الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

ماسبيرو، حصانة التحريض ، وانكسار الموازين



ماسبيرو، حصانة التحريض ، وانكسار الموازين
معتـز عبد الرحمن


أخيرا وبعد طول إهمال ، قررت أن أذهب إلى الطبيب لأضع حدا لهذه الالام التي تعاودني حينا بعد حين ، ولإنني قبطي حتى النخاع كنت دوما أتعامل معها كما يتعامل معظم الـ 85 مليون قبطي مع أمراضهم ، يتألمون ، فيقررون الذهاب إلى الطبيب وما إن يسكن الألم يتركون الدواء والتعليمات الطبية حتى يعود المرض مرة أخرى وتتجدد الحلقة المفرغة ، اتصلت بالعيادة وحجزت ، وقبل النزول بدأ تتواتر أخبار صدامات بين القوات المسلحة ومسيرة للأقباط المسيحيين عند ماسبيرو ، لم يمر وقت طويل قبل أن نسمع عن استشهاد جنود من القوات المسلحة بنيران متظاهرين ، ألغيت المشوار ، وجلست أتابع في ذهول الأحداث ، وفي نفس الوقت كنت أشعر بيقين شديد لا أعلم مصدره أن الأمر سيمر بإذن الله ولن يتطور أكثر من ذلك ، وأن شمس العاشر من أكتوبر ستشرق والاشتباكات منتهية والأمن مستتب كما حدث في أحداث سفارة إسرائيل ومديرية الأمن ، وفتنة إمبابة ، وأحداث البالون وغيرها من الأحداث التي تعودناها بعد الثورة ، استيقظت في الصباح وآلام جسمي هادئة وعقلي يفكر جديا في إلغاء فكرة الطبيب ، وهنا أيقنت أنني عندما أفتح الأخبار سأسمع عن اجتماع (بيت العيلة) ، وعن شجب الأزهر وإدانة المفتي ، وعن مشاركة قبطية منتقبة في جنازة من سقطوا من الأقباط المسيحيين ، أيقنت أنني سأشاهد عشرات الصور للمصحف مع الصليب على الفيس بوك وفي الصحف ، وعلمت أننا نستعد لحلقة جديدة من الإجراءات التي فشلت لسنوات في حل قضية الطائفية ، كما فشل إهمال وتكاسلي في علاج آلامي.
حصانــــــة التحريـــــض
قررت التمرد على عاداتي القبطية ، وذهبت للطبيب رغم سكون الألم اللحظي ، عسى أن أبدأ بنفسي ويتبعني المصريون في التخلص من عادة المسكنات التي تدمر صحة الوطن وتسبب الخراب ، في كل مرة تتعرض مصر لأحداث طائفية نرى الأحضان والقبلات والتصريحات الودودة ، وفي نفس الوقت نرى أن مثيري هذه الفتن أحرار طلقاء ، لا يتعرضون لأي محاسبة أو مساءلة ، وليس هذا وحسب ، ولكنهم يظهرون على الشاشات وفي الصحف من أجل التحليل والنقد لأحداث وجرائم هم من صنعوها بمنتهى القذارة وللأسف بمنتهى الدقة والاحترافية ، يتم القبض على الشباب المشارك في الأحداث والذي ربما لا يكون له فيها ناقة ولا جمل ، ويستضاف صانعوا الكراهية وملوك التحريض في الفضائيات لا ليسيروا في جنازة من قتلوه فقط ، ولكن ليمثلوا بجثته ، ويعدوا العدة لفتنة قادمة بالتصريحات النارية والإدعاءات الكاذبة ، وتزييف الحقائق وبث السموم ، وها نحن نتعرض لحدث جلل ربما كان الأسوأ في السجل الطائفي إذ أنه ليس بين مجموعات من الشباب المتهور من الطرفين ، ولكنه بين الدولة ممثلة في الجيش المصري وبين مجموعات من الشباب المسيحي جاءوا قبل أيام من الحدث بحماس واندفاع رهيب وغير مفهوم ليهتفوا بأنهم (أصحاب الأرض دية) ، جاءوا مسبوقين بتهديدات غير مسبوقة للمحافظ وللمشير ، أما إذا عدنا بالذاكرة خمسة أشهر ، فسنجد أن تحت قيادة من لايزالون يتصدرون المشهد والشاشات الآن سمعنا لأول مرة في تاريخ مصر (الشعب يريد حماية دولية) ، وكان ينبغي من المسئولين التوقف عند هذه الإرهاصات ، ويدركوا أن الأمور خرجت من نطاق بيت العيلة والأوبريتات وأن للمشكلة جذور – تحدثت عنها في مقالي السابق (1) -  يجب أن تعالج وبسرعة ، وأن التطبيق الناجز للقانون والعدالة وإيقاف التحريض من كل الأطراف أصبحا جزءا من أمن مصر القومي  ، وإذا كانوا قد فشلوا في ذلك قبل أحداث ماسبيرو ، فعليهم ألا يفشلوا في المستقبل الذي بدأ الآن ، وينبغي أن تسقط الحصانة عن كل محرض يبث سمومه وأفكاره القذرة وأكاذيبه قبل أن يفوت الأوان.
انكســـــار الموازيـــن
كان أبي - رحمه الله - رجلا طيبا ودودا ، يحبه كل من يتعامل معه ولو لوقت يسير ، ويلجأون إليه في المشكلات ليحكم بينهم رغم حداثة معرفتهم به ، وفي إحدى المرات وهو يحاول الصلح بين زوجين علمني درسا لن أنساه ، قال لي (لو سمعت الزوج لوحده تبقى عاوز تضربها بالنار ، ولو سمعتها لوحدها تبقى عاوز تضربه بالنار ، فما تسمعش من طرف واحد أبدا يبني) ، تذكرت جملة أبي - رحمه الله - وأنا أشاهد الفيديوهات التي تظهر فيها مدرعات الجيش وهي تدهس المتظاهرين ، وأنا أشاهد صور الجثث الممزقة التي لا يعلم لها ملامح ، وأنا أشاهد التغطية المستفزة للتلفزيون المصري فأشعر بحنق شديد على الجيش والمجلس ومن يتشدد لهم ، وعندما أشاهد فيديوهات حرق المدرعات والجنود بداخلها وتكسير السيارات، وضرب متظاهر لجندي بحجر ضخم على رأسه ، وأشاهد شهادة طاقم قناة الحرة وقصة وفيديو سرقة المدرعة ينقلب قلبي على المتظاهرين ، وأميل لالتماس العذر للجيش على رد فعله العنيف ، لذا فينبغي التوقف عن الانحياز المطلق لأي أحد في هذه القضية وغيرها ، فقد انقسمنا – كالعادة – إلى فريقين للأسف ، ويزداد الأسف أننا انقسمنا قبل أن نشاهد حتى الفيديوهات ونسمع الوقائع وتبدأ التحقيقات ، انقسمنا إلى مؤيد مطلق للجيش ، ومؤيد مطلق للمتظاهرين ، فمعظم المعارضين للمجلس العسكري اتخذوها ذريعة لمواصلة الهجوم عليه ليل نهار دون تفكير ، ومعظم المنزعجين من تصرفات المسيحيين في الفترة الماضية اتخذوها ذريعة للهجوم عليهم ليل نهار ودون تفكير ، فريق لا ينشر سوى صور الدهس والجثث ، وفريق لا ينشر سوى صور الحرق والتكسير ، وأما الفريق الثالث الأكثر كوميدية ترك الجيش والمتظاهرين وأخذ يتهم "السلفي الخفي" الذي يحرض ضد المسيحيين ، وقبل أن أفيق من الضحك من هذا الكلام الذي يعني أن الجيش يأخذ أوامره من السلفيين ، وأن الجيش كان يسمع قناة الناس والرحمة فانفعل وفعل ما فعل ، فوجئت بأن هناك من يصرح – أو من تصرح – بأن كل مدرعة كان عليها ذقن ومصحف ، ولو فرضنا صحة الرواية التي لم تظهر في أي فيديو من الفيديوهات التي تغرق الانترنت ، فهذا أيضا يعني أن الجنود تأخذ أوامرها من المشايخ وليس من الضباط والقادة ، ولا أدري كل هؤلاء كيف سيقفون أمام الله تعالى والذي قال في كتابه الكريم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (2) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) (3) ، ينبغي أن يدرك شعبنا الحبيب أننا في مرحلة يقل فيها الأبيض والأسود ، ويكثر فيها الرمادي ، مرحلة قلما تجد فيها مصيب مطلق أو مخطيء مطلق ، والعدل والانصاف أن يذكر لكل إمرئ ماله وما عليه ، دون تقديس أو شيطنة.
العـــلاج الفــوري
لا تهاون ولا تطاحن ، لا محاباة ونفاق ولا معاداة وشقاق ، ولكن العدل والقانون ، يجب محاسبة كل من أخطأ في الماضي بفعل أو تحريض أو تهاون أوتخاذل فورا ودون إبطاء ، يجب أن يحاسب كل مخطيء دون النظر إلى ظهر بطاقته ، ولا أقول يجب وقف المحرضين والمتوعدين في وسائل الإعلام وحسب ،فهم لديهم أماكن أخرى للحديث والتحريض ، بل لابد من محاسبتهم ومحاكمتهم ، يجب أن ننهي مرحلة لي الذراع واستعراض العضلات وفرض الأمر الواقع ، فالمسيحيون يقولون أن "مضيفة" إدفو تحولت لكنيسة بتراخيص رسمية ، إذن فليجأوا للقانون والمحاكم لأن مطلبهم حينها سيكون مطلبا قانونيا وليس "ثوريا" يجلب بالاعتصام والتظاهر ، وإذا كان قضاء مصر بطيء وأحباله طويلة ، فهو كأس يتجرعه كل المصريين مسلمين ومسيحيين على سواء ، وبطء القضاء بلا شك خير من سقوط الدولة ، وبإذن الله إذا تكاتفنا وأنجحنا الثورة لن يكون القضاء بعد ذلك بطيئا ، يا شعب مصر ، اتق الله في مصر ، وكفانا عاطفية وانحياز وعدم موضوعية ، كفانا قصر نظر وسطحية، كفانا إهمال لقضايا أمن بلادنا القومي ، كفانا دماء وأشلاء ، ولا تغتروا بحفظ الله وستره ، فأخشى إن طال جحودنا وإهمالنا وعشوائيتنا أن نخسر الحفظ والستر وندخل في دوامات لا يعلم مداها إلا الله ، اللهم قد بلغت ، اللهم فاشهد.


-------------------------------------------------
(2)   سورة المائدة ، الآية (8)
(3)   سورة النساء ، الآية (135)
    للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق