الخميس، 22 أكتوبر 2020

هل فعلا لو عرفوا النبي صلى الله عليه وسلم سيحبونه؟!

لو عرفوه لأحبوه ، عبارة تتردد كثيرا كلما حدث هجوم واعتداء على شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الغرب، يرى قائلوها أن السبب الوحيد للهجوم على النبي صلى الله عليه وسلم أو الإسلام عموما هو جهل المهاجم بالنبي والإسلام، ولو رفع هذا الجهل لأحبوه قطعا وما هاجموه، فهل هذا الربط صحيح مطلقا؟ وما آثاره الأوسع مدى في واقعنا؟

إن للجهل دور بلا شك في هجوم ورفض البعض لشخص النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته، فهم لم يتعرفوا عليه جيدا ولم يدركوا حقيقته لذلك فهم يكرهون شخصا وشرعا مغايرين تماما للحقيقة، لذلك بعض من ترفع جهالته هذه بجهد شخصي منه أو بدعوة منضبطة من مسلم بالقول أو السلوك تتحول كراهيته إلى حب وعداوته إلى اتباع، ومما لا ريب فيه أننا كمسلمين مقصرين إجمالا بشكل كبير في تبليغ الإسلام بأسلوب صحيح قولا وعملا، ونحتاج لجبر هذا التقصير على الفور لننجو من الحساب قبل أن ننجي الآخرين من ضيق الدنيا والآخرة.

ولكن هل معنى ذلك أن كل كافر إذا رفعت جهالته سيؤمن وسيحب النبي صلى الله عليه وسلم؟ أو حتى معظمهم لا كلهم؟!

الإجابة من الواقع والتاريخ بل ومن القرآن الكريم.. لا، ليس بالضرورة

فقد كان أهل مكة هم أعلم الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأخلاقه وصفاته وكان من أحب الناس إليهم قبل بعثته وأعدلهم عندهم، هذا عن شخصه، أما عن دعوته وطريقة تبليغها فبلا شك أن بلاغه وأدواته فيه كان الأفضل والأكمل على الإطلاق لن يماثله في ذلك أحد من بعده، ومع اجتماع كل ذلك كان كفرهم وجحودهم وعداوتهم وتحول الحب إلى بغض في انتظاره بمجرد أن بدأ بالدعوة.

فهل كان عداءهم وكفرهم وسبهم له سببه عدم المعرفة به؟ أم عدم تبليغه؟ أم عدم تبليغه بطريقة جاذبة واضحة؟

(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) سورة الأنعام

هنا مكمن الخلل، فالاعتقاد الخاطئ بأن رفض الحق سببه فقط الجهل وأنه إذا ما اتضح الحق سيتبعه الناس ولابد أمر مخالف للمنطق والواقع المشاهد ولآيات القرآن الكريم وقصص الأنبياء كلها ، كما أن له آثار أكثر خطورة تؤدي لانحرافات فكرية ومنهجية واسعة، منها:

١ - ترسخ مفهوم أن رفض الحق يعني بالضرورة أن ثمة مشكلة وقصور في بلاغ الحق أدى إلى قيام البعض بتغيير الحق نفسه إذا رفضه الكفار، فأصبحنا نجد من ينكر مثلا أحاديث نبوية صحيحة وربما متواترة أو أحكام شرعية ثابتة مجمع عليها لأن بعض الكفار يرفضونها وينتقدونها بعدما وصلت إليهم، فبدلا من أن يقوم بواجبه وهو التأكد فقط أنها وصلتهم بصورة صحيحة ثم يدعهم يتخذون قرارهم الذي سيحاسبون عليه وحدهم بقبول الحق أو رفضه ( وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ ( 40 ))، أصبح يحاول حذف وتأويل كل ما لا يرضيهم ظنا منه أن هذا خدمة للدعوة ودفاع عن الإسلام الصحيح بزعمه، بعد أن وضع قاعدة واهية خاطئة وهي أن معيار الإسلام الصحيح هو قبول الكفار له فور تبليغه بطريقة صحيحة، وبذلك أصبح بعض من تصدوا في الأصل لدعوة الكفار والملحدين سببا في الكفر والإلحاد بعدما فرغوا الدين وأصوله من مضامينهم فشككوا المسلمين بدلا من أن يبلغوا الكافرين، فللأسف أغلب من يرفعون شعار (لو عرفوه لأحبوه) عند كل نازلة لتهدئة الناس ولنسبة خطأ الغير للنفس إما لا يقدمون شيئا أصلا لأجل التعريف به صلى الله عليه وسلم وبرسالته، وإما يقدمون بمنهجية خاطئة ناتجة عن خلل البذرة فيزيدون المسلمين بعدا عن الدين بدلا من أن يقربوا الآخرين إليه.

٢- جلد الذات الدائم وعدم اتخاذ مواقف جادة صلبة مع المعتدين لردعهم، فإن أخطأ مسلم لطموا الخدود وشقوا الجيوب على ما تسبب فيه من تشويه للإسلام بزعمهم، ودعموا كل موقف وإجراء صلب ضده من الداخل والخارج، أما إذا أخطأ كافر واعتدى لطموا الخدود وشقوا الجيوب مرة أخرى ولكن ضد المسلمين أيضا فهم من قد تسببوا في ذلك لأنفسهم ودفعوا الكافر المسكين والمعتدي البرئ لفعل هذا بسبب قصور فهمهم لدينهم وعدم تبليغهم له بصورة صحيحة ترضي الكفار، ورفضوا أي إجراء صلب ضد المعتدي المسكين لأنه طالما فعل هذا فهو لم يعرف! لأنه لو عرف ما فعل كما يزعمون! حتى لو كان الفاعل حكومات ذات أجهزة معلوماتية كبرى لا تأخذ معلوماتها من الإعلام كالعوام بل هي التي تصنع الأخبار، ويستحيل مع طبيعتها وإمكانياتها تصور وجود الجهل بالحقائق.

٣- ولعل من آثار هذا الخلل والانكسار المبالغة في الدفاع عن الرافض المعاند إلى حد التشكيك في أمور بديهية عقلا وشرعا كاستحقاق الكافر للنار، وهذا ما فصلت فيه في كتاب (أزمة البخاري)الفصل الخامس ومنشورات سابقة ولا مجال للإعادة هنا بشأنه، ولكن وجه الارتباط أن رفض الحق قد أصبح عيبا في الحق وحامليه دائما وليس عيبا في الرافض وبالتالي فلما يعذب ذلك الجاحد المسكين؟!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق