السبت، 28 يوليو 2012

الجزء الخامس ، والكنز المفقود


أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ
الجزء الخامس ، والكنز المفقود
معتز عبد الرحمن
من المعاني الغالية التي نتعلمها في الجزء الخامس معنى طالما افتقدناه في حياتنا عموما وفي الأشهر الماضية خصوصا، وكان لفقدانه دور كبير في تردي الأحوال والعلاقات ، وإساءة الكثيرين لأنفسهم ولإخوانهم ولتياراتهم المختلفة بل ولدينهم العظيم ، في الجزء الخامس آيات جليلة نزلت لتعلمنا درسا يرتقي بالنفوس والأرواح ويضرب مثلا في مكارم الأخلاق التي يتميز بها الإسلام تميزا عظيما.

القصة هي قصة بني أبيرق وسرقة الطعام والدرع من بيت رفاعة بن النعمان .. فقد سرق بشير بن أبيرق الدرع وألقيت التهمة على رجل من اليهود يقال له: زيد بن السمين ، وكانت الأدلة الجنائية كلها ضد اليهودي ، فالدرع كان منغمسا في وسط طعام – دقيق على ما أذكر- ولما شعر السارق بالخطر ألقاه في بيت اليهودي فدلت آثار الدقيق على بيته ، وبالفعل وجدوه عنده ، فجاء اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم يهتفون ، وجاء المسلمون من الأنصار يدافعون عن بني أبيرق ، وكاد حكم النبي صلى الله عليه وسلم يميل ضد اليهودي نظرا لتوافر الأدلة ، فأنزل الله جل جلاله آيات من القرآن الكريم تتلى ويتعبد بها إلى يوم القيامة ، ليبرئ اليهودي من التهمة ويثبتها على ذاك السارق من المسلمين ، قال تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)).

 ينزل القرآن الكريم الذي طالما وصف اليهود بأنهم أشد الناس عداوة للمؤمنين ، وأنهم قتلة الأنبياء ، وأنهم كافرين بالله مخلدين في جهنم ، ليبرأ يهوديا عندما تم اتهامه بتهمة لم يقم بها بل وأثبتها على المسلم الموحد لأنه الفاعل الحقيقي ، فقضية العدالة لا ينبغي أن تمس أو تتأثر أبدا لا أقول بأهواء شخصية بل حتى بالصراع بين الحق والباطل ، فالباطل يهاجم ويحارب ويحاسب فقط على ما فيه ولا نقبل أن يعاقب عقابا زائدا على شيء لم يفعله ، وفي الجزء الخامس أيضا قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)).
نتعلم من الآيات:
1-    الانصاف مع العدو والحبيب ، والعدل عند الغضب والرضا ، وعدم التحفز والتسرع في نسبة الشرور للخصوم ، فمن بيننا من سمع شرا عن أحد يحبه أعطاك محاضرات في التأني والتثبت ، وإذا سمع شرا عن خصم فكري أو سياسي أو حتى غير مسلم سارع في النشر على الفور دون أدنى تأني أو تثبت.

2-    (أنا وأخويا على ابن عمي ، وأنا وابن عمي على الغريب) مبدأ لا أصل ولا وجود له في مبادئنا ، إذ أن الصواب (أنا والحق على أي حد ولو كان نفسي) هذا ما تعلمناه من الإسلام وما أوضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تحدث عن نصرة الأخ ظالما أو مظلوما ، ولله درهم الصحابة الذين تعجبوا من ظاهر النص الذي يبدو مخالفا لما تعلموه من النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان مقاربا مرضيا للأهواء البشرية فسارعوا بالاستفسار ليعلمهم معلم البشرية الأول وأعدل من مشى على الأرض (انصر أخاك ظالما أو مظلوما . فقال رجل : يا رسول الله ، أنصره إذا كان مظلوما ، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره ؟ قال : تحجزه ، أو تمنعه ، من الظلم فإن ذلك نصره ) صحيح البخاري.

3-    جعل الإسلام مظلة من الرقابة الأخلاقية والمجتمعية كي تعالج آثار النقص البشري في التحقق والتثبت في الأمور الجنائية والمحاكمات ، فهنا كانت الأدلة كلها ضد اليهودي ، ولكن المسلمين الذي يخشون ربهم ويتقونه لا يتعاملون بهذا الجفاف الروتيني الإجرائي أبدا ، فعلم الإسلام المسلمين أخلاقا وأمرهم بأوامر تجعل من الضمير الحي والإيمان القوي والخلق القويم حماية للمظلوم من جور الأدلة وبلاغة المحامين ، وجاء الوعيد هنا في الآيات قاسيا والأوصاف رادعة لا يتحملها مؤمن (اقرأ الآيات مرة أخرى بتأني) ، وفي ذلك أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما أنا بشر ، وإنه يأتيني الخصم ، فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض ، فأحسب أنه صدق ، فأقضي له بذلك ، فمن قضيت له بحق مسلم ، فإنما هي قطعة من النار ، فليأخذها أو فليتركها ) صحيح البخاري.

4-    من النقطة السابقة ومن خاطرة (الجزء الثاني) نعود لنؤكد أن الإسلام كلٌ لا يتجزأ ، فمن الخطأ الاهتمام ببناء الإيمانيات والأخلاقيات الإسلامية وترك أحكام الشريعة الإسلامية في أمور الحكم والدولة ، ومن الخطأ أيضا الاهتمام بقضية تطبيق الشريعة والحدود والاهمال في الدعوة وتربية الإيمانيات والأخلاقيات ، وبين الأثنين تخرج أجيالا من أنصاف المسلمين لا تصنع نصرا ولا تبني حضارة.

5-    وأخيرا علم ربنا تبارك وتعالى رسوله الكريم في الآية الأخيرة أنه لا يمكن أن يثبت ويهتدي دون عون الله وتوفيقه وفضله ورحمته ، فإذا كان هذا هو النبي صلى الله عليه وسلم فما بالنا بنا نحن المساكين! فلا تتوقفوا عن طلب الهداية والثبات على الحق من الله ، ولا تأمنوا على أنفسكم الفتن ، وبادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم ، وتعرفوا على الله في الرخاء يثبتكم في الشدائد ، اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك ، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق