الخميس، 26 مارس 2015

يعني إيه كلمة (نبي)؟

#إعادة_ضبط_المنطق (2)
يعني إيه كلمة (نبي)؟
.
ما الذي يجعلك تستنكر فتح مهندس لعيادة طبية؟ وما الذي يجعلك تشرب الدواء الذي وصفه الطبيب بالمقدار الذي حدده ولا تقبل شرب نفس الدواء بنفس المقدار إن  صدر الوصف من مدرس؟ تتناوله متجاهلا كون طعمه مر أم حلو وكون أعراضه الجانبية المسجلة مقبولة أم لا ؟ بل وتتناوله وإن تجاوزت الجرعة التي حددها الطبيب الجرعة المكتوبة في نشرة الدواء نفسه؟  الفارق هو إدراكك لمهمة وصلاحيات ومعرفة كل منهم، فإن قلت لأحدهم لقد ذهب صديقنا فلان إلى الطبيب وكتب له الدواء فقال لك (كيف يكتب الطبيب أدوية أيها المخبول ، إما أن صديقك كاذب أو أنك أنت الكاذب أو أن أحدكما نسي ) وكذلك إن قلت عن مهندس أنه صمم مبنى فقال صاحبك (عقلي لا يقبل أن يرسم المهندس لوحة أو أن يصمم مبنى !) أو أن مدرسا شرح لابنك الدرس فقال(فطرتي لا تستوعب أن يشرح المدرس الدرس! ابنك يدعي!!)  فالخلل قطعا في عقله وتصوراته وتعريفاته ، ويجب أن يراجع هو لا أن يراجع الطبيب والمهندس والمدرس .. أو من نقل الخبر عنهم.
.
وفي الحقيقة كثير من الأطروحات التي تقال كشبهات حول السنة سببها عدم استيعاب صاحب الشبهة أو المتأثر بها بتعريف "النبي" وصلاحياته وما يمنحه الله تبارك وتعالى له.
أولا: المعجزات
من الأحاديث التي قد يردها البعض عقلا الأحاديث التي تحتوي ذكر معجزات للنبي محمد صلى الله عليه وسلم - كحنين الجذع إليه صلى الله عليه وسلم وسماع الصحابة لصوته وبركة الطعام ونبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأمثلة ، بدعوى أن هذه خوارق غير منطقية! وبالتالي يصبح الحديث في رأيه مكذوبا ولابد ، وبالتالي سائر الكتاب مشكوكا في أمره ، وبعدها تصبح السنة كلها لا حجية لها ، كيف يكتب الطبيب روشتة ؟!! حاجة عجيبة والله!!
والحقيقة وإن كانت هذه نقطة لا تستحق التعقيب ولكننا في زمن للأسف كل شيء أصبح يحتاج إلى تعقيب، إن معجزات الأنبياء -والتي هي بطبيعة الحال كلها خوارق للعادة- ثابتة بالقرآن الكريم قبل السنة ، وأنت لا ترد الحديث من جهة سنده كي تقول القرآن متواتر والحديث المذكور آحاد مثلا ، أنت ترده من جهة منطقية متنه ، فإن كان العقل لا يقبل أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء معجزات وخوارق فهذا يوجب عليك بنفس العقل أن ترد وترفض الأمثلة المذكورة في القرآن الكريم لأن قوة السند هنا ليس لها دور في تقييمك ، أما إن كان عقلك يقبل أن للأنبياء معجزات وخوارق فذكر معجزة في الحديث لا تقوم كحجة لرده وتكذيبه بأي حال من الأحوال كما تفعل وتستدل، لأنها مقبولة جدا عقلا إذا صدرت من نبي، فالعقل الذي يقبل إحياء الموتى وشفاء الأبرص والأكمه وإحياء ميت بضرب بأجزاء من البقرة وشق البحر بعصا وتحول العصا إلى ثعبان وخروج الناقة والطوفان وتسخير الجن والطير والحيوانات وغير ذلك يقبل ولابد حنين الجذع وبركة الطعام ونبع الماء وغير ذلك.
.
ثانيا: التشريع
إن الله قد أرسل الأنبياء أجمعين بعقيدة واحدة ، وهي التوحيد ، راجع في ذلك قصص الأنبياء في القرآن الكريم عموما وفي سورتي الأعراف وهود خصوصا والتي تكرر في قصص الأنبياء فيهما (يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) ، أما التشريع والذي يمكن أن نسميه أحكام الفقه فاختلفت فيه شرائع الأنبياء (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)) سورة المائدة.
.
وجاء على لسان نبي الله عيسى (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50)) سورة آل عمران ، وما حرم على بني إسرائيل من الطعام مختلف عما حرم علينا ، وحرم عليهم الصيد يوم السبت ولم يحرم علينا في أي يوم بل لم يحرم صيد البحر حتى في الإحرام ولكن حرم صيد البر فيه، وقتل النفس الذي في شريعتنا محرما بل وفي شريعة بني إسرائيل أيضا محرما ، كان واجبا وفرضا على بني إسرائيل في موقف محدد - بعد عبادة العجل - كي يتوب الله عليهم (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)) سورة البقرة ، ولو أمرنا الله به لوجب علينا التنفيذ كما جاء في قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66)) سورة النساء ، وإلى غير ذلك من الأمثلة التي نفهم منها أن الميزان الذي يوزن به الحلال والحرام لكل أمة نزل إليها مع نبيها المكلف بالبلاغ.
.
بل إن النبي الواحد يوحى إليه الحكم ثم يوحى إليه غيره في نفس المسألة اختبارا للمؤمنين هل يتبعون الأمرين أم لا ، ومن أشهر أمثلة ذلك في الإسلام تحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام ، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)) سورة البقرة، وتأمل في (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) ، فالنبي هو الإنسان الوحيد الذي يجب اتباعه في الأمر وعكسه لأن الحكمة من ذلك اختبار مدى تصديق قلب المؤمن بنبوة النبي وبلاغه عن ربه (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)) سورة النساء، وهذه خصيصة للأنبياء فقط لأنهم لا ينطقون عن الهوى ، ولا يأمرون إلا بأمر الله ولا ينهون إلا بنهي الله تبارك وتعالى ، ولما وقع أهل الكتاب فيها مع رهبانهم وأحبارهم - وهم بشر عاديون لا يوحى إليهم - وصف القرآن الكريم هذا الفعل بالعبادة (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)) سورة التوبة.
.
والنسخ ثابت قرآنا وسنة (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)) سورة البقرة ، (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)) سورة النحل ، وفي ذلك - كأمثلة -  تدريج تحريم الخمر ، ومرور فرض الصوم وصفته بأكثر من مرحلة وغير ذلك من أحكام تغيرت أكثر من مرة بوحي من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم.
.
بل إن النبي هو الذي يحدد كمبلغ عن الله تبارك وتعالى الاستثناءات من القواعد وتقييد المطلق ، وفي ذلك استثناء النبي محمد صلى الله عليه وسلم من التزام الأربعة زوجات كحد أقصى (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)) سورة الأحزاب ، ثم نهيه عن الاستزادة بعد ذلك بل وعن الاستبدال - والاستبدال مباح لعامة الأمة أن يطلق الرجل إحدى نسائه ويتزوج غيرها -  (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)) سورة الأحزاب.
.
إذن فإنكار حديث فقط بدعوى أن فيه تشريع غير مقبول عقلا للقاريء يجعلنا نتساءل من الذي يضع المسطرة التي نقيس بها التشريعات التي يقولها النبي صلى الله عليه وسلم؟! من الذي يحاكم من؟! إن المؤمن إذا آمن بالله ورسوله وتيقن في أن النبي مبلغ عن ربه تبارك وتعالى صادقا مصدوقا لا ينطق عن الهوى جلس أمامه ليتعلم وليعرف ما أحل الله له وما حرم عليه ، والأهم أن يعرف من النبي صلى الله عليه وسلم المطلق والمقيد والقاعدة والاستثناء ، كما عرف بنو إسرائيل من نبيهم موسى عليه السلام أن القتل حرام كقاعدة (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)) سورة البقرة ، ثم جاء الوحي باستثناء للقاعدة  (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)) سورة البقرة ، فتكون المهمة الرئيسية هي ثبوت نقل قول النبي صلى الله عليه وسلم وصحته - وهو ما سيكون له نقاشا تفصيليا في الحلقات المقبلة إن قدر الله لنا الاستمرار - فإذا وصل الوحي إلينا جلسنا نتعلم مستعينين بالله ثم بفهم الصحابة الذي شهدوا نزول هذا الوحي وكافة مراحله ما الناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيد ، نتعلم القاعدة والاستثناء ومواطن هذا الاستثناء واستعماله ، لأن هذه صلاحيات منحها الله تبارك تعالى لأنبيائه وجعل لهم طاعة متضمنة لطاعته تبارك وتعالى بالضرورة (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)) سورة النساء ، أما أن يكذب الحديث لأنه يبدو للقارئ - الجاهل مثلي عادة - مختلف عن الأحكام العامة التي يعرفها ويحفظها - إن كانت صحيحة أصلا - فهذا جهل بمفهوم النبوة وبمفهوم الوحي الواضح في القرآن الكريم وفي قصص الأنبياء صلوات ربي عليهم وسلامه (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)) سورة يوسف.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق