الثلاثاء، 15 مارس 2011

لن أعيش في "فزاعة" أحد


لن أعيش في "فزاعة" أحد
معتـز عبد الرحمن

     الإخوان والسلفيون والتبليغ والمتدينون "العاديون" هم فئات من المجتمع المصري ، يختلفون في بعض الأفكار ، ويتفقون في شيئين رئيسيين الأول أنهم جميعا ذوي مرجعية دينية والثاني أن التيارات العلمانية تتخذهم جميعا خصوما على حد سواء ، بل هم الوحيدون الذين توحد ضدهم النظام السابق والمعارضة وكثير من المستقلين ، وفي خلال السنوات الماضية ولأن الإخوان كانوا الأنشط والأكثر ظهورا فقد استحوذوا على الجانب الأكبر من الحرب الإعلامية والأمنية ، فلا تكاد تفتح جريدة قومية أو معارضة إلا وتجد عنهم موضوعا ، ولا تكاد تفتح قناة حكومية أو خاصة إلا وتجد عنهم حوارا ، ناهيك عن الأفلام والمسلسلات التي كانت تتعرض بشكل عام لشخصية "الملتزم" بالتشويه والسخرية ومؤخرا تعرضت بشكل خاص للإخوان في مسلسل الجماعة الشهير، لم يكن يخفى على كل ذي لب أن الحملة لا تستهدف الإخوان أنفسهم ، بل كان الإخوان هم "الفزاعة" التي يستخدمونها ليبغضوا للناس فكرة تطبيق الإسلام والتي تمثل عند العلمانيين رجعية وردة فكرية ، وإلا فاستهداف الإخوان لا يستوجب استهداف الحجاب والنقاب والسنة والبخاري والصحابة وأمهات المؤمنين ، لأن كل هؤلاء ليسوا ملكا للإخوان بل ملكا للمسلمين جميعا ، إذن فـ "بعبع" الإخوان استخدم كثيرا لتخويف الناس من دينهم وتصوير أن كل مظاهر التدين ما هي إلا صناعة إخوانية لا إسلامية حتى قيل في يوم من الأيام لمهندس شاب أراد أن يصلي في المسجد – لا في المكتب – " هو أنت إخواني؟" ولا تتعجب إذا علمت أن الذي وجه السؤال كان أستاذا جامعيا مثقفا.
     وفي غضون ثورة يناير وما بعدها بدأت فزاعة الإخوان في التهاوي ، فالجماعة لم تعد محظورة والحزب على وشك التشكيل ، فاستحداث فزاعة جديدة تحقق نفس الهدف  أصبح أمرا ضروريا ، وكان الدور فيما يبدو على السلفيين ، فبحسب الإعلام الذي لا يزال موجها السلفيون هم من حرقوا كنيسة أطفيح ، والسلفيون هم من قادوا معركة منشية ناصر ، بل والسلفيون هم من وقفوا في وجه مظاهرات يوم المرأة في التحرير وأخذوا يشتمون النساء المشاركات ، ورغم أن هذا الكلام لا يرضي عقل طفل صغير إلا إنه للأسف يفلح أحيانا كثيرة في إرضاء عقول من المفترض أنها مثقفة ومحترمة.

كنتاكي بلا حدود
    هل تذكرون وجبات الكنتاكي التي كانت تدخل التحرير يوميا للثوار العملاء؟ هل تذكرون كم نجحت هذه "النكتة" في خداع الكثير من المصريين الجالسين في بيوتهم فاتحين عقولهم للنيل الإخبارية؟ ماذا لو قلت لك أن هناك متظاهرين في التحرير خدعوا بهذه الكذبة ؟ لن تصدقني بالطبع وهذا حقك ، فالذي يعيش في التحرير ويرى ويسمع بنفسه ما يحدث ولا يرى شيئا من هذا الهراء يستحيل أن يصدق ذلك ، ولكن للأسف هذا ما حدث مع "الملتزمين" ، الملتزمون يعيشون في وسط المجتمع المصري ، لا يكاد يخلو منهم شارع أو شركة أو دفعة دراسية أو حرفة ، ومع ذلك يصدق الناس الإعلام ولا يصدقون ما يرون بأنفسهم ، يصدقون أنهم لو شاركوا في الحكم سيلغون التعليم وسيدخلون بنا إلى عصور الظلام ، رغم أنهم يرون بأعينهم أن الكثير منهم متعلمون أفضل تعليم (مهندسون وأطباء وأساتذة جامعات...)، يصدقون أنهم لصوص رغم أن معظم من يجلسون على كرسي "الكاشير" في المحلات متدينون لأن أصحاب المحلات لا يجدون من هم أكثر أمانة منهم ، بل ويحزن الطلاب الغشاشون عندما يكون المراقب ملتزما لأن هذا يعني أن أملهم في الغش قد انتهى، يصدقون أنهم أصحاب مبدأ (لا تجادل ولا تناقش يا أخ علي ) رغم أنهم لا يتوقفون عن النقاش البناء والمناظرة حتى أن كثير من محاضرات العلماء وكتبهم مجرد تعليقات وردود علمية على مخالفيهم ، وعلى هذا فقس ، وإن كان بالطبع فيهم مقصرون وفيهم من يسيء لصورتهم ولكن في النهاية هم بشر ، كما أنه ليس كل ملتح ملتزم ، فاللحية والنقاب ليس لهما اختبارات إخلاقية لابد من اجتيازها لتمنح رخصة لحية ونقاب ، كما أنه من العيب كل العيب أن يحكم المسلم على دينه الكامل الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم من خلال تصرفات أشخاص أو خزعبلات إعلام فاسد.

المية تكدب الغطاس
    أثناء ثورة التحرير – المليئة بالدروس- ركبت ميكروباص مع سائق أعرفه ، شاب بسيط ذو تعليم متوسط ، قال لي أنه سينزل التحرير بعد انتهاء ورديته ليرى بنفسه ما يحدث لأنه لم يعد قادرا على أن يظل فردا في القطيع الذي يوجهه الإعلام المصري ، وهذه دعوة أختم بها مقالتي ، أدعو كل قاريء مسلم بل وغيرمسلم ، لا تعيش في "فزاعة" أحد ، أنزل بنفسك إلى ساحة المعرفة وأعرف بنفسك من على الحق ومن على الباطل ، من التنويري ومن الظلامي ، ولا أقول لك إقرأ في كتب الإخوان أو السلفيين أو التبليغ أو غيرهم ، بل إرجع للأصول ، للقرآن الكريم كلام الله ، ولسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأن القرآن والسنة يحتاجان لفهم أرجع لكتب التفسير الأم المحققة (ابن كثير وغيره ) وشروح البخاري ومسلم لابن حجر والنووي وغيرهما، وارجع في الفقه لكتب الأئمة الأربعة ، وكل هؤلاء ليسوا إخوانا أو سلفيين ، والأمة مجمعة على عدالتهم واحترامهم ، اقرأ واحكم أنت ، تعلم و أفهم دينك وحينها أنت الذي ستقرر وتحدد الصواب والخطأ الموجود عند كل من هؤلاء ، بدلا من أن تترك الذين لا يعترفون بأهمية الدين أصلا يقررون لك من تحب ومن تكره وممن تخاف ومن تأمن، ودعوتي هذه ليست "عزومة" بل هي لزام على كل منا ، لأن كل منا لابد أن يعد جوابا من الآن للسؤال الذي قد تُسئله يوم القيامة لماذا كنت تعارض وتكره وتخاف من تطبيق أوامر الله؟ لابد أن يحدد كل منا من حبيبه ومن بغيضه لأن المرء مع من أحب يوم القيامة ، لابد أن نعود لأحضان ديننا الذي هجرناه وشوهنا صورته بأنفسنا وأصبحنا نخاف منه أكثر مما نخاف من أعدائنا ، اللهم إني بلغت اللهم فاشهد.

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق