الثلاثاء، 12 مارس 2013

الثانية عشرة، الحوار مع الخليفة والخروج عن السلمية



استخراج الحق من بحور البهتان ، فيما يقال عن الثورة على عثمان
جمع وترتيب
الشيخ أحمد جمعة
الحلقة الثانية عشرة
الحوار مع الخليفة والخروج عن السلمية

يصعد عثمان المنبر ويخطب في الناس موجهاً خطابه للثوار المارقين ( يا هؤلاء الغرباء الله الله ، فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعنون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فامحوا الخطأ بالصواب فإن الله لا يمحو السيئ إلا بالحسن.
فقام محمد بن مسلمة رضي الله عنه وهو من قدامى الصحابة وقال: أنا أشهد بذلك. وكان بجواره حكيم بن جبلة
فأجلسه بالقوة وسبّه ....
فقام زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه وقال: إن ذلك في الكتاب.
فقام محمد بن أبي مريرة وكان من أهل الفتنة أيضاً فجذبه وسبّه ...
ثم قام رجل اسمه جهجاه الغفاري وهو من أهل الفتنة أيضًا قام يخاطب عثمان بن عفان رضي الله عنه واتجه نحوه وأخذ منه العصا التي كان يتّكأ عليها وكسرها على ركبته وقال لعثمان رضي الله عنه: يا نعثل انزل من على هذا المنبر(نعثل تطلق على الظبي كثير الشعر وقد كان عثمان رضي الله عنه كثير الشعر كثّ اللحية وتقال هذه الكلمة أيضًا للشيخ الأحمق) وهذه أول مرة يُسبّ فيها عثمان رضي الله عنه علنًا أمام الناس
وبعد أن قيلت هذه الكلمة قام المتمردون جميعًا وأخذوا يحصبون- يضربونهم بالحجارة- الصحابة وعثمان رضي الله عنه وهو على المنبر وسالت الدماء على قميصه وحمله بعض الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا وأدخلوه بيته ولم يخرج بعدها منه وحاصر أهل الفتنة بيته رضي الله عنه وأرضاه واستُخلف أبو هريرة رضي الله عنه على الصلاة بالمسلمين وهذا هو الصحيح .

وعندما وجد عثمان رضي الله عنه أن الأمر قد وصل إلى هذا الحدّ وأن اللين لن يجدي مع هؤلاء المتمردين كتب رضي الله عنه رسائل إلى ولاته في الأمصار أن يرسلوا إليه بالجيوش لحل هذه الأزمة فكتب إلى معاوية بن أبي سفيان بالشام وكتب إلى أبي موسى الأشعري بالكوفة وإلى والي البصرة .

وإلى هذا الحين لم تظهر فكرة قتل الخليفة بل ما يطلبونه هو عزله وبعد ذلك خرج عثمان رضي الله عنه من شرفة بيته وبدأ يخطب في المتمردين فقال: أليس فيكم علي بن أبي طالب والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص؟- وكان الصحابة رضي الله عنهم مع الناس ولا يريدون الانصراف ويتركون عثمان رضي الله عنه- فوقفوا وقالوا: نعم نحن هنا وأشاروا إلى أماكنهم.

فقال عثمان رضي الله عنه: أنشدكم بالذي لا إله إلا هو تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ يَبْتَاعَ مِرْبَدَ بَنِي فُلَانَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ.
فابتعته فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني قد ابتعته.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجْعَلْهُ فِي مَسْجِدِنَا، وَأَجْرُهُ لَكَ؟ قال الصحابة: نعم.
قال عثمان رضي الله عنه: أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
مَنْ يَبْتَاعُ بِئْرَ رُومَةَ؟ فابتعتها بكذا وكذا فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت:إني قد ابتعتها.
قال:اجْعَلْهَا سِقَايَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَكَ أَجْرُهَا. ففعلت؟ قالوا: نعم نشهد بذلك.
فقال:أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر في وجوه القوم يوم جيش العسرة فقال:مَنْ يُجَهِّزُ هَؤُلَاءِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ. فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا؟  قالوا: اللهم نعم.
فقال: اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد.  ثم انصرف.
وكلمهم عثمان من بيته مرة أخرى وهو محصور فقال: أنشد بالله من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حراء إذ اهتز الجبل فركله بقدمه ثم قال: اسْكُنْ حِرَاءَ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ وأنا معه فانتشد له رجال.( أي شهدوا بأن ما يقوله حق.)
ثم قال: أنشد بالله من شهد رسول الله يوم بيعة الرضوان إذ بعثني إلى المشركين إلى أهل مكة فقال: هَذِهِ يَدِي وَهَذِهِ يَدْ عُثْمَانَ ووضع يديه إحداهما على الأخرى فبايع لي فانتشد له رجال.
ثم قال:أنشد بالله من شهد رسول الله قال: مَنْ يُوَسِّعُ لَنَا بِهَذَا الْبَيْتِ فِي الْمَسْجِد بُنِيَتْ لَهُ بِيْتًا فِي الْجَنَّةِ.
فابتعته من مالي فوسعت به المسجد. فانتشد له رجال.
ثم قال: أنشد بالله من شهد رسول الله يوم جيش العسرة قال: مَنْ يُنْفِقُ الْيَوْمَ نَفَقَةً مُتَقَبَّلَةٌ؟ فجهزت نصف الجيش من مالي. فانتشد له رجال.
ثم قال: أنشد بالله من شهد رومة يباع ماؤها ابن السبيل فابتعتها من مالي فأبحتها ابن السبيل. فانتشد له رجال.
ثم ... تظهر فكرة القتل ... يا ويحهم...  يَرُدُّون على ذي النوري بأحد خيارين إما العزل وإما القتل!!!!!!!.

موقف الصحابة رضي الله عنهم من هذه الأحداث
إن الروايات التي تملؤ كتب الروافض تقول: إن الصحابة رضي الله عنهم تخلّوا عن عثمان رضي الله عنه في هذه الأحداث ولم يدافعوا عنه لأنهم لم يكونوا راضين عن سياسته... سبحانك سبحانك هذا بهتان عظيم !!!!
وللأسف تناول هذا الإفتراء كثير من أهل السنة وأخذوا يرددونه على الناس ثم لا يجدون رداً !!!!

أخي ... اعلم أن كل هذه الروايات الكثيرة باطلة سنداً ومتناً ولولا المشقة عليك لأتيت بها واحدة واحدة وأثبت لك بطلانها من أقوال أهل العلم ... فإلى الله المشتكى

ولكن أريد منك ـ أخي القارئ ـ أن تتذكر أنه في بداية الفتنة جاء الصحابة رضي الله عنهم إلى عثمان رضي الله عنه وكان فيهم علي بن أبي طالب وابناه الحسن والحسين وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وغيرهم رضي الله عنهم جميعًا ولكن عثمان رضي الله عنه رفض أن يدافعوا بأسلحتهم عنه وعن المدينة وكان يريد أن تنتهي هذه الفتنة بطريقة سلمية وذلك لأن معظم الصحابة كانوا في الجيوش الفاتحة والباقي ذهب للحج في هذا العام منهم أمنا عائشة رضي الله عن الجميع فالقليل جداً من الصحابة بجوار عثمان ولا تنس أن أعداد هؤلاء المارقين كان ما بين الألفين والثلاثة آلاف.

إذن مبدأ الدفاع موجود ولكن لوازمه مفقوده فعدد الصحابة في المدينة قليل بالنسبة للمارقين ولم يرد أمير المؤمنين المجازفة بهم فانتظر وصول المدد

ولكن لكل مقام مقال فبعد اشتداد الأزمة أرسل الزبير بن العوام رضي الله عنه رسالة إلى عثمان رضي الله عنه يقول له فيها: إني استطيع أن أجمع لك بني عمرو بن عوف ( قبيلة كبيرة على بعد أميال من المدينة) فوافق عثمان رضي الله عنه وقال: إن كان ذلك فنعم.
ويقوم زيد بن ثابت الأنصاري ويقول له: إن الأنصار خارج الباب يقولون: إن شئت كنا أنصار الله إن شئت كنا أنصار الله كررها مرتين.
فقال عثمان رضي الله عنه: لا حاجة لي في ذلك فكفوا أيديكم.
ورجع عبد الله بن عباس رضي الله عنه قبل أن يخرج للحج وقال لعثمان رضي الله عنه: يا عثمان إن وقوفي على بابك أجاحف عنك- أي أدافع عنك- خير من الحج.
فقال له عثمان رضي الله عنه: لا حاجة في ذلك وأمره أن يذهب إلى الحج فأطاع عبد الله بن عباس رضي الله عنه.
وذهب أبو هريرة ومعه مجموعة من الصحابة إلى عثمان رضي الله عنه في بيته وقال أبو هريرة رضي الله عنه:
لقد سمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تَكُونَ بَعْدِي فَتْنَةٌ وَأَحْدَاثٌ.
فقلت: وأين النجاة منها يا رسول الله؟
فقال: الْأَمْيرُ وَحِزْبُهُ. وأشار إلى عثمان رضي الله عنه
فقال القوم: ائذن لنا فلنقاتل فقد أمكنتنا البصائر.
فقال عثمان رضي الله عنه في منتهى الصراحة والوضوح: عزمت على كل أحد لي عليه طاعة ألا يقاتل.
فقال أبو هريرة: يا عثمان طاب الآن الضراب معك فهذا هو الجهاد.
فقال له عثمان رضي الله عنه: عزمت عليك لتخرجن. فخرج أبو هريرة رضي الله عنه.
وكان رضي الله عنه في انتظار المدد الذي يأتيه من الشام ومن البصرة والكوفة لكن المسافة إلى تلك الأماكن بعيدة وكان أيضاً في انتظار بني عمرو بن عوف قوم الزبير بن العوام ولم يكونوا قد جُمعوا بعد.

وأمر آخر يتبادر إلى الذهن أن الصحابة الذين أطاعوا أمر الخليفة بعدم مواجهة الثوار المارقين بالسلاح هل أخطأوا ؟؟.
إن الإجابة على هذا الإشكال في هذا الحوار دار بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبين سعيد الخزاعي أحد التابعين وذلك بعد موقعة الجمل.
قال سعيد: إني سائلك عن مسألة كانت منك ومن عثمان.
فقال علي رضي الله عنه: سل عما بدا لك.
فقال سعيد: أي منزلة وسعتك إذ يقتل عثمان ولم تنصره؟
فقال علي رضي الله عنه: إن عثمان كان إمامًا وإنه نهى عن القتال وقال: من سلّ سيفه فليس مني. فلو قاتلنا دونه عصيناه.
فقال سعيد: فأي منزلة وسعت عثمان إذ يستسلم؟
قال علي رضي الله عنه: المنزلة التي وسعت ابن آدم إذ قال لأخيه: [لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ] {المائدة:28}. فسكت سعيد الخزاعي.

وقد يتبادر الآن إلى ذهنك ـ أيها القارئ ـ هذا السؤال: لِمَ لَمْ يتنازل عثمان رضي الله عنه عن الخلافة لعلي أو الزبير أو طلحة رضي الله عنهم جميعًا وكلهم من الصحابة الأخيار ومن المبشرين بالجنة ؟

نقول: لو فعل ذلك لكان مخالفًا للشرع وللنص الصريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي الحديث عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عُثْمَانُ إِنْ وَلَّاكَ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ يَوْمًا فَأَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تَخْلَعَ قَمِيصَكَ الَّذِي قَمَّصَكَ اللَّهُ فَلَا تَخْلَعْهُ يَا عُثْمَانُ إِنْ وَلَّاكَ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ يَوْمًا فَأَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تَخْلَعَ قَمِيصَكَ الَّذِي قَمَّصَكَ اللَّهُ فَلَا تَخْلَعْهُ يَا عُثْمَانُ إِنْ وَلَّاكَ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ يَوْمًا فَأَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تَخْلَعَ قَمِيصَكَ الَّذِي قَمَّصَكَ اللَّهُ فَلَا تَخْلَعْهُ.
وكرّر صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاث مرات

وتتفاقم الأحداث ويشتد الحصار ويُمنع عن عثمان الماء ثم ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق