الاثنين، 11 فبراير 2013

الحلقة الثالثة، مكـر يتصاعد وفتنة تشتد



سلسلة (استخراج الحق من بحور البهتان ، فيما يقال عن الثورة على عثمان)
جمع وترتيب
الشيخ أحمد جمعة

الحلقة الثالثة
مكـرٌ يتصاعد وفتنةٌ تشتد
1-    السبأيون الأوائل
انضم لابن سبأ أصناف من الناس مختلفة الرغبات... فمنهم : ـ
1-    الذين هم على ما كان عليه ابن سبأ من بغض للإسلام فأظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر والنفاق.
2-    الذين يرغبون في الإمارة والرئاسة ولم يولهم عثمان رضي الله عنه .
3-    الذين لم يتمكن الإسلام من قلوبهم من الذين أقام عثمان رضي الله عنه الحد على أحدهم أو على قريب لهم .
4-     جهال من المسلمين الذين ينقصهم العلم فتبعوا ابن سبأ على عمى واقتنعوا بدافع الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر ليقتلوا عثمان بن عفان رضي الله عنه.

2-    رسـل عثمان إلى الأمصـار
وعلم أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه بما يدبره ابن سبأ فأرسل مجموعة من الصحابة يفقهون الناس ويعلمونهم ويدفعون عنهم هذه الشبهات...
فأرسل محمد بن مسلمة إلى الكوفة
وأسامة بن زيد إلى البصرة
وعمار بن ياسر إلى مصر
وعبد الله بن عمر إلى الشام
وقد عاد الصحابة الذين أرسلهم عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار ليعلمونهم ويدرءون عنهم هذه الشبهات إلا عمار بن ياسر الذي كان قد ذهب إلى مصر وكان بها عبد الله بن سبأ وسودان بن حمران وكنانة بن بشر وهم من رءوس الفتنة فقد جلسوا مع عمار بن ياسر وأقنعوه ببعض الأفكار والمآخذ على الأمراء وعلى عثمان رضي الله عنه فخاف المسلمون أن يكون قد قتل، ولكن أرسل عبد الله بن أبي سرح والي مصر كتاباً إلى عثمان رضي الله عنه يخبره أن عمار بن ياسر قد استماله القوم فأرسل عثمان رضي الله عنه إلى عمار بن ياسر رضي الله عنه خطابا يعاتبه فيه ولما قرأ عمار الخطاب ظهر له الحق ورجع إلى عثمان في المدينة وتاب بين يديه عن هذا الظن.

وكان أهل الشام أقل الناس تأثرا بهذه الفتنة فقد أهل الشام يحبون معاوية رضي الله عنه لأنه كان يسوسهم بالحكمة والحلم.


وكان التكتيك التالي للمفسدين "الثوار" يعتمد على عنصرين، الأول صناعة الاضطرابات وتأليب الناس حركيا على عثمان وليس بمجرد الكلام ، والثاني تزوير خطابات توقع باسم الصحابة وترسل للأمصار ليظن أهل الأمصار أن هذه رسائل استغاثة وتوجيه من الصحابة لهم ، وتفصيل ذلك.

أولا: صناعة الاضطرابات وتأليب الناس:
 لما رفض الناس دعوة ابن سبأ في الشام عندما عرضها عليهم ذهب إلى أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وهو من كبار الصحابة وكان زاهداً زهداً شديداً وقد نقل الطبري (5/66) تفصيل هذا فقال ( لما ورد ابن السوداء ( عبد الله بن سبأ ) الشام لقي أبا ذر فقال: يا أبا ذر ألا تعجب إلى معاوية ؟ يقول " المال مال الله ألا إن كل شئ لله " كأنه يريد أن يحتجنه دون المسلمين ويمحو اسم المسلمين ؟؟  فأتاه أبو ذر فقال: ما يدعوك إلى أن تسمي مال المسلمين "مال الله" ؟ قال معاوية: يرحمك الله يا أبا ذر ألسنا عباد الله والمال ماله والخلق والأمر امره؟ قال أبو ذر فلا تقله  قال معاوية: فإني لا أقول إنه ليس لله ولكن سأقول "مال المسلمين". وأتى ابن السوداء ( عبد الله بن سبأ ) أبا الدرداء فقال له ( أبو الدرداء ) : من أنت أظنك والله يهودياً فأتى ( ابن سبأ ) عبادة بن الصامت فتعلق به ( ابن الصامت ) فأتى به معاوية فقال : هذا والله بعث عليك أبا ذر).

وفي الكوفة سنة 33 هـ جمع الأشتر النخعي حوله مجموعة من الرجال وبدأ يتحدث جهارا عن مطاعن يأخذها على عثمان رضي الله عنه.

ولما سمع سعيد بن العاص والي الكوفة هذا الكلام نهى الأشتر ومن معه ثم أرسل إلى عثمان رضي الله عنه يخبره بما عليه الأشتر ومن معه فأرسل عثمان رضي الله عنه رسالة إلى سعيد بن العاص أن يرسل الأشتر النخعي ومن معه إلى معاوية بن أبي سفيان بالشام فلم يحاول معاوية أن يشتد معهم فأرسلهم إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والي حمص وكان كأبيه له مخالب شديدا حازما فعنفهم بشدة ولما ردوا عليه أذلهم ذلا عظيما وحبسهم فأظهروا توبتهم.

فأرسل إلى عثمان رضي الله عنه أن هؤلاء قد تابوا فأرسل إليه أن يجعل أحدهم يأتيه فأرسل إليه الأشتر النخعي وأعلن توبته على يدي عثمان رضي الله عنه فرده عثمان إلى الشام وظل فيها هو ومن معه وبينما هم في الشام جاءتهم رسالة من رجل يسمى يزيد بن قيس من البصرة أنه سوف يعلن الثورة في البصرة جهرا وأرسل لهم رسالة يستعين بهم ولما وقعت الرسالة في أيديهم ترددوا في أمر الثورة وأصر عليهم الأشتر النخعي فقيل أنهم رجعوا معه وقيل لم يرجعوا معه ولكنه عاد إلى الكوفة.

وفي هذا الوقت أرسل عثمان رضي الله عنه إلى ولاته كي يستشيرهم في أمر هذه الفتنة فأرسل إلى معاوية بن أبي سفيان والي الشام وإلى عبد الله بن عامر والي البصرة وسعيد بن العاص والي الكوفة وعبد الله بن أبي سرح والي مصر فجاءوا جميعا إلى المدينة وعرض عليهم الموقف فكان مما أشاروا به عليهه أن يشغل الناس بالجهاد إذ أن الأمة دوما حينما تنشغل بالأهداف السامية تموت فيها الأباطيل وسفاسف الأمور وأشار البعض باستئصال شأفة المفسدين وقطع دابرهم وأشار بعضهم بأن يرد كل وال إلى مصره فيكفيه أمره ويتعامل مع الفتنة الموجودة فيه.
وقد جمع عثمان رضي الله عنه في معالجة هذا الأمر بين كل هذه الآراء، فأخرج بعض الجيوش للغزو وكلف كل وال بمسئوليته عن مصره، ولكنه لم يستأصل شأفتهم.

وعندما رجع سعيد بن العاص إلى الكوفة وجد أن الأشتر النخعي قد سبقه إليها وقام بثورة كبيرة بعد أن جمع الجموع ومنع دخول سعيد بن العاص الكوفة وأصروا على أمرهم وآثر سعيد بن العاص أن يقمع الفتنة ورجع إلى عثمان رضي الله عنه وأخبره بما حدث وآثر عثمان رضي الله عنه السلامة وارتضى أهل الكوفة أن يولى عليهم أبو موسى الأشعري ووافقهم عثمان رضي الله عنه على ذلك وكان ذلك سنة 34 هـ .

وبدأ الطعن الكاذب يكثر في عثمان رضي الله عنه وتنتشر أفكار ابن سبأ في البلاد وأصبح للفتنة جذور في بلاد كثيرة فكان يزيد بن قيس في البصرة والأشتر النخعي في الكوفة وكذا حكيم بن جبلة وعبد الله بن سبأ رأس الفتنة في مصر ومعه كنانة بن بشر وسودان بن حمران.

ثانيا: تزوير رسائل موقعة باسم الصحابة:

وبدأ رءوس الفتنة يكثرون الطعن على عثمان ويكتبون هذه المطاعن المكذوبة ويرسلونها إلى الأقطار موقعة
بأسماء الصحابة افتراء على الصحابة فيوقعون الرسائل باسم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام والسيدة عائشة وكأنهم هم من كتبوها.

( يقول ابن كثير: قال أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة عن مسروق قال: قالت عائشة حين قتل عثمان:
تركتموه كالثوب النقي من الدنس ثم قتلتموه. وفي رواية: ثم قربتموه ثم ذبحتموه كما يذبح الكبش؟
فقال لها مسروق: هذا عملك، أنت كتبت إلى الناس تأمريهم أن يخرجوا إليه.
فقالت: لا والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا.
قال الأعمش: فكانوا يرون أنه كتب على لسانها، وهذا إسناد صحيح إليها .)
ولصعوبة الاتصال وتباعد الأقطار صعب تنبيه الناس إلى كذب هذه الرسائل وأن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكتبوا هذه المطاعن ولم يوقعوا عليها،وانقاد بعض الناس لهذه الفتنة بينما انتظر آخرون حتى يتثبتوا من الأمر نظرا لخطورته.


ومن الإفك الذي بثوه في الناس ضد عثمان رضي الله عنه  كما ذكر ابن العربي رحمه الله في كتابه ( العواصم من القواصم ) أنه ضرب عمار بن ياسر حتى فتق أمعاءه وضرب ابن مسعود حتى كسر أضلاعه وابتدع في خلق القرآن ونفيه لأبي ذر إلى الربذة ونفيه لأبي الدرداء من الشام وغير ذلك

وبإذن الله بداية من الحلقة القادمة سوف نتناول الشبهات التي أثارها هؤلاء القتلة حول عثمان بن عفان رضي الله عنه كي يحرضوا الناس بها على قتله ، ومع كل واحدة الرد عليها وتوضيح بطلانها.
                  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق