السبت، 28 يوليو 2012

الجزء الثامن ، ارفع راسك فوق


أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ
الجزء الثامن
ارفع راسك فوق
معتز عبد الرحمن
وأنا أتأمل الجزء الثامن والذي يحوي خواتيم سورة الأنعام وفواتح سورة الأعراف أول ما لفت نظري قوله تعالى كِتَابٌ أُنْـزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) {الأعراف-2} ، وقرأت في تفسيرها  ما مؤداه أن الله تبارك وتعالى يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بتبليغ كتابه بيقين لا يشوبه شك ، وبصدر منشرح غير ضيق دون أن يتحرج أو يخشى لومة لائم أو نقد ناقد، وذهبت على الفور لأتأمل قصص الأنبياء الواردة بالسورة لأرى كيف طبق أنبياء الله هذا المعنى الجليل في دعوتهم ، ولأرى كيف حقق الرسل الكرام الموعظة الحسنة دون تنازل ، واللين في التذكير دون انكسار ، وكيف أن الحكمة ليست مرادفة للذل وأن الرفق والحرص على نفع الناس لا يعني التنازل عن الثوابت.

 نعم لقد كانت دعوة الأنبياء كلها رفق تستشعره يفيض من لفظة (يا قوم) التي لم يفارقوها حتى بعد هلاك أقوامهم ومن قولهم (أخاف عليكم) التي جاءت على لسان نبي الله نوح في سورة الأعراف وعلى لسان الكثير من الأنبياء في سور أخرى ، حنان وحرص كبيران على المدعوين وعلى مصلحة الدعوة ولكن دون تفريط في عزة الرسالة وحامليها ، عندما هاجم الأقوام أنبياءهم بقولهم (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ،( إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) لم تأت الردود مهتزة خائفة متنازلة كمن يتحسس بطحة على رأسه بل جاءت (يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ  وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) ، لم يمنعهم الرفق والحرص عن إيضاح الحق بقوة وعن إبطال الباطل بوضوح (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَـزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)) ، ورغم الاستضعاف والقهر لم يحاول المستضعفون أن يقفوا في أي منطقة وسطى بين الحق والباطل أو أن يواربوا فيما يعتقدون (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ).

ما دفعني اليوم للوقوف مع لمحات بسيطة جدا وللتأمل في فاتحة سورة الأعراف وبعض آيات قصص الأنبياء فيها هو ما نراه اليوم من أناس ينتسبون لمجال الدعوة الإسلامية ويتحدثون باسمها ولا تكاد تعرف لهم ثوابت ولا أصول ، ثوابتهم وأصولهم لا تحددها الآيات والأحاديث ، ولكن يحددها المحاور والمنبر التي يتحدث منه ، فإذا كان محاوره إسلاميا وجدته إسلاميا ، وإذا كان محاوره ليبراليا وجدته ليبراليا ، وإذا كان يساريا رأيته يساريا ، وإذا كان مسيحيا.... ، لا تعرف حدود عقيدته ولا أهداف دعوته ، إذا كان كل الناس مسلميهم وغير مسلميهم على حق فيما يبدو من حديثك فلماذا وإلى ماذا تدعو ؟ وإذا كنت تستشعر أن الإسلام هـم تتوارى من القوم وأنت تدعو إليه وتتنازل عن ثوابته عند أول تجهم من مناظرك وتحت مجرد ضغط كلامي من مذيع أو كاتب أو سياسي فلماذا تتصدر مختارا للدعوة إليه ولما تتحمل من أجل ذلك الإيذاء في سبيله وتدعي الاستعداد للموت لأجله؟ إن ما يحدث من هؤلاء أمر عجاب ، يثير غيظ القلب وطيش العقل ، إن الاعتزاز بالإسلام لا يكون بالشعارات العامة ولا بالرايات والهتافات ولكن بالاعتزاز بكل حرف من تعاليمه والتمسك بكل مبدأ وحكم من مبادئه وأحكامه ، إننا لسنا أتباع دين ناقص ولسنا أصحاب بطحة على رؤوسنا ، فالإسلام هو الدين الكامل والحق المبين وهو تاج على رأس كل من آمن به واعتنقه ودعا إليه ، وإن لم يشعر المسلم بالفخر بدينه وإن لم يشعر بكمال العز وهو يجهر بالدعوة إليه رضا الناس أو غضبوا فليراجع دينه ونيته وإيمانه ، وأنا لا أتحدث عن أسلوب الدعوة وما ينبغي أن يكون عليه من رقة وحكمة وموعظة حسنة ولكن كما ذكرت عاليا فرق كبير بين الرقة في الأسلوب والتنازل عن المبدأ نفسه.

وآخر ما أتوقف معه في خاطرة اليوم هو تناسب خواتيم سورة الأنعام – أيضا في الجزء الثامن – مع فواتح الأعراف وما فيها من قصص الأنبياء والاعتزاز بالتوحيد والدعوة إليه ، يقول تعالى في سورة الأنعام (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)) الأنعام ، ثم يقول تبارك وتعالى آمرا إيانا بالاعتزاز بالإسلام والفخر والجهر به (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)).
تدبر في الجزء الثامن ، وارفع راسك فوق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق