الخميس، 17 مارس 2011

ومازال خلط الأوراق مستمرا


مجرد تعقيب
ومازال خلط الأوراق مستمرا
معتـز عبد الرحمن

     فما يبدو أن الإصرار على تربية روح"الفزاعة" لن ينتهي حتى ولو تطلب ذلك خلط كثير من الأوراق ، ففي حلقة مصر النهاردة والتي كان ضيفها الدكتور يحيى الجمل الفقيه الدستوري ونائب رئيس الوزراء ، تطرق الحديث بطبيعة الحال إلى مسألة تطبيق الشريعة أو ما يسمونه بالدولة الدينية ، إذ علق الدكتور الجمل على هذا الأمر أن الدولة الدينية هى الأسوأ بعد الدولة البوليسية إذ أنك تستطيع أن تقول لعبد الناصر أو السادات أو مبارك أنت ديكتاتور ولكنك لا تستطيع أن تقول لربنا أنت ديكتاتور ، وهنا فقط شعرت أن الدكتور يتحدث عن دين غير ديننا أو بلد غير بلدنا ، ربما كان الدكتور يتحدث عن أوربا في العصور الوسطى التي كانت تحكمها الكنيسة ، والتي تستطيع فيها الكنيسة أن تتحدث باسم الرب بل وأن تبيع الجنة بصكوك الغفران ، وكل من يعترض عليها ولو بمجرد الوصول لاكتشاف علمي  يكون معترضا على الله وهو كافر يستحق الحرق على أحسن الأحوال ، ربما كان الدكتور يتحدث عن دولة الفراعنة – التي نفتخر بها – والذي كان الفرعون فيها – في وجهة نظر نفسه ووجهة نظر شعبه - هو الرب الأعلى ولا يعلم للناس إلها غيره ، هل يتحدث الدكتور عن الإسلام الذي لا كهنوت فيه ولا رهبانية؟ عن الإسلام الذي كان يأخذ فيه قائد الدولة – النبي صلى الله عليه وسلم – برأي أصغر جنوده في المعارك ؟ إن الدكتور – بقصد أو دون قصد – خلط بين الدستور وبين الشخص المطبق للدستور ، هل لو وضعنا في مصر الآن دستورا عادلا ديموقراطيا والتزم الرئيس القادم به التزاما تاما هل من حقنا أن نصفه بالديكتاتور؟ بالطبع لا، لأنه يعمل وفق الدستور والقانون في دولة القانون ولكن عندما يخرج عن الدستور والقانون ويتحكم فقط بآراءه الشخصية ومصالحه هنا نستطيع أن نقول له يا دكتاتور بملء الأفواه ، والأمر بالمثل ، عندما يكون الدستور هو الشريعة – التي لا يختلف أحد على عدالتها ورقيها -  ويلتزم بها الحاكم فليس متوقعا أن نكون في حاجة لوصفه بذلك فهو يعمل وفقا للدستور الذي ارتضاه الناس وارتضاه الله للناس من قبل ، أما إذا خرج عن ذلك فهو لا يملك أن يقول لنا "قال الله تعالى" – على حد وصف الدكتور - ولا أن يعتبر قرارته أمرا دينيا غير قابل للمناقشة ونستطيع حينها أن نقول له يا دكتاتوردون حرج أو غضاضة ، وكمثال بسيط عندما طغى الحجاج بن يوسف الأمير الدموي وعارضه ووقف في وجهه الكثير من الصالحين والعلماء وعلى رأسهم سعيد بن جبير رحمه الله ، لم يقل أحد بل ولم يقل الحجاج نفسه أنهم بذلك يعارضون الله ، بل كانت معارضتهم لشخص الحجاج الذي لم يلتزم بالدستور ، أعني شرع الله ، بل خلد التاريخ اسم سعيد بن جبير ، وظل اسم الحجاج في كتب التاريخ كما تعلمون.

أما النقطة الثانية ، نقطة التيارات الدينية التي يرى الدكتور الجمل أنها ليست من الإسلام في شيء  فقد أسهبت في الحديث عنها في مقالي السابق "لن أعيش في فزاعة أحد" ولكني فقط أكرر الدعوة التي ختمت بها مقالي ، إن من يريد أن يعلق على فعل وقول أحد أنه من الإسلام أو ليس من الإسلام ينبغي أن يكون ذلك بالدليل والحجة وليس بالكلام المرسل ، وليس بالأوصاف المنفرة مثل الكلمة الشهيرة "الوهابية" التي أكثر من يستخدمها في الأصل الشيعة ، فهم يصفون أهل السنة جميعا - بما فيهم الدكتور يحيى الجمل - بأنهم وهابيون  ، حتى يخدعوا أتباعهم بأن هؤلاء ليس أتباع محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل هم أتباع الشيخ محمد عبد الوهاب ، والعجيب أنني تعودت أن في مثل هذه البرامج عندما يتحدث أحد الضيوف عن فكر أو فئة غير موجودة يقفز المذيع فورا ويقاطعه " معلش مش معانا حد يرد فمش هينفع نتكلم عنهم" لكن طبعا هذا لا يحدث أبدا عندما يكون الطرف المتعرض للهجوم ممن يصفون بـ "الإسلاميين".

وأخيرا أطلب من نفسي ومن الجميع أن يتقوا الله في النقل والوصف والتشبيه ، فالظروف الدقيقة التي نمر بها لا تحتمل مزيدا من خلط الأوراق ومن تلبيس الحقائق على البسطاء ، اتقوا الله فيمن أعطوكم الثقة وفيمن ينتظرون منكم أن تساهموا في بناء مستقبل منير لهم ولأولادهم.

للتواصل مع الكاتب عبر الفيس بوك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق