الجمعة، 15 فبراير 2013

الحلقة السادسة ، حمى الحمى ونفى أبا ذر




سلسلة (استخراج الحق من بحور البهتان ، فيما يقال عن الثورة على عثمان)
جمع وترتيب
الشيخ أحمد جمعة

الحلقة السادسة
مطالب ثوريـة باطلـة (3)
حمى الحمى ونفى أبا ذر

4- عثمان رضي الله عنه أنه حمى الحمى:
معنى ( حمى الحمى ) أنه خصص جزءا معينا من الأرض لبعض الإبل لترعى فيها ومنع غيرها من الإبل
ثم قالوا: هذا الأمر بدعة من عثمان وقالوا: إنه خصصها لإبله وخيله.
والقولان باطلان.
أما قولهم أن عثمان رضي الله عنه ابتدع الحمى فهذا غير صحيح لإن الحمى كان موجودا في الجاهلية قبل الإسلام فقد كان الشريف في الجاهلية إذا نزل أرضاً في حيه جعل مدى عواء كلبه ملكاً له وحمى له، فحمى لخيله وإبله وسوائمه هذا المكان لا يشركه فيه غيره . فلما جاء الإسلام نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك واختص الحمى إبل الزكاة المرصدة للجهاد والمصالح العامة فقال صلى الله عليه وسلم " لا حمى إلا لله ولرسوله " رواه البخاري من حديث الصعب ابن جثامة في كتاب المساقاة وكتاب الجهاد من صحيحه ورواه أحمد في مسنده (4/71و73) من حديث الصعب بن جثامة أيضاً وقد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكاناً يسمى ( النقيع ) وهو " نقيع الخصمات " كما في مسند أحمد (2/19و155و157) من حديث أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم النقيع للخيل .

قال حماد بن خالد رواي هذا الحديث عن عبد الله بن عمر العمري : يا أبا عبد الرحمن خيله ؟ قال خيل المسلمين ( أي المرصودة  للجهاد ، أو ما يملكه بيت المال ) والنقيع هذا في المدينة على عشرين فرسخاً منها  ومعلوم أن الحال استمر في خلافة أبي بكر على ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأن أبا بكر لم يخرج عن شئ كان عليه الحال في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما وأن حاجة الجهاد إلى الخيل والإبل زادت عن قبل . وفي زمن عمر اتسع الحمى فشمل ( سرف ) و ( والربذة ) وكان لعمر عامل على الحمى هو مولى له يدعى هنياً وفي كتاب الجهاد من صحيح البخاري من حديث زيد بن أسلم عن أبيه نص وصية أمير المؤمنين عمر لعامله هذا على الحمى بأن يمنع نعم الأثرياء كعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وأن يتسامح مع رب الغنيمة ورب الصريمة ( الغُرَيْمَة من الشاة الْأَرْبَعُونَ شَاةً وَالصُّرَيْمَةُ مِنْ الْإِبِلِ من الْعِشْرُينَ إِلَى الْأَرْبَعِينَ ) لئلا تهلك ماشيتهما وكما اتسع عمر في الحمى عما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر لزيادة سوائم بيت المال في زمنه اتسع عثمان بعد ذلك لاتساع الدولة وازدياد الفتوح . فالذي أجازه النبي صلى الله عليه وسلم لسوائم بيت المال ومضى على مثله أبو بكر وعمر يجوز مثله لبيت المال في زمن عثمان ويكون الاعتراض عليه اعتراضاً على أمر داخل في التشريع الإسلامي و لما أجاب عثمان على مسألة الحمى عندما دافع عن نفسه على ملأ من الصحابة أعلن أن الذين يلون له الحمى اقتصروا فيه على صدقات المسلمين يحمونها لئلا يكون بين من يليها وبين أحد تنازع وأنهم ما منعوا ولا نحواً منها أحداً  . . وذكر عن نفسه أن قبل أن يلي الخلافة كان أكثر العرب بعيراً وشاة ثم أمسى وليس له غير بعيرين لحجه وسأل من يعرف ذلك من الصحابة : أكذلك ؟ قالوا : اللهم نعم . 

إذن فأصل الحمى سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والزيادة فيه سنة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أمر اقتضته الحاجة، وليس فيه أي تعارض مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ)، كما أن عثمان لم يضع فيها شيئا يخصه كما ذكرنا.


5-  قالوا: إن عثمان رضي الله عنه قد أجلى أبا ذر رضي الله عنه من الشام إلى الربذة.
ذكرنا قبل ذلك أن عبد الله بن سبأ ذهب إلى أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وكان زاهدا شديد الزهد فقال لأبي ذر رضي الله عنه: إن معاوية يقول: إن المال مال الله يريد بذلك أن يحجزه عن المسلمين.
ومعاوية رضي الله عنه قال هذه الكلمة ولكن ابن سبأ اليهودي أفهمها لأبي ذر على غير ما يراد بها فذهب أبو ذر رضي الله عنه إلى معاوية رضي الله عنه وقال له: تقول: المال مال الله؟
قال: نعم.
فقال له أبو ذر: المال مال المسلمين.
فقال له معاوية رضي الله عنه وكان معروفًا بحلمه الواسع: يرحمك الله يا أبا ذر ألسنا عباد الله، والمال ماله والخلق خلقه والأمر أمره؟ فقال أبو ذر: فلا تقله.
فقال له معاوية رضي الله عنه: لن أقول: إن المال ليس مال الله. ولكني أقول: المال مال المسلمين. وقال له أيضاً : إن الناس لا تطيق ذلك وهذا الأمر ليس بواجب.
وكان أبو ذر رضي الله عنه يمر على أغنياء الشام وعلى ولاة معاوية في أنحاء الشام ويقرعهم بقول الله عز وجل: [وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ] {التوبة:34}.
ويقول لهم: من امتلك أكثر من قوت يوم واحد فقد كنز المال ودخل تحت حكم هذه الآية.
وبلّغ معاوية رضي الله عنه هذا الأمر إلى عثمان رضي الله عنه.

فأرسل عثمان إلي أبي ذر فقال أبو ذر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أخرج منها إذا بلغ البناء سلعا. و( سلع ) مكان في أطراف المدينة لم يكن البناء قد بلغه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فالرسول صلى الله عليه وسلم الخبير بالرجال يعلم جيدا أنه إذا انتشرت الحضارة في المدينة ووصل الناس إلى هذه الدرجة من المعيشة فلن يستطيع أبو ذر أن يعيش بين الناس نظرا لطبيعة الورع والزهد التي يعيش عليها ويلزم نفسه بها ولو عاش بين الناس بهذا الأسلوب لأرهق نفسه وأرهقهم.
فقال عثمان لأبي ذر رضي الله عنه: فما الرأي؟
قال أبو ذر رضي الله عنه: أريد الربذة.
إذن فأبو ذر رضي الله عنه هو الذي أراد الخروج إلى الربذة.
قال عثمان رضي الله عنه: فافعل.أي أنه وافقه على ما يريد.

فخرج رضي الله عنه بإرادته واختياره وباقتراحه إلى الربذة ولم يكن هذا نفيا أو طردا كما ادعى أصحاب الفتنة وكما يدعى الشيعة بعد ذلك في كتبهم حتى هذا الوقت ووقع في ذلك الكثير من جهال المسلمين الذين ينقلون دون علم أو وعي ويؤكد على ذلك ما رواه عبد الله بن الصامت قال: قالت أم ذر: والله ما سير عثمان أبا ذر، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِذَا بَلَغَ الْبُنْيَانَ سَلْعَا فَاخْرُجْ مِنْهَا.) صححه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

ثم إن عثمان رضي الله عنه أعطاه إبلا وصرف له مملوكين وأجرى له رزقا وقد كان أبو ذر رضي الله عنه يتعاهد المدينة أي يأتي كل مدة لزيارة المدينة ولو كان منفيا ما كان له أن يدخل المدينة ثم إن الربذة لم تكن مكانا معزولا في الصحراء .يقول الحموي : كانت أحسن منزل في الطريق بين المدينة ومكة وكانت تبعد عن المدينة ثلاثة أميال فقط وبنى فيها مسجدا وبناء المسجد يدل على أنه رضي الله عنه لم يكن يعيش بمفرده في هذا المكان.
فالأمر إذن لم يكن عزلا أو نفيا أو طردا كما يزعمون ولكنها الحرب للإسلام وأهله

فائدة ( 1 ):
كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: ما أديت زكاته فليس بكنز.
والقاعدة الشرعية تقول: إنه لا حد للمسلم في الثروة وللمسلم أن يمتلك ما استطاع أن يمتلكه لكن بشروط :
1-    أن يكون هذا المال من حلال
2-    أن يُنفق هذا المال في الحلال
3-    لا ينفق المال بإسراف ولا تبذير ولا سفه
4-    أن يؤدي زكاة المال إذا حال عليه الحول وبلغ النصاب
ولا إنكار لحال أبي ذر رضي الله عنه فمن الخير أن يزهد الإنسان في الدنيا قدر ما يستطيع بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحض على هذه الدرجة من الزهد فكان صلى الله عليه وسلم ينام على حصير حتى يظهر أثر ذلك على جسده الشريف وكان يربط على بطنه الحجر والحجرين من الجوع وكان لا يوقد في بيته نار ثلاثة أهلة أي شهرين كاملين وكان أبو بكر رضي الله عنه كذلك وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كذلك وكثير من الصحابة رضي الله عنهم كانوا على هذا القدر من الزهد والورع ولو أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل الله له جبل أحد ذهبا لجعله كذلك كما ورد في الصحيح وكما كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَا لِي وَالدُّنْيَا.
فلا ننكر على المسلم إذا اجتهد في جمع المال بشروطه السابقة ولا أحد ينكر فضل الغنى الذي كانت عليه أمنا خديجة رضي الله عنها وما كان عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه وفضل أبي بكر رضي الله عنه وفضل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فقد كانت أموالهم نصرة للدعوة الإسلامية .
وهذه ليست دعوة للمسلم  أن يترك الدين ويضيع ما يجب عليه من فرائض في سبيل جمع المال بل هو التوازن والتوسط في أن يقسم المسلم وقته بين العبادة من صلاة وتعليم للغير وجهاد في سبيل الله وبين التكسب للعيش وليجعل نيته في العمل أن يعف نفسه وأهله ويكفيهم من الحلال وأن ينفق على الإسلام والمسلمين وليس الإنفاق هذا على المسلمين وعلى الدعوة الإسلامية فضلا منه وتفضلا بل إنه مما ينبغي عليه أن يفعله دون مَنّ ولا أذى وأن هذا المال إنما هو مال الله استخلف عليه عبده ليرى ماذا يفعل فيه.

فائدة ( 2 ):
يزعم الاشتراكيون أن أبا ذر هو زعيمهم في الإسلام لأنه قال بتوزيع الثروة...!!!!!!!
وحاشا لله أن يكون أبا ذر من الاشتراكيين فضلا عن أن يكون زعيما لهم...
لقد كانت نية أبي ذر رضي الله عنه الزهد في الدنيا وعدم الرغبة فيها وأن يكون الناس جميعا مما ينفقون أموالهم في سبيل الله ولم يكن يقصد رضي الله عنه أن يتم توزيع الثروات بين الناس مساواة ومن يعمل كمن لا يعمل .

ونستأنف في الحلقة المقبلة إن شاء الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق