الاثنين، 26 ديسمبر 2011

الشعب المصري ، منقول بمواد



الشعب المصري ، منقول بمواد
معتـز عبد الرحمن


   إعدادي هندسة ،  كانت السنة الأولى والأخيرة والحمد لله التي أحصل فيها على (منقول بمواد) ، انتهت أجازة الصيف الكئيبة ، وبدأت معمعة العام الدراسي التالي ، عام رد الاعتبار ، زاد الحمل علي كثيرا لكثرة المواد المطلوب مذاكرتها وتداخل امتحاناتها ، شكوت لوالدي رحمه الله كي يواسيني ، وعلى عكس عادته الحنونة كان رده شديدا قاسيا ولكنه حفر في ذهني درسا لا أنساه أبدا ، قال أبي (هو أنت كنت فاكر إيه؟ مفيش حاجة بتروح كده ، كنت فاكر إنك هتقصر السنة اللي فاتت،  والسنة دي هيبقى زيك زي اللي مقصرش؟!) ، أدركت من كلمات أبي رحمه الله أن التحديات لا تواجه بالفضفضة ، وأن علاج الأخطاء لا يكون بالبحث عمن يواسيك و عمن يهونها عليك بغير حق ، وأن تقصيرك لن يمحوه شيء أو أحد ، ولا مفر من المواجهة الشرسة ومضاعفة الجهود لتعويض ما مضى سريعا ثم الانطلاق للمستقبل.
مرت الأيام ، تخرجت من الكلية والحمد لله (جيد جدا) ، ومات أبي ، وقامت الثورة ، ولا تزال كلماته تتردد في إذني كلما نظرت حولي وتأملت في أحوالنا  ورأيت أنه من الأمانة أن أبلغ نصيحته الغالية لشعب مصر الغالي.
منقول بمواد ، كل من قصر في فهم الواقع ودراسة السياسة ودراسة كيفية قيام الدول وبناء الأمم ثم جاء الآن ويريد أن يتساوى مع من أفنى عمره في ذلك دون أن يبذل مجهودا إضافيا كبيرا جدا ليعوض أيام التقصير.
منقول بمواد ، كل من تخلى عن الفكر الثوري طوال حياته السياسية الطويلة التي اعتمد فيها دوما على البحث عن التوافق ولو مع إبليس وعلى مسك العصا من المنتصف ، ولا يزال يريد مجاراة الشعب الثائر بنفس الفكر القديم دون تغيير أو تحديث ، يظن أنه الفائز لأنه حاز المقاعد ، ولا يدري أن المقاعد لم تحمي من قبله بل كانت وبالا عليه لأنه لم يفهم الواقع الجديد جيدا ، يظن أن فكره القديم ميزة وعبقرية ، وهو مواد محمولة على كتفه تسقطه يوما بعد يوم وهو لا يشعر.
منقول بمواد ، من عاش حياته كلها في الاستديوهات المكيفة ، مناظرا ومحللا ، وعلى صفحات الصحف ، كاتبا وناقدا ، ثم يريد أن يتساوى عند رجل الشارع مع من يعملون لخدمته على الأرض منذ عشرات السنين ، يشاركونه همه قبل فرحته ، ويمسحون دموع أبنائه وينتزعون بالحنان ضحكاتهم ، يريد أن يتساوى معهم وهو على كرسيه الوثير دون أن يتحرك بقوة ليعوض ما فات ويقترب ممن يريد أن يمثلهم اليوم.
منقول بمواد ، من سكت عن الفساد وشارك فيه طوال هذه العقود ، من مشى داخل الحائط وربى أبناءه على السلبية ، من شغلته الأفلام عن هموم وطنه ، وكره الجزائر في تصفيات كأس العالم أكثر من كرهه إسرائيل في تصفيات أجساد أطفال غزة ، من أغمض عينيه عن الحقيقة كي لا يواجهها ، وتلمس العذر للظالم وابتدع له مميزات كي يستر خوفه منه ومن بطشه ،  ثم يظن أن الأحوال ستنصلح بثورة 18 يوم فقط ربما لم يشارك هو فيها بأكثر من يوم أو يومين ، أو بالوقوف في طابور ساعة أو ساعتين ليدلي بصوته في انتخابات لم يعمل لها ، متمتعا بحرية لم يضحي لأجلها ،  ويظن ان فساده ستمحوه دماء غيره ، وسلبيته ستعوضها إيجابية غيره ، وأخطاءه ستصوبها تضحيات غيره ، وكأنه لم يشارك ولو بالسلبية في بناء قلاع الفساد وحصون الرجعية ، منقول بمواد من يظن أن مصر ستعود إلى أبنائها وستحكم العالم وهو لا يزال جالسا على أريكته التي اشتراها بالتقسيط "المريح" في عهد مبارك ، منتظرا عودة حقوقه على أيدي فلول مبارك ، أو على أيدي أحد المنقولين بمواد المذكورين سالفا دون جهد منه ويقظة وكفاح.
راسب ، من قرأ هذا الكلام واهتم فقط بإسقاطه على غيره ، ولم يبحث عن المواد المعلقة برقبته ، ولم يفكر في الدور الملقى على عاتقه ، وفي المجهود الكبير المطلوب منه لتعويض ما فاتنا جميعا ، ولم يبدأ فور نهاية القراءة في العمل الجاد المخلص لانقاذ ما تبقى من الثورة ، واستثماره في بناء مصر ومستقبلها.
مشكور ، من قرأ هذه الخاطرة وتذكر والدي رحمه الله بدعوة صالحة بظهر الغيب.

-------------------------------------------------------------------
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق