الثلاثاء، 21 يونيو 2011

الليبراليون ، و"مراجعات" ليلة الامتحان


الليبراليون ، و"مراجعات" ليلة الامتحان
معتـز عبد الرحمن



     كلنا نعرف أو على الأقل نسمع عما يسمى بمراجعات الجماعات الإسلامية في مصر ، وبحسب معلوماتي البسيطة أن هذه الجماعات التي تبنت العنف فترة من الزمن في علاج القضايا بدأت تغير رؤيتها وتتراجع عن فكرها وتنقد وتنقض بعض أفكارها التي تسببت لها في صدام مرير مع المجتمع والدولة وتتبنى أفكارا جديدة تناسب المجتمع والواقع والدين ، وفي وجهة نظري وأرجو ألا أكون مبالغا أن كثيرا من التيارات الليبرالية في مصر بدأت تنتهج هذا النهج مؤخرا ، وبدأنا نرى تغيرا ملحوظا في أسلوب تناول بعض القضايا لاسيما المتعلقة بالهوية والمرجعية الدينية للمجتمع متمثلة في الحديث عن المادة الثانية من الدستور وعلاقة الليبرالية والدولة المدنية بالمرجعية الدينية ، فبين الماضي القريب والحاضر الجديد نجد أنفسنا في حاجة للتأمل في بعض مواقف رموز الليبرالية في مصر من باب فلنسمع منهم لا نسمع عنهم وأرجو أن تتحملوا الإطالة.
مراجعات وتناقضات
     في مقاله في جريدة الشروق (4 إبريل 2011) يقول الدكتور عمرو حمزاوي – الليبرالي المعروف - في تعريف الدولة المدنية (الدعوة إلى مدنية السياسة وديمقراطيتها تعنى إمكانية الطرح العلني لجميع الرؤى والأفكار والبرامج الهادفة لتحقيق الصالح العام دون قيود نابعة من مرجعيات دينية أو أخلاقية أو أيديولوجية وفى ظل قبول التعددية واحترام الرأي الآخر) وفي حديث على قناة الجزيرة حول المادة الثانية من الدستور يقول نصا ( المادة رقم 2 من الدستور المصري والمتعلقة بتحديد الإسلام كدين الدولة ومباديء الشريعة كالمصدر الأساسي للتشريع هي مادة تمييزية بامتياز لأنها أولا تقرر أن للدولة دين وإن كنا نتحدث نحن وبأمانة شديدة عن مدنية الدولة المصرية فالدولة المدنية لا دين لها .. إلى آخر المقطع) (1) ولأن بالمثال يتضح الحال في حواره مع الإعلامي عمرو أديب بيّن الدكتور حمزاوي أنه على سبيل المثال لابد أن يتاح للمواطن في الدولة المدنية خيار الاحتكام في أحواله الشخصية إلى دينه – إسلاميا أو مسيحيا – أو إلى قانون مدني يتيح له ما لا يتيحه الدين كزواج المسلمة من المسيحي (2) ، ولكن في مقاله "دليل عمل لليبراليين" (1 يونيو 2011) بعد حوالي شهرين من المقال الأول وفي ظل تداعيات جمعة 27 مايو يؤكد الدكتور حمزاوي على خطأ الصورة النمطية السلبية المأخوذة عن الليبرالية على أنها تناقض قيم المجتمع المصري الدينية ويؤكد أن الليبرالية تعظم من شأن حرية الفرد في الشأن الخاص والعام "بما لا يتعارض مع صالح المجتمع معرفا بقيمه الدينية" ، ومؤكدا أننا – أي الليبراليون – لسنا بدعاة حرية مطلقة أو متجاهلين الدين وأن الليبرالية لا تتجاوز المرجعية الدينية بل تدمجها مع المرجعيات الوضعية في التشريعات والقوانين والسياسات ، وفي مقطع فيديو من إحدى الندوات بعد الاستفتاء يؤكد الدكتور عمرو حمزاوي اعتقاده أن المادة الثانية من الدستور باقية معنا في الدستور الجديد وأنه "لا اعتراض لديه عليها" ولكن بعض القوى الليبرالية  والإسلامية – وليس هو – يقترحون إضافة بند "وتحكم العلاقات الخاصة والشخصية لغير المسلمين وفقا لشرائعهم السماوية" (3) ، مما يعني أن الدولة المدنية التي لا دين لها أصبح من الممكن أن يكون لها "أديان" وأن الزواج المدني يجب أن يسمح به "في حدود لا تخالف الشرائع الدينية" (مقال 11 مايو 2011) رغم أن الزواج المدني لو التزم بحدود الشرع أصبحا زواجا شرعيا فقد تعلمنا جميعا في المدرسة أن 1-1 = 0.
     وفي سياق غير بعيد وعلى هامش المؤتمر التأسيسي لحزب " المصريين الأحرار" في سوهاج (إبريل 2011) أكد رجل الأعمال – الليبرالي – نجيب ساويرس أنه يؤيد بقاء المادة الثانية للدستور لأنها "ضمانة للوحدة الوطنية" دون حديث حتى عن إضافة الفقرة الخاصة بالمسيحيين التي طلبها في حواره مع معتز الدمرداش (مارس 2011) ، في حين أنه ظل يؤكد قبل الثورة على خطورة المادة الثانية من الدستور كما في حديثه الشهير مع قناة الـ BBC  في أغسطس 2009 والتي أكد فيه أن المادة الثانية من الدستور "تؤصل للطائفية" وأنه يجب إلغاءها تماما رافضا إضافة الديانة المسيحية لهذه المادة إيمانا منه بعلمانية الدولة ، وبالتالي  تحول سبب الفتنة الطائفية إلى ضمان للوحدة الوطنية ولا عزاء لعلمانية الدولة التي دأب على المطالبة بها والدفاع عنها.
    وأخيرا وليس آخرا قرأنا جميعا وثيقة الدكتور محمد البرادعي ، هذا الرجل الذي سأظل أقدر له دوما أنه محرك ماء التغيير الراكد وأنه وقف في وجه النظام السابق وهو في أوج قوته ، وتصدق على مصر من سمعته وسمعة أسرته ، ذكر الدكتور البرادعي في وثيقته أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ، بالرغم أنه اعتبر في حواره الشامل مع جريدة الشروق من فيينا في ديسمبر 2009 أن هذه المادة تعتبر من المتناقضات الموجودة في الدستور مضيفا ( الدستور يقول إن الدولة دينها الإسلام، أنا ذكرت أن غالبية مصر دينها هو الإسلام، ولكن الدولة ليس لها دين، فوزارة الصحة ليس لها دين، وزارة الصناعة ليست مسلمة) فلا أدري لماذا يقبل الدكتور البرادعي هذه المادة "المتناقضة" في وثيقته؟ وهل سيكون للدولة ولوزارة الصحة ولوزارة الصناعة دين في عهده؟.

أسئلة حائرة
  أمثلة هذه المراجعات كثيرة ولكن المقام لا يتسع لأكثر من هذا ، ولكنه يجب أن يتسع لبعض التأملات والتساؤلات.
هل شعر الليبراليون أن امتحان الانتخابات قد اقترب ؟ هل فهم الليبراليون الشارع أخيرا؟؟ هل شعروا أنهم لابد أن يقوموا بنفس الجريمة التي يتهمون بها الإسلاميين وهي اللعب على عواطف المصريين الدينية؟؟ والتي طالما وصفها الكتاب والمثقفون العلمانيون بالمصطلح الشهير والقبيح (الدين أفيون الشعوب) ؟؟ أم أن هذه التراجعات نابعة من تغير حقيقي في القناعات؟؟  ولماذا لا يوضحون ذلك ؟؟ أم إنهم يعتمدون كما اعتمد الذين من قبلهم على ضعف ذاكرة الشعب المصري؟؟ وهل يفهمون معنى هذه المادة وهذه المرجعية التي تخالف الكثير من أفكارهم؟؟ أم أنهم اختاروا أن يرشوا البسطاء بمادة – غير مفعلة – أيضا كما فعل الذين من قبلهم؟؟ وهل يعتبر ذلك امتدادا لاستخفافهم بالشعب المصري واتهاماتهم المستمرة له بالجهل والسطحية ؟؟
الخسارة الحقيقية
    بعد الثورة لم تتحدث القوى الإسلامية عن تطبيق الشريعة – وهذا قصور منهم في وجهة نظري ، إنما اقتصرت أحلامهم المتواضعة على الحفاظ على هوية مصر الإسلامية بالحفاظ على المادة الثانية من الدستور حتى وإن لم تفعّل ، إلا أن تصريحات كثير من الليبراليين – قبل المراجعات – سببت استفزازا حقيقيا لكثير من هذه القوى خاصة أن كثير منها حديث عهد بالسياسة ، ونتج عن ذلك مناخ من الخصومة والتحدي بدا واضحا في الاستفتاء الذي بدا وكأنه رهان على هذه المادة غير المطروحة للتعديل ، السؤال ، إذا كان الليبراليون لا يجدون غضاضة في قبول هذه المادة كما نرى من تصريحات كثير منهم حديثا، إذا كانوا لا يجدون غضاضة في قبول الحلم الوحيد لكثير من القوى الإسلامية  ، ألم يكن من الممكن إيجاد أرضية مشتركة بين القوى الإسلامية والليبرالية بعد الثورة؟ هل تعلمون كم خسرنا بسبب فقدان هذه الأرضية ؟ هل تعلمون كم خسرنا بسبب التفرغ لمناقشة نقاط الخلاف وترك نقاط الاتفاق؟ هل تعلمون أن كثير من مكتسبات الثورة سرقت ونحن متفرغون للحديث عن مثل هذه الأمور؟ ونحن متفرغون للتفزيع وللتشويه وللكذب على بعضنا البعض؟ هل تعلمون أننا خسرنا فرصة سانحة لإنقاذ الثورة في 27 مايو بسبب هذا الصدع الذي تسببنا فيه؟ وبسبب التكبر والعند والإصرار على تجاهل وتخوين وتجهيل الآخر والاستخفاف بإرادة الشعب؟
    ألم يكن من الأولى أن يتم التعاون بين الليبراليين والإسلاميين الذين لا يشكك أحد في انتمائهم ووطنيتهم بدلا من أن يضطر حزب ليبرالي مثل (المصريين الأحرار) للجوء لضم أعضاء الحزب الوطني الفاسد  - مؤتمر المنصورة – حتى يستطيع جمع أصوات لحزبه ؟ تطبيقا لنظرية أن الإسلاميين والحزب الوطني هم فقط الجاهزون للانتخابات ، هل يرى الليبراليون أن أعضاء الحزب الوطني المنحل أحب إليهم من الإسلاميين الذين وقفوا معهم في مواجهة الرصاص والجمال والخيول ؟ ، والذين حموا ظهورهم في اللجان الشعبية ، والذي لا يزالون يضمدون جراح "الغلابة" الذين زادتهم آثار الثورة الجانبية غلبا على غلب ؟ ، هل من حقي أن أتعجب من رفض الدكتور السيد البدوي لضم حزب النور للتحالف الانتخابي وهو الذي لم يجد غضاضة من قبل في أن يكون الأداة التي فتت أقوى صحيفة معارضة في مصر قبل الثورة؟ إنني أدعو كل المصريين على اختلاف أفكارهم لمراجعة أنفسهم وتصحيح مواقفهم ، لله لا للانتخابات ، وأن يتقوا الله في هذا الوطن وفي هذه الثورة وأن يعلموا أنهم مسئولون أمام الله عن الحفاظ على أمانة الوطن وشكر نعمة الحرية التي منحنا الله إياها بلا ثمن يذكر والتي نثبت يوما بعد يوم أننا لا نستحقها.
-------------------------------------------------------------
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق