السبت، 30 أكتوبر 2010

عندما يموت الجد


في يوم غير بعيد أصبحت على خبر وفاة جدة أحد معارفي ، وبدأ الخبر ينتشر بين كل من نعرف ،و كان الجميع يتلقون الخبر بالهدوء المعهود عند سماع خبر وفاة العجائز، فلما سمعته إحداهن خطأً أثار رد الفعل شجونا  في نفسي، فقد سمعته " مات والد فلان" فانزعجت كثيرا ، فلما صححنا المعلومة عاد إليها نفس الهدوء الذي يعيشه الآخرون.

     مر أمامي سريعا شريط حياتي الذي لم أعد أستطيع أن أصفه بالقصير كما اعتدت في كتابتاتي منذ الصغر ، هذا الشريط الذي طالما توقفت فيه أمام هذه المواقف، وخآصة مواقف فقدان الجد، ومدى سهولة تقبله، أذكر زميلي الوقور المحترم – حقيقة لا سخرية - الذي قرأ على جدران الكلية خبر وفاة والدة أحد الأساتذة – وكان هذا الأستاذ نفسه كبيرا في السن- قرأه فهز كتفيه  ببساطة قائلا " هي كانت لسه عايشة" ، أذكر مدى اضطرابنا النفسي عندما كان يتوفى والد زميل ونحن في الإعدادي والثانوي، وأرى الفارق عندما كنا نتلقى نفس الخبر في أواخر الجامعة وبعدها ، الفارق ببساطة أن هذا المتوفى قد صار جدا أو قارب ذلك.

     لقد اعتدنا دوما على ذم طول الأمل و التفكير في أننا سنحيا طويلا، وأن علينا أن نفكر أن الموت يأتي بغتة ولا يعرف سنا ولا صحة ولا مرضا.
     ولكن دعنا الآن من ذلك ، وخذ طول الأمل ، دعنا نتخيل السنوات المقبلة . دعنا نتخيل قصتك وقصتي . ولأنهم لم يفرضوا ضرائبا على الخيال بعد، فدعنا نتخيل قصتنا في أحسن ما يمكن أن يتمناه انسان ، شاب ناجح وجد عملا معقولا وتزوج إنسانة يحبها وتحبه ، يسعى في عمله طوال النهار وربما أجزاء من الليل ليعود ليلا لزوجته المحبة ، لينسى شقاء يومه و يتناولا معا الطعام ويتجاذبا أطراف الحديث والدعابة والأحلام الجميلة ، وجاء ولي العهد الأول فالثاني فالثالث، والموظف الصغير تعلو درجته ويرتفع اسمه ويزداد ماله، ويكبر أولاده ويتعلمون ويملأون حياته مرحا وهناءة ، وكلما كبروا كبرت أحلامه فيهم ، تعلموا أفضل تعليم ، ارتقوا بأفضل الوظائف لم يبق له من أحلام إلا أن يرى أولادهم ، لم يبق إلا أن يكون جدا ، لم يبقى له إلا أن يصبح رمزا ، وتصبح أخبار مرضه وتعبه عادية تحت شعار ( السن له حكمه) ، لم يبق إلا أن يبحث له عن الحفاضات ذات المقاس الكبير ، لم يبق له إلا أن يموت ولا يحزن عليه أحد كمن ذكرناهم في بداية حديثنا.

إننا في أحسن الأحوال ذاهبون لا محالة إلى هذه النهاية ، نقترب منها يوما بعد يوم ، ولن ينقذنا منها غير شيء واحد ، أتدري ما هو؟؟ إنه  الموت في سن صغيرة.
أرأيت كم هي دنيا حقيرة؟؟!!
إذا لم تستطع مجاهدة نفسك لتقصر أملها ولتجبرها أن تعمل للآخرة كأنها تموت غدا،، فدعها في أملها ،ولكن قص عليها قصتك التي قرأتها عاليا.

فلم يعد يجدي أن نهرب من ضميرنا ومن خشية الموت بأن نطيل الأمل ، فقد أقام موت أجدادنا علينا الحجة
 فعندما يموت الجد ، تقف الآمال عند الحد، وتنادي الضمائر ارجعوا لله الواحد الأحد..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق