الخميس، 15 ديسمبر 2011

انصر دينــك ، وانتخبني!


انصر دينك ، وانتخبني!
معتـز عبد الرحمن


كنت صبيا في المرحلة الإعدادية عندما شاهدت الفيلم الشهير (الإرهابي) ، ورغم أنني كنت صبيا "عاديا" غير مسيس الفكر أو إسلامي التوجه – والدليل أنني كنت أشاهد أفلام عادل إمام – إلا أنني انتقدت الفيلم بشدة ورأيت أنه يمثل خطرا كبيرا ولابد من إيقافه ، لأنه وإن كان هدفه في الأصل التنفير من الجماعات الإسلامية المسلحة إلا إنه – في وجهة نظري حينها- كان يمثل دافعا للتعاطف معهم ، إذن أن الفيلم أحب أن يقدم صدام التطرف (عادل إمام) مع الاعتدال والوسطية (ذو الفقار وأسرته) فإذا به يقدم هذه الأسرة الوسطية على إنها أسرة منها شارب الخمر ، وفتاة الإعلانات صاحبة الملابس الخارجة ، والحفلات المليئة بالعري والخمور ، وهذه أمور مرفوضة أصلا عند كل مسلم "عادي" بالفطرة قبل أن تكون من الأمور المجمع على تحريمها فقهيا ، ولا تعجب عندما أقول لك أنني وفي هذه السن المبكرة والعقلية الطفولية التي تربت على كراهية الملتحين والمتدينين والخوف منهم ، كنت أرى أن الحل مع هذه الجماعات هو إلغاء كل المحرمات من المجتمع حتى لا يكون لهم حجة ولا يستطيعون تجنيد المزيد من الشباب المسكين تحت مسمى حماية الدين ومحاربة الفسق والفجور.

تذكرت هذا الفيلم وهذه التأملات القديمة ونحن نتحدث عن الدعاية الدينية في الانتخابات ، ونظرية (انصر دينك وانتخب الحزب الفلاني) ورغم إنني لم أسمع بها ، وربما للحيتي دور في هذا ، إلا إنها قيلت لبعض من أعرفهم ، فهي واقع موجود لا أنفيه ، ولكن علينا إن كنا عمليين وواقعيين أن نتأمل في أسبابها قبل أن نتشاجر مع من يمارسها ونطالب بشطبه واعتقاله ، لن أذهب بعيدا ، لن أتحدث عن أكثر من ثلاثين عاما كان شعائر الإسلام تهاجم فيه في الصحف المصرية ليل نهار ، الإسلام وشعائره وليس الجماعات الإسلامية ، أمهات المؤمنين وكبار الصحابة وليس الإسلاميين ، لن أتحدث عن أقوام هم الآن متصدري المشهد العام ظلوا لعقود يعارضون النظام إلا فيما يسيئ للقضايا الإسلامية ، يعارضون النظام إذا سحب كاميرا من مصور ثم يشيدون به إذا ضرب أي إسلامي بيد من حديد ، يتحدثون عن حقوق البهائيين وربما الشواذ ولا يتحدثون عن حقوق من سجنوا وظلموا وربما قتلوا لأنهم كانوا يصلون في المسجد لا أكثر ، ولا عن أقوام ظلوا طوال سنوات الطغيان لا يرون عيبا في الدستور التوريثي سوى المادة الديكورية الثانية للدستور ، وبعد الثورة لم يروا أن هناك شيء أهم من إزالتها ، بل طالب بعضهم بذلك حتى قبل التنحي ، ثم تراجعوا وهتفوا لأجلها تحت الضغط الشعبي كنتيجة طبيعية لرؤيتهم الدونية للشعب "الجاهل" ، فهم يظنون أنه ينخدع بسهولة اعتمادا على ضعف ذاكرته ، لن أتحدث عن كل هذا وغيره من الأمور التي تجعل المواطن البسيط المتدين بالفطرة يشعر بالخطر على دينه وهويته ، ولكني سأتحدث فقط عن مثال حي على الهواء مباشرة ، عن أقوام أرادوا أن يوقفوا المد الإسلامي المتقدم في الانتخابات فخرجوا على الناس يحذرونهم بأن هؤلاء سيمنعون عنكم الخمر ، وسيسترون نساءكم ، ليؤكدوا لهم أن الحديث عن الخطر المحدق بدينهم وقيمهم حقيقي وليست من صناعة التيار الإسلامي ، فهؤلاء لا يعلمون أن معظم الشعب المصري "العادي" كهذا الصبي السالف ذكره وليس كأسرة "ذي الفقار" ، وأنهم بأفعالهم هذه يدفعونه ليصدق أي إنسان يقول له: أنا سأحافظ على دين المجتمع وقيمه ، أنا لست مثلهم ، فأنصر دينك وانتخبني!!

وقبل أن يجتهد أي أحد في قراءة نواياي كالمعتاد ، أؤكد أنني هنا لا أهاجم الأحزاب الإسلامية أو أدعمها ، ولكنني أتأمل في الفروق بين المشهد الذي كنا نأمله والمشهد الذي نراه اليوم وأسبابه ، كنت أتمنى أن أكتب أنا الآخر لأهاجم الدعاية الدينية في الانتخابات ، ولكني إن فعلت ذلك سأكون كمن يقطع يد رجل سرق ليأكل في عام مجاعة ، لابد من القضاء على الأسباب أولا ، لابد أن يستشعر الناس أن دينهم وقيمهم في مأمن وأن شريعتهم مصونة مطبقة وحينها سيكون السباق سباق برامج وأطروحات نهضة، وهذا لن يحدث إلا برؤية ذلك واقعا ، لا بالتطمينات الفارغة التي يحاول البعض أن يلعق بها تصريحاته وكتاباته وأفعاله طوال عقود ، ثم يخرج بعدها يهاجم من يحرم الخمر والعهر ويطالب الأزهر بالتدخل!! ، وعندنا على الأرض نموذج لذلك ، فإن المتابع سيجد أن معظم العوام من أمثالي يحتارون بين أربعة فئات ، النور والحرية والعدالة والوسط والثورة مستمرة ، أما الثلاثة الأوائل فقد أمنوا المسلمين على الحد الأدنى من دينهم وقيمهم على التباين الشديد إن لم يكن التناقض الشديد بين طرحهم الإسلامي ، وستجد أن معظم المحتارين بينهم يقارنون الخبرات والبرامج بالفعل كما نحلم ونتمنى ، وأما الرابعة فميل البعض لها يتأتى من كون أكثريتها شباب ليس لهم تاريخ مكتوب او مقروء أو مرئي أو ملموس في هذا الصدد ، وإن كان منهم من يعتنق هذا الفكر إلا إن تاريخهم المعروف للعوام يتلخص في "ميدان التحرير" لا أكثر ، وهذا يؤكد أن نجاح الدعاية الدينية ليس نابعا من فراغ ، وليس نابعا من غفلة الشعب وجهله ، فهو الشعب الذي صدمنا وفاجأنا بنظريات التوازن التي جعلته على انصياعه واقتناعه بالدعاية الدينية يختار بعض الليبراليين ربما في نفس الدوائر كي يكونوا حجر عثرة أمام "فرعنة" التيار الذي اختاره لأسباب كثيرة منها الحفاظ على هويته الإسلامية التي هي النهر الرئيسي المنبثق عنه حب الوطن والانتماء إليه والدفاع عنه ، فالإسلام هو الحل الوحيد لإلغاء شعار (الإسلام هو الحل) ، وتطبيق الإسلام المنبثق عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا أهواء التيارات وعلماء السلاطين هو الذي سيقطع الطريق أمام كآفة الاستغلاليين والمتطرفين  ، إذ إنهم لن يجدوا لهم مكانا وسط هذا الشعب المتنعم بهويته وقيمه وأصبح لا يعنيه من بعدها في من يحكمه سوى قدرته على القيادة والتطوير والنهوض ، بدون حدوث ذلك سيظل انتقاد الدعاية الدينية في نظري كالحرث في الماء.
-------------------------------------------------------------------
    للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق