الثلاثاء، 8 نوفمبر 2011

كلنــا إسماعيل ياسين



كلنــا إسماعيل ياسين
معتـز عبد الرحمن


      بداية عنوان المقال ليس اسما لصفحة على الفيسبوك ، وإسماعيل ياسين هو الممثل الكوميدي المعروف وليس شابا مات بالتعذيب أو تم استدعاؤه للنيابة العسكرية ، وجدت نفسي أتذكر إسماعيل ياسين كثيرا هذه الأيام ، فالممثل الكوميدي الذي كان يعتمد في أفلامه على القيام بأمور غير منطقية أو على التلفظ بجمل غير متوقعة من أجل انتزاع الضحكات من مشاهديه ، أصبحت قفشاته الكوميدية أمورا طبيعية هذه الأيام ، فمثلا عندما ابتلع ياسين صفارة الشاويش عندما داهمته العصابة لم يكن يتصور أنه سيأتي اليوم ويكون الطبيعي أن يكون لدى المصريين جميعا القدرة على ابتلاع كميات رهيبة من اللفافات عندما تداهمهم الشرطة ، أو حتى داخل السجون دون أي مداهمة ، والذي كان يضحكنا بجملته الشهيرة للشاويش عطية (روح يا شويش ربنا ما يحرمك مني ) لم يكن يعلم أنه سيأتي اليوم وتكون هذه الجملة لسان حال أغلب القوى السياسية في مصر ، والتي باتت تلعب على احتياج واضطرار الناس لا على برامجهم وخططهم وأفكارهم تحت شعار (روح يا شعب ، ربنا ما يحرمك مني).
إسماعيل ياسين و المجلس العسكري
     (العمود الأخير) ، (مالناش غيره) ، (دواء مر لابد منه) وغيرها الكثير من الكلمات الواقعية ، هي بالفعل كلمات حق ولكن إذا أسيئ استخدامها تؤدي إلى باطل ، لا خلاف حول أهمية دور المجلس العسكري في المرحلة الانتقالية ، ولكن لا خلاف أيضا أن المجلس مجموعة من البشر ، ولا يوجد إنسان يستشعر أنه خيار الناس الأوحد ولا يطغى ويغتر إلا إذا كان نبيا أو من أولياء الله الصالحين ، لذا فقد أمر الإسلام أتباعه بضرورة المناصحة الدائمة والإنكار على الحاكم إن أخطأ ، وجعل الجاهر بالحق في وجه الحاكم مع سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، وطبق أبو بكر الصديق هذا الأمر بوضوح فور توليه للخلافة في دولة مضطربة في مهب الريح بعد وفاة رسولها الكريم صلى الله عليه وسلم ، دولة تم التوافق فيها على أبي بكر الصديق لمكانته العالية وقربه من النبي صلى الله عليه وسلم ، وربما لم يكن هناك من يناسب هذه المرحلة غيره ، ومع ذلك عندما خطب في الناس لم يقل لهم (مش عارف من غيري كنت هتعملوا إيه؟ ربنا ما يحرمكم مني) ولكنه قام وقال (أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فان أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني) ، إذن فكون المجلس هو آخر مؤسسة متماسكة في مصر لا يعني هذا أبدا الانفراد بالحكم وبرسم مستقبل شعب بأكلمه دون مشاركة رئيسية وتوجيه من الشعب صاحب الثورة الأصلي ، والأوحد بعد فضل الله وعونه.
إسماعيل ياسين و الأحزاب الإسلامية
    مخطئ من يظن أن حلم تطبيق الشريعة الإسلامية هو حلم الإسلاميين "الرسميين" فقط من الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية وغيرهم ، حلم تطبيق الشريعة حلم الكثيرين من الشعب المصري ، وهؤلاء هم العصب الانتخابي الذي ستعتمد عليه الأحزاب الإسلامية حتى التي لا تعلن صراحة أن هذا الحلم من ضمن برامجها ، ونسبة كبيرة من هذا العصب غير راضية عن أداء الأحزاب الإسلامية في الفترة الماضية ، وتنتقدها كثيرا وتسجل عليها الكثير من الملاحظات ، وهذه النسبة أصبحت تفكر في التصويت للأحزاب الإسلامية اضطرارا باعتبارهم "احسن الوحشين" أو أنهم الأقرب للحلم ، ومن هذا المنطلق أيضا بدأت أخشى على هذه الأحزاب من متلازمة (ربنا ما يحرمك مني) ، فشعورهم بأن محبي الشريعة سيتنخبونهم مهما حدث يجعلهم غير مضطرين إلى إصلاح وتطوير أنفسهم على الأقل في الفترة الحالية ، فأنا شخصيا عندما انتقد أداءهم المعيب – في وجهة نظري – أسمع كلمات من نوعية (يعني هتسيبهم وتتنتخب الليبراليين ولا الفلول؟) ، ومن هذا المنطلق أقول أن على محبي الشريعة الإسلامية أن يقوموا أحزابهم ، وأن يفهموهم أنهم ليسوا الخيار الوحيد ، وأن مقاطعة الانتخابات أو إبطال الصوت أو الحياة لخمس سنوات أخرى بدون تطبيق للشريعة سيكون أهون من أن اضطر لانتخاب حزب معيب قد يسئ للإسلام أكثر مما يخدمه ، ينبغي أن تعي الأحزاب الإسلامية أنها ليست أفضل من أبي بكر وعمر ، ينبغي ألا تمارس علينا إرهابا فكريا كالذي يمارسه الإعلام "المطبل" للمجلس العسكري على الشعب بأكلمه.
إسماعيل ياسين و الأحزاب الليبرالية
وإذا ذهبنا غير بعيد ، سنجد أن الأحزاب الليبرالية هي الأخرى تمارس نفس النظرية وتعاني من نفس المتلازمة ، فالناخب المصري المتخوف من تطبيق الشريعة سواء كان مسلما أو مسيحيا يجد نفسه أمام عدة اختيارات ، إما الحكم العسكري أو عودة الحزب الوطني المقنع أو الإسلاميون المقلقون أو الأحزاب الليبرالية ، وبالتالي بدأ بعض الليبراليين أيضا يسوقون أنفسهم على أنهم الأمل الوحيد للشعب المصري للحياة في دولة "مدنية" ، وأن الشعب إذا لم يختارهم فستتحول مصر إلى قندهار ، وسيهرب السياح وتمنع الخمور وتنقب النساء ويلتحي الرجال ، قلما تجد برامجا انتخابية ذات معنى ، البرنامج الانتخابي الفعلي مكون من عنصر واحد (أنا مش إخوان ولا سلفي) ، فانتخبني أحسن لك ، بالضبط كما كان يعرض مبارك علينا نفسه في أيامه الأخيرة (أنا مش فوضى) فدعني في الحكم أحسن لك ، وأصبحت هذه الأحزاب – أو بعضها – تمارس أمورا تتحدى الشعب أيما تحدي دون حياء ، بالموافقة على وثيقة المبادئ المخزية ، وترشيح فلول على قوائمهم وهم مطمئنون أن كل كارهي الإسلاميين سيتنخبونهم بهدوء ولو اضطرارا ، ولو استشعر هؤلاء أن للمتخوفين من الشريعة قدرة على عقابهم وإسقاطهم لخدموا الشعب واحترموا حريته ورغباته وما تكبروا عليه وتجاهلوه.
ربنا يحرمنا منكم
الحل الوحيد أن يعلن الشعب للجميع قدرته على الاستغناء عنهم ، مهما كان الثمن ومهما كان التعب ، ينبغي أن يعلم كل هؤلاء أنهم خدم عند الشعب ، وأنهم ليسوا الخيار الوحيد ، لقد دفعت مصر وفلسطين أثمانا باهظة عندما أعلنت مصر أن حرب أكتوبر هي آخر حرب مع اليهود ، وعندما أعلن العرب أن السلام هو الخيار الوحيد ، في حين أنه من لا يملك خيار الحرب لا يملك خيار السلام ، ومن لا يملك خيار الرفض والاعتراض لا يملك خيار الموافقة ، ومن لا يملك خيار إسقاط حزب لا يملك خيار انتخابه ، ينبغي أن يمتلك الشعب كل الخيارات ولا يضع نفسه في يد أحد ، هذا وهذا فقط ما يدفع كل هؤلاء لتصحيح وتصويب مواقفهم ومناهجهم وبرامجهم ، وما يدفع كل هؤلاء إلى احترام الشعب وإرادته والنزول على رغباته لأنه ببساطة لا يبالي إذا حرم منهم.
-------------------------------------------------
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
مدونة الكاتب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق