الثلاثاء، 12 مارس 2013

الثالثة عشرة ، استشهاد الخليفة الراشد



استخراج الحق من بحور البهتان ، فيما يقال عن الثورة على عثمان
جمع وترتيب
الشيخ أحمد جمعة
الحلقة الثالثة عشرة
استشهاد الخليفة الراشد

دخل عبد الله بن عمر على عثمان رضي الله عنهم وكان ابن عمر يرى ما يرى عثمان من الرأي بعدم التصادم مع هؤلاء المتمردين وإن أدى ذلك إلى قتله فقال له عثمان:
انظر إلى هؤلاء يقولون: اخلع نفسك أو نقتلك.
فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: أمخلّد أنت في الدنيا؟      فقال: لا
فقال: هل يزيدون على أن يقتلوك؟                                   فقال: لا
فقال: هل يملكون لك جنة أو نارًا؟                                   فقال: لا
فقال ابن عمر رضي الله عنه: فلا تخلع قميصًا قمّصه الله لك فتكون سنة كلما كره قومٌ خليفتهم خلعوه أو قتلوه.

وبعد إعلان المتمردين تخيير الخليفة بين القتل أو الخلع خرج إليهم رضي الله عنه وأرضاه من شرفة بيته وقال لهم: يا قوم علام تقتلونني؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ، رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ، فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ، أَوْ قَتَلَ عَمْدًا، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، أَوِ ارْتَدَّ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ.
فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا قتلت أحدا فأقِد نفسي منه ولا ارتددت منذ أسلمت إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فبم تقتلونني؟

وتحكم الشيطان والهوى من قلوب المارقين وخرج لهم عثمان رضي الله عنه في يوم آخر وقال لهم: والله لئن قتلتموني لا تتحابوا بعدي ولا تصلوا جميعًا أبدًا ولا تقاتلوا جميعًا أبدًا عدوًا.
وقد صدق رضي الله عنه فبعدما قُتل انحل العقد ودارت الفتنة منذ هذا العهد حتى وقتنا هذا.

وبدأ المتمردون يدخلون في مرحلة جديدة وهي أنهم منعوا الطعام والشراب عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ولما علم عثمان رضي الله عنه ذلك خرج لهم وقال: أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ضاق المسجد بأهله فقال: مَنْ يَشْتَرِي هَذِهِ الْبُقْعَةَ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فَيَكُونُ فِيهَا كَالْمُسْلِمِينَ وَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ؟  فاشتريتها من خالص مالي فجعلتها بين المسلمين وأنتم تمنعوني أن أصلي فيه ركعتين.
ثم قال: أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن بها بئر يُستعذب منه إلا بئر رومة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ يَشْتَرِيهَا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ. فاشتريتها من خالص مالي وأنتم تمنعوني أن أشرب منها شربة.
ثم قال: هل تعلمون أني صاحب جيش العسرة؟  فقالوا: نعم.  فقال: اللهم اشهد. ودخل إلى بيته.
يااااااااالله !!! كيف يمنع الطعام والماء عن خليفة المسلمين صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟؟

فقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فحمل الماء في قربة وركب على بغلته ودخل بين صفوف المتمردين وهم يقرّعونه بغليظ الكلام وهو يزجرهم وينهاهم حتى قال لهم: والله إن فارس والروم لا يفعلون كفعلكم هذا بهذا الرجل والله إنهم ليأسرون فيسقون ويطعمون.
والسيدة أم حبيبة أم المؤمنين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حملت في ثوبها الماء وغطته وذهبت على بغلتها حتى تسقي عثمان رضي الله عنه في بيته فالتفّ حولها المتمردون وقالوا لها: ما جاء بك؟
فقالت: عند عثمان وصايا بني أمية لأيتام وأرامل فأحببت أن أذكره بها فكذبوها في ذلك ودفعوها فسقط الماء وقطعوا حزام البغلة ودفعوها فكادت أن تسقط أم المؤمنين رضي الله عنها وفي رواية أنها سقطت وكادت أن تُقتل لولا أن قام إليها جماعة من الناس وأنقذوها.

ومنع المجرمون الماء أن يدخل إلى عثمان رضي الله عنه ولم يكن يصل إليه ماءٌ إلا من جاره الملاصق له عمرو بن حزام وهذا في أول يومين فقط وفي اليوم الثالث منعوا الماء تمامًا وهو يوم17من ذي الحجة سنة35هـ
واقتربت جيوش الشام والبصرة والكوفة قد من المدينة وعلم المتمردون فخافوا من ذلك وكانت الجيوش القادمة ضخمة فقد أرسل معاوية رضي الله عنه جيشًا كان على رأسه حبيب بن مسلمة وعلى رأس جيش الكوفة القعقاع بن عمرو التميمي وعلى رأس جيش البصرة مجاشع بن مسعود وعلى رأس الجيش القادم من مصر معاوية بن حبيش.
أما الأمراء فقد مكثوا في بلادهم حتى لا تحدث الفتن في الأمصار التي هم عليها إن تركوها وقدموا مع الجيوش إلى المدينة.
وعزم المتمردون عزمًا أكيدًا على قتل عثمان رضي الله عنه قبل دخول هذه الجيوش إلى المدينة المنورة.

وفي اليوم التالي الخميس السابع عشر من شهر ذي الحجة سنة 35هـ  يصبح عثمان بن عفان رضي الله عنه صائمًا ويحاول الصحابة رضي الله عنهم إيصال الماء إليه لكنهم لا يستطيعون ويأتي وقت المغرب دون أن يجد رضي الله عنه شيئًا يفطر عليه لا هو ولا أهل بيته ....... وفي وقت السحر استطاعت زوجته الصابرة الوفية السيدة نائلة بنت الفرافصة أن تحصل على بعض الماء من البيت المجاور خفية ولما أعطته الماء قالت له: أفطر نظر رضي الله عنه من النافذة فوجد الفجر قد لاح فقال: إني نذرت أن أصبح صائمًا.
فقالت السيدة نائلة: ومن أين أكلتَ ولم أرَ أحدًا أتاك بطعام ولا شراب؟

فقال رضي الله عنه: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اطّلع عليّ من هذا السقف ومعه دلو من ماء فقال: اشرب يا عثمان. فشربت حتى رويت ثم قال: ازدد. فشربت حتى نهلت ثم قال صلى الله عليه وسلم لعثمان رضي الله عنه: أما إن القوم سينكرون عليك فإن قاتلتهم ظفرت وإن تركتهم أفطرت عندنا. فاختار رضي الله عنه لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لشوقه إليه ولِيَقِينِهِ بأنه سوف يلقى الله شهيدًا ببشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم له من قبل.

وأشرق صباح يوم الجمعة 18 من ذي الحجة سنة 35هـ ودخل كثير بن الصلت أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم على عثمان وهو يقول له: يا أمير المؤمنين اخرج فاجلس في الفناء- أي فناء البيت- فيرى الناس وجهك فإنك إن فعلت ارتدعوا.
فقال عثمان رضي الله عنه: يا كثير رأيت البارحة وكأني دخلت على نبي الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر وعمر فقال: ارجع فإنك مفطر عندي غدًا.
ثم قال عثمان رضي الله عنه: ولن تغيب الشمس هذا اليوم والله إلا وأنا من أهل الآخرة.

وخرج كثير بن الصلت رضي الله عنه بأمر عثمان بن عفان رضي الله عنه وأمر عثمان رضي الله عنه بالسراويل أن تُعدّ له لكي يلبسها وكان من عادته رضي الله عنه ألا يلبسها في جاهلية ولا إسلام وقد لبسها رضي الله عنه لأنه خشي إن قُتل أن يتكشف فلبس السراويل ووضع المصحف بين يديه وأخذ يقرأ في كتاب الله.
ودخل عليه أبناء الصحابة للمرة الأخيرة وطلبوا منه أن يسمح لهم بالدفاع عنه فأقسم عثمان رضي الله عنه على كل من له عليه حق أن يكفّ يده وأن ينطلق إلى منزله ثم قال لغلمانه: من أغمد سيفه فهو حرّ فأعتق بذلك غلمانه وقال رضي الله عنه أنه يريد أن يأخذ موقف ابن آدم الذي قال: [لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ
إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ(28)إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ] {المائدة:28،29}. فكان آخر الناس خروجًا من عند عثمان رضي الله عنه هو الحسن بن علي رضي الله عنهما.

وصلى عثمان رضي الله عنه صلاة نافلةٍ ختم فيها سورة طه ثم جلس بعد ذلك يقرأ في المصحف.
ودخل عليه رأس من رءوس الفتنة يُسمى كنانة بن بشر التجيبي وبيده شعلة من نار وحرق بابَ بيتِ عثمان رضي الله عنه ودخل ومعه بعض رجال الفتنة ثم دخل رجل آخر يسمونه الموت الأسود قيل إنه عبد الله بن سبأ وقيل غيره فخنق عثمان بن عفان رضي الله عنه خنقًا شديدًا حتى ظن أنه مات فتركه وانصرف ....

ودخل بعد ذلك محمد بن أبي بكر الصديق وكان هو الوحيد من الصحابة الذي شارك في هذه الفتنة في هذا الوقت فدخل عليه وكان يظنه قد مات فوجده حيًّا فقال له:على أي دين أنت يا نعثل؟! ( ونعثل هذه سُبّة تُقال للشيخ الأحمق وللظبي كثير الشعر)  فقال عثمان رضي الله عنه : على دين الإسلام ولست بنعثل ولكني أمير المؤمنين.
فقال: غيّرت كتابَ الله.  فقال عثمان رضي الله عنه: كتاب الله بيني وبينكم.
فتقدم إليه وأخذ بلحيته وهزّه منها وقال: إنا لا نقبل أن نكون يوم القيامة مما يقول: [رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا] {الأحزاب:67}.

فقال عثمان رضي الله عنه: يا ابن أخي إنك أمسكت لحية كان أبوك يكرمها.
وكأن عثمان رضي الله عنه أزال بهذه الكلمات غشاوة كانت تحجب الحق والصواب عن قلب محمد بن أبي بكر وتذكر تاريخ عثمان رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبيه الصديق رضي الله عنه ومع المسلمين فاستحيا محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما وخارت يده من على لحية عثمان وبكى ثم وقف وتركه وانصرف....
ولكن وجد القوم يدخلون على عثمان رضي الله عنه فأمسك سيفه وبدأ يدافع عن عثمان رضي الله عنه ولكنهم غلبوه فلم يستطع أن يمنعهم وهذا ما شهدت به السيدة نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان رضي الله عنه.

ثم دخل على عثمان رضي الله عنه المجرم كنانة بن بشر وحمل السيف وضربه به فاتّقاه عثمان رضي الله عنه بيده فقطع يده فقال عثمان رضي الله عنه عندما ضُرب هذه الضربه: بسم الله توكلت على الله.
فتقطرت الدماء من يده فقال: إنها أول يد كتبت المفصل. ثم قال: سبحان الله العظيم.
وتقاطر الدم على المصحف على كلمة [فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ] {البقرة:137}.
وهجم عليه المجرم كنانة بن بشر وضربه بعمود على رأسه فخرّ رضي الله عنه على جنبه وهمّ كنانة الملعون بالسيف ليضربه في صدره فانطلقت السيدة نائلة بنت الفرافصة تدافع عن زوجها ووضعت يدها لتحميه من السيف فقُطعت بعض أصابعها بجزء من كفها ووقعت السيدة نائلة رضي الله عنها.وطعن كنانةُ عثمانَ رضي الله عنه في صدره ....
ثم قام سودان بن حمران بحمل السيف وطعن عثمان رضي الله عنه في بطنه فمال رضي الله عنه إلى الأرض فقفز على بطنه واتّكأ على السيف بجسده ليتأكد من اختراق السيف لجسد عثمان رضي الله عنه ومات رضي الله عنه وأرضاه بعد هذه الضربة.... لا إله إلا الله والله إن القلب ليحترق...
ثم قفز عليه عمرو بن الحمق وطعنه في صدره تسع طعنات وقال: هذه الثلاثة الأولى لله وهذه الست لشيء في نفسي.
واستشهد ذو النورين عثمان رضي الله عنه وأرضاه زوج ابنتي الرسول صلى الله عليه وسلم والمبشَّر بالجنة وثالث الخلفاء الراشدين ...
وبعد أن قتلوه نهبوا ما في بيته وهم يقولون: إذا كان قد أُحلّ لنا دمه أفلا يحل لنا ماله؟
وأخذوا كل شيء حتى الأكواب ولم يتركوا شيئًا ثم همّوا بعد ذلك أن يقطعوا رأس عثمان رضي الله عنه فصرخت السيدة نائلة والسيدة أم البنين زوجتاه وصرخت بناتُه فقال المجرم عبد الرحمن بن عديس وهو أحد رءوس الفتنة: اتركوه. فتركوه وبينما هم خارجون قفز غلامٌ لعثمان رضي الله عنه على سودان بن حمران أحد قتلة عثمان رضي الله عنه فقتله فقام رجل من أهل الفتنة يُسمّى قترة فقتل الغلام... فقام غلامٌ آخر وقتل قترة فقام القوم وقتلوا الغلام الثاني.
وقتل بعض أبنائهم الصحابة وجُرح عبد الله بن الزبير وجُرح الحسن والحسين رضي الله عنهم جميعًا.
ثم توجه هؤلاء الفجرة الخوارج إلى بيت مال المسلمين وحاولوا أن يأخذوا المال فصرخ حراس بيت المال: النجا النجا.
ولكن غلبهم أهل الفتنة واستطاعوا الاستيلاء على أموال كثيرة من بيت المال وصاح حفظة بيت المال: والله إنهم قوم يريدون الدنيا وما أرادوا الإصلاح كما قالوا.
أما الجيوش التي كانت على مشارف المدينة مرسلة من ولاة عثمان فقد رجعت إلى أمرائها بعد معرفتها بمقتل عثمان وتولية عليّ رضي الله عنه.

استشهد الخليفة الراشد كما بشره النبي صلى الله عليه وسلم على أيدي المنافقين الذين أخبره بهم النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل الجنة على بلوى تصيبه كما وعده النبي صلى الله عليه وسلم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق