الجمعة، 22 أغسطس 2014

الشعب (لا) يريد تطبيق شرع الله




خواطر تحت الأنقاض (2)
الشعب (لا) يريد تطبيق شرع الله

كثير من الناس من لم يسمع طرح أكثر الإسلاميين إلا بعد الثورة ، لم يكونوا يعرفون ما هي مشكلة عبارة (حكم الشعب للشعب) لأنهم ببساطة لم يكونوا مخيرين أصلا في هذا الصدد ، فلم يكن الاحتمال قائما كي يبحثوا عن مدى شرعيته ، ولكن كان الكثير من الإسلاميين والدعاة يتناولون شرعيتها في المساجد والدروس والمقالات حتى مع عدم وجود الاحتمال ، وكان الجدل حولها يقع في كل مرة يدخل فيها الإخوان المسلمون الانتخابات البرلمانية ويكثر التساؤل عن شرعية المشاركة في الانتخابات (ترشحا وتصويتا) ، لم يسمع أكثر الناس عن الإسلاميين شيئا أصلا إلا بعد الثورة ، شاهدوا الذين ظهروا في الإعلام بعد التنحي ليتحدثوا عن احترام رغبة الشعب في الصناديق ، وعن طرح الشريعة للاستفتاء كمادة من مواد الدستور القابلة للقبول والرفض ثم للتعديل والحذف ، كانوا يقولون هذا على الملأ ليكسبوا قلوب الجماهير ، وكانوا إذا ما واجههم أحد - خارج الاستديو - بمخالفة ذلك لأبجدياتهم وللشريعة نفسها ولكلامهم السابق قالوا (نحن نعلم بالطبع ولكن هذا الطرح يجوز الآن لثقتنا في أن أغلب الشعب سيختار الإسلاميين الذين بالطبع سيطبقون الشرع ، لكن لو قلناها صريحة لن يقبلها الشعب فهو غير مهيأ لذلك)، نفس الشعب المتدين بالشريعة غير مهيأ لنفس الشريعة ولا عجب ، وزادت فتنتهم باختيار الناس للإسلاميين في البرلمان بنسبة 75% ، تحققت النبوءة في أذهانهم ، فرفضوا سماع أي متحدث أو ناصح يحاول أن يردهم لأبجدياتهم الشرعية ويحذرهم أن هذا منهج خاطئ يضر الناس في دينهم وعقيدتهم..
***
وكذلك في الحديث عن الحشود والميادين ، لقد أصمت جمعة 29 يوليو أسماع أكثرهم وأعمت أبصارهم وأعجبتهم كثرتهم فظلوا يلوحون بها ويعتمدون عليها وعلى أمثالها في الحديث عن أن الشريعة (إرادة شعب) بدلا من أن يعلموا الناس بالدليل أن الشريعة (أوامر الرب) تبارك وتعالى ، وظلوا يسخرون طوال حكم المجلس العسكري من أعداد المتظاهرين في الجمعات التي لا ترضيهم ثم يسخرون طوال عام مرسي من أعداد المتظاهرين في التظاهرات المعارضة ،، غلب الحديث عن الأعداد الحديث عن مشروعية المبادئ والطلبات، كثرت تحذيرات الناصحين ولكن بلا فائدة.
***
وبعيدا عن أن من وصل منهم للسلطة وللبرلمان لم يسع سعيا واضحا للتطبيق الموعود ، وأن مخالفتهم هم أنفسهم في أنفسهم للشرع كانت أكثر مما يتخيله أحد فقد جاءهم انذاران ليفيقا من هذا الباطل الذي شرعنوه بفتنة الصناديق تارة وفتنة الحشود تارة أخرى..

فاز مرسي في الصناديق هذه المرة بفارق ضئيل يدلل أن الصناديق لم تعد حكما حاسما كما كانت من قبل وأن البطيخة الصيفي آن لها أن تشق وتلقى خارج البطون ، وأن الحديث بعد ذلك عن أن تظل الشريعة خاضعة لإرادة الشعب لأن الشعب سينتخبنا عمليا لم يعد صحيحا بجانب كونه باطلا في أصله..
بدأت أعداد الحشود المعارضين تزيد فعلا حتى وصلت أقصاها في 30 يونيو .. وبعيدا عن التقدير العددي لهذه الحشود وتخاريف الأرقام ولكن لا أحد ينكر أن هذه الأعداد تزيد كثيرا عن أي أعداد أبدت معارضتها للإخوان والتيار الإسلامي من قبل ، أينعم كان الوقت قد فات والانقلاب المستخدم لهذه الحشود قد بدأ فعليا وسط غفلة المغفلين ، لكن كان من المنتظر أن يساهم ذلك في تصحيح طرح هؤلاء الإسلاميين بعد الانقلاب على الأقل ، ولكن لا يزال الحديث عن الشرعية والقوة والشعبية المستمدة فقط من الصناديق السابقة ثم الحشود الحالية هو الأغلب ، لا يزال الاهتمام بمقارنة الأعداد والطعن فيها قائما أكثر من الاهتمام بمقارنة الأفكار وعرضها على الشرع ، لازلنا مثلا نقرأ نفس التعليقات الساذجة على أخبار من عينة (مسيرة مؤيدة للمشير السيسي) إبان الانتخابات الرئاسية فتجدهم يعلقون (اللي خبى المسيرة يطلعها يا أخواننا) نظرا لقلة عدد المشاركين وما شابه..
***
من سمع أكثر الإسلاميين قبل الثورة يعلم أن أغلب أفعالهم وأقوالهم هذه جديدة عليهم ، لقد كان أكثرهم يستدل دوما على بطلان إعطاء حق التشريع للشعب بتشريع برلمانات أوربية لقوانين تبيح الشذوذ وما شابه رغم مخالفة ذلك للنصرانية ويحذر من حدوث ذلك في بلاد المسلمين إذا أقر حق التشريع المطلق للشعب لا للشرع ، ولست أدري بمنطقهم بعد الثورة هل كانوا يقبلون  بتشريع قانون كهذا إيمانا منهم أن الشعب محترم ولن يفعل ذلك!! ، ولا أدري لماذا أثناء معركتهم الوهمية السطحية في لجنة الدستور كانوا يكثرون من الاستشهاد بوجود مواد عن هوية الدولة الدينية في دساتير الدول الأوروبية - التي تبيح الشذوذ ومخالفة النصرانية كما كانوا يقولون.


لا يهم ما فات الآن وليست المشكلة أنك أخطأت وإن كان الخطأ فادحا وأفسد أفكار وعقائد الكثيرين ، ولكن المشكلة أنك لم تتراجع قديما بالأدلة عن هذا الطرح القاصر وفُتنت بأعداد المصوتين وأعداد المتظاهرين وفتنت الناس بها ، لم يصمد يقينك في الدليل أمام انبهار عيونك بالأعداد ، أما الآن لا تزال الأدلة أمامك كما هي بجانب أن فتنة الصناديق قد انتهت بتراجع شعبيتك - سواء بحق أو بباطل - كما أن الصندوق أثبت وهنه عمليا أمام الدبابة ، وفتنة الحشود قد تصدعت وأنت تعلم أن معارضيك وكارهيك - بحق أو بباطل - لو نزلوا لميدان التحرير لاحتاجوا أدوارا إضافية لتكفيهم بالضبط كما كنت تقول أنت عن حشودك في يوم 29 يويو 2011 .. لقد ثبت لك سوء تقديرك وبطلان توكلك على ما وصفته مرارا ب(تدين الشعب المصري) وأحيانا ب(سلفية الشعب المصري)، ومع ذلك لم تتراجع ولم تعد للحق الذي كنت تنظّر له كثيرا من قبل .. لماذا؟ وما عذرك؟
***
إن أسوأ ما قد كان متوقعا عام 2011 إذا ذكرت معتقدك على حقيقته وانتفعت فيه بهوامش الحرية التي أتيحت لأشهر بعدها لتوصيل معتقدك للناس أن تمنع من الوصول للسلطة نهائيا وأن تعود لأيام التضييق والأذى ، ولكن ستكون حينها أصلحت لكثير من الناس أفكارهم ومفاهيمهم لا سيما وقد كنت حينها محتفظا بمكانتك وهيبتك واحترامك على عكس ما حدث بعد ذلك ، بعد ثلاث سنوات ماذا نتج عن خطتك الحكيمة؟ الآن أنت خارج السلطة فعلا مطرودا لا ممنوعا والفرق كبير ، وتعيش تضييقا وأذى أشد مما كان ، وأضعت ما تبقى لك من مكانة واحترام بفعلك وليس بفعل الإعلام فقط ولكن الأخطر أنك ساهمت بنفسك في ترسيخ خلاف ما تعتقد وتؤمن به ، وذهبت وتركت الناس يستخدمون كلامك قبل كلام غيرك في الاستدلال على أن الشريعة خيار لا واجب شرعي على كل مسلم ، ناهيك عما طال هذا الخيار من تشويه بسبب تناقضاتك بشأنه وعدم وضوحك فيه، نحن الآن في 2014 ومشغولون منذ عام بالانقلاب ومعارضته ، إن كنت لا تزال مؤمنا بأفكار ما بعد 2011 فبرجاء نحي الشريعة تماما عن حيثيات ومنهجية معارضة الانقلاب وكن ثابتا على كنت تكتبه على منصة رابعة (مع الديموقراطية) وحسب، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي عن بينة ، أما إن كنت تراجعت ورجعت لأصولك الأولى في كون الشريعة واجبة التطبيق وليست برنامجا انتخابيا ماديا فادع إليها كما هي بيضاء نقية ولا تربطها أيضا بعودة شرعية ديموقراطية صندوقية بحتة ، وإن كنت تؤمن بالأخيرة ولكن تنتظر حتى يفشل الانقلاب لتبدأ في الدعوة والتبيين والوضوح فسأقول لك لأن يأتي عام 2020 أو 2060 والفكرة قد صوبت عند الكثيرين واتضحت مع وجود الانقلاب ونسله ، خير من أن نلتقي في نفس هذه الأعوام والانقلاب مهزوم ولكن الشريعة بعيدة عن القلوب والأذهان تماما ، لأنك حينها ستقول أن الشعب ليس مهيئا ونحتاج للتدرج و...... وستعيد نفس ما فعلت في 2011 بالحرف الواحد.. تعود لوصف الشعب بالمتدين بطبعه وتراهن عليه ولا يمضي وقت طويل حتى تسخر من نفس العبارة التي بنيت عليها كل نظرياتك وخططك .. بالضبط كما يحدث الآن..

#خواطر_تحت_الأنقاض


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق