكثر إتعابا وخنقا أن ترى شعبا يثور ضد التوريث ثم يثور من أجله ، أن تجد أن "الكوسة" أصبحت جزءا من ثقافتنا وأخلاقنا وطباعنا وليست أمرا أجبرنا عليه النظام الفاسد ، لم تعد الواسطة وسيلة لجلب الحق من الظالم من باب الضرورات تبيح المحظورات ، بل أصبحت حقا مكتسبا يدعي البعض أنه قانوني ودستوري (1) ، فكما خدم مبارك مصر 60 عاما وقاد الضربة الجوية فاستحق ابنه الذي لا يملك أدنى مقومات الحكم أن يرشح نفسه رئيسا ، فمن حق كل من خدم في مكان – في مقابل أجر وامتيازات كاملة – أن يورث ابنه مكانه بصرف النظر عن كفائته ، ولا عزاء للكفاءات من أبناء الفلاحين والبسطاء وكل من ليس له ظهر.

   بالطبع ليست هذه هي الصورة الوحيدة للواسطة في حياتنا ، ولكني ضربت هذا المثل لأنه يفضح التناقض الذي نعيش فيه ، ولأنه يؤكد نظرية أن إصلاح مباديء ومعتقدات القاعدة الشعبية ضرورة عاجلة كي ننقذ هذا الوطن من براثن الأخطار المحدقة به ، فإذا كان تولية المهام لغير الكفء تعد من علامات الساعة ، فتخيل معي كيف سيكون تأثيرها على مستقبل وطن وليد يحاول النمو والظهور ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة . قال : كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال : إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)(2) ، وقيل في الأثر إن الله يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة ، وتولية المهام والوظائف لأي اعتبار آخر غير الكفاءة هو عين الظلم ، ظلم للكفء الذي لا يتمتع بهذا الاعتبار فهو ليس قريب فلان ولا جار علان ، وظلم وغش للأمة لأنه يحرمها من التمتع بقدرات أبنائها ويعطل تقدمها ويهدد استقرارها (ما من عبد يسترعيه الله رعية ، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته ، إلا حرم الله عليه الجنة) (3) ، فلن تتقدم أمة انتحر أحد أبنائها ، الشاب عبد الحميد شتا خريج الاقتصاد والعلوم السياسية المتفوق الذي تم رفضه في وظيفة ملحق تجاري لأنه "غير لائق اجتماعيا" ، تم رفضه عقابا له لأنه ابن فلاح ربى ابنه وعلمه حتى تخرج وتفوق ، وإن كنا عرفنا قصة عبد الحميد فقد يكون هناك آلاف إن لم يكن ملايين مثله ، ولا تستبعد أن يكون "بورتو طرة" نتج عن دعوة أحدهم ، ( اتق دعوة المظلوم ، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب )(4).

   في المقال الماضي بدأنا نهدم مدرجات المتفرجين في استاد الإصلاح (5) ، واليوم علينا أن نخرج أنفسنا من قوائم أعداء الإصلاح ، لابد أن تنتهي الواسطة من حياتنا، من الوظائف والخدمات والتراخيص بل إن المستشفيات والمرضى أنفسهم لم يسلموا من التفرقة في المعاملة بحسب التوصية التي يحملها المريض ، فقد تفشت "الكوسة" في بلادنا حتى قالوا عنها إن النيل لو تحول لـ"صلصة" فلن يكفيها ، كلنا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وندعي اتباعه ، ولو نظرنا في سيرته صلى الله عليه وسلم وكيف كان يختار قواده وموظفيه ومندوبيه لتعلمنا كيف تتقدم الدول ، ولعلمنا لماذا تأخرنا ، فقاعدة اختيار الأصلح هي التي وضعت خالد بن الوليد قائدا لجيش من المسلمين فيهم من أسلم قبله بعشرين سنة ، وهي التي وضعت أسامة بن زيد ابن الثمانية عشر عاما قائدا على جيش فيه أبو بكر وعمر ، هي التي جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي بالخلافة ضمنا إلى أبي بكر وليس لأحد أقاربه كزوج ابنته مثلا ، فلنسير على خير الهدي ، هدي محمد صلى الله عليه وسلم ،  إن كنت مسئولا فاتق الله في اختيار العاملين ، واتق الله في قضاء مصالح الناس ، ولا تقدم أحدا على أحد بغير وجه حق ، لا تسمح لأحد بتخطي دوره ولا تعطي أحدا حقا ليس من حقه وإن كان أخاك بل وإن كان والدك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)(6) ، أما إذا كنت صاحب الحاجة فاتق الله ولا تأخذ غير حقك ، ولا تقفز على أكتاف الآخرين بمعارفك وسلطتك ، ولا تعرض نفسك لعذاب الآخرة من أجل متاع الدنيا ، والمحسوبية تضرك أكثر ما تنفعك فهي تدفعك للتقاعس وعدم تطوير الذات لظنك أنك غير محتاج إلى ذلك ، وكما رأيت ملك عشرات السنين يضيع في أيام ، فإذا استيقظت يوما لم تجد واسطتك ، وقد أهملت تطوير نفسك وكفائتك ، فعلى مستقبلك السلام ، فليس الفتى من يقول كان أبي ولكن الفتى من يقول ها أنا ذا..
-------------------------------------------------------------
(1)   وهذا باطل ، وقد راجعت أهل القانون وأكدوا لي أنه غير قانوني ومخالف للدستور ولو وجد في لائحة خاصة لأي شركة ورفع الأمر للقضاء في أي نزاع سيحال الأمر للمحكمة الدستورية والتي تقضي ببطلان اللائحة.
(2)   رواه البخاري
(3)   رواه مسلم
(4)   رواه البخاري
(6)   سورة النساء ، الآية 135
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق