السبت، 2 نوفمبر 2019

امرأة (هجرها) زوجها هي وأولادها


امرأة (هجرها) زوجها هي وأولادها
عبارة أصبحت معتادة جدا في السنوات الماضية، تأتي في افتتاحية منشور خيري لجمع مساهمات، أو في افتتاحية مقال عن امرأة مكافحة حققت نجاحا مع أولادها، أو في افتتاحية أحاديث عادية بين الناس تطرقوا خلالها لقصة امرأة معرفة هنا أو هناك، أحيانا في تقرير صحفي يتكلم عن نساء يعملن في مهنة شاقة غريبة وكل منهن تحكي بسلاسة سبب توجهها لهذه المهنة فتجد فيهم أم الأيتام، والمطلقة، ومن لم تتزوج، وزوجة المريض المقعد، وأيضا من (هجرها) زوجها هي وأولادها، ننشغل عادة بما بعد العبارة للتفكير في المساعدة أو التعاطف أو الثناء عليها، ولكن العبارة نفسها لا تزال تصدمني.

كانت قديما تمثل لي استثناء غريبا لن يخلو منه مجتمع بطبيعة الحال، فإذا كان الطبيعي أن يفارق الرجل المرأة بالطلاق لا بالاختفاء، فلابد أننا سنقابل ولو حالات نادرة لم يشغل الرجل نفسه حتى بأخذ قرار الطلاق، إذا كانت صراعات الأزواج والزوجات حال الفراق عادة سببها تمسكهما بضم الأولاد، فإن هناك من يطلق ولا يريد أولاده ولا يريد أن ينفق عليهم، وبالتالي قد نجد قلة أغرب يهجرون الأولاد حتى دون طلاق لأمهم، ولكن التكرار الشديد جعلني أشعر أن هذه الصورة الغريبة لم تعد مجرد استنثناء نادرا.

خواطر

1-      ليس كل الرجال على قدر مسئولية الزواج، كثير منهم عندما يدخل إلى التجربة يفاجأ بما لم يعد نفسه له، حقيقة مشاهدة، وتمثل نسبة لا بأس بها من أسباب الطلاق المبكر، وقبل أن تتهمني بالانحياز فالبنات كذلك لكن أنا أناقش حالة معينة، فلا تدفعني قسرا لأسرد كل أسباب الطلاق المبكر وفشل الزيجات فيتحول المقال لكتاب تحسبا لاتهاماتك، نعود ونقول نعم عدم تحمل المسئولية له دور في الطلاق المبكر، وهو أمر سوء، ولكن كيف يصل السوء ببعض الرجال لعدم تحمل مسئولية الطلاق حتى، كلمة تحرر بها المرأة على الأقل لتعيش حياتها، وأنت في كل الحالات ستنطلق في حياتك، فما المتعة في أن تختفي وحسب، يمكنك أن تكون معلوم المكان لها ولأولادك وأنت (نذل) عادي لا تنفق عليهم ولا تعبأ بتربيتهم، لكن اختفاء كامل! لماذا!، فلو أن الأمر قدرة مالية، فدائما هناك من هم أفقر منه ويستمرون مع أسرهم، ونجد الزوجة وهي تعمل وتكافح بعد اختفاء الأب قادرة على توفير الطعام على الأقل للأسرة، فليس الأمر مستحيلا، ولو أن الأمر انتقام من الزوجة فالطلاق كاف، ولكن لماذا الانتقام من الأولاد! وأتساءل في نفسي أحيانا عند سماع هذه الحالات عن العائلة، عائلة هذا الرجل الذين جاءوا معه عندما تقدم وحضروا زفافه وزاروه في بيته بعدها، عادة لا تجد لهم أي دور في المشهد الغريب، خاصة عندما تحدث بعض هذه الحالات في قرى صغيرة محدودة ومعروفة العائلات!، في هذه الفقرة أنا لا أقول معلومات ولا تحليلات، هذه فقرة التعجب وفقط، لأنني لازلت عاجزا عن التصور.
 -
2-      تتجلى صلابة الأمهات الفطرية في جل هذه الحالات في رعاية البيت والأولاد، غير عابئة بوضعها المعلق، تخرج من عباءة المرأة التي تريد لنفسها وترتدي فقط عباءة الأم التي تريد لأبنائها، تذوب في مصلحة أبنائها تماما وكأنها لم تخلق إلا بعد أن أنجبتهم بل وبعد أن هجرها أبوهم، وتسمع القصص الناجحة أو المؤسفة، تسمع عن الحالات التي تحكى إعجابا، أو تحكى إشفاقا طلبا لمساعدتها، ولكن الحياة تستمر في كل حال، وما يلفت نظري أن أكثر هؤلاء النساء لا يتحولن إلى (فيمنست) متطرفة عندما يتكلمن عن مشكلاتهن، تتكلم كامرأة سيئة الحظ أبتليت برجل غير مسئول، تذكر هذا في عبارة واحدة ثم تنطلق في مناقشة الواقع وتطلعات المستقبل الخاص بأسرتها، لا تقف لتنظّر وتعمم، فهي ترى بأعينها كم أن هذا الزوج استثنائيا وإن بدأ نموذجه في التكاثر مع الوقت، فلا يزال الرجال حولها في كل مكان يكافحون لأجل أسرهم وأولادهم، ويحملون الطين الذي حملته هي كبديل عن الغائب، وأكثرهن لو توفر لهن إمكانية العودة لبيتها في ظل رجل محترم كسائر الرجال المكافحين لاختارت هذا، ولا أدري لو جلست إحداهن تستمع إلى تجربة واحدة من فيمنست الفضائيات في الزواج المرفه جدا غالبا ثم أسباب طلاقها وكيف أن تجربتها الـ (ياكي) قد جعلتها تحمل لواء الهجوم على كل رجال الأرض والكفاح لأجل تطليق كل نساء الكوكب ما لم يتحول الزواج إلى كرسي بريموت أو إلى جني مصباح لا يملك من أمره شيئا، لو استمعت هذه الهضبة الصلبة لأسباب ودوافع علب المكياج الملونة ماذا ستقول! أظنها لن تفهم أصلا، فالعقل والاتزان النفسي تاج على رؤوس المنطقيين لا يراه الموتورون ولا تسقطه المشقة والمسئولية ولكن قد تزيده ثباتا ولمعانا.
 -
3-      أخيرا، لابد من اعتبار غرس المسئولية في رجال المستقبل أولوية قصوى، انتشر من فترة نعي فنان شاب لطليقته والذي طلقها مرتين على ما أذكر هروبا من المسئولية، وقد كان ينوي أن يعود يوما ما – حسب كلامه - عند تغلبه على هذه المشكلة، وكسر قلبه أنها توفيت قبل هذه العودة المأمولة، ولكن الحقيقة أن المسئولية لا تكتسب مع السن بسهولة، بل ربما العكس هو الذي يحدث، فاعتياد عدم المسئولية مع تقدم السن الذي تزيد معه الرغبة في الراحة يضعفان القدرة على تحملها، لابد أن تغرس غرسا في الصغر، جل أطفال المسلمين يحفظون جزء عم فمنهم من يكمل الحفظ بعده ومنهم من لا يكمل، لكن لو نهتم على الأقل بمعانيه معهم سيفيدهم هذا كثيرا، يكفي أن نتوقف معهم عند (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، نعلمهم أن الفرق بين الإنسان المحترم وغير المحترم هو المسئولية، بل ربما هي الفرق بين الإنسان وغير الإنسان أصلا، فالإنسان هو المخلوق الوحيد الذي تحمل الأمانة، وهو - إن فقه غاية حياته - الوحيد القادر على تحملها، ولا يفقد قدرته على هذا التحمل إلا إذا أراد أن يعيش كمخلوق آخر غير البشر، مخلوق يأكل ويشرب وينام ويتكاثر، العقل والمسئولية وتحمل الأمانة هم مصدر التميز، وليس مجرد المشي على قدمين وارتداء الملابس، وإن كنت والله استحي من تعميم هذا على سائر المخلوقات الأخرى، وقد نشرت اليوم فيديو وخبر عن ذلك الحصان الذي عاد وسط النيران والحرائق وفرار الجميع منها ليأخذ عائلته أو يموت معهم، ولم يعد إلا بهم، لقد عجز بعض البشر على أن يكونوا مثل هذا الحصان، للأسف، إن الكافر الذي يعتني بأسرته فطرة ويهتم بهم ويسعى لأجلهم سمى القرآن الكريم سعيه هذا لعبا ولهوا لأنه لم يسع معه إلى الحق والآخرة، أهتم بغذاء أبنائه في الدنيا ثم حشر نفسه وإياهم إلى النار في الآخرة والعياذ بالله، وصف القرآن الكريم الكافر المكافح لأجل المادة بأنه أضل من الأنعام، فكيف بمسلم يترك حتى ما يفعله الكافر ببقايا فطرته! لا أفضّل الكافر عليه كما يفعل المتطرفون عكسيا، ولكن أدعوه للتفكر والنظر في أمر نفسه، خاصة أن هذا النموذج كثيرا ما يكون غير عابئ لا بمسئولية دنيا ولا دين!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق