الجمعة، 9 مارس 2012

هل يخشى الغرب الإسلام أم الإسلاميين؟


معتـز عبد الرحمن



 لا يخفى على أحد أن العالم الغربي هو لاعب أساسي وعنصر مؤثر في الساحات السياسية والاجتماعية والثقافية للعالم العربي والإسلامي ، بل وفي المعتاد يكون دوره أكبر من دور أهل البلد أنفسهم في إدارة شئون الدولة ، إلى الدرجة التي تحولت معها الهيمنة الغربية - المهينة والمخيفة في آن واحد - إلى عقدة متناقضة في نفوس كثير من المسلمين ، فقد يحب أهل بلد رجلا لمجرد أنه مغضوب عليه من الغرب ويستدلون بذلك على أنه شريف حر ، وفي نفس الوقت قد لا يدعمون ويولون عليهم  نفس هذا الرجل المغضوب عليه  حتى لا يؤدي ذلك للصدام مع الخصم المخيف بحجة الحكمة والحنكة واختيار أخف الضررين، ولذلك فإن أكثر الحكام الذي نجحوا في الاستمرار في الحكم فترة طويلة هو الذي استطاع ارتداء خوذة النضال ضد الغرب دون أن يرفع شفتيه عن أقدامهم ، فحقق بذلك – ظاهرا – المعادلة الصعبة ، فهو أمام شعبه بطل مغوار ولكن بطولة مجانية لا تقحمهم في حروب أو حصار أو مجاعات ، وهي أمور صعبة على أمة انتزعت المهابة من صدور عدوها وقذف في قلوب أبنائها الوهن إلا ما رحم ربي من قلة صارت بعد ذلك مندسة.

صراع القوى هو سمة من سمات الكون والبشر ، سواء غاب المسلمون عن المشهد أو حضروا ، فقبل الإسلام كان النزاع قائم بين الفرس والروم ، وبين اليهود والعرب في الجزيرة العربية وغيرها ، إلا أن الإسلام فيه سمة مميزة ، هي أنه الوحيد الذي يوحد كل هذه القوى المتناحرة ضده ، فإذا بدا على أتباعه الضعف وخرجوا من المعادلة عاد خصومه لمعاركهم الخاصة ، فإن نبتت لأتباعه شوكة من جديد توحد الخصوم مرة أخرى عليهم ، وهذا أمر مشاهد للجميع ، ولا يمكن تجاوز هذه النقطة قبل أن أفصل أمرا هاما هو أصل المقال وهدفه ، وهو سبب الكثير من الجدل واللغط الدائرين حاليا ، هل مشكلة الغرب مع الإسلام؟ أم أن مشكلة الغرب مع المسلمين (أوالإسلاميين) ؟ فمن الخلط الشديد أن ندمج السؤالين أو نتصور أنهما مترادفين ، إذ أن الفارق كبير كما سيأتي.
في العقود القليلة الماضية سيطر الفكر العلماني (الصريح أو الباطن) على مجريات الأمور في معظم إن لم يكن في كل البلاد المسلمة ، بلدان حكامها مسلمون يصلون الجمعة والعيدين ، شعوبها مسلمة (في الصلاة والصيام والحج والحجاب...)  وعلمانية (في الحكم والتعليم والإعلام والجهاد وفي مسائل الانتماء للأمة الإسلامية وهمومها..) ، أصبح الإسلام فيها كما يقال في مصر بالعامية (إسلام بالبطاقة) ، إسلاما لا يعرف أتباعه منه غير أن (الضرورات تبيح المحظورات) ، وغير شريط القرآن الذي يعمل في ساعة النهار الأولى في محال وسيارات المسلمين ، والمصحف الذي يزين المكتبات والسيارات ، ومعاهد القرآن المسموح فيها بالتحفيظ والممنوع فيها دراسة التفسير فتخرّج حفظة قرآن ربما لا يحسنون الوضوء ولا يدرون معنى ما يقرأون ، وغيرها من المظاهر التي تعلمونها أكثر مني ، والشاهد أن في هذه العقود ظلت علاقة الغرب بحكام هذه الدول في أروع حالاتها وأقوى صورها حتى مع من وضعوا شعار التوحيد والسيف على راياتهم وطبقوا الحدود على أرضهم ، بل وحتى مع بعض من لم يعترفوا بإسرائيل ، وظل حكام هذه الدول يدا واحدة مع الغربيين على من سموهم (الإسلاميين) لا لأنهم يصلون ويصومون ولكن لأنهم تمردوا على علمانية (الحكم والتعليم والإعلام....) وظلت المعارك القمعية دائرة في البلاد المسلمة تحت رعاية دعاة حقوق الإنسان وحرية التعبير في العالم كما يزعمون.

من ذلك نجد أن المسلم في حد ذاته ليس هو الأمر المقلق للخصوم ، ولكن الذي يقلق الخصم حقا هو مدى تكامل إسلام هذا المسلم ، أقول ذلك الآن وفي ظل صعود التيار الإسلامي واقترابه من سدة الحكم في كثير من الدول العربية ، أقولها تذكرة لهم وللقارئ وللتاريخ أن التيار الإسلامي في حد ذاته كأشخاص هو أيضا ليس مصدرا للقلق ، ولكن المنهج الذي يحمله هو المرفوض بالنسبة لهم ، أقول أن الغرب في وجهة نظري قد يئس الآن من عودة الماضي القريب ، وأن إقصاء التيار الإسلامي من على الساحة لم يعد في الإمكان على الأقل في هذه المرحلة ، ولكن التحدي الحقيقي سيكون في مدى قدرة الغرب على اختراق هذا التيار وتحويله إلى نفس محتوى النظم السابقة ولكن في صورة إسلامية ، فالصورة إسلامية ترضي جوع الهوية التي تعاني منه الشعوب الإسلامية التي أنهكها حكم العلمانيين الطغاة ، وفي نفس الوقت تبقى مصالحهم في مأمن تام بعد أن يكونوا صنعوا إسلاميين بلا إسلام ، كما صنعوا من قبل مسلمون بلا إسلام ، سيضع الغرب بل والشرق وكل خصوم المسلمين أيديهم في أيدي أي أحد طالما أنه سيتنازل ولو قليلا ، لقد كانت قريش نفسها - رمز عداوة الإسلام في مهده - مستعدة للتحالف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مقابل أن  يتنازل قليلا (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا) (1) (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) (2) ،لكنه لم يفعل صلى الله عليه وسلم وظل ثابتا على الحق كما هو دون مداراة أو مداهنة حتى أظهره الله عليهم.

وملخص ما سبق ، أن قوة الإسلام الحقيقية في كماله وشموليته، فإذا ما انتقص منه شيء في التطبيق- لا سيما إذا كان هذا الشيء الناقص متعلق بمفاهيم العزة والكرامة وبناء الحضارة والجهاد - لم يعد هذا إسلاما يخيف الغرب أو يقلقهم ، بالعكس فهو قد يخدم مصالحهم أكثر ، ففي ظل وجود حكم علماني تنشأ جماعات إسلامية مناوئة له تزعجه وتزعج الغرب على سواء ، ولكن في ظل وجود حكم إسلامي من حيث المظهر يطبق بعض الكتاب ويتنازل عن بعض سيكون أكثر استقرارا وأصعب في التمرد عليه ولا يمثل لهم أي إزعاج ، بل أن خطورة مطبقيه المستأنسين على المسلمين أنفسهم ستكون أكبر بكثير من  خطورتهم على أعدائهم ، ويكفي أنهم قطعا ومع الوقت سيشوهون صورة الإسلام في عيون أبنائه ، فإذا شعر الصبي المسلم بأن الحكم الإسلامي لا يحقق له كرامته وعزته واستقلاله فسيبدأ في البحث عن غيره دون أن يفرق في الغالب بين الإسلام وبين من يدعون تطبيقه – الخطأ الشائع – وحينها سينتهي الدور المطلوب من تلك الحكومات ويتم الانقضاض عليها من جديد والعودة لنقطة الصفر ويختفي حتى المظهر الإسلامي ، أقول هذا الكلام اليوم ، ونحن بلا دستور أو رئيس ، وكل ما يملكه الإسلاميون مقاعد في مجلسي الشعب والشورى ، أقولها تذكرة وتحذيرا ، أذكر بها الإسلاميين بعدما كنت أوجهها لغيرهم ، أيها الإسلاميون التزموا بالإسلام كله ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) (3) ، (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (4) ، (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا (73) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا (74) إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) ) الإسراء.
 فإياكم أن تضعوا خصومكم في حساباتكم بالشكل الذي يؤدي إلى تراجعكم ولو جزئيا عما ضحيتم من أجله طوال هذه العقود ، إياكم أن تخالفوا ما علمتموه لتلاميذكم من أهمية الثبات على الدين كاملا والتضحية من أجله فتكونون ممن يقولون ما لا يفعلون ، إياكم أن تخالفوا ما اختاركم الناس من أجله ، إياكم أن تتركوا التوكل على مولاكم وتكونوا من الذين لا مولى لهم (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (5)
-------------------------------------------------
(1)   الإسراء ، الآية 73
(2)   القلم ، الآية 9
(3)   البقرة ، الآية 208
(4)   البقرة ، الآية 85
(5)   آل عمران ، الآية 160
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك
نشرت في شبكة رصد ، 8 مارس 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق