السبت، 30 أكتوبر 2010

حتى لا نشتري التروماي ،، ولو كان اسمه غزة



      
بداية يجب أن نتفق أن ما يحدث في غزة منذ ثلاث سنوات هو جريمة بكل المقاييس ، وأن غزة بحق رمز للصمود وما يحدث لها رمز للظلم والجبروت، ويتجلى هذا الظلم فيما حدث مؤخرا في أسطول الحرية المتضامن معها، فإسرائيل تقتل أهل غزة ومن يتضامن معهم ، بلغة المصريين ( تقتل أهل غزة واللي يتشدد لهم). ولكن لابد أن نحذر هذه المرة من الجحر الذي لدغنا منه عشرات المرات ، وننتبه أن فلسطين ليست غزة وحدها.

صفة عربية وتاريخ يعيد نفسه

يتمتع العرب حاليا بصفات كثيرة جيدة ، وصفات كثيرة سيئة ، ولعل من هذه الصفات السيئة التي ألحظها فينا نحن العرب أننا قوم ذوي تركيز أحادي، نفتقد كثيرا التفكير الشمولي والنظرة الكلية ، لا نستطيع أن ندير أكثر من قضية في وقت واحد، نعيش سطحية شديدة تجعلنا ننشغل دوما بآخر حدث وننسى ما قبله حتى ولو كان الحدث السابق لا يزال مستمرا.

وسأعطي مثالا ببعض أحداث العشر سنوات الأخيرة، عندما قامت الانتفاضة الثانية في فلسطين ردا على زيارة شارون للمسجد الأقصى ، وتجدد فتح ملفات التهويد والحفريات وهدم مسرى النبي صلى الله عليه وسلم ، بل في هذه الانتفاضة عرف الكثير من المسلمين لأول مرة – وأنا منهم -  أن المسجد الأقصى ليس هذه القبة الصفراء – قبة الصخرة - التي عشنا طفولتنا نؤمن أنها الأقصى والتي للأسف تتخذها قناة فلسطين الفضائية وقناة الأقصى شعارا لها ، اشتدت أحداث الانتفاضة وقامت الدنيا وانتفضت ، ومرت أشهر وبدأت حماسة الانتفاضة في نفوس المتابعين تهدأ ، ثم حوصر الرئيس عرفات في رام الله ، واختزلت فلسطين في رام الله ، لا نسمع ولا نتكلم ولا نناقش شيء غير قضية الرئيس المحاصر في رام الله (رغم أن التهويد والحفريات كانت مستمرة) ، ثم ضربت العراق فتوجهت الأنظار إلى بغداد ونسينا فلسطين بالكلية واستغلت إسرائيل هذا الأمر استغلالا جيدا واستفردت بأهل فلسطين طوال أيام الحرب وسقط فيهم قتلى وجرحى لم يسمع عنهم أحد إلا في ذيول النشرات لأن كل النشرة عن بغداد وصدام والصحاف (رغم أن التهويد والحفريات تحت الأقصى وقتل أهل فلسطين كان مستمرا ) وعندما ضربت لبنان انشغلنا عن العراق وفلسطين وتابعنا مجازر المجرمين ( رغم استمرار التهويد والحفريات وقتل الفلسطينين والعراقيين) ، ثم الحلقة الأخيرة من مسلسل التغييب وهي حصار غزة والرصاص المصبوب ، وكأن فلسطين غزة فقط ، ولا كلام عن فلسطين من البحر إلى النهر ولا حتى كلام عن حدود 67 ، ولا كلام عن القدس والتهويد والمستوطنات التي لم تتوقف طوال هذه الفترة الطويلة ، ويمر الوقت ويزداد قصر النظر حتى أصبح المتابع يشعر وكأن قضية فلسطين ستنتهي لو رفعت إسرائيل الحصار غدا عن غزة.

عفوا لن نشتري التروماي
إننا لا نريد أن نشتري غزة على حساب القدس وفلسطين ، ولا نريد أن نشتري فلسطين ونخسر العراق ، ولا نريد أن نشتري العراق ونخسر أفغانستان ، لا نريد أن يبيع لنا العدو التروماي ، لا نريده أن يوجه تفكيرنا كما يشاء ، لا نريد أن يستمر هذا المسلسل الهزلي الذي بدأ قديما ، إن هذا الداء أفقدنا الكثير من أوراق قضيتنا العادلة ، وإن كنت تظنني مبالغا فيما أقول ، فقل لي أنت ماذا تعرف عن مسلمي الإيجور في الصين؟ ، هل سمعت بهم ؟ هل سمعت قصة تركستان الشرقية المحتلة من الصين من مئتي سنة؟ ولما انتفضوا من قريب أظهرت الصين الأمر وكأنه تمرد من فئة مشاغبة في الصين لا من دولة محتلة لها حقوق، إنها كانت في يوم من الأيام مثل فلسطين والعراق بالنسبة للمسلمين ، لكن انشغل المسلمون عنها  بتجدد الأحداث في مواطن أخرى من العالم الإسلامي فنسيت مع الوقت وانتهت من ذاكرة المسلمين.

وأخيرا لابد من يقظة وتفكر ، وعمق وبعد نظر ، وعدم انقياد للإعلام السطحي ، وإن كان العسكريون يقولون أنه ينبغي ألا تجعل عدوك هو الذي يحدد توقيت ومكان المعركة ، فينبغي علينا ألا نجعل عدونا هو الذي يختار لنا اهتمامتنا ، فيشغلنا بما يشاء ويليهنا عما يشاء ، يذكرنا بما يشاء ، وينسينا ما يشاء ، ليفعل ما يشاء ، ينبغي أن نجمع قضايانا في ملف واحد مهما ثقل ، وندافع عنه في صف واحد مهما حدث ، وإلا تناثرت أوراقه في الزحام ولم يبق فيه إلا ،،عقد شراء التروماي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق