الثلاثاء، 12 فبراير 2013

الحلقة الخامسة ،ضرب ابن مسعود وجمع القرآن



سلسلة (استخراج الحق من بحور البهتان ، فيما يقال عن الثورة على عثمان)
جمع وترتيب
الشيخ أحمد جمعة

الحلقة الخامسة
مطالب ثوريـة باطلـة
ضرب ابن مسعود وجمع القرآن

2ـ ضرب عثمان لابن  مسعود حتى كسر أضلاعه ومنعه عطاءه:

أما هذا الأمر فلم يحدث من الأساس أن ضرب عثمان ابن مسعود أو منع عطاءه ، ولكن هؤلاء المدعون أشاعوا هذه المعلومة منعدمة الصحة وكي يهيجوا الجماهير ويعطونهم إيحاء بصحة المعلومة استخدموا خلافين يسيرين لأجل التأثير على نفسياتهم ، خلاف بين عبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص – أحد المبشرين بالجنة – رضي الله عنهم جميعا ، وخلاف بين عبد الله بن مسعود وأمير المؤمنين ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه.

كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه واليًا لعثمان رضي الله عنه على بيت مال الكوفة وكان والي الكوفة في ذلك الوقت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقد حدث خلاف بينهما لأن سعدًا رضي الله عنه استقرض مالًا من بيت المال ولم يردّه في الموعد المحدد لضيق سعة اليد وطلب تأجيل الموعد بينما أراد ابن مسعود السداد الفوري حرصا على عودة المال لبيت مال المسلمين فحدثت المشادة بينهما بسبب هذا الأمر . ثم رده سعد رضي الله عنه بعد ذلك وانتهى الأمر.

ولما أراد عثمان رضي الله عنه جمع الناس على مصحف واحد اختار رضي الله عنه لهذا الأمر زيد بن ثابت رضي الله عنه وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قد اختاراه من قبل لجمع القرآن في المرة الأولى وذلك لأن زيدًا رضي الله عنه هو الذي استمع العرضة الأخيرة للقرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الصحف الأخرى تكتب تباعًا كلما نزل من القرآن شيءٌ كُتب فيها.
وكان لعبد الله بن مسعود مصحفه الذي يكتب فيه يختلف في ترتيبه عن مصحف زيد بن ثابت رضي الله عنهما ثم إن مصحف عبد الله بن مسعود يختلف كثيرًا في ترتيب السور وأحيانًا في ترتيب الآيات داخل السور وأيضاً بعض الكلمات مختلفة بل إن بعض السور ليست موجودة أصلًا في مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كسورة الفاتحة والمعوذتين
ثم إنه لا غرابة في تكليف شخص وهناك من هو أعلم منه .
وقد كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يريد أن يكون من الفريق المكلف بكتابة المصحف لأنه كان ممن أثنى على قراءتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم روى الشيخان في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمرو أنه قال لما ذكر عنده ابن مسعود فقال ذاك رجل لا أزال أحبه بعدما سمعت رسول الله يقول (استقرئوا القرآن من أربعة – ابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل) وقال صلى الله عليه وسلم :" من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد " .حسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " 5 / 379
وهذا باتفاق ولكن كانت لهجته- كما ذكرنا- تختلف عن لهجة قريش، ورخص له النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة بلهجته، ولكن الأمر الآن يتجه إلى جمع الناس على مصحف واحد ويجب أن يكون باللسان الذي نزل به القرآن وهو لسان قريش
ولما علم عبد الله بن مسعود أن القرآن سيجمع على قراءة زيد بن ثابت وأن مصحفه سوف يحرق غضب غضبًا شديدًا ووقف على المنبر في الكوفة وقال: [وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ ] {آل عمران:161}. وإني غال مصحفي فهو رضي الله عنه يتأول الآية وإنما الغلول هو: الكتمان من الغنيمة وهو محرم إجماعا بل هو من الكبائر كما تدل عليه هذه الآية الكريمة ولكن عبد الله بن مسعود يريد أن يقول أنه سيحتفظ بمصحفه هذا ولن يوافق على حرقه ليأتي به يوم القيامة.
 
فلما فعل ذلك عبد الله بن مسعود أجبره عثمان رضي الله عنه على حرق مصحفه فعاد إلى المدينة يناقش عثمان رضي الله عنه والصحابة جميعا في هذا الأمر واجتمع كبار الصحابة على عبد الله بن مسعود وأقنعوه بالأمر وأن هذا الأمر فيه الخير للمسلمين فلما علم ذلك رجع عن رأيه وتاب عنه بين يدي عثمان رضي الله عنه.

ولابد من تقدير موقف ابن مسعود رضي الله عنه الذي كتب مصحفه الشخصي من فم النبي صلى الله عليه وسلم ما يقارب العشرين سنة فهو يمثل له قيمة وذكريات النزول الوحي والجهاد وتعاليم الإسلام والأوامر والنواهي التي عاشها بنفسه مع أصحابه ثم يأتي الأمر من الخليفة بحرقه !!!  فكان هذا رد فعله ابتداء ولكنه لما علم الحق واقتنع به رجع عن رأيه وتاب عنه ولم يخطأ عثمان رضي الله عنه إطلاقا في حقه ولم يضربه ولم يمنعه عطاءه.

3- يقولون أن عثمان  ابتدع في جمعه القرآن، وفي حرق المصاحف.

أعظم حسنات عثمان بن عفان رضي الله عنه يقولون عنه بدعة !!!
اعلم أن الصحابة جميعهم وافقوا على هذا الأمر حتى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه واجتماع الصحابة لا يأتي على ضلالة، بل إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال في خلافته:لو لم يفعله عثمان لفعلته أنا.

وفي عام ثلاثين للهجرة كان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه رفيقاً لسعيد بن العاص رضي الله عنه في فتح أذربيجان وبتعدد الفتوحات الإسلامية لبلاد العجم بدأت تظهر قراءات كثيرة مليئة بالأخطاء وذلك لدخول ألسنة غير عربية على قراءة القرآن فظهر الكثير من اللحن فى قراءته... ولما اختلف الناس وتعصبوا لبعض القراءات إلى حد الافتخار بقراءة على أخرى بل وصل بالبعض التطاول ورمي المخالفين بالفسق وغير ذلك فتوجه حذيفة بن اليمان رضى الله عنه إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه أن يدرك الأمة قبل أن تضيع لغة القرآن بين الناس وتحدث فرقة كفرقة أهل الكتاب على كتابهم فتم اختيار نخبة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لجمع القرآن فى مصحف واحد يجتمع عليه الناس ويحتمل قراءات الأحرف السبعة. وأرسل عثمان رضي الله عنه إلى أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها يطلب منها المصاحف التي كان قد نسخها أبو بكر فأرسلتها  وأمر زيدا ليقوم بالمهمة التي قام بها أيام أبى بكر وضم إليه عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص‏ وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام‏ و قد كان هؤلاء من كتبة الوحى و كانوا حافظين للقرآن بالسماع المباشر من الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لهم إذا اختلفتم فاكتبوه بلسان قريش ففعلوا‏ فلما نسخوا المصحف رد عثمان إلى حفصة نسختها ،‏ وأرسل إلى كل أفق بمصحف وحرق ما سوى ذلك . وتكونت اللجنة المنتقاة من ثمان من الحفظة المهرة الذين حضروا العرضة الأخيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلوها عليه وأقرهم عليها و من هؤلاء الحفظة زيد بن ثابت و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام رضى الله عنهم أجمعين.

إلا أن الشيعة الروافض زعموا أن عثمان رضي الله عنه إنما جمع المصحف برغبته الشخصية وجمع بعض الصحابة وذكروهم بالاسم وألفوا قرآنا غير الذي أنزل كما يزعم الشيعة أن لديهم القرآن الحقيقي وهو ثلاثة أضعاف وهو مخبأ عندهم في سرداب وسيأتي مع الإمام الثاني عشر وليس فيه حرف واحد من القرآن الذي معنا وأقر بعض الشيعة ببعض الآيات في القرآن الكريم وحذف آيات أخرى.

وبالطبع دخل النصارى ومن على شاكلتهم من باب الروافض وبدأوا يطعنون في القرءان ويعلنون أنه تم تحريفه بشهادة المسلمين زعموا !!! ... وما دروا أن الروافض ليسوا من المسلمين كما يقول ابن حزم في كتابه (الفصل): ( إن الروافض- الشيعة- ليسوا من المسلمين وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في الكفر.)

**فائدة**
 الأحرف السبعة والقراءات العشرة .

أخرج مسلم في صحيحه من حديث أُبيٍّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن ربي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هوِّن على أمتي فأرسل إليَّ أن اقرأ على حرفين فرددت إليه أن هوِّن على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على سبعة أحرف.)

وأخرج أبو يعلى في "مسنده" أن عثمان رضي الله عنه قال وهو على المنبر: " أُذَكِّرُ الله رجلاً سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أنزل القرآن على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ)  لَمَّا قام فقاموا حتى لم يُحْصَوا فشهدوا بذلك فقال: وأنا أشهد .
غير أن أهل العلم ذهبوا في معنى الحديث مذاهب شتى بعضها فيه نظر لا يُعوَّل عليه وبعضها الآخر داخل في غيره وعائد إليه.
وأقوى الأقوال وأهمها ..
القول الأول: أن المراد بالأحرف السبعة لغات قبائل من العرب وليس معناه أن يُقرأ الحرف الواحد على سبعة أوجه. وهذا القول هو اختيار القاسم بن سلاَّم  وآخرون وصححه البيهقي  واختاره ابن عطية  قال ابن الجزري : وأكثر العلماء على أنها لغات .
القول الثاني: أن المراد بالأحرف السبعة سبعة أوجه من المعاني المتفقة بالألفاظ المختلفة، نحو: أقبل، هلُمَّ، تعال، عجِّل، أسرع... ونسب ابن عبد البر هذا القول إلى أكثر العلماء وأسند عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ قوله تعالى: ( كلما أضاء لهم مشوا فيه  (البقرة:20 (سعوا فيه) قال: فهذا معنى السبعة الأحرف المذكورة في الأحاديث عند جمهور أهل الفقه والحديث قال: وفي مصحف عثمان رضي الله عنه الذي بأيدي الناس اليوم منها حرف واحد، وهذا القول اختيار الإمام الطبري.

ثم إن المحققين من أهل العلم ذهبوا إلى أن القراءات السبع المتواترة التي يتداولها الناس اليوم ليست هي المقصودة بالأحرف السبعة التي وردت بها الأحاديث، بل هذه القراءات اختيارات أولئك الأئمة القراء؛ حيث اختار كل واحد منهم طريقة في القراءة مما نُقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أقرأها غيره حتى عُرف بها، ونُسبت إليه ويدل على ما ذكرنا ما نُقل عن أهل العلم في ذلك، إذ قالوا: "فأما من ظن أن قراءة كل واحد من هؤلاء القراء ..أحد الحروف السبعة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك منه غلط عظيم". ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المعنى: " لا نزاع بين العلماء المعتبرين أن الأحرف السبعة التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن نزل عليها ليست هي قراءات القراء السبعة المشهورة ..".

وهذا التوضيح لتبيان أن كل حرف من السبعة لا يقابل قراءة من القراءات السبعة المشهورة  ، ولكن بالطبع هذه القراءات التي يُقرأ بها اليوم غير خارجة عن الأحرف السبعة، وهذا الذي عليه جمهور المسلمين من السلف والخلف.


ونستأنف في الحلقات المقبلة إن شاء الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق