السبت، 14 مايو 2011

الأيدي تبني ، والعيون تراقب الأحداث

الأيدي تبني ، والعيون تراقب الأحداث
معتـز عبد الرحمن


    يظن كثير من المصريين أن بناء البلاد لن يتم إلا في ظل الاستقرار التام وانعدام المشكلات ، وأن سفينة التقدم لابد أن تبحر في مياه هادئة هدوء حمام السباحة المغطى بلا أمواج أو رياح ، لذا كلما حدث أي اضطراب أوقفوا محركات السفينة التي لم تكد تبدأ العمل ، وانشغلوا بمتابعة الأخبار والبرامج والتحليلات ، وطفقوا يهاجمون الأحداث التي تعطلهم مطالبين بالاستقرار الكامل أو الخراب العاجل ، وحقيقة أن هذا السياسة لن تحقق تقدما أبدا لأن البحر لن يهدأ أبدا ، ولابد أن يعي المصريون هذه الحقيقة ولذلك لما يلي: 

أولا: مصر خاصة – والأمة الإسلامية عامة- ليست بلدا تافها أو أمة هامشية ، فهي كثيرة الأعداء والخصوم ، ومخدوع من يظن يوما أن هؤلاء سيتركون مصر تتقدم دون وضع عراقيل كثيرة ومستمرة لهذا التقدم ، فتعافي مصر وتقدمها خطر على كل هؤلاء في الشرق وفي الشمال وفي الغرب ، ومصلحتهم تستدعي إيقاف تقدمها بأي ثمن وبأي شكل ، لذا فعلينا أن نستيقظ لكل مؤامرتهم ، ونتدرب على العمل في ظل وجودها.

ثانيا: لقد ترك النظام السابق ميراثا ثقيلا من الجهل والفقر والفساد الأخلاقي والسياسي والإداري والثقافي ، مع الأخذ في الاعتبار أنني لا أعني بالجهل هنا الأمية ، فالجهل شديد التفشي في صفوف المتعلمين ، وهذه الأمور كلها بدأت تتسبب في مشاكل واضطرابات كثيرة ، وهذه النتائج ستستمر حتما لفترة لأن تغيير المجتمع وإصلاح العنصر البشري وتطويره خلقيا وثقافيا ونشر الوعي يحتاج لوقت خاصة في ظل إعلام لا يزال يتبع سياسات العهد السابق في التضليل والتعتيم ، لذا فالدوامات محلية الصنع أيضا حقيقة واقعة ولابد من مواجهتها بشجاعة وإصرار.

ثالثا: أنت لا تستطيع أن تجعل كل أبناء الوطن مخلصين له ، ففي كل أمة منافقون وموالون لأعدائها ، لا يتحرجون من التعاون معهم على حساب أوطانهم ، وهؤلاء بالطبع يتسببون في كثير من المشاكل خاصة في الدول الفتية التي لازالت في بداية الطريق ، وقد عانى منهم النبي صلى الله عليه وسلم في بداية دولته في المدينة المنورة لذا علمه الله تعالى وعلم أمته من بعده (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(1) ولشدة خطورتهم وتأثيرهم جعل الله عذابهم يوم القيامة أشد من عذاب العدو الصريح (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا)(2)

لهذه الأسباب وغيرها لابد أن نغير أسلوب تفكيرنا وتناولنا للأمور ، لابد أن نقضي على "الخفة" التي نعاني منها ، فكلما حدث أي حادث ترى الصراخ والعويل وانفلات الأعصاب والمانشيتات (البلد تحترق البلد تنزف البلد تسقط ) مما يدل على جهل المتناول بطبيعة الطريق وطبيعة المرحلة ، فكل ما يحدث في مصر الآن خطير ولكنه ليس مفاجئا ، وعلينا أن نكون على مستوى المسئولية ، وألا نحقق بخفتنا أهداف أعدائنا ، لابد أن تبقى الأيادى ممسكة بالدفة ولا تتركها أبدا ، وتبقى العيون مراقبة للأحداث يقظة للأخطار ، ربما نغير المسار قليلا ، أو نزيد السرعة أو نقللها حسب المتغيرات ، ولكن يبقى الاحتمال المستحيل هو إيقاف المحركات وتوقف الأيدي عن العمل بسبب ما تراه العيون من أخطار وأحداث.

 إن مرحلتنا الحالية تحتاج إخلاصا لله واستعانة به ، وشجاعة وإقدام ، وصبرا وثباتا وتحكما في الأعصاب ، وإعراضا عن صيحات المخذلين المتكسبين من الصراخ والعويل ، ولابد فيها من توفير مقومات البناء الأساسية من عدل ومساواة وتطبيق للقانون وعدم محاباة لأحد ، وإذا كان هناك من يريد لهذه البلاد أن تسقط بأي ثمن ، فلابد أن نقدم نحن أي ثمن من أجل استمرار مسيرتها وتقدمها ، لابد أن نعلم أن هذا الجيل عليه حمل ثقيل ، فقد أزاح الله بفضله ومنته من أمامه عقبة كئود جثمت على صدر الأمة لعقود ، فإذا قام هذا الجيل بدوره برجولة وإخلاص أثابه الله وسيحفر اسمه في التاريخ بحروف من نور ، وإذا أضاع الفرصة وأهمل الأمانة وجحد النعمة فليعد للسؤال أمام الله جوابا.
-------------------------------------------------------------
(1)   سورة التوبة – الآية 73
(2)   سورة النساء – الآية 145
للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق