الاثنين، 12 سبتمبر 2011

من يكتب نهاية الثورة؟


من يكتب نهاية الثورة؟
معتـز عبد الرحمن


       الثورة مثل أي شيء في الحياة ، له بداية وله نهاية ، كثيرا ما نهتم ببدايات وأسباب الثورات ، ولذلك نسمي معظم الثورات بتاريخ بدايتها مثل 23 يوليو و25 يناير ، إلا إننا كثيرا ما نغفل نهايات الثورات وكيفيتها ، فالثورات – لاسيما الشعبية - دائما ما تنتهي لإحدى نتيجتين ، إما النجاح وذلك بتحقيق المطالب وتغيير مسار الدولة إلى الأفضل ، وتأسيس حكم عادل رشيد ، أو تنتهي بالفشل ، والفشل له صور متعددة ، لكن تعددت الصور والمؤدى واحد وهو استمرار مسار الدولة كما هو أو إلى الأسوأ أو حتى إلى الأفضل ولكن أدنى كثيرا من المسار المأمول الذي قامت الثورة من أجله ، ونهايات الثورات تكتبها الشعوب ، فإما أن تكتب النهاية الناجحة بمداد اليقظة والذكاء والوحدة والطموح ، وإما أن تكتب النهاية الفاشلة بأيدي أنواع وأصناف شتى من أبنائها يقوضون ثورتهم من حيث يدرون أو لا يدرون ، ومن هؤلاء الأصناف على سبيل المثال لا الحصر:
 أولا: الذين يتعاملون مع الثورة على أنها نزهة ، ورحلة مجانية لبلاد الأحرار ، فإذا أصابهم خير أطمأنوا به وإن أصابتهم مصيبة لعنوا الثورة والثوار ، هؤلاء الذين نجحوا لعقود في التعايش مع الفساد وإن لم يشاركوا فيه ، وإن كانت السلبية في حد ذاتها تعد مشاركة ، فلم يعد الفساد يثير غضبهم ولا يؤذي أبصارهم وأسماعهم ، فهؤلاء يقبلون الثورة ولكن بشروط ، ألا يطالبهم أحد بواجبات ، وأن يتم التغيير دون نقص في الأموال والثمرات ، ودون أدنى صبر أو تضحيات ، وإلا فالثوار مخربون والثورة مجرد أصابع وأجندات.
ثانيا: الذين يحبون الثورة ولكن لا يفهمون طبيعتها ، وهم أفضل كثيرا ممن ذكرتهم آنفا ، إلا أن قلة الفهم وخفة الأعصاب توقعهم كثيرا في شراك الخوف والتوتر فتتشابه ردود أفعالهم مع ردود أفعال الصنف الأول ، فالثورة ميلاد أمة ، والميلاد منه القيصري ومنه الطبيعي ، القيصري يكون بسلاح - المشرط - وتسيل فيه دماء مقابل راحة أكبر للأم المخدرة ووقت أقصر للولادة ، والطبيعي فيه صراخ وألم ووقت وشد للجنين وساعات وربما أيام ، فعندما تكون الثورة بيضاء سلمية لن تمر وتحقق أهدافها "سريعا" و "دون ألم" و"دون صراخ" و " شد وجذب" ، فلكل تغيير أعداء في الداخل والخارج لن يتركوه يمر مرور الكرام ، ولغياب هذا الفهم تجد هؤلاء القوم  في كل نازلة يفقدون الأعصاب ويعلنون الملل والضجر والشعور "بالقرف" ، ويستعجلون النهاية ولو على حساب الكثير من المطالب ، وكأن هذه النوازل أمرا غير متوقع.
ثالثا: المخلصون الذين لا يستطيعون مجاراة الأحداث ولا يستطيعون أن يكونوا على مستواها ، فرد الفعل عندهم ليس بالضرورة مساويا للفعل في المقدار ولا مضادا له في الاتجاه ، بل طريقة تعاملهم مع كل الأحداث المتنوعة ثابتة ، فإما الحكمة إلى حد التخاذل والنوم ، وإلا الثورة إلى حد التهور والطيش ، وإما الثقة إلى حد السذاجة ، وإما الشك إلى حد تخوين أصابع اليدين ، وكل ذلك خطأ ، والصواب خليط بينهم تتحدد نسب عناصره حسب الموقف والأوضاع ، خليط بين الحكمة والإقدام ، وبين الثقة والحذر ، خليط يحتاجه الوطن بشدة ولكن للأسف قل من يحسن صياغته وتطبيقه.
رابعا: الذين لا يفهمون إلى الآن الفرق بين الإنسان وغيره ، فقد سمعت بعض المصريين يتعجبون من ثورة الشعب الليبي على القذافي رغم أنه يوزع على الشعب شهريا أرز ودقيق وزيت إلخ ، فالذين يرون أن الحياة طعام وشراب ، ولا يرون قيمة للكرامة والحرية والفكر والاحترام لهم دور كبير في كتابة نهاية أي ثورة أو تغيير للأفضل، أذكر أنني سمعت هتافا في أحد المظاهرات الفئوية أزعجني كثيرا ، قالوا (علي وعلي وعلي الصوت اللي هيهتف مش هيموت ) فقلت سبحان الله ، لولا أن هناك أناس شرفاء هتفوا وهم يعلمون أنهم عرضة للموت ، بل ومات بعضهم بالفعل ، ما وقفتم أنتم هاهنا اليوم ، فالفئوي يهتف ليعيش ، والحر يهتف ليحيا ، والفرق بينهما كبير.
خامسا: الذين لا يقرأون التاريخ أو يتغافلون عنه ، والذين أدمنوا اللدغ من نفس الجحر عشرات المرات ، فيضعون أيديهم بل ونحورهم في الجحر ويقولون ستتغير سلوكيات الأفاعي ، فالتاريخ حلقة مفرغة ، تدور وتكرر نفسها ما لم يتعلم الناس منها الدروس والعبر ، فقد علمنا القرآن الكريم أن التاريخ وقصص الأولين ما هي سوى مدرسة لمن أراد التعلم والاعتبار (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)) سورة يوسف
سادسا: من يصدق كل ما يسمع ، ويتبع كل صوت مادام عاليا ، ويستظل بكل راية مادامت تبدو مرفرفة ، سهل التوجيه والانقياد ، عقله دوما في سبات ، والأخطر منه الذي لا يسمع إلا ما يريد سماعه ، كالمريض الذي يدور بين الأطباء عسى أن يخبره أحدهم أنه سليم ، خشية الجراحة ، وكالذي يدور بين المحللين والقنوات عسى أن يخبره أحدهم بأن الثورة في آمان ، خشية الاضطرار للعمل ، وسيجد حتما بغيته ، وسيسمع حتما ما يريد ، فيترك العلاج والحرص والعمل ، يتركهم رغم يقينه بأن المريض لا يزال مريضا والثورة لا تزال في خطر.
سابعا: سكان أستديو التحليل ، وأنا لا أعني هنا نخبة الفضائيات ، ولكن أعني كل مصري لا يكف لسانه عن الكلام والثرثرة ، ولا يكف عن التحليل ووضع الافتراضات والحلول النيرة ، ولا تجد له في الواقع أي أثر أو عمل ، ففي مصر ملايين القادة والمديرين مقابل عشرات الجنود والعاملين ، ملايين يُنظّرون ويتناظرون وفي كل موقف يختلفون بين القبول والرفض ، إلا أنهم يتفقون في شيء واحد وهو عدم التواجد على الأرض ، يناقشون الفقر ولا يحاربونه ، يناقشون الظلم ولا يتصدون له ، ويتصورون مستقبل مصر ولا يعملون من أجله ، يتحدثون عن المخاطر المتربصة بالثورة ولا يحمونها ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3)) سورة الصف
ستنتهي الثورة المصرية ولابد ، ستنتهي في وقت من الأوقات قرب أم بعد ، ستنتهي ويكتب نهايتها المصريون جميعا ، وهم حتى الآن في خيار ، هل يبدأون أخيرا حياة جديدة نظيفة ويبنون دولة حديثة متقدمة بعد نحو قرنين من الضياع؟ أم يضمون إلى سجلاتهم ثورة جديدة من الثورات الفاشلة ، ويتندر ويتعجب أحفادهم في المستقبل منهم ومن سذاجة أخطائهم ، كما تندروا هم وتعجبوا من الذين من قبلهم؟ هذا السؤال ، وعلى الشعب الإجابة.
-------------------------------------------------
    للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق