السبت، 24 ديسمبر 2011

الشعب يريد تطبيق شريعة "كاميرون"


الشعب يريد تطبيق شريعة "كاميرون"
معتـز عبد الرحمن


    لست بصدد نقاش ما حدث في الأيام الماضية في شارع القصر العيني ومجلس الوزراء والتحرير وما حولهم ، فقد قتلت الأحداث بحثا وتعليقا ، لم تترك جزئية فيها للنقاش ، حتى وصلنا لمرحلة أن نرى مناظرات بالأدلة والبراهين عن العباءة وما تحتها ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ولكني سألتقط طرفا من أطراف المناقشات والحوارات والمقالات التي أطلعت عليها في الأيام الخالية ، فأحد المحاور الرئيسية التي دار حولها الجدل في الأيام الماضية هو (حقوق الإنسان) أو إن شئت قل (حقوق اللي كان إنسان) ، فرأيت فريقا من المتأثرين بالفكر الثوري يعتمدون في استشهادهم على الصور والتقارير التي توضح كيفية فض الاعتصامات في الدول الغربية – مهد الديموقراطية – وكيف أنها تفض بمنتهى السلمية ، ولا يغيب عن ذهني صورة الشاب المحمول على أيدي الشرطة الأميريكية في (وول ستريت) كالسلطان المتوج ، وفي المقابل نشر كثير من المعارضين للاعتصام صورا لقوات مقاومة الشغب الغربية وهي تقمع المتظاهرين بمنتهى القسوة ، واستدلوا بمقولات لديفيد كاميرون مثل (إذا كان الأمر يتعلق بأمن بريطانيا القومي ، فلا يحدثني أحد عن حقوق الإنسان) ، ورغم أن هذا المستخف بحقوق الإنسان لم يسقط 17 قتيلا في مواجهة أعمال الشغب التي اجتاحت بريطانيا كلها وليس شارعا أو شارعين ، إلا أنني توقفت وتجرعت المرار الشديد عندما رأيت أن كثير من المستشهدين بأقواله والمستشهدين بقسوة الغربيين في فض الاعتصامات كانوا من المنتسبين للفكر الإسلامي المطالبين بتطبيق الشريعة!!

    نقطة ومن أول السطر أيها السادة ، فيبدو أننا نسينا أنفسنا ، نسينا حلمنا ودعوتنا وما نسعى إليه ، لقد عشنا سنينا مريرة لندعو الناس للعودة للإسلام ، ونتحدث عن أن الإسلام يكفينا ويحمينا ، وأننا لسنا بحاجة لأحكام غيرنا لتنصلح أحوالنا ، وأننا نأخذ من الغرب أمور الدنيا فقط ، العلم والتكنولوجيا وغيرها من الأمور التي سنأخذها كي نبني عليها وننطلق ونسبقهم تطبيقا لديننا الداعي للبناء والتحضر وعمارة الأرض ، بحت أصواتنا ونحن ننشأ هذا "الفلتر" الضخم وندعو الناس إليه ، أخلاقنا من ديننا ، مبادئنا من ديننا ، حقوقنا من ديننا ، ونأخذ من الغرب العلوم التي سبقونا إليها منضبطين بديننا ، ونسبقهم ونتفوق عليهم معتزين بديننا ،  ولكن يبدو أن الهزيمة النفسية التي دفعت الكثيرين منا لكثرة الاستشهاد بالغرب كي ندلل على أن الإسلام لا يخالف المدنية والحضارة أدت بنا إلى هذا الواقع المؤسف السخيف ، وهنا أصرخ في وجه الإسلاميين قبل الليبراليين والعلمانيين ، في وجه المسلمين "العاديين" الذين نزلوا أفواجا لانتخاب الأحزاب الإسلامية (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (1) ، منذ متى ونحن نحتج بالغرب في الأمور التي لدينا فيها نصوص؟ منذ متى ونحن نحتكم للغرب في حقوق الإنسان التي سبق إليها بل وانفرد بها الإسلام؟ هل لو أباح الغرب قتل النفس دون حق سنبيحه؟ هل لو أباح الغرب هتك العرض سنبيحه؟ فلما إذن نناضل من أجل منع الخمر المباح في الغرب؟ ولماذا نطالب بقطع يد السارق وهو أمر مخالف لحقوق الإنسان في مذهب الإمام كاميرون؟!  كنت انتظر من الذي يقفون بمصر على أعتاب الدولة الـ "إسلامية – إسلامية" أن يخرجوا علينا ليحللوا الأمور من المنظور الشرعي لا السياسي العلماني أو الغربي ، كنت انتظر أن أجلس وأتعلم منهم درسا عمليا عن حقوق الإنسان في الإسلام ، وكيف يتعامل الإسلام مع المخطئ – إذا كان مخطئا - ، كنت انتظر أن أسمع في سياق كلمات الشباب الإسلامي "العادي" الآيات والأحاديث لا تصريحات ديفيد كاميرون وهذا وذاك ، كنت انتظر أن تعف الألسنة وترقى المصطلحات وتناسب هذا الدين العظيم الذي نؤمن به ونحبه أكثر من أرواحنا ونستعد لبذلها في سبيل تطبيقه ، كنت انتظر ولازلت انتظر ولا أدري إلى متى سيطول انتظاري.

    وفي وسط هذا الضيق وهذا الانتظار المر ، وهذه التعليقات الفجة ، وهذه الحوارات السخيفة ، يظل نور الإسلام مشعا على ألسنة الكثيرين من أبنائه غير المشهورين للأسف ، وغير المتصدرين للمنابر الإعلامية ، الشباب الإسلامي الجميل الذي لا يبتغي غير الحق ونصرته ، الذي يطبق الشرع فعلا على نفسه ولسانه وأفكاره ، قبل أن يطالب بتطبيقه على غيره ، أختم خاطرتي – فهي ليست مقالا -  بـ "ستاتس" لأحدهم على الفيسبوك ، إقرأوها وأجلوا صدوركم ، وأحبوا دينكم وطبقوه على أنفسكم ، (تعقيبا على من تكلم في حق الفتاه ، عن عمران بن حصين: "أن امرأة من جهينة اعترفت عند النبي صلى الله عليه و سلم بالزنا فقالت إني حبلى فدعا النبي صلى الله عليه و سلم وليها فقال أحسن إليها ، فإذا وضعت حملها فأخبرني . ففعل ، فأمر بها فشدت عليها ثيابها ، ثم أمر برجمها فرجمت ثم صلى عليها " صحيح الترمذي، صححه الألباني ،،، امرأة زانية حبلى من الزنا ، ومعترفة ، فأمر النبي بالإحسان إليها ، ثم سترها أثناء إقامة الحد) هذا ما تعلمناه من نبينا صلى الله عليه وسلم ، ثم يقولون عن متظاهرة أنها تستحق الهتك لأنها تظاهرت واعتصمت ، ويقولون قال ديفيد كاميرون ، ويقولون نريد تطبيق شرع الله ، عذرا رسول الله ، عذرا رسول الله.
-------------------------------------------------------------------
(1)   سورة المائدة ، الآية (50)
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق