الأحد، 29 يوليو 2012

الجزء الحادي عشر،نـداء إلى ركاب السفينـة


أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ
الجزء الحادي عشر
نـداء إلى ركاب السفينـة
معتز عبد الرحمن

مثال متكرر في كتاب الله يلفت الانتباه إلى أحد طبائع النفس البشرية عندما تفتقد كمال الإيمان واليقين ودوام الصلة بالله ، نراه في حياتنا كل يوم لا أقول ممن حولنا فقط ولكن للأسف أيضا من أنفسنا ، هو ذلك العاصي إذا مات صديقه فيتأثر لأيام ويعود أدراجه ، وهو ذلك الغافل إذا أبتلي بالمرض فيدعو وينتحب ثم تعود غفلته مع صحته في ساعة واحدة ، هو ذلك الطالب الذي لا يعرف طريق المساجد إلا أيام الامتحانات ، هي تلك الفتاة التي لم تعرف المصحف وحلاوة الدعاء إلا عندما تأخر الزواج ، هو ذلك الراكب التي تضطرب به الطائرة فيستغيث ، ويفاجأ بعدم وجود مكابح سيارته فيتوسل ، وتغشى سفينته الأمواج فيقول ومن معه (لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ).

يتعامل الكثيرون مع مثال السفينة الوارد كثيرا في كتاب الله تعاملا قاصرا ، فليس الأمر يخص ركوب البحر وحسب ، بل إنه يخص حياتنا كلها بكل مواقفها ودقائقها ، يخص كل من ينسيه الرخاء ذكر ربه ، ولا يستيقظ قلبه إلا في الشدائد ، وياليته احتفظ به يقظا ولكنه سرعان ما يعود كما كان عند انقضاء البلاء ، يقول الله تعالى في سورة يونس (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)).

1-    بدأت الآية بذكر البر والبحر مذكرة إيانا بأننا في كل وقت وفي كل موضع لا غنى لنا عن ربنا تبارك وتعالى ، أذكر تلك القصة التي قالها أحد الدعاة أنه كان في طائرة فلما أقلعت فوجئ بجاره في المقعد يقول (بس ، دلوقتي مبقاش لينا حد غير ربنا) ، وكأنه حينما كان على البر كان هناك من يمنعه من الله ، فجاءت بداية الآية تذكيرا لمثل هذا من أصحاب الرؤية القاصرة ، وكذلك في سورة الإسراء (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا (68)) ، إذن فأنت في خطر دائم واحتياج متصل لربك وإن ظننت بظاهر الأسباب غير ذلك ، أنت في السفينة دوما فلا ينقطع رجاؤك وتعلقك بربك.

2-    ياله من نداء مخيف ، نداء إلى ذلك العابد الموسمي ، إلى صاحب الإخلاص المؤقت واليقظة المرحلية ، إلى ذلك الغافل عن ديمومة احتياجه لربه في الشدة والرخاء ، في المحنة والمنحة ، يقول ربنا (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)) ، فالله هو الغني ونحن الفقراء إليه ، لم يزده إخلاصنا في المحنة شيئا ، ولم يضره بغينا في المنحة شيئا ، فيا ركاب السفينة أدركوا أنفسكم وأنقذوا أنفسكم من غضب الحليم الغني تبارك وتعالى ، اعرفوا قدركم ، واقدروا الله حق قدره ، قبل أن تعودوا إليه فينبئكم بما كان يحصيه عليكم من أعمالكم وقت لا ينفع الندم ولا يفيد البكاء (يا عبادي ! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني . ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم . كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم . ما زاد ذلك في ملكي شيئا . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم . وإنسكم وجنكم . كانوا على أفجر قلب رجل واحد . ما نقص ذلك من ملكي شيئا . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم . وإنسكم وجنكم . قاموا في صعيد واحد فسألوني . فأعطيت كل إنسان مسألته . ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر . يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم . ثم أوفيكم إياها . فمن وجد خيرا فليحمد الله . ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) رواه مسلم.

3-    كنت أتعجب وأنا أقرأ في سورة الأنعام (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)) كنت أقول من ذا الذي يرى القيامة بنفسه ويرى الجنة والنار وإذا ما عاد للدنيا يعود لكفره ومعصيته !! ولكن سبحان الله الذي لا يظلم أحدا ، فمثال السفينة الذي يتكرر في حياتنا مرات ومرات هو مثال مصغر لذلك ، يرى الناس الموت ويرون الهلكة ويرون الفقر ويرون المرض ويرون كل ما يدفعهم للاستغاثة بالله والخضوع له والتفاني في طاعته ، يقطعون العهود والمواثيق على أنفسهم إذا فرج الله عنهم ليكونُن من الشاكرين (ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ) {الروم-33} ، نعوذ بالله العظيم.

اللهم ارزقنا طاعتك في الرخاء والشدة ، اللهم إنا نعوذ بك من الفحشاء والمنكر والبغي ، اللهم ارزقنا إيمانا ويقينا دائمين في البر والبحر ، في الصحة والمرض ،  في الغنى والفقر ، نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق