الثلاثاء، 14 يونيو 2011

مصر والإسلام ،، من يحمي الآخر؟

مصر والإسلام ،، من يحمي الآخر؟
معتـز عبد الرحمن

    ليس كل من يعارض تطبيق الشريعة علماني أو غير مؤمن بكمالها وعدالتها ، بل إن هناك الكثير من المسلمين الذين لا يعانون من أي تشوهات في نظرتهم نحو الشريعة ، ويؤمنون أن في ظلها سيتحقق من التقدم والرقي ما لن يتحقق في ظل أي نظام آخر ، ولكنهم يرون أن التوقيت غير مناسب ، إذ أن الغرب المتربص بالإسلام والإسلاميين لن يرض بذلك ، والوطن المنهك لن يتحمل تبعات هذا القرار ويحتاج لوقت طويل كي يقوى أولا ليستوعب مواجهات ما بعد التطبيق ، وكأن المصريين الآن مخيرون بين التطبيق الفوري للإسلام بما قد ينتج عنه من صدام مع الغرب وبين تحييد الغرب وما يستلزمه من تأجيل للتطبيق ، وهذا كلام في ظاهره وجيه ولكنه يحتاج إلى تحليل ، بداية ما الذي يغضب الغرب من تطبيق الإسلام في أي بلد إسلامي؟؟ في تبسيط - أرجو ألا يكون مخلا - الإسلام هوعقيدة وشريعة وحضارة منبثقة عنهما (اقتصادية وعلمية وثقافية ..إلخ)  وقوة عسكرية تحمي كل ذلك ، ومما لا شك فيه أن الخلاف العقدي له دور في إذكاء روح العداء ، خاصة في ظل سيطرة اليهود المتطرفين على الإعلام الغربي وتأثيرهم الكبير على مسار سياسة هذه الدول لا سيما الولايات المتحدة ، ومصطلح "الحرب الصليبية" الذي أخرجه بوش الابن من قبره لا يزال يرن في الآذان، ناهيك عن محاولات حرق المصحف والرسوم الدنماركية وغيرها، إلا أنه في وجهة نظري ليس الخلاف العقدي وتطبيق دولة مسلمة لـ"ظاهر" الشريعة وحدهما كافيين للدخول في صدام حقيقي مع الغرب ، وأقصد بـ"ظاهر" الشريعة هنا تطبيق العبادات والحدود دون بناء الحضارة والقوة التي يدعو إليها الإسلام ، وإلا فبما تفسر الصداقة الحميمة التي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية؟ الدولة الإسلامية الوحيدة التي ترفع شعار التوحيد على علمها وتطبق الحدود على أرضها ؟ بل وتحوي أقدس بقاع المسلمين على الإطلاق؟ وبالتالي  يصبح اختزال أسباب العداء المتوقع في تطبيق "ظاهر" أحكام الشريعة واختلاف العقيدة اختزالا مخلا أيما إخلال ، فأمريكا لا تخشى من سجود المسلمين في المساجد ولا تخشى من قطع يد السارق ولكنها تخشى من كل ما يهدد نفوذها ويكبل يدها الطليقة الباطشة.

تصحيح السؤال نصف الإجابة
     إذن فالغرب لن يسمح بالمنافسة ، ولن يسمح ببناء قوة تؤرقه أيا كان مرجعيتها ، فصدام حسين لم يكن إسلاميا ، والعراق لم تكن أكثر تدينا من السعودية ، وكوريا الشمالية لم تطبق الشريعة ، وكاسترو وشافيز ليسا البخاري ومسلم ، فتعارض المصالح هو المصدر الرئيسي للصدام ، ولم ولن يكون في مصلحة الغرب أبدا أن يكون لمصر - جارة إسرائيل وقدوة العرب - شوكة اقتصادية وعلمية وعسكرية وبالتالي الطرح الذي ذكرناه في بداية المقال ليس واقعيا ، فالمصريون ليسوا مخيرين بين تطبيق الإسلام وبين رضا الغرب و تحييده ، ولكنهم في الواقع مخيرون بين بناء دولتهم وحضارتهم واستقلالهم وبين رضا الغرب وتحييده ، فإذا كان المصريون لايزالون يخافون من الغرب ويفضلون السير في داخل الحائط وإذا كانوا قد أدمنوا الخبز المعجون بماء المهانة والمعونة فعليهم أن يغسلوا وجههم من مسك الثورة والحرية  ويذهبوا بهدوء إلى شرم الشيخ ليعيدوا مبارك إلى كرسيه وليفتحوا أبواب بورتو طرة ليخرج منه معاونوه وليعود الشرفاء إليه من جديد ، أما إذا كانوا مشتاقين بصدق للحرية والكرامة والتقدم والرقي ، سائمين من التخلف والفقر والعمالة والحياة بين الحفر فعليهم ألا يتهيبوا صعود الجبال ، وأن يوقنوا أن الطريق طويل والتحديات كبيرة والثمن غالٍ ، سواء كانت الدولة إسلامية أوعلمانية أو مدنية أو شيوعية ، وسواء كان الرئيس القادم إسلامي أو علماني أو حتى غير مسلم ، طالما أنه حريص على بناء الوطن والنهوض به ، مرفوع الرأس، لا يخضع لأحد ولا يتلقى إملاءات من أحد. 

من يحمي الآخر؟
  ولأنه من المستحيل - أو على الأقل من المستبعد - أن يختار المصريون التخلف والمذلة ، أو أن يرضوا برئيس جديد قراره من واشنطن أو الاتحاد الأوروبي ، يجد المصريون المناضلون أنفسهم أمام سؤال وحيد وأخير ، في هذا الطريق الشاق الطويل من المعين ومن الدليل؟ إذا كان المعين هو السواعد والإمكانيات والخبرة ، والدليل هو العقول التي تشرع وتحكم ، فسواعد أمام سواعد وإمكانيات أمام إمكانيات وخبرة أمام خبرة وعقول أمام عقول وهم قد سبقونا بعقود والكفة تميل لهم واستئصال مجدنا الوليد أمر يسير عليهم، وأما إذا كان المعين هو الله ، فعون الله لا يطلب إلا بطاعته ونصرته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )(1) ، بل إن خسرنا عونه ونصرته فليس لنا من بعده أحد (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (2) والتوكل عليه جل وعلا واستمطار عونه يحتاج إلى يقين ، وعدم تطبيق أحكام الله ينافي اليقين (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )(3) فلكي نطلب من الله العون لابد أن تكون شريعته الكاملة الخالية من العيوب ومن أهواء المشرعين هي الدليل والمنهج ، فالعقيدة والشريعة تحميان الحضارة والقوة كما أن الحضارة والقوة تحميان العقيدة والشريعة ، ومن هنا نخلص أن القضية التي طرحناها في بداية المقال مخالفة للمنطق والواقع واليقين  ، فنحن لا نحتاج أن نكون أقوياء أولا قبل ان نطبق الإسلام ، لأننا لن نكون أقوياء إلا بالإسلام ، فالإسلام مصدر قوة المسلمين ، وليست قوة المسلمين هي التي تولد قوة الإسلام ، فعبر أربعة عشر قرنا ظل الإسلام شامخا قويا مؤثرا ، يقوى أبناؤه بالعودة إليه ويضعفون بالبعد عنه ، فهو محفوظ بحفظ الله ، من تمسك به دخل تحت مظلة الحفظ والتوفيق ، شريطة أن يتمسك بكل ما فيه عقيدة وشريعة وحضارة وجهادا في سبيل الله ، ومن تخلى عنه وطلب العزة في سواه يخاطبه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رمز العدل والحكم الرشيد ويقول (كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله).

(1) سورة محمد – الآية 7
(2) سورة آل عمران – الآية 160
(3) سورة المائدة - الآية 50


للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
صفحة مقالات المهندس معتز عبد الرحمن
مدونة الكاتب 

مجرد خواطر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق