الجمعة، 2 ديسمبر 2011

عفوا ، كفاية اشتغالات



عفوا ، كفاية اشتغالات
معتـز عبد الرحمن


من ألطف التعليقات التي سمعتها منذ شهور على لقاءات المرشحين الإسلاميين (رئاسة وبرلمان) في الإعلام المصري الرائع ، هو أن الإعلاميين يسألون دوما المرشحين عن رأيهم في الخمر والملاهي الليلية والمايوهات دون اهتمام بآرائهم في الاقتصاد والسياسة والبحث العلمي وكأنهم مقدمون على حكم دولة ترفيهية بحتة! ولا يزال هذا التعليق الخفيف الظل مناسبا للأحداث الجارية واستمرار هذا المسلسل الهزلي المطروح في كل القنوات المصرية لا سيما بعد تقدم الأحزاب الإسلامية في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية.
إلا أن لدي طرح مختلف لهذه القضية أراه أكثر واقعية وأهمية ، إلى كل المعترضين على برامج الإسلاميين فيما يخص المحرمات ، أو ما يراها البعض رفاهيات وحريات شخصية ، أليس كل هذا الكلام مجرد ترجمة للمادة الثانية من الدستور التي من المفترض أنها محل إجماع وطني؟ والتي لم يصبح يعارضها أحد من الشخصيات السياسية والعامة والأحزاب على اختلاف توجهاتها ، وديانات ومرجعيات أصحابها؟ إذن ففيم الاعتراض والتعجب؟؟
 ومن هنا أرى أن الموافق على هذه المادة هو واحد من ثلاثة:
الأول: من يوافق عليها ويفهم معناها وما يترتب عليها ، وبالتالي تكون كل أفكاره وبرامجه متوافقة ومحترمة لهذا الدين  الذي هو دين الدولة ، وللشريعة التي هي المصدر الرئيسي للتشريع.
الثاني: من يوافق عليها ، لكنه لا يعلم أصلا ما يترتب عليها ، لجهله ربما بأحكام الشريعة الإسلامية – وإن كان مسلما- وعدم علمه بما تحرم وما تبيح ، وما تفرض وما تترك للحرية الشخصية، وهذا عليه أن يقرأ في الإسلام نفسه ابتداءا قبل أن يقرر ويضع نفسه في هذا التضارب الغريب.
الثالث: الذي يعلم معناها وما يترتب عليها جيدا ، ولا تعجبه ولا يريدها ، ولكنه اضطر لقبولها اضطرارا خشية من الشعب المصري المحب للدين بطبعه وإن لم يتدين الكثير من أبنائه ، وقد بدا ذلك جيدا من تراجعات الكثير من هؤلاء الشخصيات عن طلب إلغائها بعد ما شعروا بردة فعل عنيفة من الشعب المصري ، فلجأوا لخطة الحزب الوطني ، بأن يبقوها في الدستور ديكورا وذرا للرماد في العيون مع تفريغها الكامل من مضمونها ، وهذا ما يسعون إليه من مهاجمة برامج الإسلاميين فيما يخص هذا الأمر وتصويرها على أنها شيء من اختراعهم وليس من الإسلام ، دين الدولة ، ولا من الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ، وهؤلاء عندي منافقون قطعا ، والذين يرفضون هذه المادة أصلا هم عندي أكثر احتراما بكثير من هؤلاء المنافقين ، على الأقل لأنهم واضحين مع أنفسهم.
أما الرافض لهذه المادة من الأساس فهو أحد أثنين:
الأول: غير مسلم ، ورفضه لها منطقي ومتوقع ، وهنا بعدما أؤكد له على أن الشريعة الإسلامية تكفل له حقوق الاحتكام لشريعته فيما يخص أحواله الشخصية – على حد فهمي – أقول له أنت ترتضي أن تحكم بقانون وضعي في سائر الأمور الأخرى ، فلو سمحت اقرأ قليلا عن حقوقك في الإسلام كقانون عادي لأنك لا تؤمن به كدين وهذا حقك ، وقل لي أي القوانين الوضعية في العالم تعطيك في المجمل حقوقا أفضل من الشريعة الإسلامية؟
الثاني: المسلم ، وهو أخي وأحب إلي من نفسي ، وبعد أن أحييه على شجاعته ووضوحه أسأله ما هو مفهومك عن دينك الذي ارتضيت أن تلقى به ربك ، الذي ارتضيت أن يكون حجتك في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، فكيف لا تقبل أن تخضع لأحكامه بضع سنوات أو حتى العشرات ، وهل تظن أن الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج وعمل الخير سيكون كافيا لك يوم القيامة؟ ففي نفس الكتاب الذي فرض الله فيه عليك هذه الأمور ، قال تعالى (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) ) (1) ، وفي نفس الكتاب الكريم قال تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) (2) ، وقال تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (3) ، وقال تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (4) ، وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) (5)  ، واحذر أخي الكريم أن تكون ممن قال الله فيهم (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (6)
وأخيرا ، كفانا "اشتغالات" ولف ودوران ، وكفانا مكر وطعن من الظهر ، وليجب كل منا نفسه بصراحة عن السؤال الذي نطرحه باستمرار ، مشكلتك مع الإسلاميين أم مع الإسلام؟ إذا كانت فعلا مع الإسلاميين – وأنا مثلك – فليس من المفترض أن نعترض إذا ما قالوا شيئا موافقا لدين الله قرآنا وسنة ، ولكن علي وعليك الآن أن نبدأ في التفكير كيف نوجد آلية ، ونوجد وعيا وثقافة ، تكون بمثابة الرقيب على هذه الأحزاب وهؤلاء المرشحين حتى لا يطبقوا ولا يشرعوا أشياءا بأهوائهم تحت اسم الإسلام ، وكيف نتعرف نحن جيدا على ديننا حتى لا يخدعنا أحد باسمه ، وإذا كانت مشكلتك – عياذا بالله – مع الإسلام نفسه ، فهداك الله ، ولكن على الأقل ، تمتع بشرف الوضوح.
-------------------------------------------------
(1)   سورة المائدة ، 49 ،50
(2)   سورة المائدة ، 44
(3)   سورة المائدة ، 45
(4)   سورة المائدة ، 47
(5)   سورة الأنفال ، 24
(6)     سورة البقرة ، 85
    للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق