الاثنين، 11 فبراير 2013

الحلقة الرابعة، مطالب ثورية باطلة



سلسلة (استخراج الحق من بحور البهتان ، فيما يقال عن الثورة على عثمان)
جمع وترتيب
الشيخ أحمد جمعة

الحلقة الرابعة
مطالب ثوريـة باطلـة

وقد قال هؤلاء القوم (الثوار) أن عثمان بن عفان قد جاء  في ولايته بمظالم ومناكير ، سنذكر أشهرها هنا إجمالا ثم نناقشها واحدة تلو الأخرى في الحلقات القادمة ، وقد تتناول الحلقة شبهة أو اثنتين أو عدة شبهات حسب الحاجة.

قالوا أن عثمان بن عفان رضي الله عنه:
1ـ ضرب عمار بن ياسر حتى فتق أمعاءه.
2ـ ضرب عبد الله بن مسعود حتى كسر أضلاعه ومنعه عطاءه.
3ـ ابتدع في جمع القرآن ، وفي حرق المصاحف.
4ـ وحمى الحمى.
5ـ وأجلى أبا ذر إلى الربذة.
6ـ وأخرج أبا الدرداء من الشام.
7ـ ورد الحكم بن أبي العاص بعد أن نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
8ـ وأبطل سنة القصر في الصلوات في السفر.
9ـ قام بتعيين أقاربه في المناصب المختلفة يقصدون معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وعبدالله بن عامر ومروان بن الحكم بن أبي العاص ، والوليد بن عقبة.
10- كان يضرب بالعصا في حين أن عمر بن الخطاب كان يضرب بالدرة.
11ـ وعلا على درجة رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقف على الدرجة الثانية ، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يقفان على الأولى ووقف هو – رضي الله عنه – على الثالثة.
12ـ ولم يحضر بدراً ، وانهزم يوم أحد ، وغاب عن بيعة الرضوان.
13ـ ولم يقتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب بالهرمزان ( والهرمزان هو الرجل الذي أعطى السكين إلى أبي لؤلؤة وحرضه على عمر حتى قتله).
14ـ وأرسل مع عبده كتاباعلى جمله إلى ابن أبي سرح يحوي أسماء كي يقتلها.

بداية نود أن نشير إلى ضخامة صدى هذه الشبهات فقد تأثرت بها كل بلاد الإسلام عدا بلاد الشام فقد حفظها الله من ذلك ..

التهمة الأولى
ضرب عثمان بن عفان عمار بن ياسر حتى فتق أمعاءه


بداية هذا الأمر لو حدث – أن ضُرب عمار حتى فتقت أمعاؤه - ما عاش عمار بعد ذلك ليشارك في موقعة صفين(37 هـ) وقد قتل عثمان شهيدا عام(34هـ) أي أن عمار عاش بعد موت عثمان ثلاث سنوات وقد قتل شهيدا في موقعة صفين وهو ابن أربع وتسعين سنة(94) . إنما ضُرب عمار رضي الله عنه تعزيرا ليس إلا ،، فما القصة إذن ؟؟

حدث خلاف بين عمار بن ياسر رضي الله عنه وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب رضي الله عنه فقذف بعضهما بعضا فعزرهما عثمان رضي الله عنه بالضرب بعد أن رأى أن كلا منهما قد أخطأ في حق أخيه ومر هذا الأمر دون أن يترك أثرا في نفوس الصحابة رضي الله عنهم جميعا، بل قيل إن عمارا رضي الله عنه في لحظة غضب من التعزير قال كلمة شديدة في حق عثمان فأنكر عليه الحسن بن علي رضي الله عنه – على صغر سنه بالنسبة لعمار – ورده عنها وانتهى الأمر، وأكثر ما يدل على انتهاء الأمر بسلاسة وهدوء هو اختيار عثمان رضي الله عنه لعمار بن ياسر مع بعض كبار الصحابة ليدفعوا الشبهات عن المسلمين في الأمصار وقد ذكرنا أن رءوس الفتنة في مصر قد استمالوا عمارا رضي الله عنه في هذه الرحلة بشبهاتهم على الأمراء فتأخر عمار رضي الله عنه في مصر وظن عثمان رضي الله عنه والمسلمون في المدينة أن عمارا قد قتل وجاءت رسالة من مصر من عبد الله بن أبي سرح والي مصر أن القوم قد استمالوا عمارا، فأرسل إليه عثمان رضي الله عنه برسالة ولما رجع عمار رضي الله عنه، وقص له ما حدث،قال له عثمان رضي الله عنه: قذفت ابن أبي لهب أن قذفك وغضبت علي أن أخذت لك بحقك وله بحقه... اللهم قد وهبت ما بيني وبين أمتي من مظلمة اللهم إني متقرب إليك بإقامة حدودك في كل أحد ولا أبالي اخرج عني يا عمار، فكان هذا عتابا من عثمان لعمار رضي الله عنهما وقد اعتذر عمار رضي الله عنه عن ميله لرءوس الفتنة في مصر الذين حاولوا أن يقنعوه بما هم عليه وأعلن توبته ورجوعه عن هذا الأمر بين يدي عثمان رضي الله عنه وبوجود كبار الصحابة.

إذن فشبهة فتق أمعاء عمار بن ياسر مردودة عقلا أصلا إذا أنه عاش بعد عثمان، ولم يتجاوز الأمر ما ذكرنا أن أمير المؤمنين عزره وانتهى الأمر بسلاسة يدل عليها أن عثمان اختاره رئيسا لوفده بعد ذلك ، والتعزير على خطأ لا ينقص من قدر الصحابي شيئا بل يعكس هذه العدالة العظيمة التي أتى بها الإسلام ، وإذا كان من الصحابة من وقع في ذنوب تستوجب الحد وأقيم عليه الحد وتاب فلا عيب أن يقع الصحابي فيما هو أقل من ذلك، والعظيم أن يحاسب ويعزر كما فعل أمير المؤمنين عثمان وأن يتقبل الصحابة الأمر وعلى رأسهم عمار ، ولما حدثت الاستمالة لاحقا من المنافقين – وعمار بشر - تاب عنها عمار رضي الله عنه ورجع ولم يشارك في هذه الثورة المزعومة التي من المفترض أنها قامت لأجله بزعمهم.

**فائدة فقهية**
الذنوب من حيث العقوبة المترتبة عليها ثلاثة أنواع:
الأول: يترتب عليه حد مثل السرقة أو الزنا.
والثاني: ما يترتب عليه الكفارة دون الحد مثل الجماع في نهار رمضان أو الجماع في الإحرام.
والثالث: ما لا يترتب عليه حد ولا كفارة وهو ما يكون فيه التعزير كالسب فيما عدا القذف بالزنا فإن فيه الحد وكذا سرقة ما حد فيه وكذلك الكذب قد يكون فيه التعزير .

والحد والتعزير كلاهما عقاب والهدف منهما تطهير النفس وردع الناس عن ارتكاب المعاصي وأن يأتي الناس يوم القيامة وقد كفرت ذنوبهم
والفرق بين الحد والتعزير: (1) أن الناس جميعا يتساوون في إقامة الحد عليهم ولكن التعزير يختلف باختلاف الناس فإذا أخطأ الكريم من أهل التقوى والصلاح يكون التعامل معه غير أهل الفسق الذين يداومون على ارتكاب المعاصي .
(2) الحدود لا تجوز فيها الشفاعة بينما تجوز في التعزيرات .
(3) من مات أثناء تعزيره فله ضمان وهو مثل الدية أما من مات أثناء إقامة الحد عليه فليس له ضمان وقال بعض الفقهاء ليس لمن مات في التعزير ضمان.
(4) التعزير قد يكون بالكلام كالتوبيخ أو الوعظ أو الحبس أو الضرب أو النفي أو العزل من العمل والحاكم له حق التعزير مطلقا وقال الفقهاء: إنه لا ينبغي التعزير بأكثر من عشرة أسواط وقيل أقل من ثمانين، وقيل يرجع لتقدير الحاكم.
وممن له حق التعزير أيضا الوالد فله أن يعزر ولده، وليس للوالد أن يضرب ولده بعد البلوغ.
وممن له حق التعزير السيد لرقيقه سواء بالضرب أوالحبس أو غير ذلك، ولكن هذا كله دون تعسف أو ظلم، فالله تعالى مطلع على كل الأمور.
فعثمان رضي الله عنه له حق التعزير، حتى ولو عارضه الصحابة، والواقع أن أحدا من الصحابة لم ينكر عليه هذا الأمر.

ونستكمل في الحلقات المقبلة سائر الشبهات بإذن الله ، فلا تمل المتابعة واحتسبها عند الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق