الاثنين، 18 فبراير 2013

الحلقة الثامنة، أبطل القصر في السفر وولى أقاربه



سلسلة (استخراج الحق من بحور البهتان ، فيما يقال عن الثورة على عثمان)
جمع وترتيب
الشيخ أحمد جمعة

الحلقة الثامنة
مطالب ثوريـة باطلـة (5)
أبطل القصر في السفر ، وولى أقاربـه

8- يقولون إن عثمان رضي الله عنه أبطل سنة القصر في السفر.

لما حج عثمان رضي الله عنه في سنة 29 هـ أتمّ الصلاة في منى ومن المعلوم أنّ من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقصر الصلاة في السفر ولم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتمّ الصلاة في أي سفر وأمير المؤمنين عثمان جاء من المدينة إلى مكة أي هو على سفر .
واعترض عليه بعض الصحابة كعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم جميعًا ، فذهبوا ليناقشوه وكان هذا دأب الصحابة ألا يصمتوا على شيء يرونه خطأ أو مخالفا لهدي النبي صلى عليه وسلم فكيف يعقل أن يكونوا قد صمتوا على كل هذه الأخطاء الأخرى التي نسبها المنافقون لعثمان! ، ذهبوا ليناقشوه فكان عنده ثلاثة أسباب:
 قال عثمان رضي الله عنه مفسّرًا سبب إتمامه للصلاة: لقد تأهّلت بمكة أي( تزوجت بها ) ( وعليه فقد أصبح من أهل مكة).
فقال عبد الرحمن بن عوف: ولك أهل بالمدينة وأنت تقوم حيث أهلك بالمدينة.
فقال عثمان بن عفان: وإن لي مالًا في الطائف.
فقال عبد الرحمن : إن بينك وبين الطائف ثلاث. أي ثلاثة أيام سفر فلا تُعتبر بلدك.
فقال عثمان: وإن طائفة من أهل اليمن قالوا: إن الصلاة بالحضر ركعتان.( أي أن بعض الأعراب من أهل البادية البعيدين عن العلم والفقه ظنوا أن الصلاة ركعتان في الحضر والسفر) فربما رأوني أقصر في الصلاة فيحتجون بي.
فقال عبد الرحمن بن عوف: قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي والإسلام في الناس يومئذ قليل وكان يصلّي هاهنا ركعتين وكان أبو بكر يصلي هاهنا ركعتين وكذلك عمر بن الخطاب وصليت أنت ركعتين صدرًا من إمارتك.
فسكت عثمان بن عفان رضي الله عنه ثم قال: إنما هو رأي رأيته. (أي اجتهاد اجتهدته بناء على هذه الأسباب)

ثم خرج عبد الرحمن بن عوف من عند عثمان بن عفان فالتقى مع عبد الله بن مسعود فخاطبه في ذلك وأخبره بما دار بينه وبين عثمان رضي الله عنه فقال عبد الله بن مسعود:لقد صليت بأصحابي اثنتين ثم علمت أنه صلّى بأصحابه أربعًا فصليت أربعًا فالخلاف شرٌّ.
فقال عبد الرحمن بن عوف: قد بلغني أنه صلى أربعًا فصليت بأصحابي ركعتين أما الآن فسوف يكون الذي تقول.( أي سأصلّي أربعًا ) . حتى لا يكون هناك خلاف بينهم.

القضية إذن قضية اجتهاد فقد اجتهد عثمان رضي الله عنه في هذه الأمر وإن كان الأولى هو القصر في السفر كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يتم صلاة قط في سفر إلا أن الأمر كان موضع اجتهاد ووافقه الصحابة لتجنب الخلاف ولو كان حرامًا لما وافقه الصحابة رضي الله عنهم جميعًا.

فإن كان عثمان رضي الله عنه قد أخطأ في اجتهاده هذا فله أجر واحد وإن كان أصاب فله أجران .
وعلى كل حال هل هذا الأمر مما تُستباح به الدماء ولاسيما دم طاهر كدم ذي النورين  ؟؟؟؟



*فائدة*
 إن الناظر فيما فعله عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما وقول ابن مسعود: (الخلاف شر ) يستنتج قاعدة عظيمة ألا وهي : ( إن الحق واحد ) وهذا على عكس ما يردده بعض الناس: اختلاف أمتي رحمة. والأدهى من ذلك يقولون إن (اختلاف أمتي رحمة ) حديث نبوي ولقد قال الألباني رحمه الله عنه في السلسلة الضعيفة جـ1: ( لا أصل له )
واعلم أن الخلاف نوعين : خلاف سائغ ( تنوع ) وخلاف غير سائغ ( تضاد )
فأما الخلاف سائغ ( تنوع ) فهو :
1- ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقًا مشروعًا
2-  ما يكون كل من القولين هو في معنى القول الآخر لكن العبارتين مختلفتان
3- ما يكون المعنيان غيرين لكن لا يتنافيان .. فهذا قول صحيح وهذا قول صحيح
وأما الخلاف غير السائغ ( المذموم ) هو ما خالف نصًّا من كتاب أو سنة أو إجماعًا أو قياسًا جليًّا . وبهذا يتضح لنا جلياً أنه لا مكان عند أهل العلم لمقولة ( وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلف فيه )

9- قالوا إن عثمان يولي أقاربــه...

ويقصدون بالذات:- أنه ولّى معاوية بن أبي سفيان وكان قريبًا له.
-  أنه ولّى عبد الله بن عامر بن قريظ على البصرة، وهو من أقاربه.
- أنه ولّى مروان بن الحكم وكان قريبًا له.

بداية لابد من تأصيل شرعي لتكليف شخص ما لمهام الإدارة على جميع مستوياتها :
إن التكليف الإداري لابد من توفر أربعة شروط :
1-    الحفظ            2- العلم                   3- القوة          4- الأمانة
وهذه الشروط الأربعة تتلخص في اصطلاح ( الكفاءة)
أما عن الشرطين الأول والثاني فقد جاءا في قوله تعالى(قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) [يوسف:55]  وكما يقول الفخر الرازي رحمه الله: ولم يقل إني حسيب نسيب فصيح مليح (التفسير الكبير1/482)
وأما عن الشرطين الثالث والرابع فقد جاءا في قوله تعالى حكاية عن ابنة شعيب: ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ) [ القصص:26 ] يقول النسفي (لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان الكفاية والأمانة في القائم بأمرك فقد فرغ بالك وتم مرادك وقيل:القوي في دينه الأمين في جوارحه( (تفسير النسفي3/38)
وبالطبع توجد ضوابط فرعية لا غنى عنها مثل مراعاة التخصص والأهلية ... وفي السنة المطهرة نماذج من اختيارات النبي صلى الله عليه وسلم لأمور الجهاد والولايات وغير ذلك مما يدلل على ما قلناه سابقاً .
وعليه فإن الكفاءة حينما تتوفر في أي شخص سواء من الأقارب أو غيرهم فيجب إسناد الولاية لهذا الكُفء
ويترتب على ما سبق عدم مخالفة سيدنا عثمان للشرع في توليته بعض أقاربه الأكفاء ، وهل يحرم الأمة من كفائتهم لأنهم أقاربه؟! ..وتأمل معي ما يلي جيدا:

-       كان معاوية رضي الله عنه يكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم  أي كان الرسول صلى الله عليه وسلم
يأتمنه على وحي السماء وفي عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ارتضاه أبو بكر خليفة لأخيه يزيد بن أبي سفيان على الجيش لحرب الروم في الشام وفي عهد عمر رضي الله عنه ولّاه عمر رضي الله عنه على حمص ثم ولاّه الشام بالكامل وكما هو معروف عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان شديد الدقة في اختيار الأمراء وكان لا يتردد في عزل أحد حتى وإن كانوا من قدامى الصحابة كما عزل سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه وأرضاه
وبعد وفاة عثمان رضي الله عنه قال سعد بن أبي وقاص: ما رأيت أحدًا بعد عثمان أقضى بحقٍ من صاحب هذا الباب وأشار إلى باب معاوية في خلافة معاوية.
وقال حبر الأمة عبد الله بن عباس: ما رأيت رجلًا أخلق بالملك من معاوية.

-       وأما عبد الله بن عامر فأبوه من بني أمية وأمه من بني هاشم
ويُعدّ عبد الله بن عامر من أشهر الفاتحين في الإسلام فقد فتح خراسان كلها وأطراف فارس وساجستان وأعاد فتح كرمان بعد نقضها للعهد وكان هذا الجهاد سببًا في تقويض آمال المجوس في استعادة ملكهم ومن ثَمّ يكنّون له هذا الحقد العظيم في نفوسهم وعندما انطلق الشيعة من تلك الأراضي أخذوا يطعنون في من قوضوا ملك فارس من أمثال المجاهد عبد الله بن عامر بن قريظ الذي فعل هذا ولم يكن يبلغ من العمر سوى خمسة وعشرين سنة قال ابن كثير في البداية والنهاية:(هو أول من اتخذ الحياض بعرفة لحجاج بيت الله الحرام وأجرى إليها الماء المعين.)
وقال ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة: إن له من الحسنات والمحبة في قلوب الناس ما لا يُنكر.

-       وأما مروان بن الحكم فهو لم يُولّ قط وإنما كان عثمان رضي الله عنه يستشيره في كثير من الأمور وكان
يقربه إليه ولم يولّه إمارةً من الإمارات فقد كان مروان رجل عدل من كبار الأمة عند الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين.

إن هذا الحقد تجاه بني أمية لم يتولد من فراغ فقد كان بنو أمية من أكبر القبائل العربية الموجودة في ذلك الوقت وكان فيهم الكثير والكثير من أهل الحكم والولاية وكان فيهم شرف وسؤدد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوليهم بنفسه في كثير من الأمور فبعد أن فُتحت مكة ولّى عليها عتاب بن أسيد الأموى وكان عمره لا يتجاوز العشرين سنة وولّى صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب الأموى على نجران وولّى خالد بن سعيد بن العاص الأموى على صنعاء واليمن وصدقات بني مذحج وولّى عثمان بن سعيد بن العاص الأموى على تيماء وخيبر وقُرى عرينة وولّى إبان بن سعيد بن العاص الأموى على البحرين وقد استعمل بني أمية بعد ذلك الصديق أبو بكر والفاروق عمر رضي الله عنهما وزاد عمر رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان ومعاوية بن أبي سفيان .

بنو أمية لا يستطيع أحد أن ينكر فضلهم فهم الذين ثبتوا دعائم الدولة الإسلامية ونشروا الإسلام في بقاع كثيرة.

إن المتتبع لسيرة عثمان رضي الله عنه وأقاربه يجد أنه لم تمنعه من إقامة الحدود عليهم أو عزلهم إن أذنبوا فقد أقام حد الخمر على الوليد بن عقبة – رضي الله عنه – وعزله عن الكوفة كما أنه عزل سعيد بن العاص – رضي الله عنه – عن الكوفة حين أخرجه منها بعض أهلها وعين عليهم من يحبون !

وأيضاً حينما نتتبع الولاة في عهد الخليفة ذي النورين فإننا نجد أن عددهم يزيد عن الخمسين والياً في حين بلغ عدد أقرباء عثمان رضي الله عنه من أولئك الولاة  ثمانية ولاة فقط !! ناهيك عن كون أغلب القضاة وقادة الجيوش والجند لم يكونوا من بني أمية في عهد كان القضاء أقوى فيه من الوالي والجيوش الفاتحة تنتشر في الأرض فأيهما أولى!

ثم إن علياً رضي الله عنه لما تولى الخلافة كان بعض ولاته من أقاربه فولّى ابن عباس على البصرة وعبيد الله بن عباس على اليمن وقثماً ومعبداً ابني العباس على مكة والمدينة وجعدة بن هبيرة (وهو ابن أخته أم هانئ بنت أبي طالب) على خراسان ومحمد بن أبي بكر (وهو ابن امرأته وأخو ولده) على مصر) ، ولا ينكر أحد عليه ذلك لأن المعيار هو الكفاءة.

ونستأنف في الحلقات المقبلة إن شاء الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق