الجمعة، 3 أغسطس 2012

السادس عشر، تصحيح مفهوم عند الحاكم والمحكوم



صفة بشرية تتسبب في الكثير من البلايا وتؤدي إلى فشل المجتمعات والأمم ، هي في رأيي مؤشر للتخلف والتراجع وتكفي للحكم المبدئي على أي دولة وتصنيفها حضاريا.

 (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)){الكهف} ، ينظر الكثير من الناس إلى منصب الحاكم على أنه منصب الـ"سوبر مان" ، يعلقون كل مشاكلهم عليه ، ويلتمسون كل مطالبهم منه ، هو صاحب العصا السحرية ووحده يتحمل المسئولية ، الكسل الشعبي صفة متوفرة وللأسف في شعوبنا وسبب في تخلفنا وهي منحدرة عبر التاريخ سبقنا بها قوم عانوا كثيرا من يأجوج ومأجوج وطغيانهم وإفسادهم في الأرض ، وفي ظل اشتداد كربهم وهمهم وغمهم جاءهم ذو القرنين فرأوا فيه المنقذ – وهو كذلك – فعلى الفور طلبوا منه العون والنجدة ، والملفت أنهم كان يعرفون الحل جيدا (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) ولكنهم لم يقوموا بتنفيذه بأنفسهم ، وحتى لما جاءهم ذو القرنين أرادوا أن يدفعوا له مالا ليبني هو السد وحده دون عمل منهم ، وهذا شأن الكثيرين ممن يظنون أن غاية واجبهم تجاه أمتهم وأوطانهم أن يشاهدوا حوارات المرشحين في الفضائيات ثم يذهبون للوقوف عدة ساعات في طوابير الانتخاب ، وبذلك يكونوا قد أدوا الخرج بزعمهم ، وعلى الفائز أن يبني وحده بينهم وبين الهموم سدا ويجعل بينهم وبين المشاكل ردما ، على الفائز أن يوصل الرخاء إلى المنازل ، وأن يوزع التطور والتقدم في الشوارع ، وأن يكون عادلا دون نصيحة من شعبه ، وأن يظل شريفا دون رقابة من قومه ، وأن يكون ابن الخطاب دون أن يجد حوله عثمان وعلي ، وألا يكون فرعونا رغم أن كل من حوله من عينة الملأ وهامان.
فإذا اتصف الشعب بهذه الصفة التواكلية السيئة يكون الحاكم في المقابل أحد ثلاثة رجال:

الأول: رجل وجد ملايين البشر ألقت عليه المسئولية وحده ، ويرون فيه أنه هو الحل والمنقذ وحده ، فيجاريهم على ما يريدون ويحقق من ذلك ما يريد ، يسحر أعينهم بالإنجازات وصفات القوة ولو كانت وهمية في مقابل امتلاك رقابهم وسحق إرادتهم ، (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52)) {الزخرف} ، يسلم الشعب الكسول ضعيف الهمة أمره إليه ، حتى لا يتحمل مجهود المساعدة في الخير وتضحيات المعارضة عند الشر ويقنع نفسه بإنجازات الطعام والشراب ولو جاءت على حساب الكرامة والحرية والشعور بالاحترام فتجده يقبل ببساطة أن يقال له (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ) {غافر-29} وهي إهانة لكل ذي كرامة والهمة العالية، مقبولة إن لم تكن محمودة عند كل ذي همة ساقطة.

الثاني: هو ذلك الحاكم الفاهم العادل ، فاهم يفهم أنه لا يستطيع أن يبني وحده مجدا حقيقيا خالدا دون شعبه ، وعادل لا يبتغي استعباد هؤلاء الكسالى ضعيفي الهمة كما فعل الأول ، فتجده كذي القرنين ، يأخذ بيد رعيته ويصنع منهم أمة مجيدة ، يشركهم في العمل ويبلغهم ويعلمهم - بالفعل لا بالخطب الرنانة - أنه لا غنى له عنهم ، يصرخ فيهم موقظا الهمم (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) ، يصنع شراكة حقيقية بين السلطة وبين الإرادة الشعبية وتأمل في آية البناء (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ) ، خطوة عليه وخطوة عليهم ، خطوة عليه وخطوة عليهم حتى تم الإنجاز الكبير (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) ، وبالقلب المؤمن النقي لم ينسب لنفسه المجد فخرا كالفرعون ولم ينافق شعبه (باسمكم وبكم وإليكم) ولم يتغافل عن ذكر ربه ورد الفضل إليه (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا).

الثالث: هو ذلك المسكين الذي يريد أن يقف بين بين ، ليس في طغيان فرعون وجبروته وطموحاته الذاتية ، وليس في شجاعة وعمق وفكر ذي القرنين ، يقبل أن يكون وحده هو المسئول فلا يستعين بشعبه كي يحقق رغباتهم التكاسلية آملا في نيل رضاهم ، ولكنه في ذات الوقت ليس قادرا على مواجهة المسئولية وحده ، فتجده متخبطا ، يقول بلسانه أعينوني ، ولا يطبقها على الأرض ، لا يستعين بشعبه من بعد الله في مواجهة التحديات العظام والأمور الجسام ، ويستعين بهم فما لا يفيد وفيما يزيدهم منه نفورا ،  وأمثال هذا لا ذاتا يحقق ولا شعبا يربي ولا مجدا يبني ، لا ينتصر على التحديات ولا يفوز بقلب الكسول ، لا ينال إعجاب أولي العزم ، ولا ينال رضا ساقطي الهمم ، وهذا أسرع سقوطا حتى من الصنف الأول ، وقد لا يجد التاريخ شيئا يذكر ليدونه عنه ، فهو يذكرني بشكل غير مباشر بمن وقفوا على الحياد في قصة أصحاب السبت فلم يستحقوا حتى الذكر ولم نعلم إلى الآن ماذا فُعل بهم.

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما.
للإطلاع على الأجزاء السابقة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق