السبت، 2 نوفمبر 2019

في مدرسة سورة الأعراف (أضواء على الأولياء والملأ)


Image result for ‫سورة الأعراف‬‎

من يتأمل في سورة الأعراف يجدها تلقي إضاءات كاشفة على موقع أولياء الإنسان والملأ المحيط به في خريطة الهداية والضلال وتأثيرهم الكبير على مسار حياته وآخرته، وبدا ذلك كموضوع أساسي في السورة الكريمة من بداياتها إلى نهاياتها، تتعدد صور التناول فيه كي يخرج من يقرأها بتدبر وقد استقر في وجدانه أهمية وخطورة هذا العنصر، وكيفية التعامل معه.
وإذا أردنا تناول هذا الموضوع تفصيلا سنحتاج لنسخ السورة كاملة تقريبا، ولكن فقط نشير لبعض الصور والدلالات الخاصة به في السورة بحسب ترتيب الآيات.

بدأت السورة بأمر إلهي صريح باتخاذ رب العالمين وما أنزله من دين كولي وحيد والتبرؤ من أي ولي آخر يخالف ويعادي دين الله تبارك وتعالى (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3))

وبعد هذا الاستفتاح الصريح المتبوع بذكر مآل من خالف هذا من الأقوام السابقة، جاء ذكر أول وأخطر ولي من أولياء السوء يمكن للإنسان أن يتخذه، وهو إبليس عليه لعنة الله، وقصته مع آدم عليه السلام وما أدى إليه تصديق آدم عليه السلام له ولقسمه ووعده له بالخلود، وذلك في الآيات من (11 إلى 26)، ليعقب رب العالمين عليها بعدما استقر استبشاع ذاك الولي الخبيث في القلب بعد سماع قصته مع أبي البشر (يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27))

ليضم معه كآفة شياطين الجن الذين هم على شاكلته كأسوأ أولياء يمكن للإنسان أن يتخذهم ويتبع وساوسهم.
لتضيف الآية التالية ولي سوء جديد  كم أضل من أمم (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28))، نعم ، إنهم الآباء والأجداد الفاسدون، الذين تكرر ذكرهم في القرآن عموما وسيتكرر في قصص الأنبياء في سورة الأعراف بعد ذلك.

ثم إذا ما أتت السورة إلى مشاهد الآخرة (بدء بالموت ثم أحداث القيامة ثم الاستقرار في المثوى الأخير) أيضا ركزت الضوء على نتائج وأثر اتخاذ الأولياء (فاسدين أو صالحين) في الدنيا
بدء من الموت ( ... حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37))

ثم النزاع بين أولياء الباطل، التابع والمتبوع بعد الحساب وعلى باب الخلود، (قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39))

وفوز من اتخذوا رسل الله أولياء وتبرأوا ممن عادوهم وخالفوهم (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)).

حتى عندما وبخ أصحاب الأعراف من يعرفون من أهل النار كان على رأس حيثيات توبيخهم اغترارهم بجمعهم وملأهم وأوليائهم (وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48))
ومن لم يوالي المؤمنين في الدنيا أنى له موالاتهم يوم القيامة! (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)).

وفي ذكر مآل من حادوا عن كتاب الله تعالى وهديه كان أول ما يتحسرون عليه انعدام (الشفعاء)، فمن والى غير الله لم ينفعه شفيع وعلم مدى خسران اختياره ووهن من اعتمد عليهم يوم القيامة (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)).

فإذا بدأت تلاوة آيات قصص الأنبياء في السورة ستجد لفظ (الملأ) حاضرا ومركزا في حوارات الأنبياء مع أقوامهم
في قصة نوح عليه السلام (قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60))
في قصة هود عليه السلام (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66))
في قصة صالح عليه السلام (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75))

في قصة شعيب عليه السلام (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88))

ثم في قصة موسى عليه السلام مع فرعون، تجد حضور تأثير الملأ في قصة هذا الطاغية المدعي للألوهية، الذي من المفترض أن يؤثر فقط ولا يتأثر لأنه رأس في ضلاله، حتى أن عبارات وردت في سور أخرى على لسان فرعون تجدها هنا منسوبة للملأ أيضا دلالة على أنه إما استقاها منهم أو استقوها منه، فقد أضلوه وأضلهم عندما اتخذ كل منهم الآخر وليا من دون الله (قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110))

بل تجدهم هم من يحرضونه على القتل ومحاربة الحق رغم أنه رمز في ذاته للكفر وسفك الدماء (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127))

لتستشعر وسط هذا الظلام بمدى نورانية وجلال شأن السحرة الذين كانوا جزء من هذا الملأ الأسود لزمن طويل، أولياء للباطل، ولكن ما أن فُتح لهم طريق للولاية الصائبة اندفعوا إليه غير عابئين بأي ثمن دنيوي، وكان أول ما علق عليه فرعون في شأنهم هو سقوط ولاءهم له ( قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123))، تعقيب عجيب من عقل طاغ، وكأنه لا يرى مشكلة إن آمنوا بموسى ولكن بإذنه، فيكون الولاء لله ولنبيه عليه السلام تابعا للولاء له هو، ولكن هيهات، إنه الإيمان إذا ما خالطت بشاشته القلوب (قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126))، الله تعالى أولا وأخيرا (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)).

ولم يكن (فرعون) وملأه آخر أمثلة الولي الضال المضل في سورة الأعراف، بل هناك مثالا ربما أخطر، فلا هو يملك سلطة وقوة، ولا هو مجموعة مكونة من عدد كبير يفتن، ولكن شخص واحد من عامة الناس استطاع أن يضل الكثيرين من أمة رأت المعجزات بعينها ونجت قريبا جدا من بحر منشق أمّن مرورهم ثم ابتلع عدوهم، إنه السامري، الذي أخذ من اتبعوه من التوحيد إلى الوثنية والكفر، وبعدما نجوا من الطاعة القسرية لملك متجبر تحولوا إلى عبيد طوعا لعجل ذهبي، بمجرد غياب أحد النبيين الكريمين عنهم لأيام!، فلا تستخف بشياطين الإنس وإن بدوا ضعفاء فإن منهم من يعي ثغرات من حوله، فهؤلاء الناجين طلبوا إلها صنما وأرجلهم لم تجف من ماء البحر، فردهم موسى عليه السلام بالموعظة وذكرهم أنهم قد اختاروا من لا يعدله شيء ولا أحد تبارك وتعالى فارتفع شأنهم بهذا الاختيار فلما يبحثون عن التدني من جديد! (قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140))، ثم جاءهم ذاك الشيطان البشري بما يريدون ويشتهون فوالوه وأقبلوا عليه، بل وحتى بعد نسف العجل ودرء الفتنة واختيار سبعين منهم للاعتذار والتوبة لم تكن فتنة المعبود المادي قد خرجت تماما من قلوبهم، ولم يكتمل ولاءهم لله تبارك وتعالى الذي أراهم كل ما رأوا وحلم عليهم كل هذا الحلم، فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الرجفة، ليتضرع نبي الله موسى إلى ربه طالبا العفو عن قومه مقرا بالولاء له وحده تبارك وتعالى (أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ...)

فيأتي جواب الرب الكريم تبارك وتعالى مخبرا عن سعة رحمته التي ينالها من ضبط مؤشر ولاءه واتباعه بحق وصدق، فاتبع رسل الله ولم يحد عن طريقهم (.... قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157))
وتمر السورة بقصة أصحاب السبت، وانقسامهم إلى ثلاثة أصناف من (الملأ)، الملأ الضال المتعاون على الإثم والعدوان، والملأ الصالح في نفسه والساعي لإصلاح غيره المتعاون على البر والتقوى، والملأ السلبي الذي لم يشارك أهل الباطل ولكن يخذل أهل الحق عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليذكر نجاة الملأ الصالح المصلح، وهلاك الملأ الضال، والله أعلم بحال الملأ السلبي المخذل.

ولا تنتهي السورة قبل ذكر نوع خطير وخفي من ولي السوء، فليس كل أولياء السوء خارجين عن الإنسان سواء من الجن أو الإنس، ولكن هناك ولي سوء يكمن في داخلك ولا نجاة لك إلا بالله أولا ثم بالانتباه له، ألا وهو الهوى وحب شهوات الدنيا (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176))

وكما تقدم في قصة العجل أن من عجائب البشر، ألا يكون ولي السوء وملأ السوء من الجن والإنس أو النفس فقط، ولكن أن يكون مخلوقا أدنى منك في الإدراك والقدرات، فكما أوهم السامري قومه بعبادة العجل، كان حال العرب كذلك في عبادة الأصنام، والولاء لها والحرب لأجلها وهي ليست فقط أعجز من أن تكون إلها ولكنها حتى أعجز من أن تكون بشرا مثلهم، فتخاطب الآيات عقولهم الغافلة لعلها تفيق (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195)).
وبعدما عددت السورة كل تلك الصور، وفصلت وشرحت ووجهت، يعود آخرها لأولها ولكن بعد التوجيه والتفصيل يزداد الإدراك ويرتقي الشعور، فبعد مرورك بكل هذه الصور الدنيئة لأولياء السوء ومعرفة مصائرهم، يطير قلبك فرحا وراحة وفخرا وأنت تقرأ (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196))، الله أكبر.

وإذا وسوس لك إبليس، أول مذكور من أولياء السوء ليفسد عليك دينك وعملك، فعد إلى وليك جل في علاه يحميك (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201))
ولا تعبأ بجدل وعبث أولياء السوء من الإنس الذين لم يعتصموا بالله من وساوس الشياطين والتزم ما أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم تجد فيه النور والبصيرة (وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204))

واستعن على حفظ هذه الولاية بالعبادة والذكر والدعاء، واحترس من الغفلة حتى لا تسقط وتحيد عن الطريق (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205))
فإذا تركت كل هذه النماذج السيئة وجعلت ولاءك لله وحده ولدينه ونبيه صلى الله عليه وسلم والتزمت تلك الوصايا الغالية في الإيمان والعمل تشبهت بخير ملأ وأرقى ملأ كأنك منهم (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)).
فمن يترك ولاية الله تعالى لولاية غيره، ومن يتخلف عن ملأ الملائكة ليعبث مع ملأ الكافرين والفراعنة والملتفين على شرائع الله، ومن لا ينشرح صدره بإيمانه وكتابه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم بعدما مر بهذه الصور الهالكة وقارن بينها وبين حال أولياء الله تعالى في سلوك الدنيا ومآل الأخرة (المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)).



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق